عشيرة الشعيطات السورية تثأر من «داعش» بـ«الاستخبارات البشرية»

بعد 8 سنوات من ذبح التنظيم المئات من أبنائها

صورة جوية لمجمع يضم زعيم تنظيم «داعش» أبو إبراهيم الهاشمي القريشي شمال غرب سوريا قبل مداهمة القوات الأميركية (رويترز)
صورة جوية لمجمع يضم زعيم تنظيم «داعش» أبو إبراهيم الهاشمي القريشي شمال غرب سوريا قبل مداهمة القوات الأميركية (رويترز)
TT

عشيرة الشعيطات السورية تثأر من «داعش» بـ«الاستخبارات البشرية»

صورة جوية لمجمع يضم زعيم تنظيم «داعش» أبو إبراهيم الهاشمي القريشي شمال غرب سوريا قبل مداهمة القوات الأميركية (رويترز)
صورة جوية لمجمع يضم زعيم تنظيم «داعش» أبو إبراهيم الهاشمي القريشي شمال غرب سوريا قبل مداهمة القوات الأميركية (رويترز)

عندما استهدف الجيش الأميركي ماهر العقال، زعيم تنظيم «داعش»، بضربة من طائرة مُسيرة بشمال سوريا في يوليو (تموز)، كانت هناك فرصة ضئيلة لعدم إصابة الهدف. والسبب هو الثأر. فمع تحصن بقايا قوات التنظيم في مناطق نائية، تلجأ الولايات المتحدة إلى مساعدة رجال العشائر التواقين للثأر من الفظائع التي ارتكبها التنظيم عندما سيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق.
قال أحد الأشخاص الذين تعقبوا العقال لـ«رويترز»، إنه مع استمرار تعطش عشيرة الشعيطات للثأر بعد ثماني سنوات من ذبح التنظيم المئات من أبنائها، زرع رجال من العشيرة في سوريا جهاز تتبع على الدراجة النارية التي كان يركبها العقال عندما قُتل.
وقال رجل العشيرة، الذي أكد ضابط مخابرات غربي بالمنطقة روايته، إن أقارب من العشيرة كانوا على اتصال بأسرة زعيم التنظيم ويراقبونه سراً منذ شهور في شمال سوريا.
وقال الشخص، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لـ«رويترز» عبر الهاتف من سوريا: «انتقمت بالدم لأبناء عشيرتي الذين صلبهم (داعش) وأعدمهم وقطع رؤوسهم بلا رحمة. هدأت النار في قلوبنا».
وفي واحد من أشد الأعمال الوحشية دموية، قتل تنظيم «داعش» أكثر من 900 من أفراد قبيلة الشعيطات في ثلاث بلدات بمنطقة دير الزور شرق سوريا عام 2014، عندما تمردوا على حكم التنظيم المتشدد.
وبينما يمثل «داعش»، فلول التنظيم الذي حكم أكثر من ثلث سوريا والعراق في خلافة أُعلنت من جانب واحد عام 2014، ما زال هناك مئات المقاتلين في مناطق مقفرة لا تخضع لسيطرة كاملة من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولا الجيش السوري المدعوم من روسيا وجماعات مسلحة تدعمها إيران.
وقالت ثلاثة مصادر استخباراتية غربية وستة مصادر عشائرية، إن رجال العشائر العربية في سوريا الذين يسعون للثأر أصبحوا الآن جزءاً من شبكة متنامية من الجواسيس العشائرية تلعب دوراً مهماً في حملة الجيش الأميركي لزيادة إضعاف التنظيم.
وقال ياسر الكسّاب، أحد زعماء العشائر من بلدة غرانيج في منطقة دير الزور، إن «شبكات المخبرين هذه تعمل مع الأميركيين الذين يزرعونها في كل مكان». وأضاف: «مخبرون من العشيرة نفسها يرشدون عن أبناء عمومتهم في (داعش)».
ورداً على سؤال حول دور المخبرين العشائريين في سوريا، قال مسؤول عسكري أميركي إن الاستهداف استند بالكامل تقريباً على معلومات استخباراتية بشرية في العملية التي استهدفت العقال. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، لأنه غير مخول بالتحدث علناً عن الأمر: «هذا أمر يتطلب شبكة عميقة في المنطقة».
وأطلع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ضابط المخابرات الغربية الذي أكد رواية اغتيال العقال والفترة الطويلة لتعقب رجال العشائر قبل الضربة، على الدعم العشائري لأنشطة مكافحة التمرد. وقال الجيش الأميركي، الذي ينشر نحو 900 جندي في شمال شرقي سوريا، إن العقال كان أحد خمسة من كبار قادة الجماعة وكان مسؤولاً عن تطوير شبكات التنظيم خارج العراق وسوريا.
وقالت القيادة المركزية الأميركية في ذلك الوقت، إن الضربة ضد العقال جاءت بعد تخطيط مكثف. وقالت مصادر مخابرات غربية وإقليمية وثلاث شخصيات عشائرية بارزة، إنه مع مقتل أو اعتقال كثير من قادة «داعش» الأجانب، أصبح السوريون أكثر أهمية في قيادته، ما جعل المتشددين أكثر عرضة للاختراق من جانب أقاربهم الراغبين في تصفية الحسابات.
وبينما تقول 4 مصادر مطلعة على عملية جمع المعلومات الاستخباراتية: «رغم الأموال التي تُدفع في بعض الأحيان مقابل المعلومات، فإن كثيراً من المخبرين مدفوعون بالثأر من الفظائع التي ارتكبتها الجماعة في ذروة قوتها». وتم تجنيد بعض المخبرين من جانب وسطاء عشائريين كانوا بالفعل جزءاً من الشبكة.
وقال الكسَاب زعيم عشيرة الشعيطات، إن آخرين كانوا يسهمون بشكل مباشر عبر خط هاتفي أنشأه التحالف لتلقي المعلومات. وأكد الضابط العسكري الأميركي أن «المبلغين تلقوا أموالاً»، لكنه لم يخُض في التفاصيل.
وقالت 5 مصادر عشائرية إن الشبكات القبلية التي تمولها الولايات المتحدة، اخترقت الخلايا النائمة لتنظيم «داعش» وجمعت بيانات عن مجندين جدد، من بينهم رجال عشائر في بعض الحالات. وأكد ضباط المخابرات الغربيون الثلاثة ومسؤول أمني إقليمي، رواياتهم.
وينتمي كثير من الجواسيس إلى عشيرة الشعيطات، وهي فرع من أكبر قبيلة في سوريا، العكيدات (العقيدات)، التي قاتلت مع القوات المدعومة من الولايات المتحدة لطرد التنظيم من أجزاء بشمال شرقي سوريا، وانتزعت السيطرة معها على مدينة الرقة بعد معركة طويلة عام 2017.

زوجات مقاتلي «داعش» يتجهزن لمغادرة مخيم الهول شرق سوريا 

سامر الأحمد، الخبير في شؤون الجماعات الجهادية والعلاقات العشائرية، قال: «يريدون الثأر، لذا يلجأون إلى التعاون مع أقاربهم لتسريب المعلومات وإعطاء مواقع زعماء داعش. يستخدمون العلاقات القبلية في ملاحقة عناصر التنظيم الذين تورطوا في قتل أقاربهم».
وقال أحد ضباط المخابرات الغربية إن معلومات المخابرات البشرية، على عكس المعلومات التي يتم جمعها من أجهزة مثل الهواتف الجوالة، أصبحت الآن حاسمة، لأن المتشددين يتجنبون بشكل مزداد وسائل الاتصال المعرضة للمراقبة. وأضاف الضابط المطلع على بعض الجهود السرية: «معظم العناصر الجديدة لا تستخدم الهواتف الجوالة أو الأجهزة التي كانت وراء الضربات السابقة للجهاديين الأجانب».
وقال المسؤول العسكري الأميركي إن معلومات المخابرات البشرية هذه، كانت «حاسمة» في حملة قتل واعتقال كبار المتشددين في سوريا منذ بداية العام، ولعبت دوراً رئيسياً في قضية العقال.
وقال اثنان من أقارب العقال، إنه كان يختبئ في مكان مكشوف بشمال سوريا، ويقضي معظم وقته في الأراضي التي يسيطر عليها مسلحون من العرب المدعومين من تركيا، وكان يبتعد في الغالب عن مناطق قريبة من مسقط رأسه، حيث يمكن التعرف عليه. ومثّل مقتله إحدى الضربات الموجعة العديدة التي تعرض لها التنظيم في سوريا هذا العام. ففي شهر فبراير (شباط)، لقي زعيم الجماعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، حتفه، خلال غارة للقوات الأميركية الخاصة في شمال سوريا، بينما اعتقلت القوات الأميركية في يونيو (حزيران) قيادياً بارزاً آخر هو أحمد الكردي.
وكان العقال والكردي والمسلحون الآخرون الذين تم استهدافهم، قد عادوا إلى حياتهم الطبيعية واختلطوا بين قاطني منطقة مكتظة بالسكان على طول الحدود التركية، بعيداً عن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
وشجعت الضربات الأميركية الناجحة أحمد أسعد الحسوني، وهو شخصية بارزة في عشيرة الشعيطات لا يزال يبحث عن رفات اثنين من أبنائه الأربعة الذين قطع تنظيم «داعش» رؤوسهم في 2014. وقال الحسوني: «ذبحوا أبنائي وأحرقوا قلوبنا. والله لن أنام حتى يموت آخر مجرم».
وقال سكان إنه على الرغم من افتقار التنظيم بشكل مزداد إلى القدرة على شن هجمات كبيرة، فإن وجوده يزداد في المناطق النائية بدير الزور، حيث تتداعى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
وقالت 5 مصادر عشائرية إن رجالاً ملثمين أقاموا نقاط تفتيش ليلاً، ما زرع الخوف في القرى القريبة من مدينة البصيرة على نهر الفرات. وقال الزعيم العشائري الشيخ بشير دندال، إن هجمات الكر والفر على نقاط التفتيش التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، زادت في الأشهر الأخيرة، كما تسبب المسلحون في خسائر فادحة بصفوف الجماعات المسلحة الموالية لإيران حول تدمر.
وكان الخوف من عودة ظهور تنظيم «دعش» هو ما دفع عبد الله عمر البالغ من العمر 32 عاماً إلى الإبلاغ عن أقاربه. وقال عمر، الذي ينحدر من بلدة أبو حمام على ضفاف نهر الفرات جنوب البصيرة: «أبلغت التحالف عن نحو خمسة أشخاص، بينهم اثنان من أبناء عشيرتي اكتشفنا أنهما كانا مع داعش، يديران نقاط تفتيش ويحرقان المنازل». وتابع: «لا يمكننا النوم بسلام في الليل، لأننا نعلم أنهم ما زالوا هناك ينتظرون الوقت المناسب للثأر وقتل من نجوا من مذابحهم».


مقالات ذات صلة

«قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

المشرق العربي «قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

«قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

أعلنت سوريا، أمس، سقوط قتلى وجرحى عسكريين ومدنيين ليلة الاثنين، في ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع في محيط مدينة حلب بشمال سوريا. ولم تعلن إسرائيل، كعادتها، مسؤوليتها عن الهجوم الجديد الذي تسبب في إخراج مطار حلب الدولي من الخدمة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لا تأكيد أميركياً لقتل تركيا زعيم «داعش» في سوريا

لا تأكيد أميركياً لقتل تركيا زعيم «داعش» في سوريا

في حين أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تستطيع تأكيد ما أعلنته تركيا عن مقتل زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي أبو الحسين الحسيني القرشي في عملية نفذتها مخابراتها في شمال سوريا، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن قوات بلاده حيدت (قتلت) 17 ألف إرهابي في السنوات الست الأخيرة خلال العمليات التي نفذتها، انطلاقاً من مبدأ «الدفاع عن النفس».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي إردوغان يعلن مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا

إردوغان يعلن مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم أمس (الأحد)، مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية. وقال إردوغان خلال مقابلة متلفزة: «تم تحييد الزعيم المفترض لداعش، واسمه الحركي أبو الحسين القرشي، خلال عملية نفذها أمس (السبت) جهاز الاستخبارات الوطني في سوريا». وكان تنظيم «داعش» قد أعلن في 30 نوفمبر (تشرين الأول) مقتل زعيمه السابق أبو حسن الهاشمي القرشي، وتعيين أبي الحسين القرشي خليفة له. وبحسب وكالة الصحافة الفرنيسة (إ.ف.ب)، أغلقت عناصر من الاستخبارات التركية والشرطة العسكرية المحلية المدعومة من تركيا، السبت، منطقة في جينديرس في منطقة عفرين شمال غرب سوريا.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
المشرق العربي الرئيس التونسي يعيّن سفيراً جديداً لدى سوريا

الرئيس التونسي يعيّن سفيراً جديداً لدى سوريا

قالت الرئاسة التونسية في بيان إن الرئيس قيس سعيد عيّن، اليوم الخميس، السفير محمد المهذبي سفيراً فوق العادة ومفوضاً للجمهورية التونسية لدى سوريا، في أحدث تحرك عربي لإنهاء العزلة الإقليمية لسوريا. وكانت تونس قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا قبل نحو عشر سنوات، احتجاجاً على حملة الأسد القمعية على التظاهرات المؤيدة للديمقراطية عام 2011، والتي تطورت إلى حرب أهلية لاقى فيها مئات آلاف المدنيين حتفهم ونزح الملايين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي شرط «الانسحاب» يُربك «مسار التطبيع» السوري ـ التركي

شرط «الانسحاب» يُربك «مسار التطبيع» السوري ـ التركي

أثار تمسك سوريا بانسحاب تركيا من أراضيها ارتباكاً حول نتائج اجتماعٍ رباعي استضافته العاصمة الروسية، أمس، وناقش مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة.


غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف وسط بيروت

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف وسط بيروت
TT

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف وسط بيروت

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف وسط بيروت

قالت مصادر أمنية، صباح اليوم (السبت)، إن أربعة صواريخ على الأقل أطلقت في هجوم جوي على وسط بيروت في وقت مبكر اليوم، مع مواصلة إسرائيل لحملتها العسكرية المكثفة على جماعة «حزب الله» اللبنانية.

وذكر مصدران بحسب وكالة «رويترز» للأنباء، أن الهجوم استهدف حي البسطة في بيروت، وذكر شهود عيان أن دوي انفجار عنيف واحد على الأقل سُمع في بيروت.

وسُمع دوي انفجارات عدة مدوية في العاصمة اللبنانية، فجر اليوم، مع دخول الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله شهرها الثالث.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، شهدت بيروت ثلاثة انفجارات مدوية على الأقل، بعد يوم من القصف المكثف الذي استهدف الضاحية الجنوبية.