تحاشى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الحديث عن إطلاق عملية عسكرية تستهدف مواقع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا سبق أن أعلن عنها في مايو (أيار) الماضي وكرر التهديد بها مراراً، مشيراً إلى أن القوات التركية تقوم بما يلزم على الأرض، ولافتاً إلى أن النظام السوري لم يتخذ موقفاً تجاه تلك التنظيمات حتى الآن.
ورصدت تقارير تركية استعداد آلاف السوريين للمغادرة إلى أوروبا في ظل تصاعد موجة التعصب والتهديدات بالترحيل في أجواء الشحن المصاحبة للاستعدادات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستشهدها تركيا في منتصف العام المقبل.
وقال إردوغان إن كفاح بلاده ضد ما سماها «التنظيمات الإرهابية» هو ضمانة لوحدة سوريا وسلامة أراضيها.
ورداً على سؤال حول العملية العسكرية المحتملة التي سبق أن أعلن أن القوات التركية ستقوم بها في شمال سوريا، قال إردوغان لعدد من الصحافيين المرافقين له في رحلة عودته من جولة في عدد من دول البلقان ليل الخميس - الجمعة، إن هناك تنظيمات إرهابية كثيرة في سوريا. وأكد أن تركيا لن تسمح بتشكيل تلك التنظيمات تهديداً على أمنها القومي، مشيراً إلى أنه يتم اتخاذ ما يلزم على الأرض في هذا الإطار.
وأضاف: «جهودنا ضد التنظيمات الإرهابية الانفصالية (في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية أكبر مكونات قسد التي تعدها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا) ضمانة لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، لكن النظام لم يتخذ موقفاً تجاه تلك التنظيمات حتى الآن».
وتابع الرئيس التركي: «ثمة لغة واحدة فقط تفهمها التنظيمات الإرهابية... ينبغي علينا استخدام تلك اللغة معها... عندما تزمجر تركيا وتقول سنأتي على حين غرة ذات ليلة، فإن التنظيمات الإرهابية تدرك ماذا يعني ذلك»، مستشهداً بالعمليات التي تم تنفيذها داخل وخارج تركيا من قبل.
وأبدت تركيا مؤخراً انفتاحاً على الحوار وتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد في سوريا واستعدادها لتقديم الدعم الكامل له في القضاء على التنظيمات الإرهابية الانفصالية، فيما أرجعه مراقبون إلى محاولة روسيا، التي تعارض أي عمل عسكري تركي في شمال سوريا، دفع الجانبين إلى تطبيع العلاقات.
بالتوازي، كشفت تقارير عن مغادرة آلاف السوريين تركيا باتجاه أوروبا بسبب تصاعد الخطاب العدائي ضدهم فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية السيئة مع تفاقم الوضع الاقتصادي في تركيا.
وكشف تقرير تركي عن أن أعداد اللاجئين السوريين الذين غادروا الأراضي التركية وتوجهوا إلى الدول الأوروبية خلال الفترة الأخيرة بلغت ما يقرب من 25 ألف سوري، منهم 10 آلاف غادروا عبر الأمم المتحدة (إعادة التوطين) و15 ألفاً عبر التهريب.
وحسب التقرير، الذي بثته قناتي «تي جي آر تي» التركية، الجمعة، فإن سبب إقبال السوريين على مغادرة تركيا هو تصاعد الخطاب المناهض للاجئين في الشارع التركي، ومن جانب أحزاب المعارضة والقيود والصعوبات الاقتصادية.
واشتكى الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا، من سوء المعاملة وارتفاع نبرة العنصرية، وتغذية أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزبا «الشعب الجمهوري» و«النصر»، المشاعر العنصرية ضد اللاجئين السوريين سعياً لتحقيق مكاسب في حملاتها الانتخابية.
ويوجد في تركيا نحو 3.7 ملايين سوري، يعيش معظمهم في ولاية إسطنبول والمدن الجنوبية القريبة من الحدود مع سوريا مثل هطاي وغازي عنتاب وشانلي أورفا.
وأطلق عشرات آلاف السوريين في تركيا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي باسم «قافلة النور» تهدف إلى تشكيل قافلة كبيرة من اللاجئين السوريين للهجرة إلى أوروبا.
ودعا ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي للانضمام إلى القافلة التي تهدف للخروج بأعداد كبيرة من تركيا إلى أوروبا خلال الأيام القادمة. وذكروا أن عدد المنضمين إلى القافلة بلغ 16 ألفاً من مختلف الولايات التركية، مع توقعات بزيادة الأعداد.
وأكد هؤلاء الناشطون أن السبب يعود لمعاناة السوريين في تركيا من جرائم القتل بسبب الخطابات العنصرية ضدهم التي زادت حدتها خلال الفترة الماضية، بالإضافة لسوء الأوضاع المعيشية وصعوبتها. وناشدوا المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام دعمهم ومساعدتهم لتسهيل عبور القافلة بشكل إنساني إلى أوروبا.
وأثار حادث مقتل الشاب السوري، الذي قُبل مؤخراً في كلية الطب بجامعة بورصة (غرب تركيا) فارس العلي، وهو لاجئ سوري في ولاية هطاي جنوب تركيا، وسبق أن قُتل والده على يد النظام في سوريا، بعد مهاجمته بالسكاكين وطعنه عدة مرات من جانب شباب أتراك مساء السبت الماضي، قلقاً كبيراً ومخاوف في أوساط السوريين في أنحاء البلاد.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، قال ممثل تركيا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة، فيليب لوكلير، إن نحو 800 لاجئ سوري يعودون كل أسبوع لشمال سوريا بشكل طوعي رغم أن الظروف غير ملائمة للعودة.
وتزايدت أعداد اللاجئين العائدين من تركيا لسوريا في ظل تعقيد الإجراءات من جهة والظروف الاقتصادية السيئة والحملات المناهضة من جهة أخرى، فيما هناك شهادات للكثير منهم كان قد تم ترحيلهم بشكل قسري فعلياً بعد التوقيع على إفادة بالعودة الطوعية.
وألغت السلطات التركية زيارات السوريين لذويهم في عيدي الفطر والأضحى وأكدت أن من يذهب لن يعود مرة أخرى. وبات الكثير من اللاجئين السوريين عُرضة للترحيل القسري بسبب مخالفات بسيطة مثل وجودهم في ولايات غير المسجلين عليها في نظام الحماية المؤقتة أو عدم حملهم وثائق أو لمجرد وصولهم عبر طرق التهريب إلى الأراضي التركية في ظل إغلاق المعابر أمامهم أو لأسباب كثيرة أخرى.
وقال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مؤخراً، إن عدد السوريين الذين عادوا إلى سوريا بشكل طوعي وصل إلى 506 آلاف لاجئ سوري.
وفي مقابل ما يتعرضون له من حملات من المعارضة، دعا عبد الله الحمصي، أحد الناشطين السوريين والذي أسس حزباً سورياً في تركيا بموافقة السلطات باسم «الحزب السوري الأول» في عام 2019 معلناً أنه سيترشح للرئاسة في سوريا، السلطات التركية إلى اعتقال المعارضين الأتراك المناهضين للسوريين، وفي مقدمتهم رئيس حزب «النصر» أوميت أوزداغ، للتحقيق. كما دعا جميع السوريين من العاملين في مصانع أو محال وجهات عمل مختلفة في تركيا، إلى الدخول في إضراب عام لمدة أسبوع واحد في الفترة بين 12 و17 سبتمبر (أيلول) الحالي.
وهاجم أوزداغ، في تغريدات عبر حسابه في «تويتر»، السوريين الذين دعوا إلى اعتقال السياسيين الذين تحدثوا ضدهم والمطالبة بالإضراب عن العمل، قائلاً: «اذهبوا إلى الجحيم... لا تهددونا في بلدنا».
وأصدرت اللجنة السورية - التركية المشتركة بياناً عاجلاً حذرت فيه من «تحركات من شأنها تعكير الصفو العام بين الشعبين السوري والتركي»، قائلة إن هناك من يسعى لتدمير هذه العلاقات عبر دعوات لا تصب في مصلحة الشعبين الشقيقين، في إشارة إلى دعوة السوريين للإضراب العام.
وقال البيان إن اللجنة «تودّ أن تُطمئن أهلنا السوريين في تركيا ألا يقلقوا من الدعوات العنصرية والاستفزازية وألا نسمح لها أن تدمر قيمنا ومبادئنا... هناك تصرفات فردية غير صحيحة يقوم بها بعض الأفراد لا ينبغي تعميمها، وتتم محاسبة من يقوم بها حسب القانون، بغض النظر عن جنسيته».
وأضاف: «نؤكد لأهلنا السوريين أن التزامهم بالقانون يكفل لهم كامل حقوقهم، ونتمنى ألا يستمعوا إلى الخطابات التحريضية التي تؤدي إلى الفوضى وتسبب الضرر للجميع... اللجنة السورية التركية المشتركة تبذل كل الجهود من أجل تحسين وضع أهلنا السوريين في تركيا، وترجو من الجميع أن يتعامل بالحكمة والوعي اللازم لمواجهة أي خطاب تحريضي».
إردوغان يتجنب «العملية العسكرية» وينتقد تقاعس نظام دمشق عن «مكافحة الإرهاب»
آلاف السوريين غادروا إلى أوروبا... ودعوات لرحيل المزيد عن تركيا
إردوغان يتجنب «العملية العسكرية» وينتقد تقاعس نظام دمشق عن «مكافحة الإرهاب»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة