ليبيا: «نزاع السلطة» يبقي الباب مفتوحاً على جميع السيناريوهات

صعوبة الحل العسكري تدفع الأفرقاء للبحث عن بديل سياسي

شارع النصر وجزيرة بومشماشة وسط العاصمة طرابلس بعد استكمال أعمال الصيانة والتوسعة (حكومة «الوحدة»)
شارع النصر وجزيرة بومشماشة وسط العاصمة طرابلس بعد استكمال أعمال الصيانة والتوسعة (حكومة «الوحدة»)
TT

ليبيا: «نزاع السلطة» يبقي الباب مفتوحاً على جميع السيناريوهات

شارع النصر وجزيرة بومشماشة وسط العاصمة طرابلس بعد استكمال أعمال الصيانة والتوسعة (حكومة «الوحدة»)
شارع النصر وجزيرة بومشماشة وسط العاصمة طرابلس بعد استكمال أعمال الصيانة والتوسعة (حكومة «الوحدة»)

يعتقد ليبيون كثر أن الأوضاع في بلادهم قبل «معركة طرابلس»، التي وقعت قبل نهاية الشهر الماضي وعُرفت بـ«السبت الأسود»، تختلف عمّا بعدها. إذ بدت الصورة كاشفة عن حالة من الغضب والرفض لدى قطاعات من المواطنين لاستخدام الشعب منذ عِقد وأكثر «كوقود في معارك السلطة»، لكنها أظهرت لهم أيضاً مدى التباين في «القوة المسلحة» والإسناد الخارجي لكل من طرفي الصراع في البلاد. فالأحداث الدامية، التي راكمت 40 قتيلاً وعشرات الجرحى، في زمن قصير، يُنظر إليها على أنها أحدثت «خرقاً» -ولو مؤقتاً- في جدار الجمود المُسيطر على المشهد العام، كما دفعت القوى الدولية لوضع «الأطراف الفاعلة» في ليبيا أمام مسؤولية التوافق على حل سياسي يحمي البلاد من الانزلاق إلى مستنقع دماء دائم. هنا يتخوف الليبيون من هشاشة الأوضاع، لا سيما في العاصمة طرابلس التي تتجدد فيها الاشتباكات من آن إلى آخر، إذ بدا لهم أن الوعود الانتخابية للحكومتين المتنازعتين على السلطة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، ليست إلا أحاديث مكررة تستهلك الوقت، ولم تخف تسارعهما نحو السلطة. وبالتالي، يبقى التساؤل هنا حول مدى قدرة عقيلة صالح وخالد المشري، رئيسي مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا، بصفتهما من «الشركاء في العملية التشريعية»، على إنهاء التكلس السياسي، وتجاوز إشكاليات «المسار الدستوري»؟ وإلى متى ستظل البلاد مرتهَنة بهذه المعضلة؟ وإلى أن تحدث استجابة، يرى ساسة تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن كل «السيناريوهات» تظل مفتوحة ومحتملة، إلى حين التغلب على نقاط الخلاف الدستوري، وتحديد مواقيت حقيقية للاستحقاق المنتظر، آملين في المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا عبد الله باتيلي «سرعة العمل لمنع دخول بلادهم دوامة العنف الذي ليس منه عودة».

تراوح ليبيا مكانها، منذ قرابة 11 سنة، دون تقدم حقيقي على المسار السياسي، باستثناء اتساع رقعة الدماء، وتزايد منسوب الفساد في مؤسسات الدولة وفق تقارير رسمية. وأمام تردي الأوضاع في البلاد، يحلو للبعض تعليق الجرس في رقبة مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» وتحميلهما مسؤولية تعذّر التوافق على «خارطة طريق» تخدم الليبيين بعيداً عن الحسابات الشخصية والمصالح المناطقية. ويرى هؤلاء أن الرحلات المكّوكية لرئيسيهما صالح والمشري بين القاهرة وجنيف، خلال الفترة الماضية، لم تثمر حتى الآن حلولاً نهائية لنقاط الخلاف حول «المسار الدستوري» اللازم لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية.
لهذا دخلت روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، على خط الأزمة وحثت في إحاطتها أمام مجلس الأمن أخيراً، صالح والمشري، على ضرورة التوافق سريعاً بشأن «القاعدة الدستورية». والواقع أن ديكارلو، تخوفت من التأثيرات السلبية لحالة الانسداد السياسي في ليبيا، وقالت إنه «لم يُحرَز أي تقدم باتجاه الإطار الدستوري للانتخابات، حتى الآن؛ بسبب الخلاف بين صالح والمشري، حول معايير أهلية الترشح للانتخابات الرئاسية». وانتهت ديكارلو، بدعوة الرجلين، إلى استكمال العمل الذي أنجزته «اللجنة الدستورية المشتركة» من المجلسين، وزادت: «مهم التوصل إلى اتفاق بشأن إطار دستوري وجدول زمني للانتخابات التي ستمكن الشعب الليبي من اختيار قادته».
أمام الاتهامات الموجهة إلى مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» بعرقلة العملية السياسية في البلاد، تحدث عضو لجنة «المسار الدستوري» عن مجلس الدولة فتح الله السريري، عن «جهود مبذولة للوصول إلى توافق بهذا الشأن»، لكنه قال «إذا كان الليبيون لا يريدون المجلسين، فالحل في إجراء الانتخابات الحرة والشفافة ولا حل آخر». وتطرق السريري، في تصريحات تلفزيونية إلى أسباب الانسداد السياسي وعدّه ناتجاً عن «الخلاف حول نقطتين.. ولا بد من مشاركة الشعب الليبي في اتخاذ القرار حول القاعدة الدستورية»، في إشارة إلى اعتراضات معسكر غرب ليبيا على ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للانتخابات الليبية، والتصويت بها.
أما رمضان التويجر، القانوني والباحث السياسي الليبي، فقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع راهناً في ليبيا «يحمل جميع التوقعات والاحتمالات»، وأرجع ذلك لتعذر التوافق بين الأطراف الليبية، وللتنافس الدولي حول من يمكنه السيطرة على ليبيا خلال المرحلة المقبلة، وسط رفض من جميع الأطراف داخلياً وخارجياً لإجراء الانتخابات في أقرب الآجال. وأردف التويجر أن «حسم الوضع في ليبيا عسكرياً أمر بالغ الصعوبة، وعليه لا حل إلا بتوافق جميع الأطراف المحلية على إجراء الاستحقاق الرئاسي والبرلماني المنتظر»، مستدركاً: «عدا ذلك، يُهدِّد استقرار ليبيا، ويؤدي بها إلى حرب مفتوحة لن تكون لها نهاية، إلا باتضاح معالم العالم الجديد الذي يتشكل راهناً نتيجة الصراعات الدولية والحرب الروسية على أوكرانيا».

عبد الله باتيلي

تخريب جهود التهدئة
غير أن المشري، الذي زار تركيا الشهر الماضي، قال إنه سعى مع جميع الأطراف في طرابلس، خصوصاً العسكريين التابعين للدبيبة وباشاغا ووصل معهم لـ«خطوط عريضة» لمنع اندلاع أي اشتباكات بالعاصمة. وأضاف أنه أجرى زيارة «علنية تشاورية» إلى تركيا لإطلاع مسؤوليها على أن القتال في طرابلس «خط أحمر»، وباشر التواصل مع الأطراف المتنازعة في البلاد لعقد لقاء بهدف منع الصدامات المسلحة، وتابع: «لكن ثمة من حاول تخريب التهدئة».
الاقتتال بالأسلحة المتوسطة والثقيلة كان قد اندلع في طرابلس فجر 27 أغسطس (آب) الماضي، وامتد بسرعة ليطال المناطق المأهولة في طرابلس، مخلّفاً 40 قتيلاً و159 جريحاً. وعدّت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، هذه الأحداث محاولة من القوات الموالية لباشاغا لدخول العاصمة من الشرق، لكنهم مُنعوا من ذلك على يد القوات الموالية للدبيبة في زليتن (160 كلم شرقي طرابلس) وأُجبروا على التراجع عقب الاشتباكات. هذا، ولا تزال الاشتباكات تتجدد بين الميليشيات في طرابلس ومحيطها، على نحو يهدد «الجهود السياسية» المرتقبة، وفقاً لمسؤول بحكومة «الاستقرار» المدعومة من البرلمان، دافع عن حكومته في حديث إلى «الشرق الأوسط». وبرّر المسؤول عجز حكومته عن تنفيذ ما وعدت به بكونها «لم تتسلم مهامها في العاصمة».
في الواقع، لم يكن ذلك «السبت الأسود» الوحيد الذي عرفته ليبيا، إذ سبقته أحداث دامية عدة أطلق عليها هذا الوصف من قبل، لكن عقب الاشتباكات التي اندلعت مع نهاية أغسطس حدث ما يمكن تسميته باستدعاء اضطراري للمسار التفاوضي، وهو ما فسّره الدكتور عمرو الشوبكي، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بأن «المواجهات التي خسر فيها الجميع بطرابلس قد تفتح الباب أمام عودة الحلول السياسية». وذكّر الشوبكي، في مقال له بصحيفة «المصري اليوم»، بأنه «إذا كانت الحرب على العاصمة طرابلس في عام 2019 أدت إلى تأسيس (ملتقى الحوار السياسي) في تونس وجنيف، الذي أنتج حكومة (الوحدة الوطنية) برئاسة الدبيبة، فإن المواجهات الفاشلة تلك قد تفرز مساراً سياسياً جديداً سيتمثل في التوافق على (قاعدة دستورية) تُجرى على أساسها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية».
هذا، وعاد الدبيبة وباشاغا من مباحثات مع مسؤولين أتراك في إسطنبول أُجريت مطلع الشهر الجاري، وبينما تحدث الأخير عن «تحقيق نتائج إيجابية» من الزيارة، ذكر الدبيبة أنه حصل على «دعم تركي» بشأن الاتفاق على «خارطة طريق» للوصول بليبيا لإجراء الانتخابات قريباً. وفي أعقاب لقاءات الرجلين في تركيا، شدد سفير أميركا ومبعوثها الخاص لليبيا ريتشارد نورلاند، على «الحاجة الملحة للأطراف جميعها للعمل مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الجديد لوضع خارطة طريق واضحة المعالم لإجراء انتخابات مبكرة بوصفها الحل الوحيد للاضطراب في ليبيا».

الدبيبة والمنقوش
من جهة أخرى، أمام تعطل قطار السياسة في ليبيا، وفي مواجهة سيل الملاسنات والاتهامات المتبادلة بين رئيسي الحكومتين المتناحرتين مثل «التشبث بالسلطة» أو «الانقلاب عليها»، استغل الدبيبة ترؤس وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش أعمال الدورة العادية الـ158 لمجلس الجامعة العربية على المستوي الوزاري، وقال إنه يتطلع لأن «تبذل جهودها لحشد الدعم العربي لإنجاح الانتخابات الليبية». وللعلم، اختُتمت أعمال الدورة الأربعاء الماضي برئاسة ليبيا بعد انقطاع 9 سنوات، وشهدت انسحاب الوفد المصري من الاجتماع تحفظاً على تولي الرئاسة من ممثل حكومة «منتهية ولايتها». أما المنقوش فعقدت اجتماعات عدة مع وزراء خارجية عرب على هامش الدورة بمقر الجامعة العربية.
وبموازاة ما يجري على الأرض من تحشيد عسكري، وسعي طرفي النزاع إما لتكريس الجهود للبقاء في السلطة، كوضعية الدبيبة أو لمزيد من المحاولات لدخول طرابلس كحال حكومة باشاغا، رأى القائم بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ريزدون زينينغا أنه «لا حل عسكرياً للانسداد الانتخابي والتنفيذي». وتابع أن «الشعب الليبي عبّر بوضوح عن تطلعه لاختيار قادته وتجديد شرعية المؤسسات الليبية عبر انتخابات ديمقراطية». وكان زينينغا، قد استقبل وفداً من مدينة مصراتة (مسقط رأس الدبيبة وباشاغا) طرح أفكاره حول الأزمة الراهنة. ونقل عن البعثة أن «الأمم المتحدة تولي الأولوية للعمل مع الأطراف الليبية جميعها لتيسير التوصل إلى اتفاق على مسار للانتخابات الوطنية في أقرب وقت ممكن».

تعويل على باتيلي
على الرغم من التباين الليبي في الآراء حيال دور البعثة الأممية، تبقى الآمال معقودة على السياسي والدبلوماسي السنغالي عبد الله باتيلي، الذي عُين مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا. فكل الأطراف المعنية بليبيا، إقليمية ودولياً، أعربت عن تطلعها للعمل مع باتيلي، لإنقاذ البلاد من الفوضى السياسية، عبر تفاوض ينتهي بإجراء انتخابات عامة. ويفترض أن يعرض باتيلي، خطته للعمل في ليبيا على مجلس الأمن الدولي وكبار المسؤولين في الأمم المتحدة خلال النصف الثاني من الشهر الجاري، بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن يُتوقع أن تواجهه عقبات وعراقيل عدة، أفشلت مهمة سبعة مبعوثين سابقين.
وكان الرئيس السنغالي ماكي سال -الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي- قد هنّأ المبعوث الأممي الجديد عبر «تويتر» مغرداً: «أرحب بتعيين مواطننا عبد الله باتيلي، في منصب الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا». ولقد سعى الاتحاد الأفريقي مبكراً إلى تعيين مبعوث أممي أفريقي منذ استقالة منذ المبعوث السابق السلوفاكي يان كوبيش من مهمته في ديسمبر (كانون الأول) 2021.
ولكن حول الاستقرار أو الاتجاه للصراع المسلح، يقول التويجر: «ليبيا مؤهلة للاستقرار، لكن شرط الاتفاق بين الأطراف المحلية والدولية التي تقف من خلفها على إجراء الانتخابات، وقبول جميع الأطراف بنتائجها... ومؤهلة أيضاً لأن تكون ساحة أخرى من ساحات التنافس الدولي بحيث ينتقل إليها الصراع من جبهة أوكرانيا، وهذا يشكل خطراً على المنطقة». ولقد سبق للمشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي» القول خلال زيارته إلى مدينة الكفرة (جنوباً) إن الشعب الليبي «لن يقبل أن يرى وطنه يحترق ولا يحرك ساكناً، ولن يسمح لعبدة الكراسي أن يسلبوا إرادته ويستخفوا بوعودهم... ولن يسمح الشعب لصراعاتهم التي لا تنتهي بأن تقلب حياة المواطن إلى بؤس وفقر وآلام، لينعموا هم بحياة الرفاهية من أمواله».

محطات رئيسية في الأزمة الليبية

قبل أكثر من 3 سنوات، كانت الأوضاع في ليبيا تتجه لمزيد من الفوضى السياسية بعد فشل عديد المبادرات الدولية والمحلية في حلحلة الأزمة. يومذاك دعا المبعوث الأممي إلى ليبيا د.غسان سلامة، إلى عقد مؤتمر موسع بين 14 و16 أبريل (نيسان) 2019 بمدينة غدامس (جنوب غرب). مذاك وليبيا تراوح مكانها، لم تجنِ إلا حكومتين متناحرتين راهناً، ومزيداً من القتل والدماء، وهنا تسلسل لأهم المحطات التي شهدتها البلاد في هذه الفترة:
* 4 أبريل (نيسان) 2019، شن «الجيش الوطني الليبي» حرباً على العاصمة طرابلس، بحجة التخلص من «الجماعات الإرهابية» والتشكيلات المسلحة، استمرت قرابة 13 شهراً سقط فيها آلاف الضحايا من المدنيين والعسكريين.
> 5 يونيو (حزيران) 2020، انسحبت قوات «الجيش الوطني الليبي» إلى خارج الحدود الإدارية لطرابلس، وتمركز بالقرب من محور سرت – الجفرة، بوسط البلاد، حتى الآن.
> 20 سبتمبر (أيلول) 2020، أعلن المشير خليفة حفتر إعادة إنتاج وتصدير النفط وفق «شروط» تضمن التوزيع العادل لعوائده، بعدما ظلت أهم المنشآت النفطية الواقعة تحت سيطرة قواته مغلقة لثمانية أشهر كاملة.
> 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وقّع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) اتفاقاً لوقف إطلاق النار في جنيف، ووعدوا بسحب «المرتزقة» وإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد، وإعادة فتح طرق العبور المغلقة عبر خطوط المواجهة بين شرق ليبيا وغربها.
> 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، اتفق أعضاء «ملتقى الحوار السياسي» الليبي الذي رعته الأمم المتحدة على «خارطة طريق» لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021.
> 16 ديسمبر 2020، عقد مصرف ليبيا المركزي الذي عانى من الانقسام لفترة طويلة اجتماعاً بكامل أعضاء مجلس الإدارة لأول مرة منذ سنوات لخفض قيمة الدينار، حيث وحّدوا سعر الصرف في المنطقتين الشرقية والغربية.
> 5 فبراير (شباط) 2021، «ملتقى الحوار السياسي» الليبي يختار عبد الحميد الدبيبة رئيساً لحكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة، ومحمد المنفي رئيساً لمجلس رئاسي مؤلَّف من ثلاثة أشخاص عبر عملية تصويت، مع تفويضهم بالتحضير للانتخابات.
* 26 يوليو (تموز) 2021، مجلس النواب الليبي يعقد جلسة ثامنة لمناقشة الموازنة العامة لحكومة الدبيبة، وكان المجلس قد فشل على مدى 7 جلسات سابقة في الوصول لاتفاق لتمرير الميزانية بسبب خلافات على كثرة بنودها، وناشد الدبيبة، أعضاء المجلس أن يضعوا معاناة المواطنين أمام أعينهم.
> 21 سبتمبر 2021، مجلس النواب يسحب الثقة من حكومة الدبيبة بغالبية الأصوات (89 من أصل 113 نائباً حضروا جلسة).
> 27 أغسطس (آب) 2021، اتهم الدبيبة مجلس النواب الليبي بعرقلة عمل حكومته بشكل «مستمر ومتعمد». وقال مصعِّداً في كلمة وجهها للشعب الليبي بعد رفضه حضور جلسة مساءلة أمام المجلس، إن «البرلمان عرقل عمل الحكومة لأسباب واهية وغير صحيحة».
> 1 فبراير 2022، مجلس النواب يدفع نحو تشكيل حكومة جديدة خلفاً للدبيبة، ويبدأ في تلقي ملفات المرشحين لرئاستها.
> 10 فبراير، مجلس النواب يختار فتحي باشاغا رئيساً جديداً للحكومة، بعد تصويت جرى في طبرق بشرق ليبيا، لتبدأ من جديد الانقسامات السياسية والتنازع حول السلطة.
> 11 فبراير، الدبيبة يقول إنه لا يزال يمارس عمله وفق مُدد «خارطة الطريق» المحددة بـ18 شهراً، وأن حكومته لن تسلم السلطة إلا لجهة منتخبة.
> 17 مايو (أيار)، باشاغا يغادر طرابلس بعد ساعات من دخولها إثر اندلاع اشتباكات بين فصائل موالية لخصمه الدبيبة. وقالت حكومته إن «رئيس الحكومة باشاغا وعدداً من أعضاء الحكومة غادروا العاصمة بعد وصولهم إليها حرصاً على سلامة وأمن المواطنين وحقناً للدماء».
> 24 أغسطس، طالب باشاغا خصمه رئيس حكومة «الوحدة» بتسليم السلطة، لكن الأخير دعاه إلى «ترك الأوهام والاستعداد للانتخابات».
>27 أغسطس، اندلعت اشتباكات عنيفة في طرابلس تزامنت مع الحديث عن محاولة باشاغا دخول العاصمة للمرة الثانية. وخلّفت الاشتباكات 40 قتيلاً وعشرات الجرحى، حسب حصيلة جديدة أعلنتها وزارة الصحة في حكومة «الوحدة» المؤقتة.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.