تضارب الصلاحيات يكشف مساوئ تعيين محقق جديد في انفجار مرفأ بيروت

مرجع قضائي لـ«الشرق الأوسط»: القرار متسرع وانعكاساته سلبية

جانب من وقفة احتجاج لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت أمام قصر العدل (إ.ب.أ)
جانب من وقفة احتجاج لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت أمام قصر العدل (إ.ب.أ)
TT

تضارب الصلاحيات يكشف مساوئ تعيين محقق جديد في انفجار مرفأ بيروت

جانب من وقفة احتجاج لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت أمام قصر العدل (إ.ب.أ)
جانب من وقفة احتجاج لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت أمام قصر العدل (إ.ب.أ)

بدأت تعقيدات تعيين محقق عدلي إضافي بملف انفجار مرفأ بيروت تظهر يوماً بعد يوم، لا سيما لجهة تضارب الصلاحيات بين المحقق الأصيل طارق البيطار، والرديف المنتظر إعلان اسمه مطلع الأسبوع المقبل. وبخلاف التوضيحات التي صدرت عن مقربين من مجلس القضاء الأعلى بأن صلاحيات المحقق الجديد ستبقى محصورة في طلبات إخلاء السبيل والمسائل الإنسانية ونقل الموقوفين، أعطى مرجع قضائي بارز توصيفاً مختلفاً لدور القاضي الجديد، وكشف لـ«الشرق الأوسط»، أن المحقق الإضافي «يمتلك كامل الصلاحية العائدة للقاضي الأصيل، وتشمل النظر بإخلاءات السبيل والبت بالدفوع الشكلية، كما يحق له عقد جلسات الاستماع إلى الشهود واستجواب المدعى عليهم». وأقر بأن «القرار وإن اتخذ من قبل أعلى مرجعية قضائية، إلا أنه جاء متسرعاً ولم يُشبع درساً وتمحيصاً، لتدارك انعكاساته السلبية على القضاء ككل وليس على ملف المرفأ فحسب».
وتبدو الأمثلة كثيرة على الإشكالات التي ستواجه المحققين، إذا ما قدر لهما أن يعملا معاً، وسأل المرجع القضائي الذي رفض ذكر اسمه، «إذا حصل تضارب في القرارات بين القاضيين، من ينظم هذا التضارب أو الاختلاف في مقارباتهما للمسائل القانونية؟ وإذا تعارضت إجراءات القاضي الأصيل مع الرديف ماذا سنفعل؟ وأي مرجعية قضائية تحسم التباين بين الشخصين؟». ولفت إلى «وجود معلومات تتحدث عن إمكانية الطعن بقرار التعيين الذي سيصدر أمام مجلس شورى الدولة، ولا نعرف إذا كان مجلس الشورى مرجعاً صالحاً لإبطال مثل هذا القرار أو السير به».
حالة الاعتراض داخل المؤسسة القضائية بدأت تتعاظم، ما يضع مجلس القضاء أمام حرجٍ كبير، حيث أعلن «نادي القضاة» رفضه القاطع لقرار مجلس القضاء، وقال في بيان: «بعد أن تأكد خبر الموافقة على تعيين محقق عدلي ثانٍ في تحقيق انفجار مرفأ بيروت، وبغض النظر عن الصلاحيات التي ستمنح إياه، نقول لا يا رجال القانون ويا أصحاب الخبرة القضائية الطويلة، ليس هكذا ‏تصان الحقوق وتتحقق العدالة، وليس هكذا تتم إعادة الثقة بالقضاء ليقوم بفرض هيبته، وليس هكذا يتصرف من يفاوض ويناقش ‏للحصول على قانون يكرس استقلالية السلطة القضائية»‎.‎
ورأى نادي القضاة الذي يضم أكثر من نصف قضاة لبنان، أنه «أياً كانت الأسباب التي دفعت بالسلطة إلى الاقتراح والموافقة على الطرح، كان من الأجدى تعيين ‏بديل عن وزير المالية (يوسف الخليل) ليفرج عن مشروع مرسوم التشكيلات القضائية فيعاود التحقيق مساره الطبيعي بشكل قانوني، بدل اللجوء إلى ‏حل أجمع أهل القانون والقضاء على عدم قانونيته فلا رديف عند وجود الأصيل‎». وتوجه إلى مجلس القضاء قائلاً: «ابحثوا عن المعرقل الحقيقي، وواجهوه كسلطة وحاربوه بكل الاجتهادات الموجودة، واستنبطوا الحلول القانونية ‏المناسبة واستندوا إلى السوابق الشرعية والقانونية، ولكن لا تهادنوه ولا تعطوه ما يتمناه‎، ولا تشاركوا في تدمير ما تبقى من هيبة للقضاء، ولا ‏تشاركوا من يقترح حلولاً اعتباطية، بل تراجعوا عن قراركم، فإن الرجوع عن الخطأ فضيلة‎».
وعلى قاعدة أن كل التحذيرات التي تثار ضد القرار لن تغير في الواقع شيئًا، دافعت أوساط مقربة من مجلس القضاء، مجدداً عن «صوابية القرار»، وقالت إنه «قرار اضطراري اتخذ للبت بمسألة إنسانية ملحة وأساسية، وهي البت بطلبات إخلاء سبيل 19 موقوفاً في الملف، أو نقلهم ومراعاة ظروفهم الإنسانية في أماكن التوقيف». وجزمت لـ«الشرق الأوسط»، بأن «مجلس القضاء اتخذ قراره من دون ضغوط سياسية أو تدخلات خارجية، بدليل أن القرار صدر بإجماع أعضاء المجلس». وسأل: «هل يعقل أن كل أعضاء مجلس القضاء خضعوا لتأثير التدخلات السياسية؟ ألا يوجد قاضٍ واحد بين الأعضاء متحرر من الضغوط؟». وعن الأسباب التي منعت مجلس القضاء من تعيين أعضاء الهيئة العامة لمحكمة التمييز، لتتمكن الهيئة من البت بالدعاوى التي تقيد البيطار، بدل الذهاب إلى قرار أثار انقساما داخل الجسم القضائي، قالت الأوساط القريبة من مجلس القضاء: «المعطل الأساس لتحقيقات القاضي البيطار، هي دعاوى الرد المقدمة ضده وليس دعاوى المخاصمة العالقة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز». وجددت التذكير بـ«سابقة تعيين محقق عدلي رديف هو القاضي جهاد الوادي في ملف اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عندما كان القاضي الأصيل إلياس عيد خارج البلاد».
وأثار طرح هذه السابقة محدداً، استياء القاضي جهاد الوادي المحال على التقاعد، فسارع إلى إصدار بيان قاطع وحاسم يدحض تعيينه محققاً رديفاً في جريمة اغتيال الحريري. وقال القاضي الوادي في بيان أصدره وسلم «الشرق الأوسط» نسخة منه: «كنت أتمنى (على مجلس القضاء) قبل نشر القرار المتعلق بي شخصياً، والاعتداد به كسابقة قضائية، مراجعتي لتأكيد تنفيذه آنذاك، والواقع أقوله فيما يخصني، إنني لم أتبلغ إطلاقاً القرار المذكور، ولم أتولَّ بتاتاً مركز قاض رديف، وليس لي علم بهذا القرار إلا اليوم من خلال وسائل الإعلام».
وأضاف القاضي الوادي المحال على التقاعد: «في مطلق الأحوال، لو كان عُرض عليّ هذا التكليف لما كنت قد قبلت به، لا سيما أنني كنت أشغل منصب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت، ولا يجوز أن أقبل بمنصب قاضٍ رديف»، متمنياً على من يدعي هذه السابقة «إبراز المستند الذي يثبت تبلُّغي هذا القرار، ويحمل توقيعي عليه».
إلى ذلك، واصل أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت تحركهم الميداني، اعتراضاً على اقتراح وزير العدل هنري خوري الذي حظي بموافقة مجلس القضاء الأعلى، فاقتحم عدد منهم مبنى وزارة العدل، وتمكنوا من دخول عدد من الطوابق، وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت في مواقع التواصل، بعض الأهالي عالقين على السلالم بعد إقفال الأبواب الحديدية، فيما تحاول القوى الأمنية منعهم من الوصول إلى الطبقة الخامسة، حيث يتواجد مكتب وزير العدل هنري خوري والمدير العام للوزارة. وعلق أحد أهالي الضحايا بالقول: «ما يحدث في الداخل هو اعتداء على أهالي الضحايا وعلى الإعلاميين ما يؤكد أن الدولة بوليسية ونحن قلنا إننا سلميون وإن ما قام به وزير العدل خارج إطار القانون».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

TT

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب، فيحاول الطرفان تحقيق المكاسب العسكرية والمعنوية أمام جمهوره قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار المتوقع، ليبقى السؤال؛ لمن ستكون الطلقة الأخيرة في هذه الحرب التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى في لبنان ودمّرت آلاف المنازل وهجّرت أكثر من مليون نازح، معظمهم لا يعرف الوجهة التي سيسلكها بعد وقف آلة الحرب؟!

وكانت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، التي أعلنها الأخير تحت عنوان «إسناد غزة» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قد اتخذت منحى تصعيدياً في 23 سبتمبر (أيلول) 2024 بقرار من تل أبيب، لتتوسع وتشمل كل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، أي بشكل أساسي المناطق المحسوبة على «حزب الله» والطائفة الشيعية، واستمرت بالوتيرة نفسها لمدة أكثر من شهرين، قبل أن يبدأ العمل جدياً على وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.

تصعيد متدرج وساعات صعبة على اللبنانيين

ومع بدء ملامح التوافق على الحلّ الذي يرتكز بشكل أساسي على قرار مجلس الأمن 1701، رفع الطرفان راية التصعيد في المشهد الأخير للحرب مستفيدين من الساعات الأخيرة «لتحقيق الإنجازات» العسكرية والسياسية.

ومنذ بدء الحديث عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، شهدت المواجهات تصعيداً غير مسبوق، بحيث ارتكبت إسرائيل مجزرة في منطقة البسطة القريبة من وسط بيروت، صباح السبت، أدت إلى مقتل 29 شخصاً، وكانت المواجهات أكثر حدّة يوم الأحد بإطلاق «حزب الله» أكثر من 300 صاروخ باتجاه مستوطنات الشمال حيث سُجل سقوط جرحى، ووصل منها إلى تل أبيب، معيداً بذلك تفعيل معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، في موازاة الغارات والقصف المتنقل بين الجنوب والبقاع والضاحية التي تعرضت ليلاً لزنار نار عبر استهدافها بأكثر من 11 غارة، ما أدى إلى دمار هائل في المباني.

كذلك، شهدت بلدة الخيام ليلة عنيفة، في استمرارٍ لمحاولة التوغل الإسرائيلية وتفخيخ الجيش للمنازل والأحياء.

وفيما استمر التصعيد يوم الاثنين بارتكاب إسرائيل عدداً من المجازر في البقاع والجنوب، عاش اللبنانيون ساعات صعبة على وقع المعلومات التي تشير إلى تحديد موعد وقف إطلاق النار، وشنّت سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية بعد إصدار أوامر إخلاء هي الأكبر من نوعها منذ بداية الحرب ، بحيث طال زنار نار 20 مبنى في الحدث وحارة حريك والغبيري وبرج البراجنة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 20 هدفاً إرهابياً خلال 120 ثانية.

 

الدخان يغطي سماء الضاحية الجنوبية لبيروت التي استهدفت الثلاثاء بأكثر من 20 غارة (رويترز)

وفي الجنوب، حيث تدور مواجهات شرسة في محاولة الجيش الإسرائيلي التوغل إلى بلدة الخيام، نشر المتحدث باسمه صوراً لجنود قال إنها عند «نهر الليطاني»، وأشارت المعلومات إلى أن الجنود وصلوا إلى مجرى النهر من دير ميماس، التي دخلوا إليها قبل أيام .

وعلى وقع هذا التصعيد، بدأ الطرفان بترويج فكرة «الانتصار» أمام جمهورهما، فـ«حزب الله» ربط «التقدم في اتصالات وقف إطلاق النار بالصواريخ التي أطلقها السبت على تل أبيب ومستوطنات الشمال»، فيما يقول المسؤولون الإسرائيليون، في «رسالة طمأنة» لسكان الشمال الذين يتخوفون من وجود «حزب الله» على الحدود، إن الدولة العبرية ستتصرف بحزم عند أي خرق، مثل إعادة تسلح الحزب.

 

تحقيق آخر الأهداف لـ«إعلان النصر»

ويربط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور عماد سلامة، التصعيد العسكري من قبل إسرائيل بالإسراع بتحقيق الأهداف المؤجلة قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، فيما يحاول «حزب الله» عبر إطلاق الصواريخ أن يثبت أن قدراته العسكرية لا تزال قوية وأنه لم يهزم.

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط»: «في اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، يسعى كل طرف إلى إعلان النصر كوسيلة أساسية لتسويق التسوية كمكسب، وليس كتنازل أو هزيمة، وهو يهدف إلى تعزيز شرعية الاتفاق أمام القواعد الشعبية والبيئة السياسية لكل طرف، ومحاولة جس النبض المحلي لقياس ردود الفعل وحجم المعارضة المحتملة»، مضيفاً: «هذه الديناميكية تجعل من إعلان النصر أداة تكتيكية لتهيئة الساحة الداخلية والتعامل مع أي تطورات في اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن وقف الحرب».

من هنا، يرى سلامة أن «هذا الأمر يعكس حاجة كل طرف لتعزيز مواقعه داخلياً ولجم الانتقادات والحفاظ على التأييد السياسي»، موضحاً: «بالنسبة لإسرائيل، يمكنها اعتبار إنجازاتها سبباً لإعلان النصر، حيث حققت أهدافاً عسكرية استراتيجية. منها تدمير البنية التحتية العسكرية لـ(حزب الله)، واغتيال قياداته البارزة، ومنعه من الوجود الفاعل على الحدود مع إسرائيل. كما تمكنت من فصل المسار اللبناني عن القضية الفلسطينية، وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم الشمالية بأمان، ما يشير إلى تحقيق كامل أهداف حملتها العسكرية بنجاح. هذا الإعلان يعزز موقف الحكومة الإسرائيلية أمام المعارضة الداخلية ويظهر قوة الردع الإسرائيلية».

أما بالنسبة لـ«حزب الله»، فيقول سلامة: «سيصرّ على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، حيث لم تتمكن من تدمير قوته العسكرية بالكامل أو وقف الهجمات الصاروخية والمسيرات. كما سيؤكد الحزب أنه نجح في التصدي لأي توغل إسرائيلي في الجنوب، وأجبر إسرائيل على التراجع دون تحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية»، مضيفاً: «بالنسبة لـ(حزب الله)، هذا الإعلان ضروري لترسيخ شرعيته أمام بيئته الحاضنة ومؤيديه، وللردّ على الانتقادات التي قد تطوله نتيجة الخسائر التي تكبدها خلال المواجهة»، ويؤكد: «في النهاية، إعلان النصر لكلا الطرفين يعكس أهمية تأطير الأحداث بما يخدم مواقفهما الداخلية والدولية».

الساعات والأيام الأخيرة لحرب «تموز 2006»

يبدو من الواضح أن سيناريو حرب «تموز 2006» يتكرر اليوم، حيث إنه قبيل أيام وساعات من اتفاق وقف إطلاق النار، صعّدت تل أبيب من عملياتها العسكرية، وأطلقت قبل يومين عملية برية حملت عنوان «تغيير اتجاه 11»، وتوغّل الجيش الإسرائيلي عبر إنزال جوي في بلدة الغندورية بقضاء بنت جبيل مقتحماً وادي الحجير، ومنها إلى منطقة جويا (شرق صور)، ما أدى إلى مواجهة شرسة من قبل «حزب الله». وأشارت المعلومات إلى تدمير الحزب 25 دبابة إسرائيلية، إضافة إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف العسكريين.

كذلك، عمدت إسرائيل إلى رمي القنابل العنقودية قبل انتهاء الحرب بيومين فقط بشكل عشوائي، على أهداف غير محددة، ما حال دون القدرة على الحصول على خرائط دقيقة لإزالتها.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية رمت أكثر من 5 ملايين قنبلة، أدت حتى عام 2020 إلى مقتل نحو 58 مواطناً، وجرح نحو 400 آخرين، أصيب كثير منهم بإعاقات وعمليات بتر لأقدامهم، وغالبيتهم فقدوا عيونهم وهم من المزارعين والرعاة.

وفي الساعات الأخيرة لإعلان وقف إطلاق النار، تكثّف القصف الجوي ليشمل بلدات عدة في الجنوب، مستهدفاً مباني وأحياء سكنية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، فيما أمطرت المقاتلات الحربية الضاحية الجنوبية بوابل من الغارات حيث استهدفت ما يعرف بمجمع الإمام حسن السكني، المؤلف من 8 مبانٍ، بأكثر من 20 غارة خلال أقل من دقيقتين، ما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.

في المقابل، أطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه شمال إسرائيل، مستهدفاً عدداً من المستوطنات، منها حيفا وكريات شمونة ومسكاف عام.