الائتلاف الألماني الحاكم يسعى لاحتواء تبعات انقطاع الغاز الروسي

وسط اختلاف الأولويات بين مكوّناته الحزبية

اهتمام الألمان يتركز أكثر فأكثر على خزانات الغاز (أ.ب)
اهتمام الألمان يتركز أكثر فأكثر على خزانات الغاز (أ.ب)
TT

الائتلاف الألماني الحاكم يسعى لاحتواء تبعات انقطاع الغاز الروسي

اهتمام الألمان يتركز أكثر فأكثر على خزانات الغاز (أ.ب)
اهتمام الألمان يتركز أكثر فأكثر على خزانات الغاز (أ.ب)

انقطاع الغاز الروسي بشكل شبه كلّي عن ألمانيا منذ بضعة أيام، أدخل البلاد في متاهة من انعدام اليقين فيما يتعلق بأمن الطاقة. وكما كان يخشى كثيرون، أوقفت روسيا فعلاً ضخ الغاز إلى ألمانيا عبر خط «نورد ستريم 1»، وأبقت على كميات ضئيلة جداً من الغاز الذي يصل ألمانيا عبر خط أنابيب يمر عبر أوكرانيا.
على الرغم من أن هذا الانقطاع في الغاز لم يأت فجأة، فإن تأثيره لم يكن بالضرورة أقل. ذلك أنه قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا خلال فبراير (شباط) الماضي، كانت ألمانيا تستورد أكثر من 55 في المائة من غازها من روسيا. إلا أن هذه الكمية انخفضت إلى 34 في المائة في أبريل (نيسان) بعد دخول العقوبات الأوروبية حيّز التنفيذ وردّ روسيا بتخفيض واردات الغاز إليها، حتى وصلت في أغسطس (آب) الماضي إلى أدنى مستوياتها، ولم تتجاوز كمية الغاز الروسي الـ9 في المائة من حاجات ألمانيا من الغاز، قبل أن يتوقف تقريباً قبل أيام. ومع أن شركة «غازبروم» تقول، إن سبب وقف ضخ الغاز تقني ويعود لقطع يتعيّن على شركة «سيمنز» الألمانية إصلاحه وإعادته، فإن ألمانيا ترفض هذه الحجج وتؤكد أن السبب محض سياسي، أن روسيا أصبحت «شريكاً غير موثوق به» فيما يتعلق بالغاز.
أيضاً، شركة «سيمنز» الألمانية التي تصون الخط مع شركة «غازبروم»، نفت أن يكون هناك أي سبب تقني يعيق إعادة ضخ الغاز، وقالت، إن العطل يمكن إصلاحه بسرعة عبر أعمال الصيانة الدورية، ثم إنه تكرّر في السابق من دون أن يعيق إمدادات الغاز.
بغض النظر عن السبب، تظل النتيجة واحدة هي أن الغاز الروسي توقف. وبات السؤال الشاغل في ألمانيا، هل يمكن للبلاد أن تجتاز فصل الشتاء من دون الغاز الروسي؟
الحكومة الألمانية تعترف بأن التعايش مع وقف الغاز الروسي لن يكون سهلاً على ألمانيا، لكنها تؤكد أنها قادرة على اجتياز الأشهر المقبلة. ولقد كرّر المستشار الألماني أولاف شولتس هذا التطمين أمام «البوندستاغ» (مجلس النواب) هذا الأسبوع، قائلاً، إن الخطط التي اعتمدها ألمانيا في الأشهر الماضية وبدء تخليها عن الغاز الروسي عاملان ساعداها على الوصول إلى مرحلة مطمئنة. وللعلم، تستخدم ألمانيا الغاز في التدفئة بشكل أساسي وأيضاً لتشغيل المصانع الكبرى. وهي تنتج منه أقل من نصف حاجتها من الكهرباء، في حين تستند إلى موارد أخرى لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجدّدة.
في الواقع، تحاول ألمانيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا انتزاع نفسها تدريجياً من الحاجة إلى روسيا من دون أن تتسبب بالكثير من الضرر. وبدأ الوزراء في الحكومة والمستشار شولتس رحلات مكّوكية إلى دول العالم بحثاً عن موارد بديلة للغاز، من كندا إلى السنغال والجزائر. ولقد نجحوا بضمان واردات إضافية من النرويج التي باتت الآن مزوّد ألمانيا الرئيس بالغاز؛ إذ تصل نسبة الواردات من هناك إلى 38 في المائة، إلا أنها عندما حاولت أخيراً زيادة هذه الواردات اصطدمت برفض من النرويج التي أبلغتها بأنها الآن تورّد لها الغاز بطاقتها القصوى ويستحيل رفع هذه النسبة أكثر. وهكذا باتت هولندا موردها الأساسي الثاني؛ إذ تؤمّن الآن 24 في المائة من حاجات ألمانيا من الغاز.
> زيادة المخزون وترشيد الاستهلاك
من جهة ثانية، بالإضافة إلى استعداد الحكومة الألمانية لتنويع مصادر الغاز، فإنها عملت على زيادة مخزون البلاد من الغاز بسرعة، وحدّدت لنفسها مهلاً زمنية لملء الخزانات قبل فصل الشتاء. ومع أن سعة الخزانات المتوافرة الآن وصلت إلى أكثر من 86 في المائة فهي قد لا تمتلئ بأكثر بكثير من ذلك، رغم أن الحكومة تريد الوصول إلى نسبة 90 في المائة بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل كي تضمن مخزوناً يكفي لشهرين أو ثلاثة. ولكن قد يكون هذا الهدف صعباً الآن بعدما أوقفت روسيا ضخ غازها إلى ألمانيا كلياً.
في أي حال، يقول خبراء، إن ألمانيا قادرة الآن على اجتياز الأشهر القليلة المقبلة بالمخزون الموجود لديها الذي سيكون كافياً حتى فبراير المقبل على الأرجح، رغم أن الأمر يعتمد على مدى درجات برودة فصل الشتاء المقبل. ففي العام الماضي مثلاً، أظهرت أرقام رسمية بأن استخدام الغاز انخفض بنسبة 10 في المائة عن العام الذي سبق؛ لأن درجات الحرارة كانت أعلى من المعدل.
وربما دفعت أسعار الغاز، التي كانت قد بدأت ترتفع قبل الحرب في أوكرانيا، مع زيادة الطلب عليها إثر إعادة الفتح بعد جائحة «كوفيد - 19»، بالمستهلكين لاستخدام كميات أقل من الغاز تفادياً لفواتير باهظة.
بعض الخبراء ينصحون اليوم الأفراد والمصانع بتقليص استخدام الغاز إلى حدود الـ20 في المائة، على الرغم من أن الحكومة الألمانية الاتحادية لم تصدر بعد قرارات بهذا الشأن، باستثناء تلك المتعلقة بالمقار العامة. ومع أن الحكومة تكتفي حالياً بالدعوة للاقتصاد في استخدامه، فإن ثمة تفكيراً جدياً الآن بإمكانية تقديم مكافآت للشركات التي ترشّد استهلاكه. وما يستحق الإشارة هنا، أن الحكومة قررت منع رفع درجات التدفئة داخل الابنية الرسمية إلى أكثر من 19 درجة مئوية، وتحاشي استخدام الماء الساخن في الحمّامات داخل تلك الأبنية والحمّامات العامة، وكذلك إطفاء أنوار المحال التجارية ليلاً. كذلك، اتخذت بعض الولايات إجراءات إضافية لتوفير الطاقة، مثل برلين التي بدأت إطفاء أنوار المعالم التاريخية ليلاً.
أيضاً، تراهن الحكومة على خزانات إضافية للغاز المُسال كانت أقرّت شراءها، والمفترض أن يصبح اثنان منها جاهزين بحلول نهاية العام. ويمكن لهذين الخزانين أن يزيدا من مخزون البلاد من الغاز المُسال، وبالتالي يؤمّنان حاجاتها لأشهر إضافية. ولكن هنا مشكلة أخرى، هي أن سعر استيراد الغاز المُسال من الولايات المتحدة وكندا بشكل أساسي، أعلى بكثير من سعر الغاز الآتي من روسيا والنرويج وغيرها من الدول التي يصلها الغاز منها إلى ألمانيا عبر الأنابيب؛ ما يعني زيادة العبء المالي على المستهلكين.
> وسائل طاقة بديلة
على صعيد آخر، دفع نقص الغاز الروسي بألمانيا كذلك للتفكير في وسائل طاقة بديلة كانت قررت التخلي عنها. من هذه الوسائل معامل الطاقة النووية التي كانت قرّرت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل إغلاقها بعد «حادث فوكوشيما» في اليابان عام 2011، رغم أن هذه المعامل النووية - وعددها 17 معملاً - كانت تنتج ثلث حاجة ألمانيا من الكهرباء لغاية العام 2011. وبالفعل، أغلقت هذه المعامل تدريجياً منذ ذلك الحين.
مقابل ذلك، عوّضت ألمانيا عن هذه الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء بالغاز والطاقة المتجددة. وكانت ما زالت 6 معامل نووية تنتج الطاقة، أغلقت 3 منها نهاية العام الماضي، وكان من المقرر إغلاق الثلاثة المتبقية نهاية العام الحالي. وحتى قبل أيام قليلة بقي المستشار شولتس مصرّاً على أن تمديد حياة هذه المعامل أمر غير وارد، متحججاً بأسباب تقنية. وكرّر شولتز، أن قضبان الوقود التي تحتاج إليها المعامل للإنتاج كافية فقط لنهاية العام، وأن الحصول عليها عملية تستغرق 14 شهراً على الأقل. هذا، وتعرّض شولتز لانتقادات كثيرة بسبب تلك التصريحات ولتجاهله فكرة إبقاء المعامل النووية مشغلة بُعيد بدء الحرب في أوكرانيا. وقال منتقدوه، إن الحكومة لو بدأت البحث عن أسواق لتأمين قضبان الوقود في فبراير الماضي، لما كان الانتظار سيكون طويلاً.
> وزير الاقتصاد «الأخضر»
وحول هذا الأمر، بعدما ظل شولتس يستبعد العمل بهذه المصانع الثلاث، عاد وزير الاقتصاد روبرت هابيك - المنتمي إلى حزب «الخضر» البيئي - إلى الإعلان قبل يومين بأن اثنين من هذه المعامل الثلاثة سيبقيان بـ«حالة جهوزية» بعد نهاية العام لاستخدامهما في حالة الطوارئ، من دون أن يعطي تفاصيل حول العوائق التقنية التي كان تذرّع بها المستشار. ويعني قرار هابيك هذا أن صيانة معملين من هذه المعامل الثلاثة ستستمر، وسيكون المعملان جاهزين للعمل ولكن من دون أن ينتجا كهرباء؛ ما تسبب بموجة انتقادات واسعة من قبل المعارضة وخبراء في الطاقة النووية.
وحول هذا الجانب، نقلت صحيفة «راينشيه بوست» عن الخبيرة في الطاقة كلاوديا كمفرت قولها، إن هذا القرار «باهظ الكلفة ويستغرق الكثير من الجهد بشكل لا يوازي المنافع». ونقلت صحيفة «بيلد» عن الخبيرة النووية أنا فيرونيكا فاندلاند قولها، إن كلفة صيانة معمل واحد يومياً تناهز الـ250 ألف يورو، أي أن إبقاء المعملين في حالة جهوزية من دون استخدامها لإنتاج الطاقة يكلف يوميا قرابة الـ500 ألف يورو تصرفها الحكومة من أموال دافعي الضرائب. ورأت الخبيرة الاقتصادية فيرونيكا غريم في لقاء مع «القناة الألمانية الثانية»، أن قرار إبقاء المعامل النووية في حالة تأهب من دون استخدامها لإنتاج الكهرباء «هو أسوأ الحلول الممكنة».
أما على الصعيد السياسي، فقد انتقد زعيم المعارضة فريدريك ميرتز - الذي خلف ميركل في رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي - قرار الوزير هابيك ووصفه بـ«الجنون»، متهماً الحكومة بالقيام بالقليل للمساعدة في احتواء ارتفاع الأسعار وغياب أمن الطاقة. ويدعو ميرتز منذ أشهر إلى تمديد العمل بالمعامل النووية والتخلي عن الالتزام بمهلة نهاية العام لإغلاقها، لكن المستشار شولتس رد متهما ميركل باتخاذ قرار «إغلاق المعامل النووية ومعامل الفحم من دون إيجاد بدائل».

المستشار أولاف شولتس

جدير بالذكر، أن وزير الاقتصاد هابيك اتخذ القرار «الوسطي» هذا، أمام تزايد الضغوط السياسية عليه من المعارضة ومن داخل الحكومة. فهذا الوزير «الأخضر» الملتزم بحماية البيئة يعارض الطاقة النووية من منطلق آيديولوجي، بينما يروّج الحزب الديمقراطي الحر - الصديق لمجتمع الأعمال، والشريك الثالث في الحكومة مع الاشتراكيين و«الخضر» - منذ بداية الحرب في أوكرانيا إلى الإبقاء على المعامل النووية واستمرار إنتاج الكهرباء منها للتعويض عن كميات الكهرباء التي كانت تنتج من الغاز.
وحقاً، تتكرر دعوات وزير المالية كريستيان ليندنر، المنتمي إلى الديمقراطيين الأحرار، للإبقاء على المعامل النووية الثالثة، ولكن ليس في حالة تأهب فقط، بل في حالة نشاط كامل. ولقد قال ليندنر لصحيفة «تسودويتشه تسايتونغ» قبل يومين، إن الإبقاء على المعامل الثلاثة «يؤمّن استقراراً في الشبكة... ولا يجوز أن نكون انتقائيين كثيراً، بل علينا القبول بما يسهل حياتنا فعلياً واقتصادياً».
وعليه، بانتظار مرور أشهر الشتاء الصعبة، بدأت منذ الآن ألمانيا إعادة تقييم كامل لعهد أنجيلا ميركل، المستشارة التي أيقظت ضمير الأمة بفتحها الباب أمام اللاجئين السوريين، لكنها تواجه اليوم اتهامات بأنها أوصلت ألمانيا إلى مكان تحولت فيه فعلاً إلى «أسيرة لروسيا» كما وصفها دونالد ترمب عام 2018.
> سباق بين الأحزاب الألمانية على البدائل والأولويات
عدا عن الجدل الثائر في ألمانيا حول الطاقة النووية، عاد الجدل أيضاً حول استخدام الفحم الحجري الذي كانت ألمانيا قد تعهدت بوقف استخدامه لإنتاج الطاقة بحلول العام 2030؛ بهدف الوفاء بالتزاماتها البيئية.
بيد أن الحكومة أولاف شولتس الائتلافية أقرّت تمديد العمل ببعض معامل الفحم الحجري الأحفوري التي كان من المفترض أن تتوقف عن العمل قريباً، رغم أضرارها البيئية الكبيرة. ومع ذلك تصرّ الحكومة بأنها ستكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها البيئية.
وزراء الحزب الديمقراطي الحر داخل الحكومة الائتلافية الحالية يدعون إلى أكثر من ذلك بعد، ويريد «عميدهم» وزير المالية كريستيان ليندنر أن تناقش ألمانيا بشكل جدّي مسألة التنقيب عن الغاز بهدف تغيير القوانين التي دخلت حيز التنفيذ عام 2017، والتي تمنع ما يعرف بـ«تكسير» الصخر للوصول إلى الغاز، بسبب مخاطر بيئية. ويقول الديمقراطيون الأحرار استناداً إلى تقارير من متخصصين بيئيين، إن المخاطر التي يمكن أن تنجم عن تكسير الصخر للوصول إلى مخزون الغاز يمكن السيطرة عليها. ومن هذه المخاطر تلويث المياه الجوفية والتسبب بهزات أرضية.
في المقابل، يرفض الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الحاكم وحزب «الخضر» مجرّد الخوض في هذا النقاش. لكن الديمقراطيين الأحرار يلقون في هذا الأمر تأييداً من الديمقراطيين المسيحيين، مع أن زعيمة الديمقراطيين المسيحيين السابقة والمستشارة السابقة أنجيلا ميركل هي التي مرّرت قانون منع التنقيب عن الغاز. هذا، ويقدر خبراء أن مخزون الغاز في ألمانيا يمكن أن يكفي حاجاتها لـ5 أو 10 سنوات مقبلة، حسب نوعيته. وهذا تحديداً ما يدفع معارضي التنقيب لرفض النقاش في الفكرة. وهؤلاء يقولون، إن نوعية وجودة هذا الغاز غير معروفتين، والاختبارات التي ستجرى عليه ستستغرق سنوات وقد تتوصل إلى أنه غير صالح للاستخدام بسبب جودته المتدنية.
> حزمة مساعدات حكومية للتخفيف من المعاناة المرتقبة
مع احتدام الجدل حول سبل تعويض النقض في الغاز الروسي، والبحث عن بدائل بأسعار معقولة، تستمر الفواتير بالنسبة للمستهلكين الألمان بالارتفاع. ووفق التقارير المتداولة، أصبح العديد من الأعمال والمحال الصغيرة مهددا بالإفلاس بسبب العجز عن دفع الفواتير التي ارتفعت معدلاتها 3 أضعاف على الأقل خلال الأشهر الماضية، وتواصل ارتفاعها.
وفعلاً أقرّت الحكومة الاتحادية الألمانية حزمتَي مساعدات حتى الآن لمحاولة تخفيف العبء على المواطنين وأصحاب الأعمال، غير أن ارتفاع أسعار الطاقة - في الوقت نفسه الذي يرتفع فيها التضخم ووصل إلى 8 في المائة الشهر الماضي - يعني أن هذه المساعدات لا تحدث فارقاً كبيراً. وحتى الآن لا يبدو أن الحكومة تخطط لمساعدات يمكنها تنتشل شركات مهددة بالإفلاس.


مقالات ذات صلة

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا بوتين يتحدث مع طلاب مدرسة في جمهورية توفا الروسية الاثنين (إ.ب.أ) play-circle 00:45

بوتين يتوعد الأوكرانيين في كورسك ويشدد على استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها

شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الهجوم الأوكراني في كورسك لن يوقف تقدم جيشه في منطقة دونباس، متعهداً بمواصلة العمليات الحربية حتى تحقيق أهداف بلاده.

رائد جبر (موسكو)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.