الـ«ربع جنيه» المصري... عملة نقدية نوستالجية أم مصيرية؟

عملة ورقية لربع جنيه مصري (أرشيفية)
عملة ورقية لربع جنيه مصري (أرشيفية)
TT
20

الـ«ربع جنيه» المصري... عملة نقدية نوستالجية أم مصيرية؟

عملة ورقية لربع جنيه مصري (أرشيفية)
عملة ورقية لربع جنيه مصري (أرشيفية)

«الربع جنيه كان يكفي لشراء نوع الشوكولاته المفضل لدي، كان نوعا متداولا في فترة التسعينيات، وكان له إعلان تلفزيوني مرح شهير، ختامه أن الشوكولاته بربع جنيه فقط». هكذا تتذكر أمل محمود (39 عاماً)، علاقتها بعملة الربع جنيه، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «طفولتها طالما ارتبطت بالربع جنيه وزيارة السوبرماركت المحببة لديها، حيث دائما ما يكون هناك على الأرفف ما أشتريه بعملة الربع جنيه... اليوم فإن أقل سعر لشوكولاته أقوم بشرائها لابنتي هو عشرة جنيهات» على حد تعبيرها.
تقول أمل إن علاقتها الحالية بعملة الربع جنيه، مع انخفاض قيمة الجنيه، أصبحت أقرب لعلاقتها بعملة «تذكارية» كما تصف العملة التي لا زالت متداولة في السوق المصري سواء معدنية أو ورقية، حيث ما زالت ورقتها مميزة بلونها الأزرق النيلي، وإن كان يصعب وجود ما يمكن شراؤه بها اليوم في الأسواق.
طالما ارتبط الربع جنيه في مصر بتسعير كثير من المنتجات، كما يطلق على الرغيف «أبو ربع جنيه» كما يتداول وصفه في المخابز، وحسب الدكتور وائل النحاس، المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال، فإن الحياة المعيشية اليومية في مصر ما زالت تعتد بوجود الربع جنيه كعملة وسيطة «برغم زهادة تلك العملة» على حد تعبيره، «الربع جنيه عملة وسيطة لا بد من تواجدها داخل الأسواق، لأنها تسهل من عملية التداول، وعملية البيع والشراء».
يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن تلك العملة رغم أنه قد لا يبدو لها قيمة في العاصمة، إلا أنها لها قيمة في الأقاليم المصرية «يستخدم الربع جنيه كتعريفة في المواصلات، فالتعريفة تزيد من اثنين جنيه إلى اثنين جنيه وربع على سبيل المثال، فلو لم يكن هناك وجود للربع جنيه فهذا سيعني رفع قيمة التعريفة إلى اثنين جنيه ونصف ما يعني ارتفاع في التضخم والخدمات بالتالي، كما أن له قيمة شرائية في أسواق الخضراوات، لذلك لا يمكن الاستغناء عن تلك العملة، لأن إعدامها يؤدي لتضخم، فلا بد من وجودها، حتى لو تم التقليل من سكها، فاستقرارها يقلل من التضخم العام».
ويعتبر الخبير الاقتصادي أن الحديث عن إلغاء العملات الوسيطة بسبب انخفاض قيمة الجنيه تصريحات استهلاكية بعيدة عن حركة تداول السوق «لأننا في موجة تضخمية نتيجة التعويم وسعر صرف، بالتالي لدينا اليوم كسور من الأرقام نتيجة ارتفاع الأسعار والتعويم، فلو لم توجد اليوم العملات الوسيطة كالربع جنيه ستكون هناك أزمة جديدة، لذلك فإن وجودها يحافظ على خفض وتيرة التضخم العشوائي، نتيجة عدم وجود تلك العملات (الفكة)، وهذا يؤدي لارتفاع مستويات تكلفة المعيشة بالنسبة للفرد في حياته اليومية، ما يؤثر على المجمل العام للتضخم في الدولة» على حد تعبيره.
وأثار إعلان رئاسة الوزراء في مصر، عزمها إصدار وسك عملة معدنية فئة جنيهين، تساؤلات حول مصير العملات الأقل لا سيما النصف والربع جنيه، في وقت يتراجع فيه سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار.
وأكد حسام خضر، رئيس مصلحة سك العملة المصرية، أن قرار عملة الجنيهين لا يعني وقف إنتاج العملات المعدنية من فئة الجنيه والنصف جنيه والربع جنيه، فهم لا يزالون موجودين في السوق، ونقوم بإنتاجهم وتوزيعهم بنفس الكميات، ولدينا منهم احتياطي يزيد لأكثر من عام ونصف، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط».
وصدرت أول عملة ورقية من فئة الـ«ربع» جنيه عام 1917، ومرت منذ ذلك التاريخ بعدد من الإصدارات للتداول، أشهرها التصميم الذي حمل صورة توت عنخ آمون في الواجهة، والخلفية حملت صورة مسجد المرسي أبو العباس، وتحول لونه في الستينيات من الأخضر إلى الأزرق، ثم عاد مع عام 1967 للدمج بين اللونين الأخضر والأزرق، وحمل تصميم وجه الورقة تمثال نهضة مصر، وفي الخلفية النسر المصري تحيطه سنبلتا قمح وأكواز ذرة والقطن المصري الشهير.
واستقرت تلك العملة الورقية على شكلها من 1980 إلى اليوم، بعد تغيير صورة تمثال نهضة مصر بمسجد السيدة عائشة أحد أعرق مساجد مدينة القاهرة، ويسود التصميم زخارف هندسية مميزة مستوحاة من العمارة الإسلامية.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


السينما المستقلّة اليوم في أزمة طاحنة

المخرج شون بيكر في أثناء تسلّمه الأوسكار عن فيلمه «آنورا» (Anora)
المخرج شون بيكر في أثناء تسلّمه الأوسكار عن فيلمه «آنورا» (Anora)
TT
20

السينما المستقلّة اليوم في أزمة طاحنة

المخرج شون بيكر في أثناء تسلّمه الأوسكار عن فيلمه «آنورا» (Anora)
المخرج شون بيكر في أثناء تسلّمه الأوسكار عن فيلمه «آنورا» (Anora)

في الثاني والعشرين من الشهر الماضي وقف المخرج شون بيكر لتسلّم جائزة «إندبندنت سبيرِت» في مناسبتها الأربعين عن فيلمه «آنورا» (Anora) بعد نحو عشرة أيام من تسلّمه الأوسكار عن الفيلم ذاته.

خلال كلمته توجّه بيكر إلى الحاضرين بتصريح لم يسبقه إليه أحد؛ إذ قال: «أنا قادر على العيش لثلاث سنوات دون دخل؛ لأنني بلا زوجة وبلا أولاد. ليس لديّ عائلة».

بدوره ألقى المخرج برادي كوربت في المناسبة ذاتها كلمة قال فيها: «تحدّثت إلى كثير من صانعي الأفلام المستقلّة المتقدمة للمسابقات هذا العام الذين ليس لديهم ما يكفي لدفع إيجارات مساكنهم».

هاتان كلمتان من رجلَيْن استحقا الفوز في محافل موسم الجوائز نهاية العام الماضي ومطلع هذا العام. برادي أنجز «ذا بروتاليست» وبايكر «آنورا» بما يشبه الإعجاز.

علاوة على ذلك، لا تقوم شركات التوزيع بتأمين متطلبات الدعاية الإعلامية وحضور المناسبات الصحافية؛ ما يعني أن مثل هذه التكاليف عليها أن تخرج من جيب مخرجي الأفلام ومنتجيها.

المخرج برادي كوربت (آي إم دي بي)
المخرج برادي كوربت (آي إم دي بي)

الحمل بحد ذاته ثقيل منذ الأساس. ما كان يمكن لفيلم مستقل يقوم على بضعة أسماء معروفة من غير النجوم أن يتكلّفه قبل عشر سنوات لم يعد ممكناً هذه الأيام. فعلى سبيل المثال بلغت ميزانية فيلم «آنورا» ستة ملايين دولار، وهو بلا أي نجم. في حين تكلّف «ذا بروتاليست» عشرة ملايين دولار مع ممثلين معروفين (مثل: أدريان برودي وفيليسيتي جونز وغاي بيرس).

بحسبة واقعية حصد «آنورا» 55 مليون دولار في الأسواق العالمية. هذا الرقم يُعدّ ربحاً بدرجة مقبولة؛ لكن بعد توزيع الحصص ما بين الجهة المموّلة (تستعيد تكاليفها بالإضافة إلى 20 في المائة من الإيراد)، وشركة التوزيع (نسبة مماثلة)، وصالات السينما (30 إلى 40 في المائة لأول أسبوعَيْن ثم ما بين 20 و30 في المائة إذا ما استمرت عروض الفيلم لأكثر من ذلك)، فإن ما يبقى للطاقم الفني (المخرج وفريق الكتابة وباقي الطاقم الأساسي)، وللمنتج (وهو يختلف عن المموّل)، نحو 300 ألف دولار يتم تقسيمها إلى نصفَيْن. الأول يذهب إلى المخرج والآخر للفريق الفني. على هذا الأساس ما يتبقّى للمخرج ما بين 20 و30 ألف دولار هي حصيلة ثلاث سنوات من العمل لإنجاز الفيلم... هذا إذا ما سجل الفيلم إيراداً يتجاوز ثلاثة أضعاف التكلفة.

نهاية نظام

السينما المستقلة تعبير ارتفع شأنه في الستينات على أيدي مخرجين قرروا «الاستقلال» عن نظام «هوليوود» الذي كان انقلب على نفسه في تلك الآونة. النظام الذي ساد حتى ذلك الحين كان نظام الشركة التي تسيطر على الطاقم الفني الأساسي كاملاً عبر عقود تلزم المخرجين والممثلين بالعمل فقط لصالح هذا الاستوديو أو ذاك. في أحيان كان الاستوديو المنافس يرى أن ممثلاً معيناً مرتبطاً باستوديو آخر هو من يصلح لبطولة مشروع قادم. في هذه الحالة يتم استئجار الممثل من مالكه (الشركة) مقابل مبلغ يودع في حساب المالك ولا ينال الممثل منه شيئاً. في هذه الحالة هو أشبه بقطعة ديكور تخدم غايتها ثم تُعاد إلى أصحابها.

هذا النظام انتهى ومعه انتهت العقود طويلة الأمد. السينما المستقلة نشأت في أجواء هذه النقلة، وكان من فرسانها روبرت ألتمان، وجون سايلس، ومارتن سكورسيزي، وجون كازاڤيتز، وحتى فرنسيس فورد كوبولا. هم إما انتقلوا لاحقاً للعمل ضمن الاستوديوهات (سكورسيزي)، وإما بقوا ملتزمين باستقلاليتهم في الكتابة والتفكير وكل أساليب العمل (كازاڤيتز وجون سايلس مثلاً)، وإما تنقلوا ما بين الإنتاج المستقل حيناً والمؤسساتي حيناً آخر (ألتمان، وكوبولا).

في السبعينات بلغت السينما المستقلة ذروة في عدد الأفلام المنتجة وفي نجاحاتها. شقّت طريقها بنجاح كبير داخل أميركا وخارجها، وهذا في الوقت الذي كانت فيه السينما الأوروبية واللاتينية والعربية دخلت في النطاق ذاته.

نجاحات متميّزة

أثبتت السينما المستقلة فاعليّتها ونجاحها. لم يكن عليها أن تلتزم بنوع (جَنر) معيّن بل بأسلوب إخراج متحرر من تعليمات الاستوديوهات المعلّبة. كانت تختلف في أساليبها الفنية التي تنتمي إلى اختيارات المخرج وإلى أفكار تطرحها تحمل اختلافاً عن الحكايات السائدة أو المتوقعة، كما الحال مع فيلم الرعب «The Texas Chain Saw Massacre» («مذبحة منشار تكساس») لتوبي هوبر (1974)، أو فيلم الخيال العلمي «THX-1138» لجورج لوكاس (1971).

سوزانا يورك في «صور» لروبرت ألتمان (آي إم دي بي)
سوزانا يورك في «صور» لروبرت ألتمان (آي إم دي بي)

الحقل كان كبيراً والاختيارات كثيرة. فيلم «كازاڤيتز» (Shadows) («ظلال»، 1959) كان محاولة من المخرج لتوفير معالجة برغماتية في فيلم أميركي. «صور» (Images)، و«3 نساء» (Three Women) كانا من بين أفلام روبرت ألتمان المُمعنة في أسلوب المخرج الفريد. أفلام جون كاربنتر (بما فيها الأجزاء التي أخرجها من«هالووين») كانت بدورها مستقلّة تماماً. فيلم ديڤيد لينش الأول (Eraserhead) المُنتج سنة 1977 كان أول أعماله المستقلة.

واستمر النجاح للعقدَيْن التاليين مع أسماء جديدة، مثل: بول توماس أندرسن «لن يكون هناك دم» (There Will Be No Blood)، ووس أندرسن «فندق بودابست الكبير» (The Great Budapest Hotel)، وجيم جارموش «باترسن»، «فقط العشاق بقوا أحياء»، (Only Lovers Left Alive)، ونيل لابوت «في صحبة رجال» (In the Company of Men) وغيرهم.

فيلم «فندق بودابست الكبير» للمخرج ووس أندرسن (آي إم دي بي)
فيلم «فندق بودابست الكبير» للمخرج ووس أندرسن (آي إم دي بي)

واقع مختلف

لكن الحال ليس على ما يرام بالنسبة إلى معظم مخرجي الأفلام المستقلة منذ مطلع هذه الألفية. في الواقع لولا توجه لينش وجارموش وبول أندرسن ووس أندرسن إلى فرنسا لما استطاعوا الاستمرار إلا لماماً.

ما يحدث الآن هو أن الاهتمام بفيلم مستقل، حتى ولو حمل اسم مخرج من الفئة الأولى، أصبح أقل مما كان عليه سابقاً. ما يدور في أرجاء «هوليوود» هو الاستعداد لتوفير التمويل من قِبل موزعين مستقلّين أو شركات كبيرة مقابل تنازل المخرج أو المنتج عن نصف الميزانية التي يتقدّم بها. ما كان ممكناً تحقيقه بـ5 ملايين دولار قبل سنوات صار بالكاد يكفي في أيامنا الحاضرة؛ لكن هذا لا يمنع المموّلين من الضغط للحصول على تنازلات.

بعض المموّلين يرضى هذه الأيام بترك حرية الاختيارات الفنية للمخرج. بعضهم الآخر بات يريد الاستئثار بالكلمة الأخيرة (أو ما يُعرف بـThe Final Cut).

صانعو الأفلام المستقلة ليسوا وحدهم الذين يعانون من أزمة عاصفة يمرون بها تبعاً لوضع يتطلّب منهم التواري كما حال جون سايلس وجارموش ونيل لا بوت وسواهم، أو التوجه صوب تمويل فرنسي يقدّر أكثر ما هم بصدد إنجازه. إلى جانب هؤلاء هناك صالات السينما التي اختصّت بعرض الأفلام غير «الهوليوودية» نمطياً أو إنتاجياً، سواء في الولايات الأميركية أو في عواصم عالمية أخرى. وما يقع في أميركا، في هذا الصدد، يقع في معظم أرجاء العالم مع جمهور بات لا يعرف من السينما إلا ما توفره له المنصّات وشركات الإنتاج الكبرى.

دور المنصّات في تقليل حجم الهواة والمتابعين لم يتوقف عند حد السينما المستقلة، بل شمل عموم أنواع الرواد وفئاتهم كما عموم أنواع السينما بصرف النظر عن مصادرها وتصنيفاتها. في المقابل لا توفر هذه المنصّات البديل المطلوب للأفلام المستقلة ولا تختلف إنتاجاتها عن معظم ما تقوم «هوليوود» بإنتاجه لصالات السينما.

هي حلقة تدور حول نفسها بسرعة، مع أمل أن تنهار يوماً وتعود الحياة إلى بعض ما كانت عليه.