المتمرد سيد درويش أول من ترجم الأحاسيس الشعبية إلى ألحان

فكتور سحاب يعيد الاعتبار لـ«المؤسس»

المتمرد سيد درويش أول من ترجم الأحاسيس الشعبية إلى ألحان
TT

المتمرد سيد درويش أول من ترجم الأحاسيس الشعبية إلى ألحان

المتمرد سيد درويش أول من ترجم الأحاسيس الشعبية إلى ألحان

حين قيل لسيد درويش إن رأسه يشبه رأس فيردي، أجاب: «أنا فيردي مصر». وهو قول له خلفياته. فقد روى توفيق الحكيم في كتابه «فنان الشعب»: «رأيت سيد درويش بعيني، يأتي معنا إلى تياترو الكورسال ليشاهد جوقة الأوبرا الإيطالية، تعرض توسكا، ومدام بترفلاي لبوتشيني، والبلياتشو لليونكافالو». فقد تأثر الرجل بما كانت تقدمه الفرق الغربية التي تفد إلى مصر من أوبرات. صحيح أنه لم يحقق حلمه بدراسة الموسيقى في إيطاليا لأن الموت عاجله، غير أن فضوله وعصاميته، كانا له سنداً عظيما.
وأهمية كتاب «سيد درويش المؤسس» لمؤلفه فكتور سحاب، الذي صدر هذا الأسبوع بفضل أول تعاون مشترك بين «دار نلسن» في بيروت، و«دار ريشة للنشر والتوزيع» في مصر، أنه يعيد الاعتبار لعبقري، لا بل لأسطورة موسيقية أحدثت ثورة فنية عربية، رغم عمره الفني القصير للغاية والذي لم يتعد الست سنوات.
مغني العمّال
كانت عائلة سيد درويش تحضّره لأن يصبح شيخاً مقرئاً، لكنه سرعان ما خلع العمامة والقفطان، وعمل مغنياً، في ورشة بناء، يحض العمال على الاجتهاد. وصادف أن سمعه سليم عطا لله فصحبه معه إلى بلاد الشام عام 1909. وكان لا يزال في السابعة عشرة.
لم يلق النجاح الذي يستحقه، لكنه أفاد وتعلم على موسيقيين كثر: «حفظت التواشيح والضروب الموسيقية القديمة ثم أناشيد الكنائس». لكن رحلة ثانية إلى بلاد الشام، كانت له الفاتحة لنجاحات، سيعود بعدها إلى مصر قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وقد ذاع صيته، مما سهل عليه الانطلاق، لكن كل ما يعثر عليه في تلك الفترة يدلل على أن الاهتمام به، ومكافآته كانت دون ما يستحق، إلى أن كان لقاؤه بالشاعر بديع خيري، ومن ثم أحداث ثورة 1919. وعمله مع نجيب الريحاني.
موهبة سيد درويش الكبيرة، وقدرته الفائقة على العمل وتأليفه المقطوعات الاستعراضية، ومن ثم تلحين المسرحيات وكان أولها «كله من ده»، كل هذا جلب عليه خيراً كثيراً، وتقديراً من الناس، بحيث أحلوه في المرتبة مكان سلامة حجازي. لكن سيد درويش المبذر، الذي صرف ما في الجيب، منتظراً أن يأتي ما في الغيب، عاش أيام فقر مدقع، نتيجة سلوكه هذا ومات ولم يخلف وراءه «إلا عصاه والعود ورزمة من الأوراق التي دون عليها أغنياته، وولدين هما محمد البحر وحسين درويش». وهو الذي تزوج في عمره القصير، أربع نساء، لم يدم زواجه من إحداهن سوى يوم واحد.
العبقري المظلوم
المحزن في حياة سيد درويش الذي توفي وهو لا يزال في الحادية والثلاثين، كمّ الظلم والألم اللذين تعرض لهما رغم الخدمة الاستثنائية التي أسداها للموسيقى العربية. صاحب أجمل الألحان والمغني والممثل، هو بحد ذاته ثورة، في كل ما فعله خلال حياته الفنية. وضع عشرة أدوار تعتبر جزءاً خطيراً من تراثه الفني، وهي ليست تجديداً خالصاً، كما يظن البعض، وهنا أهميتها، بل استفاد من تطوير من سبقه، وبنى عليه، مركزاً على مضمون اللحن وأسلوب التعبير.
ويقدم الكتاب تفاصيل فنية موسيقية حول تفاصيل التجديدات المثيرة التي أحدثها سيد درويش، والألحان التي تركها ولا تزال تهزّ الوجدان، وأهمية موشحاته، وذكاء الطقاطيق التي عرف بها حتى قيل إنه وضع ست وستين طقطوقة، كثير منها أصابت شهرة واسعة مثل «يا عزيز عيني»، و«أهه ده اللي صار»، و«يا بلح زغلول»، التي قصد بها سعد زغلول، و«زوروني كل سنة مرة».
لحن سيد درويش مائتين وثلاثاً وثلاثين أغنية مسرحية، في ثلاثين تمثيلية غنائية واستعراضاً وأوبرا. كما كتب الأوبريتات التي اعتبرت تطويراً عظيماً للمسرح الغنائي، الذي سينحسر في مصر بعد وفاته. قال عنه عاصي الرحباني: «فنان متمرد، أول من ترجم الأحاسيس الشعبية إلى قوالب موسيقية سليمة، وأول من لحن الأوبريت كما يجب أن تلحن... وأول فنان يعمّ فنه الشرق، أيام كانت لا تربطه أي وسيلة إعلامية. إنه رائد جيله، وأستاذ مدرسة عريقة، وفنان شعبي كبير جداً».
فنان الشعب وضميره
ودرويش هو أول من استعمل آلات الأوركسترا الغربية في الموسيقى العربية، مما أعطى رونقاً خاصاً لموسيقاه المسرحية. ويقال إن «ثمة تناقضاً، بين طابع كثير من مؤلفات درويش المسرحية، ونوازعه إلى الطرب العربي الأصيل». لكن الأرجح أن سيد درويش في الموسيقى كما كل التوفيقيين في تلك المرحلة، الذين حاولوا المصالحة بين الجديد الوافد الذي أبهرهم، والقديم الذي لم يريدوا التخلي عن أصالته وعمق جذوره. وفي الكتاب تفاصيل وافيه لمحبي الموسيقى حول تقنيات سيد درويش الموسيقية، وتجديداته وإضافاته.
لكن ما صنع شهرة الرجل فعلاً، هي الروح الشعبية لأغنياته التي كان يجمعها من أفواه الناس، وأصرّ على العيش بينهم، وأن ينهل من معينهم، لا يفارق الشارع والسوق، والعمّال.
وهو ما صنع، تلك النزعة الحماسية في ألحانه، حتى لنشعر أن جميع أغنياته فيها نبرة وطنية، منها ما يشتكي من الغلاء، ويعترض على الظلم، ويساند الفقراء، ويحضّ المرأة على النهوض: «ده وقتِك ده يومِك يا بنت اليوم، قومي اصحي من نومك بزياداكي نوم».
عبّرت أغنياته عما يجول في خاطره، رغم أنه لم يكن كاتبها في أغلب الأحيان، بل كان يفضل أن يطلب تأليفها عن موضوع عزيز على قلبه، أو يختارها من أشعار جاهزة.
أكثر من ذلك أن درويش أعلى من شأن الملحن، وكبح ميل المغنين، كما شاع في القرن التاسع عشر، للارتجال والتصرف والتطريب الفطري، وألزمهم باحترام ما يضعه من ألحان، احتراماً لعمله. هكذا وضع الملحن في المرتبة الأولى بعد أن كان كاتب الكلام هو الأولى بالالتزام بما يقدمه للمطرب، فيما يشعر، هذا الأخير، أن بمقدوره التصرف في اللحن على هواه.
نحت صوره بالموسيقى
ويلفت الكاتب إلى أن الكلام على درويش يفتقد كثيراً للمعرفة الموسيقية، لذلك فإن رأي أحد أنجب تلامذته هو محمد عبد الوهاب، يبدو في غاية الأهمية «إن الشيخ سيد هو الذي فصل الموسيقى العربية عن الموسيقى التركية، وأبرز الملامح المستقلة في الموسيقى العربية». الشيخ سيد هو الذي أنشأ التعبير الموسيقي والتصوير بالموسيقى والغناء ويعتبر دور «أنا هويت وانتهيت»، الذي نال شهرة كبيرة، «هو مبتدأ التعبير التمثيلي الانفعالي أو الدرامي في الغناء العربي».
نحت درويش بألحانه صوراً ومشاعر، كأنه يحكي بموسيقاه قصصاً. وهو ما أثمر بعد ذلك الحوار الغنائي الذي يعتقد أنه دخل الموسيقى العربية مع ديالوغ «على قد الليل ما يطول» من رواية «العشرة الطيبة». ثم أدخل المونولوغ على الموسيقى العربية من خلال «والله تستاهل يا قلبي» عام 1920. وهو أول من اعتمد استخدام الأصوات أو الألحان المتعددة والمتزامنة، أي ما يسمى الـ«بوليفونيا».
حفلات تأبين عديدة أقيمت، لسيد درويش بعد موته عام 1923 إلا أن أغنياته طويت في غالبيتها، وأريد لها أن تخبو، ولم تعد إلى الحياة، إلا بعد ثورة 1952. حيث تم العمل على إحياء أعماله، وتدوين موسيقاه وتأديتها. ومع ذلك، بقي مظلوماً هذا الكبير، فتجديده أسيء فهمه، وأحياناً نظر إليه بدونية، أو بشيء من الحسد.
الفنان الشامل
من مواليد الإسكندرية عام 1892، السنة عينها التي ولد فيها موسيقي كبير آخر هو محمد القصبجي ونجيب الريحاني الذي سيتخصص بعد ذلك في تقديم مسرحيات سيد درويش الغنائية، وكذلك شريكه الأقرب بديع خيري ومحمود بيرم التونسي. من أسرة فقيرة، مات والده النجار وهو لا يزال في السابعة، أرسلته أمه إلى الكتّاب ثم إلى المدرسة، لكن سرعان ما استهواه الغناء.
العرب يرددون أغنياته مثل «سالمة يا سلامة» و«زوروني كل سنة مرة» و«الحلوة دي» و«طلعت يا محلا نورها»، و«أنا هويت»، ولكن يغيب عن الناس فهم قدرته الاستثنائية على الاستفادة من التراث وتطويعه، ومدّ جسور هائلة بين الشعب والأغنية التي تخترق الضمائر وتشعل الوجدان.
وكما يقول في الكتاب سليم سحاب «ماذا عن الأوبريتات الثلاثين التي لحنها سيد درويش، ماذا عن أغنياته للطوائف الاجتماعية المختلفة؟ ماذا عن الأوبرا التي شرع في تلحينها؟ وماذا عن عشرات الطقاطيق والموشحات والأدوار؟ هنا لا تجد جواباً».
درويش هو «أول موسيقي عربي شمولي من ناحية معرفته بالمدارس الموسيقية العربية الهامة خارج مصر». لكن إنجازه الأهم هو تخليص الموسيقى العربية نهائياً من اللكنة الموسيقية التركية التي سيطرت عليها، بوقت وجيز، وكان يحتاج عشرات السنين. أنجز هذا بفضل إصغائه لغناء الناس بمختلف فئاتهم وطبقاتهم ومهنهم، معتبراً أنهم النبع الصافي الذي ينهل منه. عن غناء العمال يقول سيد درويش: «أين نحن من هؤلاء العمال؟ إنهم المؤلفون والملحنون إنهم الطبيعة، والطبيعة فوق الفن».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

دعوة مستثمر مصري للعمل 12 ساعة يومياً تثير جدلاً

رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
TT

دعوة مستثمر مصري للعمل 12 ساعة يومياً تثير جدلاً

رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)

في حين أوصت دراسة من جامعة كامبريدج بتقليص ساعات العمل وتطبيق «أربعة أيام عمل في الأسبوع» لتعزيز الإنتاجية والحفاظ على الصحة النفسية للموظفين والعاملين، صرّح محمد فاروق، المستثمر ورجل الأعمال المصري المعروف بـ«الشارك حمادة»، بضرورة زيادة ساعات العمل لتحقيق النجاح الاقتصادي وزيادة الإنتاجية.

وأثارت التصريحات جدلاً عبر «السوشيال ميديا» بمصر، فبينما عدّ البعض تلك التصريحات تضر بحقوق العمال، عدّها آخرون تستهدف الحماس والتفوق في العمل.

وقال رجل الأعمال المصري محمد فاروق، إنه من الضروري العمل 12 ساعة يومياً لمدة 6 أيام في الأسبوع، وأضاف في برنامج بودكاست بعنوان «حكاية مدير» أن الدول الناجحة والمتقدمة تطبق هذا الأمر، ضارباً المثل بالصين وأن الناس هناك تعمل من 9 صباحاً إلى 9 مساء لستة أيام في الأسبوع.

وانتقد فاروق ما يروجه البعض حول التوازن بين العمل والحياة الشخصية، عادّاً هذا الحديث الذي ظهر خلال «جائحة كورونا» نوعاً من «الدلع»، مؤكداً «عدم نجاح الدول التي اتبعت هذا الأسلوب»، وفق تقديره.

وعدّ عضو مجلس النواب المصري عن حزب التجمع، عاطف مغاوري، أن «هذا الكلام يذكرنا بعقلية بدايات النظام الرأسمالي الذي كان يستنزف العمال في أوقات عمل طويلة، إلى أن تمكنت حركات النضال العمالية من تنظيم عقد عمل وحقوق عمال ومواعيد للعمل، وهذا متعارف عليه عالمياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «التشريعات العمالية حين منحت العمال إجازات أو حددت لهم ساعات عمل كان هذا لمصلحة العمل وليس لصالح العامل، لأنك لو استنزفت العامل فلن تكون لديه قدرة على الاستمرار، كما أن منحه إجازات يجعله يجدد طاقته ونشاطه».

وأشار إلى أن «الاجتهاد يجب أن يكون في إطار الدستور والقوانين الموجودة لدينا، لكن المنطق الذي يطرح حالياً ربما يكون الهدف منه نبيلاً، وهو تحويل المجتمع إلى مجتمع منتج، ولكن ليس باستنزاف العامل».

وزارة القوى العاملة في مصر (فيسبوك)

ولفت إلى وجود «تشريعات حديثة تدعو لاحتساب الوقت المستغرق للوصول إلى العمل والعودة منه ضمن ساعات العمل».

وينظم ساعات العمل في القطاع الحكومي (العام) في مصر والقطاع الخاص، قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وما طرأ عليه من تعديلات، بالإضافة إلى اللوائح والقرارات التنفيذية الداخلية بكل مؤسسة أو شركة، وتقر المادة 85 من قانون العمل المصري بأنه «في جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد ساعات العمل الفعلية على عشر ساعات في اليوم الواحد».

وعدّ الخبير في «السوشيال ميديا» محمد فتحي أن «البودكاست أصبح يتم استغلاله في الدعاية بشكل لافت»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض رواد الأعمال يستغلون هذه المنصة لبناء صورتهم الشخصية وعلاماتهم التجارية».

وأشار الخبير «السوشيالي» إلى سعي العديد من رجال الأعمال إلى بناء صورة إيجابية لأنفسهم وعلاماتهم التجارية من خلال المشاركة في البودكاست، حيث يمكنهم الوصول إلى جمهور واسع والتأثير في آرائه، للبحث عن الشهرة»، وفق تعبيره.

لكنه عدّ نقل الخبرات والمعرفة من الجوانب الإيجابية لظهور رجال الأعمال في البودكاست، بما يساهم في تطوير المهارات الريادية لدى الشباب، وكذلك إلهام الآخرين وتحفيزهم على تحقيق أهدافهم.

ووفق فتحي فإن «الأمر لا يخلو من جوانب سلبية لظهور رجال الأعمال في البودكاست من أهمها التسويق الخفي، بالإضافة إلى التركيز على النجاح الفردي بشكل مبالغ فيه، مما قد يخلق انطباعاً خاطئاً لدى المستمعين حول سهولة تحقيق النجاح».

وتوالت التعليقات على «السوشيال ميديا» حول تصريحات فاروق، بين من يعدّونه نموذجاً ويطالبون بتركه يتحدث، وآخرين عَدُّوه يتحدث بمنطق رجال الأعمال الذين لا يراعون العمال. وعلقت متابعة على الحلقة في «يوتيوب»، وكتبت: «المفروض يتعمل نادي لرجال الأعمال علشان يتجمعوا ويطوروا ويفيدوا بعض... وعجبتني جداً رؤية محمد فاروق للتكنولوجيا وحماسه تجاهها».

في حين كتب متابع آخر: «من السهل أن يعمل 12 ساعة وأكثر لأنها أعمال مكتبية، لا يمكن مقارنتها بعامل يقف على قدميه طوال اليوم لمدة 12 ساعة».

ويرى استشاري الأعمال الدولي، محمد برطش، أن «ساعات العمل لها قانون يحددها في أي مجتمع، لكن هناك ظروف استثنائية يمكن أن يعمل فيها الشخص 12 و20 ساعة لو هناك ما يتطلب ذلك».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أرفض المقارنة بين مصر ودول أخرى، خصوصاً أوروبا وأميركا وأستراليا، فهذه دول تحملت الكثير لكي تصل إلى ما هي عليه الآن، وظروفها لا تشبه ظروفنا».

وتابع: «فكرة 12 ساعة عموماً يمكن الموافقة عليها أو رفضها بعد الإجابة عن عدة أسئلة، مثل: في أية ظروف وبأي مقابل، في القطاع العام أو الخاص؟ فمثلاً لو قلنا إن مصر لديها مشروع قومي لتصبح دولة صناعية حقيقية وسنطبق 12 ساعة عمل لتنفيذ مشروع قومي في مجال إنتاج بعينه حتى يتحقق الهدف من المشروع فهذا مقبول، لكن في الظروف العادية فهذا يتنافى مع قانون العمل».

وتبلغ ساعات العمل الأسبوعية في القطاعات المختلفة بمصر نحو 55 ساعة عمل أسبوعياً، وفق إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صادرة عام 2022.