هناك ملايين من العرب شاهدوا «العراب»، وذلك باعتبار السنوات الـ41 التي مرّت على إنتاجه، لم يكن فيلما صغيرًا نجح في إثارة الاهتمام وشهد إقبالاً كبيرًا وحسب، بل إنه فيلم من روائع ما أنتجته السينما وعمل احتوى على كل العناصر التي ساقت إليه مكانته الكلاسيكية الكبيرة. هؤلاء يشكلون فئة كبيرة من تلك التي تود معرفة كيف سيتعامل التلفزيون مع ذلك الفيلم الكلاسيكي وسيقارنون، بقسوة، بين الجديد والقديم.
خطفت فكرته السينما المصرية في أحد أعمالها قبل سنوات، لكنه بقي منيعًا على إمكانية تحويله إلى عمل تلفزيوني.
فجأة، عملان، وليس عملاً واحدًا، مستوحيان منه وكل واحد يريد أن يبرز اتجاها مغايرًا، ولو بعض الشيء، عن ذلك الأصل. العملان معروضان على شاشات المحطات التلفزيونية كمسلسلين كبيري الإنتاج والطموح. وكلاهما سوري الإنتاج أيضا.
أحد هذين «العرابين» من كتابة حازم سليمان وإخراج المثنى صبح ومن بطولة عابد فهد وقصي خولي ونسرين طافش وسلافة معمار ومحمد حداقي وحسن عويتي.
هذا «العراب» يبدأ من مشهد متأخر في الفيلم الأساسي. هل تذكر المشهد الذي يدخل فيه آل باتشينو الحمّـام في مطعم إيطالي تم إفراغه من الزبائن لكي يتسلح بمسدس تم إخفاؤه هناك ثم ليعود إلى الطاولة التي جلس عليها آل ليتييري في دور زعيم عصابة مناوئ للدون كارليوني وسترلينغ هايدن، رئيس البوليس المرتشي والمتعاون معه؟ حين يعود باتشينو إلى تلك الطاولة يسحب مسدّسه ويقتل الاثنين. يرمي المسدس ويلوذ مبتعدًا.
في «العراب»، نسخة اليوم هناك الابن الشاب لكبير العائلة الذي نراه يدخل الحمام، يمضي فيه وقتًا أطول مما أمضاه باتشينو فيه، ثم يعود ويجلس ويستمع إلى منوال الكلام الذي كان، في الفيلم السابق، سبق ذهاب باتشينو إلى الحمّـام. هذا قبل أن يسحب الشاب المسدس (الذي كان أخفي في سقف الحمام) ويطلق النار عليهما ويتجه لباب الخروج والمسدس معه.
يرد هذا المشهد كبداية عوض بداية «العراب» - الفيلم التي دارت في المنزل الكبير للدون (مارلون براندو)، ولا توجد مشكلة هنا باستثناء أن التنفيذ (ومعرفة المشاهد الذي سبق له أن شاهد الفيلم) تحيلان المشهد إلى منوال رتيب خصوصا أن الموسيقى حاضرة وهادرة ولا تتوقف ولا تنتهي. إنها مثل رجل وجد خيطًا فسحبه غير مدرك كم طوله.
لا تتحسّـن الموسيقى بمرور الوقت. في مطلع المشاهد الأولى هي ملطوشة من فيلم رعب. لاحقًا هي كمان يلتوي وبعد ذلك هي من تلك التي تتبع «الهلم جرا»… أي شيء تناسق أو لم يتناسق بما في ذلك تنويعة على اللحن الساحر الذي وضعه نينو روتا في الفيلم.
الموسيقى تقتحم «العراب: نادي الشرق» (ذاك الاقتباس الثاني) الذي وضع نصّـه رافي وهبي وأخرجه حاتم علي مع جمال سليمان في البطولة (الدور الذي أدّاه مارلون براندو) ومجموعة كبيرة من بينها باسم ياخور وجلال شموط وباسل خياط وأمل بوشوشة وسلمى المصري.
لهذا العمل، اختار صانعوه البدء، عمليًا وبعد مشهد افتتاح يقع في مقبرة الضيعة، بحفلة العرس المرتقبة. جمال سليمان (أبو عليا في الفيلم) هو زعيم كبير يحضر زفاف ابنته كثر جاءوا من مناطق بعيدة. يستقبلهم جيّـدًا لكن ومع أن الحلقة الأولى تبدأ به، إلا أنها تضيعه مع تعدد الضيوف والحضور وكثرة المشاكل الشخصية التي يتبادلها من لا نعرف بعد كم تأثيره على الحلقات المقبلة أو على الحكايات التي سترد عمومًا.
في حين يخلق ذلك توترًا وترقّـبًا أفضل، وفي حين أن إخراج حاتم علي أكثر تمكّـنًا من الصورة ولحظتها، إلا أن الرتابة تتسلل من باب آخر مختلف عن تلك التي في «العراب» الأول: هي هنا بعدم وجود خط أساسي. بعد مشاهد محدودة للزعيم يحكي فيها عن والده، وبالتالي عن نفسه، وتتقاطع مع بعض ما يدور في الحفلة، سيغيب عن الواجهة من دون أن يتبلور أي حدث جانبي يصلح للتركيز عليه. هناك، في بلدة ما، حادثة موازية يقطع إليها المسلسل ومنها، لعملية خطف. لكن لا علم لنا بشخصياتها وأسبابها، وتبقى تنويعًا أكثر مما تنجح فيه كخط مواز.
بين «العرابين» أميل إلى استحسان الثاني. لا خلاف أن جمال سليمان رائع في أي شخصية يقوم بها. حضوره اللافت يستند إلى موهبته وشغله على شخصيته كما على كيف يعامل العلاقة بين تلك الشخصية التي يؤديها وسلوكه البدني.
ستأتي الحلقات المقبلة بما لا نعرفه الآن بالطبع، وسنعود إلى كلا المسلسلين بعد أن نتبين كيف سيسبر كل منهما المهمّـة المناطة إليه. علمًا بأن «عراب» المثنى صبح اختار أن يتعامل، كالعادة في مسلسلات سورية كثيرة، مع فترة الحكم العثماني (على الأقل إلى حين) بينما كُـتب ونُـفّـذ «عراب» حاتم علي ليقع في هذه الأيام، وهذا قد يشكل ميزة مهمّـة أخرى.
شاشات: بين عرَّابين أو ثلاثة
شاشات: بين عرَّابين أو ثلاثة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة