كالسهل الممتنع هو الحديث مع الممثلة ستيفاني صليبا التي تشدك لسماعها بسلاسة؛ ولكنها تعرف كيف تحفر بالعمق وأنت تتلقف أجوبتها. فالبحث في حنايا شخصيتها يكشف لك عن مدى نضج أدائها وانعكاسه إيجاباً على مشوارها.
الأمر نفسه تطبقه ستيفاني في مسلسل «التحدي»، فشخصية جويل التي تلعبها وتدور في فلك الفتاة الجميلة والجذابة والساذجة، تقابلها أخرى خائفة وقلقة ومغرمة بضحيتها. فهي الجاسوسة التي دُست عند أحد أكبر مهربي المخدرات عامر بدران (بسام كوسى)، كي توقع فيه وتقدمه للشرطة. وفي الوقت نفسه ترسم علامات استفهام كثيرة عند المشاهد، فتوقعه في حيرة من أمره ولا يستطيع تحديد مشاعرها.
تعلق ستيفاني لـ«الشرق الأوسط»: «تعنين أني ورطت المشاهد؟ صحيح، وأنا سعيدة لأنني استطعت أن أصل إلى هذه النتيجة. قد يبدو الأمر سهلاً، ولكن الدور تطلب مني عيش حالات مختلفة تجتمع في شخصية واحدة، فأسرني إلى أبعد حدود».
يتألف دور صليبا من طبقات تتراكم فوق بعضها. وفي كل مرة تسحب واحدة منها تتحفك بأخرى تختبئ تحتها. وهو ما جعل دورها هذا، يثير عند مشاهده الرغبة في دخول اللعبة معها تلقائياً. توضح: «الصعوبة هذه المرة تكمن في لعبي على شخصيات عدة تجتمع في امرأة واحدة. فهي الحلوة والساذجة إلى حد ما، لكن داخلها يغلي باستمرار، لأنها تسير بين النقاط. ومرات كثيرة تكون قاب قوسين من افتضاح أمرها. كما أن هذا الصراع الذي تعيشه بين الحب والمهمة الموكلة إليها، إضافة إلى الغموض الذي يلف ماضيها يؤلف جميعها شخصية عبثية لا يمكن الاستهانة بها».
«التحدي» يعرض على شاشة «إم تي في» المحلية، وتسبقها منصة «شاهد» بحلقات عدة. حسب صليبا فإن آخر 15 حلقة منه، ستكون مشوقة. «ستتابعون أحداثاً كثيرة متوالية فيها الكثير من المفاجآت وحل الألغاز التي طالت العمل منذ بدايته حتى اليوم».
حبكة ذكية تلف المسلسل الذي هو من تأليف مؤيد النابلسي، وما زاد من توهجه فريق الممثلين المشارك فيه. صحيح أنه الجزء الثاني من «سر»، ولكن شخصيات إضافية لونته، فما عادت محصورة بأبطاله الأساسيين بسام كوسى وباسم مغنية ووسام حنا. كما عرف مخرجه مروان بركات كيف يأخذ المشاهد في رحلة تشبه إلى حد كبير الفيلم السينمائي. وهنا كان لستيفاني مداخلة: «من أصعب أنواع الدراما، طويلة الحلقات وتُعرف بالـ(سوب أوبرا). فإن يحبك المخرج بركات 60 حلقة كي تبدو بمثابة شريط سينمائي لا يمل منه، هو إبداع بحد ذاته. في رأيي، للمخرج أهمية كبيرة في أي عمل درامي، فهو المايسترو الذي يحمل العمل على كتفيه والشخص الذي يهمني جداً كي أشارك في مسلسل معين».
تبدل أحاسيس شخصية جويل بشكل مستمر واختلاطها بمواقف إنسانية تارة وبأخرى خطيرة، كيف واجهتها؟ ترد في سياق حديثها: «كان الأمر متعباً دون شك، لأن هذه الطبقات التي تحدثت عنها لم تكن تخرج إلى النور كما تشاهدونها اليوم. فنحن لا نصور مشاهدنا على التوالي وبالتسلسل نفسه، مرات نصور مشاهد الحب لنقطعها وندخل إلى أخرى تتضمن جريمة قتل أو مشهد عنف. والعودة إلى الحالة نفسها التي كنت تعيشينها في مشهد معين، تتطلب جهداً إضافياً».
وما هي أوجه الشبه بينك وبين جويل؟ ترد: «لا تشبهني بتاتاً. لديها القدرة على إخفاء مشاعرها وباستطاعتها أن تقسو على نفسها، وإن كان لها هدف معين فبإمكانها أن تدوس على أي شيء لتحقيقه. أما أنا فلست كذلك ولمشاعري أهمية».
تطبعك ستيفاني الممثلة بشخصية جويل الجاسوسة إلى حد يدفعك لمناداتها مرات بهذا الاسم أثناء حديثك معها. وتعلق: «أفضل ما يمكنني سماعه هو مناداة الناس لي باسم الشخصية التي ألعبها. إنه أمر لا يزعجني بتاتاً، لا بل هو محبب إلى قلبي، لأنني أدرك أنه وصل إلى الناس وأقنعهم».
أحياناً وأنت تتابع بعض مشاهد «التحدي» يعود بك أداء ستيفاني لاشعورياً إلى مشاهد من أفلام وقصص سينمائية طبعت ذاكرتنا. تخطر على بالك شخصيات مثيرة تركت بأثرها عبر التاريخ كجاكلين كينيدي، وماتا هاري. فهل تستعد عادة لأدوارها من خلال قيامها بأبحاث تسهم في إبراز حرفيتها؟ ترد: «كل ما ترينه عندي أثناء التمثيل يأتيني بالفطرة. لا أحب أن آخذ مرجعية معينة أستمد منها أدائي. أرى أن لكل حالة شروطها وظروفها. فأنا من مدرسة (فيما لو)، بحيث أضع نفسي في المكان والظرف اللذين يغلفانه، وأتخيل ماذا يمكن أن يكون رد فعلي. جويل هي التي ترد على هذه الأجوبة، لأن هناك انفصالا تاما ما بين ستيفاني وبينها». وعن المشهد الذي طبعها وترك بأثره الكبير عندها تجيب بأن هناك واحداً تسكنه مشاعر جمة «هو المشهد الذي لم أره بعد، لأنه يقع في الحلقة الأخيرة من العمل، وأتمنى أن أكون قد أعطيته حقه. ولن أبوح بما يتضمن، كي لا أفسد نهاية العمل».
في حديث سابق مع ستيفاني، أكدت أنها تستطيع أن تعتزل التمثيل في يوم وليلة. فهل لا تزال مقتنعة بقرارها؟ «نعم، لا زلت أستسهله. لا أحب التعلق بأي شيء في هذه الحياة أكثر مما يستأهل. أشعر وكأنني غير محصنة تجاهه». وماذا عن رضاك على نفسك؟ «لن أكون راضية عن نفسي، لأنني سأفقد حماسي للقيام بالجهد من أجل الأفضل. لا شك أني اليوم تطورت وكونت خبرة في عملي لا يستهان بهما، ولا يزال ينقصني الكثير».
قدمت ستيفاني صليبا، أدواراً كثيرة طبعت مسيرتها التمثيلية. فالناس لا تزال تتذكرها بشخصية «قمر» أول دور جسدته على الشاشة الصغيرة ولاقى نجاحاً كبيراً. ومن بعده قدمت أدواراً مختلفة دخلت من خلالها عالم الدراما العربية بامتياز. فوقفت إلى جانب أهم النجوم كهاني سلامة في «فوق السحاب»، وعابد فهد في «دقيقة صمت»، و«الساحر»، واليوم مع بسام كوسى وباسم مغنية في «التحدي». فأين ترى نفسها في الغد القريب؟: «سأكون في المكان الذي أرسم له وأريده من كل قلبي. وقد أكون أنا من يكتب القصة وهي شبه جاهزة لأن يحمل العمل الأمل. أحب المسلسلات التي تضخ الإيجابية عند المشاهد وتدعوه إلى الحلم لا سيما تلك المتعلقة بالنساء، وكأنها تؤكد لهن بأن المعجزات قد تحدث. فهذا النوع من الأعمال الدرامية الذي تلونه الفانتازيا هو الذي يدغدغ المشاعر. وهو الحقيقي الذي يبقى ونتذكره عبر التاريخ وعلى مر الأيام».
شهرة واسعة حققتها ستيفاني منذ بداية مشوارها التمثيلي في عام 2016، فماذا تعني لها وكيف تصفها؟ «بالنسبة لي تحمل البشاعة في أماكن معينة، إذ تسمح للناس بأن يحاكموك كل الوقت ومن دون استئذان. أما حلاوتها فتكمن في الحب الذي تتلقينه من الجمهور. فهي سيف ذو حدين، فيها القلق والحب معاً. ولكنني في النهاية لا آخذ الشهرة بجدية، فهي لا تترك هذا الأثر الكبير علي. ولا أستمد منها قوتي. تفرحني بالتأكيد ولكنها ليست هي التي تحييني. فالقوة الحقيقية بالنسبة لي هي عندما تؤثرين بأحدهم. من الجميل أن يحبك الناس، ولكن من الأمتع أن تتركي بأثرك عندهم». وتخبرنا واحدة من القصص التي لا تزال تتذكرها، عندما أخبرتها إحدى الأمهات بأن ابنتها تجاوزت محنتها بفضلها. «لقد كانت تتعرض للتنمر بسبب شعرها المشعث. وبعدما شاهدتني في (متل القمر)، وكنت أطل يومها بلوك في شعر من هذا النوع، استعادت ثقتها بنفسها. فتأثرت كثيراً بالقصة لأني ساعدت دون أن أدري». وتتابع: «الشهرة تغذي الـ(ايغو) (الأنانية) عند الإنسان، وإذا ما نجحت بذلك فيمكنها أن تدمره. فأنا لا تعنيني هذه المشهدية برمتها، وليس عندي استعداد لأكون أمَة لها». وهل دفعت أثماناً باهظة كي تصلين إلى ما أنت عليه اليوم؟ «لا أبداً، بل جاهدت وتعبت وأنا ممتنة لما وصلت إليه بسلاسة. ومحظوظة كوني وصلت هنا بفرح».
وعن مشاريعها المستقبلية تقول: «هناك عروض كثيرة أدرسها، فلا أريد أن تكون خياراتي غير دقيقة، ولو أبقاني ذلك أكثر من سنة بعيدة عن الشاشة».