كتاب لـ«القاعدة» يكشف تفاصيل غير مسبوقة حول الإعداد لهجمات سبتمبر

«أبو محمد المصري» اقترح فكرة «التفجير النووي» على الأرض الأميركية

صورة أيقونية لهجمات سبتمبر (أرشيفية)
صورة أيقونية لهجمات سبتمبر (أرشيفية)
TT

كتاب لـ«القاعدة» يكشف تفاصيل غير مسبوقة حول الإعداد لهجمات سبتمبر

صورة أيقونية لهجمات سبتمبر (أرشيفية)
صورة أيقونية لهجمات سبتمبر (أرشيفية)

بعد 21 سنة من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وزع تنظيم «القاعدة» كتاباً لأحد قادته الكبار، أبو محمد المصري، تحدث فيه بالتفصيل عن فكرة الهجمات، والتخطيط لها، واختيار منفذيها، وكيفية تدريبهم على خطف الطائرات المدنية واصطدامها بالأهداف المحدد الوصول إليها. وعلى الرغم من أن المصري يُقر بأن خالد شيخ محمد، المعتقل حالياً في غوانتانامو بكوبا، الذي يوصف بأنه «العقل المدبر» للهجمات، لعب دوراً أساسياً في الاعتداءات الإرهابية، وبأنه طرح أكثر من مرة على زعيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، فكرة خطف 10 طائرات دفعة واحدة، إلا أنه يكشف أن «القاعدة» ناقشت الفكرة بعدما سمعتها من طيار مصري عرض نفسه للقيام بها، قبل سنوات من طرحها من خالد شيخ على بن لادن.
ونشر تنظيم «القاعدة» كتاب المصري من دون الإشارة إلى ما إذا كان حياً أم ميتاً، علماً بأن تقارير أميركية كشفت أن الاستخبارات الإسرائيلية اغتالته في العاصمة الإيرانية طهران عام 2020، رغم أنه مطلوب أميركياً بتهمة تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998. وانتشرت قبل أيام صورة لأبو محمد المصري إلى جانب سيف العدل وأبو الخير المصري، وكلاهما من قادة «القاعدة» الكبار، في مكان عام بطهران. وأكدت الاستخبارات الأميركية صحة الصورة، مشيرة إلى أنها التُقطت عام 2012، وقُتل أبو الخير بضربة أميركية في سوريا لاحقاً، فيما لا يُعرف هل لا يزال سيف العدل مقيماً في إيران أم لا.

سيف العدل (يسار) وأبو محمد المصري وأبو الخير المصري في صورة نادرة ألتقطت عام 2015 في طهران
ويوضح أبو محمد المصري في الكتاب أن تنظيم «القاعدة» كان يخطط منذ انتقاله إلى أفغانستان عام 1996، لـ«ضربة نوعية للمصالح الأميركية يستطيع من خلالها جر الولايات المتحدة الأميركية لحرب استنزاف طويلة المدى». وبعدما جادل بنجاح استراتيجية «استنزاف» الأميركيين، قال: «إذا وضعنا في الاعتبار المخزون الهائل من الأسلحة النووية داخل الأراضي الأميركية، وهو نقطة ضعف كبيرة إذا استطاعت الجماعات (الجهادية) الوصول إليه، وتجريب جزء منه على الأراضي الأميركية، بحيث يجعل من أميركا أرضاً غير صالحة للعيش، وهذا أمر ليس بالبعيد، لكن بحاجة إلى إعمال الفكر في كيفية الوصول إلى هذا المخزون الاستراتيجي للمجاهدين».
وأوضح فكرته قائلاً: «الجيش الأميركي به عناصر من الجالية المسلمة وكذلك من الأفارقة الذين يشعرون بالمهانة والذلة من تصرفات البيض العنصريين التي لا تتوقف، ومن خلال الاستفادة من هذه النفوس المشحونة يمكننا الوصول للهدف والاستفادة من ضربة نوعية في الصميم، هذا بجانب سعي الجماعات الجهادية للحصول على السلاح النووي التكتيكي لتجريبه فوق الأراضي الأميركية، أو الاصطدام بطائرة محملة بآلاف الغالونات من الوقود القابل للاشتعال بمبنى مفاعل نووي على الأراضي الأميركية ليذوق الشعب الأميركي ما ذاقه الآخرون».

في بيشاور
بالعودة إلى تفاصيل فكرة هجمات 11 سبتمبر، قال إن مدينة بيشاور الباكستانية كانت في ثمانينات القرن الماضي (بين 1983 - 1990) محل استقطاب للمشاركين في «الجهاد الأفغاني» ضد السوفيات. وتابع: «استقبلت مضافات المجاهدين في بيشاور أحد الطيارين المصريين، وكان للرجل عمر طويل في مجال الطيران، حيث تنقل بين شركات الطيران العالمية كقائد محترف، وسافر إلى دول وقارات شتى، وكان منها أميركا الشمالية، وكان الرجل - كما يقول هو - بعيداً كل البعد عن أحكام الإسلام التي غابت عنه نتيجة الوسط الأخلاقي المتدني المحيط به، وكان يرى أن عمره مضى دون أن يقدم شيئاً لدينه وأمته». وتابع أن هذا الطيار قال في لقاء جمعه بأبي عبيدة البنشيري، المسؤول العسكري لتنظيم «القاعدة» ونائب أسامة بن لادن، إنه «يعرض نفسه لعملية ضد المصالح الأميركية... وكانت الفكرة هي قيادته لطائرته المدنية المحملة بآلاف الغالونات من المواد القابلة للاشتعال السريع، واصطدامه بأحد المباني الأميركية المهمة والرمزية».
وتابع: «استمع الشيخ أبو عبيدة للفكرة بإنصات واهتمام شديدين، إلا أنها لم تدخل ضمن النطاق العملي بسبب تدافع الأولويات حينها (...) وظلت الفكرة نظرية قابلة للتطبيق إذا تهيأت الظروف لذلك، وقد تحملتُ هذه الرواية من الشيخ أبي حفص الكومندان صبحي أبو ستة، ومن الشيخ أبي الخير المصري، وهما من أقرب الناس للشيخ أبي عبيدة البنشيري ورفاقه في المعسكرات والجبهات لسنوات عديدة».

غلاف الكتاب
وزاد أبو محمد المصري: «بعد الانتقال إلى السودان، ووجود مكان آمن يمكن أن ننطلق منه للقيام بعمليات خاصة تستهدف المصالح الأميركية، تمت مناقشة الفكرة في محاولة من قادة التنظيم لتطويرها (...) وظلت الفكرة تتردد على ذهن القادة من حين لآخر، إلا أن الأرض السودانية لا تتحمل مثل هذه العمليات، وعندما قرر الشيخ بن لادن شراء طائرة خاصة - بعد نُصح بعض المقربين إليه - رأى من الضروري وجود طيار تابع للتنظيم لقيادة الطائرة، ثم تطورت الفكرة لإعداد عدد من الطيارين علهم يكونون نواة عمل للفكرة السابقة، وبالفعل تم اختيار الأخوين حسين خرستو المغربي والأخ إيهاب علي للالتحاق بإحدى مدارس الطيران، فالتحق حسين بمدرسة للطيران في كينيا (نيروبي)، والآخر بمدرسة للطيران في أميركا، وفي الحقيقة لم يكن الاثنان على علم بما تفكر به القيادة سوى رغبتها في إعداد كوادر لقيادة طائرة بن لادن الخاصة. أما الفكرة القديمة فقد أخذت أبعاداً أخرى عندما جاءنا أحد الإخوة لطلب دعم التنظيم لأعماله ضد المصالح الأميركية، وهذا الأخ هو مختار البلوشي (خالد شيخ محمد)، وكان مشروعه هو خطف عدد من الطائرات الأميركية وتدميرها في الجو إذا لم تستجب الحكومة الأميركية لطلبات المجاهدين بالإفراج عن المأسورين، على رأسهم الشيخ (المجاهد) عمر عبد الرحمن - رحمه الله - وكان التنظيم يرى أن الساحة السودانية لا تسمح بمثل هذه الأعمال، ولا تتحمل تبعاتها الدولية والإقليمية، إلا أن تنظيم (القاعدة) بدأ في خطوات عملية باتجاه العمليات الخاصة».

اختيار الأهداف
وتابع أن فكرة خطف الطائرات استمرت محور مناقشات بعد انتقال «القاعدة» إلى أفغانستان، عقب رحيل التنظيم من السودان. وأوضح أن خالد شيخ محمد كان متحمساً للفكرة، خصوصاً أنه نجح مع مجموعة تتبع له في إدخال متفجرات سائلة على طائرات أميركية في الفلبين في ما عُرف بـ«عمليات مانيلا»، وكان يرى إمكان إعادة الكَرّة. وزاد: «لم ترفض القيادة الفكرة، لكنها أرادت تطويرها، بحيث يمكن أن تكون هذه الطائرات سلاحاً لتدمير عدد من المباني ذات الرمزية داخل أميركا، وحتى يتم ذلك لا بد أن يقود الطائرات طيارون تابعون لنا».
وتحدث عن «جلسات خاصة» تتناول كيفية توفير عدد من الطيارين للقيام بالمهمة، مع مناقشة الأهداف التي يمكن اختيارها واستهدافها، وكان «التركيز على الأهداف ذات القيمة الاقتصادية والرمزية السياسية والعسكرية، فتم ترشيح عدة أهداف منها: برجا التجارة العالمية، البيت الأبيض، ومبنى الكونغرس، ومبنى البنتاغون، مع استهداف مبنى ذات قيمة اقتصادية كبورصة شيكاغو على سبيل المثال».
وأشار إلى أن بعض الأفكار التي نوقشت «كانت رائعة من الناحية النظرية، لكن إمكان تنفيذها على أرض الواقع بحاجة إلى مجهود لوجيستي وأمني ضخم جداً، بالإضافة إلى النواحي المادية الباهظة التكاليف. فعلى سبيل المثال نوقشت فكرة تفخيخ سفينة تجارية كبيرة تحمل آلاف الأطنان من المواد المتفجرة شديدة الانفجار، والتوجه بها إلى أحد الموانئ الأميركية الرئيسية وتفجيرها على رصيف الميناء لإحداث انفجار بقوة قنبلة ذرية تتسبب في خسائر مادية لا حدود لها».
ثم قدم تفاصيل عن بدء التحضير العملي للهجمات منذ ديسمبر (كانون الأول) 1998، حيث بدأ اختيار المنفذين المشاركين في هجمات 11 سبتمبر، مشيراً إلى أنه في البدء تم وضع «برنامج خاص» بدورة تدريبية من دون إعلام المشاركين فيها بالهدف منها سوى القول إنه لـ«كسب المهارات القتالية». وتابع: «كانت المعلومات التي سُمح بتسريبها للإخوة المدربين والمتدربين أننا بحاجة لعناصر تستطيع العمل والاشتباك بمهارة في الأماكن الضيقة مثل «المصعد الكهربائي» مثلاً، ومعلوم أن المصعد الكهربائي لا يختلف كثيراً عن قُمرة القيادة في الطائرة من حيث الحجم». وتابع أن التدريب كان يجري في معسكر «عيناك» التابع لولاية لوغر، الذي كان عبارة عن منجم لاستخراج النحاس في السابق، ويقع على مساحة كبيرة تحيط به الجبال من جميع الجهات. وتابع أن «القاعدة» بدأت وقتها اختيار منفذي الهجمات لكنها لم تبلغهم المهمة و«كان أغلبهم من الجزيرة العربية واليمن، حيث يسهل عليهم العودة لبلدانهم وتغيير جوازات السفر التي تحمل تأشيرة دخول لباكستان، ومن ثم التقدم بالجوازات الجديدة للحصول على تأشيرة دخول لأميركا، لكن بقيت معضلة كبيرة، وهي عدم وجود عناصر مؤهلة لتعلم قيادة الطيران بالشكل المطلوب والمطمئن». وقال إن خالد شيخ محمد كان أساسياً في تحضير المهاجمين وتدريبهم.


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

أصدرت محكمة فيدرالية أميركية، الخميس، حكماً يدين 4 أعضاء من جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، أبرزهم زعيم التنظيم السابق إنريكي تاريو، بتهمة إثارة الفتنة والتآمر لمنع الرئيس الأميركي جو بايدن من تسلم منصبه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الماضية أمام دونالد ترمب. وقالت المحكمة إن الجماعة؛ التي قادت حشداً عنيفاً، هاجمت مبنى «الكابيتول» في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، لكنها فشلت في التوصل إلى قرار بشأن تهمة التحريض على الفتنة لأحد المتهمين، ويدعى دومينيك بيزولا، رغم إدانته بجرائم خطيرة أخرى.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

أدانت محكمة أميركية، الخميس، 4 أعضاء في جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، بالتآمر لإثارة الفتنة؛ للدور الذي اضطلعوا به، خلال اقتحام مناصرين للرئيس السابق دونالد ترمب، مقر الكونغرس، في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021. وفي محاكمة أُجريت في العاصمة واشنطن، أُدين إنريكي تاريو، الذي سبق أن تولَّى رئاسة مجلس إدارة المنظمة، ومعه 3 أعضاء، وفق ما أوردته وسائل إعلام أميركية. وكانت قد وُجّهت اتهامات لتاريو و4 من كبار معاونيه؛ وهم: جوزف بيغز، وإيثان نورديان، وزاكاري ريل، ودومينيك بيتسولا، بمحاولة وقف عملية المصادقة في الكونغرس على فوز الديمقراطي جو بايدن على خصمه الجمهوري دونالد ترمب، وفقاً لما نق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

وجّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الأربعاء، انتقادات لقرار الرئيس جو بايدن، عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث، وذلك خلال جولة يجريها الملياردير الجمهوري في اسكتلندا وإيرلندا. ويسعى ترمب للفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل، ووصف قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج ملك بريطانيا بأنه «ينم عن عدم احترام». وسيكون الرئيس الأميركي ممثلاً بزوجته السيدة الأولى جيل بايدن، وقد أشار مسؤولون بريطانيون وأميركيون إلى أن عدم حضور سيّد البيت الأبيض التتويج يتماشى مع التقليد المتّبع بما أن أي رئيس أميركي لم يحضر أي مراسم تتويج ملكية في بريطانيا. وتعود آخر مراسم تتويج في بري

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

هناك شعور مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية والاكتئاب والسكري والوفاة المبكرة والجريمة أيضاً في الولايات المتحدة، وهو الشعور بالوحدة أو العزلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».