أرمينيا وأذربيجان... كراهية متجذّرة

أرمينيا وأذربيجان... كراهية متجذّرة
TT

أرمينيا وأذربيجان... كراهية متجذّرة

أرمينيا وأذربيجان... كراهية متجذّرة

أرمينيا وأذربيجان، الجمهوريتان السوفيتيتان السابقتان في القوقاز، تفصل بينهما كراهية شديدة لبعضهما البعض تمتدّ لعقود بسبب الخلاف الإقليمي، الذي تجدّد مع مواجهات واسعة النطاق.
في ما يلي لمحة «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الجارين اللذين يتعارضان في كلّ شيء، في الوقت الذي خلّفت فيه الاشتباكات الحدودية الجديدة الأكثر دموية منذ حرب العام 2020، ما لا يقل عن 49 قتيلاً بين الجنود الأرمن.

ناغورني قره باغ
في قلب العلاقات المتنافِرة بين يريفان وباكو، تظهر منطقة ناغورني قره باغ. أعلن هذا الجيب ذو الغالبية الأرمينية الذي تمّ إلحاقه بأذربيجان من قبل السلطات السوفياتية في العام 1921، استقلاله من جانب واحد في العام 1991، بدعم من أرمينيا.
بعد ذلك، نشبت حرب خلّفت 30 ألف قتيل ومئات الآلاف من اللاجئين. ورغم وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في العام 1994 والوساطة الروسية-الأميركية-الفرنسية المسمّاة «مجموعة مينسك»، فإن الاشتباكات المسلّحة تتكرّر في تلك المنطقة.
قبل العام 2020، شهد شهر أبريل (نيسان) 2016 معارك عنيفة أسفرت عن مقتل حوالى 110 أشخاص هناك.
وفي خريف العام 2020، اندلع قتال جديد أدى إلى مقتل 6500 شخص خلال ستة أسابيع، قبل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة موسكو.
انتهت الحرب بهزيمة ساحقة لأرمينيا التي أُجبرت على التنازل عن مناطق مهمّة لأذربيجان.
منذ ذلك الحين، ساد توازن غير مستقر، بوجود قوات التدخّل الروسية في المكان. فقد تكرّرت الحوادث العسكرية، الأمر الذي يهدّد بعرقلة عملية سلام هشّة بوساطة أوروبية.

ثورات
عرفت أرمينيا، البلد المسيحي منذ القرن التاسع، تاريخاً مضطرباً منذ استقلالها في العام 1991. فقد شهدت هذه الدولة الفقيرة وغير الساحلية نصيبها من الثورات والقمع المميت، فضلاً عن الانتخابات المتنازع عليها بشدّة، بسبب نزعات المحسوبية والاستبداد لدى مختلف قادتها.
في ربيع العام 2018، أدّت ثورة سلمية إلى وصول رئيس الحكومة نيكول باشينيان إلى السلطة. يُنفذ هذا الأخير إصلاحات مرحّبا بها على نطاق واسع لإضفاء الطابع الديمقراطي على المؤسسات واجتثاث الفساد.
وعلى الرغم من هزيمته في القتال الذي دار في العام 2020، إلّا أنه تمكّن من تحقيق فوز انتخابي ساحق في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يونيو (حزيران) 2021.
في المقابل، تخضع أذربيجان، الأرض الشيعية الواقعة على شواطئ بحر قزوين، لسيطرة عائلة واحدة منذ العام 1993. فقد حكم حيدر علييف، الجنرال السابق في الاستخبارات السوفياتية، البلاد بقبضة من حديد حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2003، ثمّ سلّم السلطة لابنه إلهام قبل أسابيع قليلة على وفاته.
هذا الأخير، مثل والده، لم يسمح بظهور أي معارضة. وفي العام 2017، عيّن زوجته مهريبان أول نائبة لرئيس البلاد.

روسيا، تركيا وإبادة جماعية
جعلت تركيا من أذربيجان، الدولة الناطقة باللغة التركية والغنية بالنفط والمحروقات، حليفتها الرئيسية في المنطقة. وفيما تملك تركيا طموحات جيوستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى السوفيتية السابقة، فقد غذّت كراهية أرمينيا صداقتها مع أذربيجان. كذلك، تدعم أنقرة باكو في رغبتها في السيطرة على ناغورني قره باغ.
ويحافظ الأرمينيون على عداء قديم تجاه تركيا بسبب الإبادة الجماعية لحوالى 1,5 مليون أرميني من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى. وترفض تركيا مصطلح الإبادة الجماعية، متحدّثة عن مذابح متبادلة.
تبقى روسيا القوة الإقليمية الرئيسية، وتربطها بأرمينيا علاقات أوثق من تلك التي تربطها بأذربيجان، لكنّها تبيع الأسلحة للبلدين.
وانضمّت يريفان إلى التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تسيطر عليها موسكو، خصوصاً منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
وتحتاج أرمينيا لدعم روسي، في الوقت الذي زادت فيه عدوّتها التي تعدّ أغنى منها بكثير، إنفاقها العسكري.

نفط مقابل شتات
سعت أذربيجان مستندة إلى ثروتها النفطية، إلى التعريف عن نفسها خلال السنوات الأخيرة أمام العالم، والغرب خصوصاً، بما يتجاوز سمعتها المرتبطة بالاستبداد والمحسوبية.
واستثمرت باكو بشكل خاص في الرعاية، خصوصاً في مجال كرة القدم. ومنذ العام 2016، تحوّلت أذربيجان أيضاً إلى موقع لسباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1.
الدولة التي تسعى إلى التموضع في أوروبا كبديل عن الغاز الروسي، تحوّلت في العام 2022 إلى أحد المورّدين البديلين للمحروقات الروسية، في سياق الصراع في أوكرانيا.
في المقابل، يتميّز أرمينيو الشتات بعددهم الكبير وتأثيرهم في العالم، لا سيما أنهم يُعدّون ورثة للاجئين من القمع العثماني.


مقالات ذات صلة

واشنطن تواصل وساطتها بين أذربيجان وأرمينيا

العالم واشنطن تواصل وساطتها بين أذربيجان وأرمينيا

واشنطن تواصل وساطتها بين أذربيجان وأرمينيا

واصلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وساطتها سعياً إلى تسوية على إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا، في خطوة ردت عليها موسكو بالتأكيد على أنه «لا بديل» عن وساطتها في هذه القضية.

علي بردى (واشنطن)
العالم وكالة تاس: محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان قريباً

وكالة تاس: محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان قريباً

نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن أمين مجلس الأمن الأرميني قوله إن أرمينيا وأذربيجان ستجريان محادثات في المستقبل القريب بشأن اتفاق سلام لمحاولة تسوية الخلافات القائمة بينهما منذ فترة طويلة، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء. ولم يفصح المسؤول أرمين جريجوريان عن توقيت المحادثات أو مكانها أو مستواها.

«الشرق الأوسط» (يريفان)
العالم أرمينيا تدعو روسيا إلى مواصلة السيطرة على طريق حيوي في ناغورني قره باغ

أرمينيا تدعو روسيا إلى مواصلة السيطرة على طريق حيوي في ناغورني قره باغ

دعا رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان اليوم (الخميس) روسيا، الوسيط في النزاع مع أذربيجان، إلى الحفاظ على سيطرتها على طريق حيوي في منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها، حيث أقامت باكو مؤخراً نقطة تفتيش، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. منذ وقف إطلاق النار في العام 2020، نشرت روسيا في ناغورني قره باغ كتيبة من قوات حفظ السلام لتضمن حركة المرور في ممر لاتشين، وهو الشريان الوحيد الذي يربط أرمينيا بهذه المنطقة الانفصالية ذات الغالبية الأرمينية. لكن أقامت أذربيجان الأحد الماضي نقطة تفتيش على مدخل الممر، وهو أمر غير مسبوق. وقبل ذلك، اتهمت أرمينيا باكو بقطع هذا الطريق الحيوي منذ نحو ستة أشهر.

«الشرق الأوسط» (يريفان)
العالم أرمينيا تشكو أذربيجان لمحكمة العدل الدولية

أرمينيا تشكو أذربيجان لمحكمة العدل الدولية

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، اليوم الأربعاء، أن أرمينيا قدمت شكوى لمحكمة العدل الدولية بشأن إقامة أذربيجان نقطة تفتيش عند بداية ممر لاتشين. وهذا الممر هو الطريق الوحيد الذي يربط بين أرمينيا وإقليم ناغورني قرة باغ، وهو إقليم معترف به دوليا كجزء من أذربيجان إلا أن غالبية سكانه من الأرمن. ودارت حرب خاطفة بين أرمينيا وأذربيجان، وهما جمهوريتان سوفياتيتان سابقتان تقعان في منطقة القوقاز، خريف عام 2020 للسيطرة على ناغورني قره باغ. وأدى هذا النزاع إلى هزيمة عسكرية لأرمينيا واتفاق لوقف إطلاق النار برعاية روسيا التي نشرت قوات لحفظ السلام.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم اتهامات متبادلة بين أذربيجان وأرمينيا ترفع التوتر في جنوب القوقاز

اتهامات متبادلة بين أذربيجان وأرمينيا ترفع التوتر في جنوب القوقاز

أعربت موسكو عن «قلق بالغ» بعد تعرض اتفاق وقف النار بين أرمينيا وأذربيجان إلى هزة قوية.

رائد جبر (موسكو)

الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)

تجاوز الاحترار خلال العامين الأخيرين في المتوسط عتبة 1.5 درجة مئوية التي حدّدتها اتفاقية باريس، ما يؤشر إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة غير مسبوق في التاريخ الحديث، بحسب ما أفاد، الجمعة، مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. وكما كان متوقعاً منذ أشهر عدة، وأصبح مؤكَّداً من خلال درجات الحرارة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول)، يُشكّل 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات سنة 1850، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. ومن غير المتوقع أن يكون 2025 عاماً قياسياً، لكنّ هيئة الأرصاد الجوية البريطانية حذّرت من أن هذه السنة يُفترض أن تكون من الأعوام الثلاثة الأكثر حراً على الأرض.

اتفاقية باريس

وسنة 2025، العام الذي يعود فيه دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتعيّن على الدول أن تعلن عن خرائط الطريق المناخي الجديدة، التي تُحَدَّث كل خمس سنوات في إطار اتفاقية باريس. لكن خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسبّبة للاحترار يتعثر في بعض الدول الغنية؛ إذ لم تستطع الولايات المتحدة مثلاً خفض هذا المعدّل سوى بـ0.2 في المائة في العام الماضي، بحسب تقرير «كوبرنيكوس». ووفق المرصد، وحده عام 2024 وكذلك متوسط عامي 2023 و2024، تخطى عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، قبل أن يؤدي الاستخدام المكثف للفحم والنفط والغاز الأحفوري إلى تغيير المناخ بشكل كبير.

احترار المحيطات

خلف هذه الأرقام، ثمّة سلسلة من الكوارث التي تفاقمت بسبب التغير المناخي؛ إذ طالت فيضانات تاريخية غرب أفريقيا ووسطها، وأعاصير عنيفة في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي. وتطال الحرائق حالياً لوس أنجليس، وهي «الأكثر تدميراً» في تاريخ كاليفورنيا، على حد تعبير الرئيس جو بايدن.

قال علماء إن عام 2024 كان أول عام كامل تتجاوز فيه درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة (أ.ب)

اقتصادياً، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر بقيمة 320 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم خلال العام الماضي، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن شركة «ميونيخ ري» لإعادة التأمين. من شأن احتواء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين مئويتين، وهو الحد الأعلى الذي حدّدته اتفاقية باريس، أن يحدّ بشكل كبير من عواقبه الأكثر كارثية، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. وتقول نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في «كوبرنيكوس»، سامانثا بيرجس: «إنّ كل سنة من العقد الماضي كانت أحد الأعوام العشرة الأكثر حرّاً على الإطلاق».

ويستمرّ الاحترار في المحيطات، التي تمتصّ 90 في المائة من الحرارة الزائدة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وقد وصل المتوسّط السنوي لدرجات حرارة سطح المحيطات، باستثناء المناطق القطبية، إلى مستوى غير مسبوق مع 20.87 درجة مئوية، متجاوزاً الرقم القياسي لعام 2023.

«النينيا»

التهمت حرائق غابات الأمازون في شمال البرازيل سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة لموجات الحرّ البحرية على الشعاب المرجانية أو الأسماك، يُؤثّر الاحترار الدائم للمحيطات على التيارات البحرية والجوية. وتطلق البحار التي باتت أكثر احتراراً مزيداً من بخار الماء في الغلاف الجوي، مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير أو العواصف. ويشير مرصد «كوبرنيكوس» إلى أن مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي وصل إلى مستوى قياسي في عام 2024؛ إذ تجاوز متوسطه لفترة 1991 - 2020 بنحو 5 في المائة. وشهد العام الماضي انتهاء ظاهرة «النينيو» الطبيعية التي تتسبب بالاحترار وبتفاقم بعض الظواهر المتطرفة، وبانتقال نحو ظروف محايدة أو ظاهرة «النينيا» المعاكسة. وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت في ديسمبر من أنّ ظاهرة «النينيا» ستكون «قصيرة ومنخفضة الشدة»، وغير كافية لتعويض آثار الاحترار العالمي.