جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد

يفخر بخلفيته العسكرية وجذوره الأفريقية

جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد
TT

جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد

جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد

«ليز تفوز» تغريدة من كلمتين أعلن بها وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي فوز زميلته في حزب المحافظين، ورئيسته الجديدة، بسباق رئاسة الحكومة.
لم يكن تعيين كليفرلي، الذي كان يشغل منصب وزير التعليم قبل أسبوعين فقط، على رأس وزارة الخارجية قراراً مفاجئاً. فقد عمدت ليز تراس، رئيسة الحكومة الجديدة، إلى مكافأة النواب الموالين لها، الذين دعموا حملتها في وجه منافسها المحافظ ريشي سوناك؛ وكان كليفرلي في المقدّمة.
إلا أن أيامه الأولى في المنصب لم تسِر وفق ما خطّط له. فبعد يومين من تعيينه كبيراً للدبلوماسيين البريطانيين، توفيت الملكة إليزابيث الثانية بعد إمضاء 70 عاماً على العرش. وبعد 3 أيام، وجد نفسه بين أعضاء «مجلس العرش» الذي نصّب تشارلز الثالث ملكاً جديداً على المملكة المتحدة. وعقب ذلك بساعات، توجّه كليفرلي إلى إحدى قاعات قصر باكنغهام، ليمثّل الحكومة البريطانية في لقاءات جمعت العاهل الجديد بممثلين عن دول الكومنولث.
دخل كليفرلي، البالغ 53 عاماً، معترك ويستمنستر السياسي في عام 2015، وتسلم عدة مناصب وزارية، تُوّجت هذا الشهر بثاني أهم حقيبة في الحكومة.
فمن هو وزير الخارجية البريطاني الجديد؟ ما أولوياته؟ وما علاقته بالعالم العربي؟
- النشأة والخدمة العسكرية
كان رئيس سيراليون، جوليوس مادا بيو، بين أوّل مهنّئي كليفرلي على تعيينه في حكومة تراس. وكانت لهذه التهنئة رمزية خاصة، إذ حملت إشارة إلى أصول والدته التي يفتخر بها وزير الخارجية البريطاني الجديد. وقال الرئيس إن «تعيينك سيلهم الملايين من السيراليونيين الذين يرونك ابناً لهذا البلد. يحتفي السيراليونيون معك، ويتمنون لك التوفيق في دورك الجديد. لا شكّ أن والدتك الراحلة إيفلين سونا كليفرلي (...) فخورة بإنجازاتك».
وُلد كليفرلي في 4 سبتمبر (أيلول) 1969 بمدينة لويشام في لندن، لوالد بريطاني يدعى جيمس فيليب، عمل مسّاح أراضٍ، ووالدة من سيراليون تدعى إيفلين سونا، عملت ممرضة.
تلقى كليفرلي تعليمه في مدرستي ريفرستون وكولف الخاصتين، وكلاهما في «لي غرين» بلندن. ثم انضمّ إلى الجيش، إلا أنه حُرم من مسيرة عسكرية كاملة بسبب إصابة في الساق عام 1989. التحق بعد ذلك بكلية الفنون التطبيقية في غرب لندن؛ حيث حصل على بكالوريوس في إدارة الضيافة، والتقى سوزانا سباركس التي تزوج منها عام 2000. وأنجبا ولدين، هما فريدي وروبرت.
بعد تخرجه، بدأ كليفرلي مسيرة مهنية في قطاع النشر الورقي والرقمي. والتحق بشركة «إنفورما» مديراً للمبيعات الدولية عام 2002. وفي 2004 انضم إلى شركة «كريمسون» للنشر مديراً للإعلانات، ثم أصبح عام 2006 مديراً للتجارة الإلكترونية في شركة «كاسبيان». وفي 2007 شارك في تأسيس شركة «بوينت آند ثاير» للنشر على الإنترنت، التي أعلنت إفلاسها عام 2008، وتم حلّها عام 2011.
ورغم إصابته في نهاية الثمانينات، انضمّ كليفرلي إلى جيش الاحتياط البري البريطاني عام 1991. وتم تكليف كليفرلي في الجيش بصفته ملازماً ثانياً في 6 أكتوبر (تشرين الأول) ، وأصبح ملازماً ثانياً فنياً في يناير (كانون الثاني) 1993. وتمّت ترقيته إلى رتبة ملازم أول في 6 أكتوبر 1993، ثم إلى رتبة نقيب في 26 مايو (أيار) 1998، وإلى رتبة رائد في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2003.
وحتى عام 2005، كان قائد بطارية 266 التابعة لبطارية المدفعية الملكية، ثم تمّت ترقيته إلى رتبة عقيد في الأول من مارس (آذار) 2015.
- صعود سريع
خاض كليفرلي أولى تجاربه السياسية عام 2007، عندما فاز بمقعد في مجلس لندن. وفي عام 2009 عيّنه رئيس بلدية العاصمة البريطانية بوريس جونسون سفيراً للشباب، وأصبح منذ ذلك الحين حليفاً وثيقاً له.
وفي عام 2015، انتخب جيمس كليفرلي في البرلمان للمرة الأولى ممثلاً عن دائرة برينتري في إيسيكس، شمال شرقي العاصمة. وقدّم نفسه عام 2016 مدافعاً عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ومقراً بالتعقيدات التي قد ترافق عملية «الطلاق». ورغم التحديات، رأى كليفرلي أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، هو أقل ضرراً من التراجع عن تنفيذ «بريكست».
وأعيد انتخاب كليفرلي نائباً عن دائرته في الانتخابات العامة المبكّرة لعام 2017 بغالبية 62.8 في المائة. وأصبح نائباً لرئيس حزب المحافظين عام 2018، ثم وزير دولة في الوزارة المعنية بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
رشّح كليفرلي نفسه لخلافة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في 29 مايو 2019 ليسحب ترشحه في 4 يونيو (حزيران) مقراً بأنه لا يحظى بدعم عدد كافٍ من النواب للصمود في انتخابات حزب المحافظين.
- ولاء ثابت
شهدت مسيرة كليفرلي السياسية قفزة نوعية عقب انتخاب بوريس جونسون رئيساً لحزب المحافظين والحكومة، انتقل خلالها من سياسي مجهول نسبياً لدى غالبية البريطانيين إلى وزير للخارجية.
عُيّن كليفرلي عام 2019 رئيساً مشاركاً للحزب، إلى جانب بن إليوت، ثم حصل في 13 فبراير (شباط) على منصب وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واستمر في هذا المنصب المندرج تحت وزارة الخارجية حتى 8 فبراير 2022، وقام خلال هذه الفترة بزيارات لدول عربية؛ استمتع خلالها «بوجبات عربية شهية» وتعلّم بعض الكلمات العربية الدارجة، كما قال لـ«الشرق الأوسط» في حديث سابق.
وقبل أيام من شنّ روسيا حرباً على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، تسلّم كليفرلي منصب وزير الدولة لشؤون أوروبا وأميركا الشمالية. ولم يتأخّر عن المساهمة في دفع جهود حكومته لحشد الدعم لأوكرانيا، وفرض أكبر حزمة عقوبات غربية على روسيا.
وبخلاف رئيس الحكومة ووزيري الخارجية والدفاع، لم يزر كليفرلي أوكرانيا، إلا أنه اتّخذ خطاً صارماً ضد موسكو منذ بداية الحرب، وأدان خلال جولة أميركية وزيارة إلى إستونيا «الفظائع» التي تمارسها روسيا بحق الأوكرانيين.
وأثار دور كليفرلي في إدارة الأزمة الأوكرانية انتقادات واسعة، إذ واجه برنامج اللجوء عدّة تحديات عند إطلاقه، وتأخّر في النظر بآلاف الطلبات.
وكان كليفرلي وفياً لبوريس جونسون حتى إعلان الأخير استقالته في 7 يوليو (تموز) الماضي، ودافع عن أدائه رئيساً للحكومة رغم التجاوزات التي اتُّهم بها خلال فترة إغلاقات «كورونا». وقال كليفرلي متحدّثاً عن رئيس الحكومة السابق: «عملت معه لسنوات، لقد دعمته وما زلت أعتبره سياسياً رائعاً». وبينما قدّم عشرات المسؤولين استقالتهم من حكومة جونسون، رفض كليفرلي سحب ثقته من رئيس الوزراء السابق. وكافأ جونسون حليفه بمنصب وزير التعليم في حكومة لتصريف الأعمال، الذي شغله حتى 5 سبتمبر.
وانتقل هذا الولاء إلى ليز تراس، التي شغلت منصب وزيرة الخارجية في حكومة جونسون. ورأى كليفرلي أن سياسات تراس الاقتصادية ستنجح في إخراج البلاد من أزمة غلاء المعيشة الأسوأ منذ عقود.
وفي 6 سبتمبر، أصبح كليفرلي وزيراً للخارجية في واحدة من أكثر الحكومات البريطانية تنوعاً، إلى جانب وزيرة الداخلية سويلا برافرمان المولودة في الهند، ووزير الخزانة كوازي كوارتنغ المنحدر من جذور غانية.
تولّى كليفرلي منصبه بينما تمرّ البلاد بظروف اقتصادية وسياسية عصيبة. فبالإضافة إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا والعلاقات المتوترة بشكل متزايد مع الصين، سيتعيّن عليه إدارة الخلافات المتصاعدة مع الاتحاد الأوروبي بشأن وضع آيرلندا الشمالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
- بريطانيا العالمية
تبنّى كليفرلي شعار «بريطانيا العالمية» بعد بريكست، ملتزماً «استعادة» مكانة بلاده على الساحة الدولية بعد «تحررها» من قيود الاتحاد الأوروبي.
يعوّل كليفرلي على الخبرة التي اكتسبها في وزارة الخارجية خلال السنتين الماضيتين، وزيراً لشؤون الشرق الأوسط ثم أوروبا وأميركا الشمالية. وفيما لم يعلن بعدُ عن أولويات وزارته، احتراماً لفترة الحداد الوطني بعد وفاة الملكة، لا شكّ أنها ستندرج في إطار السياسات الخارجية التي اعتمدتها ليز تراس، عند شغلها منصب وزير الخارجية في حكومة جونسون.
وخصص كليفرلي أول تعليق له، عقب انتخاب تراس زعيمة لحزب المحافظين، للحديث عن الحرب الروسية - الأوكرانية، وقال إن «علينا بكل تأكيد أن نقف بثبات في دعمنا للرئيس (فولوديمير) زيلينسكي وشعب أوكرانيا. ليس لدي شك في أننا سنستمر حلفاء أقوياء (لكييف) كما كنا في عهد بوريس جونسون».
ودعمت تراس سياسة خارجية جريئة، قريبة من توجّهات الحليف الأميركي على الجانب الآخر من الأطلسي. فاتّخذت موقفاً صارماً من روسيا، وكانت من أول الداعمين لإرسال أسلحة هجومية ثقيلة لأوكرانيا، كما كانت سبّاقة في دعم سكان هونغ كونغ عبر برنامج واسع للتأشيرات، وعزّزت دور بريطانيا في المحيطين الهندي والهادئ، وحذّرت من اعتماد بلادها على شبكة «هواوي» الصينية للـ«5 ج».
- علاقة وطيدة مع العالم العربي
خلال شغله منصب وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عمل كليفرلي على تعزيز علاقة بلاده بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وانخرط في مباحثات اقتصادية واستثمارية مع دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، وذلك لبحث تعزيز التعاون التجاري غداة بريكست.
وقاد كليفرلي مباحثات لإطلاق مراجعة مشتركة للعلاقات التجارية والاستثمارية، «وهي إحدى الآليات التي ستتيح إيجاد طرق لزيادة التجارة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي»، كما أوضح في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط». وقال إن بلاده «حريصة جداً على تعزيز العلاقة التجارية القوية جداً بالفعل، وتوسيع هذه الشراكة إلى مجالات تحظى باهتمام في الخليج، بما في ذلك الطاقة الخضراء والتعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن مجالات التعاون الاقتصادي التقليدية».
وأكد الوزير أن «علاقتنا طويلة الأمد (مع دول الخليج) خدمتنا بشكل جيد». ولكن الآن بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي «نتطلع إلى بناء علاقة أقوى ومستدامة، والبحث عن فرص أعمال في كل من بريطانيا ودول الخليج لسنوات وعقود مقبلة».
وبسؤاله عن الانتقادات التي تواجه المملكة المتحدة؛ خصوصاً من المعارضة، حول العلاقة الجيدة مع السعودية، أجاب الوزير أن «المملكة العربية السعودية اقتصاد رئيسي في الساحة العالمية، ولها تأثير كبير في المنطقة، فهي الوصي على أقدس المواقع في الإسلام، ومن الضروري للغاية أن نحافظ على علاقة قوية وإيجابية مع المملكة (...) أعتقد أن الانتقادات غالباً ما تكون غير عادلة، وفي كثير من الأحيان تستند إلى معلومات غير دقيقة».


مقالات ذات صلة

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

العالم شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

أعلنت شرطة لندن، الثلاثاء، توقيف رجل «يشتبه بأنه مسلّح» اقترب من سياج قصر باكينغهام وألقى أغراضا يعتقد أنها خراطيش سلاح ناري إلى داخل حديقة القصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

قال قصر بكنغهام وصناع شاشة جديدة من المقرر استخدامها خلال مراسم تتويج الملك تشارلز الأسبوع المقبل إن الشاشة ستوفر «خصوصية مطلقة» للجزء الأكثر أهمية من المراسم، مما يضمن أن عيون العالم لن ترى الملك وهو يجري مسحه بزيت. فالشاشة ثلاثية الجوانب ستكون ساترا لتشارلز أثناء عملية المسح بالزيت المجلوب من القدس على يديه وصدره ورأسه قبل وقت قصير من تتويجه في كنيسة وستمنستر بلندن في السادس من مايو (أيار) المقبل. وقال قصر بكنغهام إن هذه اللحظة تاريخيا كان ينظر إليها على أنها «لحظة بين الملك والله» مع وجود حاجز لحماية قدسيته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

قدّم رئيس هيئة «بي بي سي» ريتشارد شارب، أمس الجمعة، استقالته بعد تحقيق وجد أنه انتهك القواعد لعدم الإفصاح عن دوره في ترتيب قرض لرئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون. وقال شارب، «أشعر أن هذا الأمر قد يصرف التركيز عن العمل الجيد الذي تقدّمه المؤسسة إذا بقيت في المنصب حتى نهاية فترة ولايتي». تأتي استقالة شارب في وقت يتزايد التدقيق السياسي في أوضاع «بي بي سي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

أكد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»، اليوم (الثلاثاء)، أنه يتعين على البريطانيين القبول بتراجع قدرتهم الشرائية في مواجهة أزمة تكاليف المعيشة التاريخية من أجل عدم تغذية التضخم. وقال هيو بيل، في «بودكاست»، إنه مع أن التضخم نجم عن الصدمات خارج المملكة المتحدة من وباء «كوفيد19» والحرب في أوكرانيا، فإن «ما يعززه أيضاً جهود يبذلها البريطانيون للحفاظ على مستوى معيشتهم، فيما تزيد الشركات أسعارها ويطالب الموظفون بزيادات في الرواتب». ووفق بيل؛ فإنه «بطريقة ما في المملكة المتحدة، يجب أن يقبل الناس بأن وضعهم ساء، والكف عن محاولة الحفاظ على قدرتهم الشرائية الحقيقية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

قدّم نائب رئيس الوزراء البريطاني، دومينيك راب، استقالته، أمس، بعدما خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّه تنمّر على موظفين حكوميين. وفي نكسة جديدة لرئيس الوزراء ريشي سوناك، خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّ راب، الذي يشغل منصب وزير العدل أيضاً، تصرّف بطريقة ترقى إلى المضايقة المعنوية خلال تولّيه مناصب وزارية سابقة. ورغم نفيه المستمر لهذه الاتهامات، كتب راب في رسالة الاستقالة الموجّهة إلى سوناك: «لقد طلبتُ هذا التحقيق، وتعهدتُ الاستقالة إذا ثبتت وقائع التنمّر أياً تكن»، مؤكّداً: «أعتقد أنه من المهم احترام كلمتي». وقبِل سوناك هذه الاستقالة، معرباً في رسالة وجهها إلى وزيره السابق عن «حزنه الشديد»، ومشيداً بسنوات خدمة

«الشرق الأوسط» (لندن)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.