(«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا ـ 2) الدورة الجديدة لمهرجان فينيسيا من زاوية مخرجيها

تعرض أساليب فنية مختلفة ورؤى ذاتية متعددة

المخرج دارن أرونوفسكي
المخرج دارن أرونوفسكي
TT

(«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا ـ 2) الدورة الجديدة لمهرجان فينيسيا من زاوية مخرجيها

المخرج دارن أرونوفسكي
المخرج دارن أرونوفسكي

من الصعب أن يجد أي مهرجان سينمائي مثل هذه المجموعة الكبيرة من المخرجين التي تتألف منها هذا العام الدورة الجديد (التاسعة والسبعين) التي بدأت رسمياً في الحادي والثلاثين من أغسطس (آب) الماضي وتنتهي في أعقاب ليلة العاشر من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي.
أسباب الصعوبة متعددة. لديك أولاً احتمال أن يكون المخرج ما زال قيد العمل ولم يستطع إنجاز فيلمه في الوقت المحدد. أو أن يرتبط المخرج بمهرجان آخر طلب الفيلم لعرضه كعرض عالمي أول ورأى المنتجون بأنه من الأفضل تخصيص المهرجان الآخر به. وربما، فضل البعض التوجه إلى أي من المهرجانين المنافسين (برلين وكان) عوض فينيسيا، متلمّسين أجواء تجارية أفضل كونهما يحتويان على سوق دولية لها مريدوها وزبائنها.
لكن ما يبدو ماثلاً بالنسبة لمهرجان فينيسيا هذا العام، وفي الأعوام السابقة عموماً، قدرته على استحواذ العدد الكبير من المخرجين الآتين من شتّى أنحاء العالم المنتج بغزارة. قارن بينه وبين مهرجان «كان» الذي استعرضناه هنا في مايو (أيار) الماضي، وتجد أن دورة هذا العام من المهرجان الإيطالي لديها عدد أكبر بكثير من دورة مهرجان «كان» الأخيرة.

لقطة من فيلم بول شرادر {ماستر غاردنر}

للتحديد، لدى الدورة الجديدة من مهرجان فينيسيا الحالية، من بين المخرجين الكبار والمشهورين أسماء لا جدال في أهميّتها. على سبيل المثال أليهاندرو غونزاليز إيناريتو، ودارن أرونوفسكي، وفردريك وايزمان، وأندرو دومينيك، وولتر هِل، وكيم كي - دوك، وبول شرادر، وسيرغي لوزنتزا، وأوليفر ستون، ولارس فون تراير، وجياني أميليو، وتود فيلد، ولوكا غوادانينو، وجعفر باناهي، وأوليفيا وايلد، وجاينكارلو روزي.
بمثل هذا العدد الوفير من صانعي الأفلام ذوي البصمات، لا يمكن إلا والتمتع ببانوراما واسعة من فنون التعبير والأساليب الفنية والاهتمامات الإنسانية والفكرية. بعض هؤلاء في قمّة عطائه اليوم وفي صدارة الاهتمام العالمي، وبعضهم يقف في صف ثان قريب ساعياً لتجاوز المسافة الباقية بعد رحلة سنوات من المحاولات والمساعي الخالصة للوصول إلى المكانة التي يحتلها اليوم.
النظر إلى هذه الدورة من زاوية المخرجين أنفسهم يكشف عن السبب الذي من أجله امتهن المخرجون مهنتهم هذه. هناك الرغبة في التعبير تواكبها الرغبة في وضع المعبّر عنه في إطار فني يحمل بصمته الخاصة. في أقل الاحتمالات هو سعي لتصدير الفكر والفن مجبولين معاً في لُحمة واحدة.
كما تختلف النتائج كلما خاض أحد هؤلاء في غمار فيلم جديد، تختلف المنطلقات والدوافع التي حدت بكل منهم للعمل في السينما. التجارب السابقة تشحذ همم معظمهم للمزيد. لذلك الحالي الجديد ينتمي، كبصمة الإصبع، للأعمال السابقة. تصوّر، مثلاً، أن يكون لديك بول شرادر مخرجاً كوميدياً وهو الذي لم يكترث إلا لتسجيل حالات أفراد أميركيين في مواجهة ظروف قاسية. أو أن تجد فردريك وايزمان قد تجاهل أسلوبه التسجيلي وهو يقدم على فيلم روائي لا يحمل تأثره (أو مدرسته؟) في ذلك النوع من السينما.

- أزمات ومصاعب
يقدّم المخرج المكسيكي أليهاندرو غونزاليز إيناريتو في المسابقة فيلمه الجديد «باردو» حول صحافي يعود إلى موطنه في المكسيك ليباشر إحدى أصعب المهمات: مراجعة ذاتية لنفسه وللعالم من حوله باحثاً عن هويّته الشخصية.
هذا هو الفيلم الطويل الثامن للمخرج إيناريتو وآخرها كان قبل سبع سنوات عندما حقق فيلمه «المنبعث» حول بطله الذي يتركه شريكه للموت في البرية القاسية لكنه يواجه الأزمات البدنية والمخاطر الطبيعية لكي يستعيد قوته ويلتقي بمن أساء إليه من جديد.
في عالم إيناريتو هناك مواضيع مختلفة بلا رابط قصصي واحد. لقد عمد إلى تقديم حكايات مختلفة بشخصيات لا ترابط وثيق بين مراجعها الإنسانية أو الاجتماعية أو الثقافية حتى - أحياناً - عندما كان يسرد عدّة شخصيات في فيلم واحد (كمال الحال في «21 غراماً» و«جميل». لكن خارج النص والحكاية فإن الرابط موجود في كنه الرغبة في استخدام كل عناصر الصورة لتلعب دورها الأساسي. أفلامه تتميز بإدارة واثقة للكاميرا وما تتألف منه. ما علينا إلا أن نتذكر في ذلك «جميل» (2010) و«بيردمان أو الفضيلة غير المتوقعة للجهل» (2014) و«المنبعث» (2015).
في منحى مختلف يجمع المخرج الأميركي دارن أرونوفسكي بين الاهتمام بأزمات أبطاله وتوفير الإطار التعبيري لها من دون كثير شغل على ما يجعل اللقطة قابلة للتحليل والدراسة لذاتها. لا يعتمد كثيراً على اختلاف ذلك الإطار أو تميّزه عن سواه، لكنه ينجز دوماً ما هو مثير على صعيد تأليف الحبكة كما كان حاله في أفلامه من «قدّاس لحلم» (2000) إلى فيلمه الأخير «أم» (مع جنيفر لورنس وخافييه باردم سنة 2017.
فيلمه الجديد «الحوت» (The Whale) مثل «أم» ينظر إلى فحوى العلاقات بين شخصياته وكيف يحكم بعضها على نفسه بالمأساة... بطله (براندون فريزر بعد غياب) رجل بدين جدّاً وحالته وحدها مدعاة لحياة مأسوية تزداد حدّة عندما يحاول التواصل مجدداً مع ابنته الشابّة. لا بد من القول هنا إنه ليس كل أفلام أرونوفكسكي جيدة. «نوح» (2014) التاريخي ليس بقوّة وتميّز «بجعة سوداء» (2010) الدرامي و«النافورة» (The Fountain) سنة 2006 أقل قيمة من «المصارع» (The Wrestler) سنة 2008. لكن اهتماماته فنية وتجيز له البقاء بين أولئك الذين يُنتظر منهم دوماً عملاً أفضل من سابقه.
الفيلم الجديد لبول شرادر «ماستر غاردنر» سينضم، غالباً، لأعماله المهمّة والجيدة التي حققها حتى الآن. هو مخرج يتحرّى عن القيمة الأخلاقية بين شخصياته وهذا التحرّي ازداد حضوراً في أفلامه منذ «محنة» (Affliction) قبل 27 سنة. خلال السنوات القليلة الماضية بعث برسالته الباحثة عما يقع في عالم ممزّق بين الأخلاقيات والمبادئ وبين الماديات اللاغية لها كما الحال في «إصلاح أول» (2017) وفيلمه الأخير «عدّاد ورق اللعب» (The Card Counter) قبل عامين. في هذا الفيلم دفع باتجاه أن أحداً عليه أن يدفع ثمناً لما نعانيه من مشاكل ذاتية، تماماً كما كان حال السيناريو الذي كتبه لمارتن سكورسيزي سنة 1975 تحت عنوان «تاكسي درايفر». هنا يقدم حكاية من ذات الفصيل بطلها عالم نباتات (جووَل إدغرتون يتقرّب من أرملة (سيغورني ويفر) لأسباب ومنافع.

المخرج إيناريتو (وسط) خلال تصوير «باردو»

- من خارج السرب
بالنسبة لجعفر باناهي فإن مصدر الاهتمام به متعدد. عملياً، لا يلتقي هذا المخرج الإيراني في أسلوب سرده وأسلوب تنفيذه لما يعرضه سواء أكان دراما أو تسجيلياً، مع أي مدرسة غربية. الأقرب لمنهجه هذا هو بعض أعمال الراحل عبّاس كيارستمي والمعتزل محسن مخملباف، لكن حتى في ذلك هو مختلف من حيث مزجه بين الموضوع الدال على حقائق اجتماعية وبساطة تكوين رؤيته لها. سواء أكان التصوير داخل سيّارة (كما «تكسي طهران» (2015) أو في منزل («ستائر مغلقة» (2013 - وهو أحد أفضل أفلامه) أو في مكان كبير ومزدحم كما الحال في «أوفسايد» (2006) فإن هذا البحث عن حقائق الوضع الاجتماعي يزعج الحكومة الإيرانية التي، شأنها في ذلك شأن النظم الشبيهة، تواجه ذلك بقرارات المنع والسجن.
والسجن الذي يتعرّض له باناهي هو سبب آخر لتحلّق المهرجانات الكبرى حول أفلامه. هو نموذج الزمن الحالي بين الذين تعرّضوا للمعاملة ذاتها (مثل سيرغي بارادجانوف أيام الاتحاد السوفياتي) في السابق.
إلى حد بعيد، لا بد من اعتبار باناهي سينمائياً من خارج السرب المعتاد. وهذا هو الحال مع المخرج الأميركي وولتر هِل إنما لأسباب مختلفة.
ليس هناك من جدال فعلي حول التزامات وولتر هِل بالتوليفية الهوليوودية التي يؤمها بكامل مواصفاتها كلما وقف وراء الكاميرا. وهي المواصفات التي قلّما اكترثت لها المهرجانات الدولية كونها تعكس الرغبة في الترفيه، مهما كان تنفيذها جيداً، وبصرف النظر عما تطرحه.
هِل، الذي يقدم خارج المسابقة في الدورة الحالية لمهرجان فينيسيا فيلمه الجديد «ميت لدولار»، لن يخون تاريخه القائم على حكايات تتنوع بين التشويقي والوسترن. فيلمه الجديد عذراً لتحقيق فيلم وسترن جديد وهو النوع الذي يعشقه والنوع الذي أقدم عليه أكثر من مرّة. حتى أفلامه المنتمية إلى البوليسي والتشويقي يعالجها كما لو كانت أفلام وسترن تصلح لأن تعود بنفسها إلى القرن التاسع عشر ومشاغله.
أمّ هِل الإخراج سنة 1975 بعد أن عمل مساعداً ثانياً في بضعة أفلام من بينها «قضية توماس كراون» لنورمان جوويسُن و«بوليت» لبيتر ياتس (كلاهما سنة 1968).
تمتع فيلمه الأول «هارد تايمز» بوجود ممثلين من عصر كان لا يزال يحتفظ بذكرى لأولئك الذين انطلقوا في التمثيل وأدوار البطولة في الستينات. هو من بطولة جيمس كوبرن وتشارلز برونسون. الأول يدير الثاني في مصارعات غير قانونية مكانها الشوارع وبلا حلبات وكل شيء مسموح فيها.
فيلمه اللاحق لا يزال أحد أفضل. إنه «السائق» (1973) مع رايان أونيل في دور سائق سيارة تستخدمها عصابات سرقة المصارف للهرب بها. كل ما يطلب منه هو أن يجلس وينتظر ثم ينطلق حال فرار أفراد العصابة من البنك الذي سرقوه، ثم مهارته في تجنب مطاردة سيارات البوليس. لكن اللفتة الجيدة (أو واحدة منها على الأقل) هي أن رجل البوليس الصارم (بروس ديرن) يلاحقه شخصياً لأنه يعلم حقيقة عمله ولو أنه لا يملك دليلاً ضده.
فيلم هِل الوسترن الأول هو The Long Riders عن حياة الجريمة لعصابة يونغر وجيمس في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. الحكاية حقيقية بشخصياتها وبعض أحداثها، وجمعت ثلاثة أشقاء من آل كاردين هم روبرت وكيث وديفيد وشقيقان من آل كيتش هما ستايسي وجيمس. الفيلم جوهرة بين أترابه في تلك الفترة وفي كل الأحوال أفضل من أي فيلم آخر عن هذه العصابة على كثرة الأفلام التي تعرضت لها.
بعد ذلك تعددت علامات النبوغ غير المقدّر من أهل النقد غير الغربي ومن بينها Southern Comfort وStreets of Fire وJohnny Handsome و24Hrs و- على الأخص - Gernonimo‪:‬ And American Legend.‬


مقالات ذات صلة

بوادر إيجابية في المفاوضات بين كتّاب السيناريو والاستوديوهات الهوليوودية

يوميات الشرق مسيرة لكتاب وومثلين خارج استوديوهات شركة «باراماونت» في هوليوود يوم 14 يوليو الماضي (أ.ب)

بوادر إيجابية في المفاوضات بين كتّاب السيناريو والاستوديوهات الهوليوودية

تسارعت التطورات في هوليوود بشأن إضراب كتّاب السيناريو، إذ أعلنت نقابتهم أنها ستواصل اليوم المفاوضات مع الاستوديوهات.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق هاني سلامة خلال ندوة تكريمه (إدارة المهرجان)

هاني سلامة: تراجُع الإنتاج السينمائي في مصر قد يفقدها لقب «هوليود الشرق»

أثارت تصريحات الفنان المصري هاني سلامة عن تراجع الإنتاج السينمائي في مصر، نقاشات «غاضبة»، خلال ندوة تكريمه ضمن فعاليات «مهرجان الغردقة لسينما الشباب».

محمود الرفاعي (الغردقة (مصر))
ثقافة وفنون الممثلة السينمائية المصرية نيللي كريم خلال العرض الإقليمي الأول ﻟ«الفيلم المصري 2023» «فوي! فوي! فوي!» في سينما فوكس سيتي سنتر في بيروت في 21 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

«فوي! فوي! فوي!» فيلم مصري يطمح للأوسكار بموضوعه الساخن عن الهجرة غير الشرعية

يطرح فيلم «فوي فوي فوي» الذي رشحته القاهرة لجوائز الأوسكار، موضوع الساعة وهو الهجرة غير الشرعية من الشرق الأوسط وأفريقيا، وتعدّ مصر وكذلك لبنان من منابعها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق عمرو عبد الجليل في لقطة من فيلم «شمس» (الشركة المنتجة)

رفع فيلم «شمس» من دُور السينما المصرية بعد 14 يوماً على العرض

انضم فيلم «شمس» إلى قائمة أفلام سُحِبت من دور العرض في مصر لعدم قدرتها على المنافسة ضمن سباق موسم الصيف، وتحقيقها إيرادات ضعيفة.

انتصار دردير (القاهرة)
سينما توفيق صالح خلال الاحتفاء به

عشر سنوات على رحيل المخرج توفيق صالح

مرَّت عشر سنوات على رحيل المخرج توفيق صالح في جو من الصمت التام الذي لا يليق بمخرج كان من بين قمم السينما العربية.

محمد رُضا (لندن )

عشر سنوات على رحيل المخرج توفيق صالح

توفيق صالح خلال الاحتفاء به
توفيق صالح خلال الاحتفاء به
TT

عشر سنوات على رحيل المخرج توفيق صالح

توفيق صالح خلال الاحتفاء به
توفيق صالح خلال الاحتفاء به

مرَّت عشر سنوات على رحيل المخرج توفيق صالح في جو من الصمت التام الذي لا يليق بمخرج كان من بين قمم السينما العربية. ففي شهر أغسطس (آب) سنة 2013 لفظ مخرج «يوميات نائب في الأرياف» و«السيد البلطي» و«المخدوعون» نفسه الأخير عن 87 سنة بعد حياة مرّت بصعاب مختلفة، لكنها شهدت نجاحاً مهمّاً على صعيد نقّاد السينما لجيلين متواليين على الأقل، قبل أن يفتر الإعجاب به ولو إلى حد.

خارج بلده

أنهى المخرج رحلة سينمائية احتوت على سبعة أفلام فقط حقّقها ما بين 1955 و1982. لمَ سبعة أفلام فقط؟ لا حقيقة واضحة ومؤكدة في هذا الصدد. بعض العاملين في مجال الإنتاج يقولون إن المخرج هو من رفض العمل معهم. بعض السينمائيين من جيله، وتحديداً يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، عرض عليه مشاريع، لكنها لم تبرح المرحلة الأولى من البحث فيها.

هناك من يقول إن المخرج كان خائفاً من العودة إلى العمل بعد فترة توقف طويلة في السبعينات والثمانينات. لكن هذا لا يبدو صحيحاً. ربما تردد في العودة تبعاً لمشاكل واجهته في إطار عمله، لكن الخوف ليس عاملاً فعلياً هنا.

الأكثر احتمالاً أن توفيق صالح كان يبحث عن المشروع المتكامل الذي يصيغ منه عملاً يتجاوز، في قيمته وأهميته، ما سبق له أن حققه من أفلام. ولم يجده. كان متردداً، وهذا خطأ، لكنه كان يطمح فعلاً لتحقيق الفيلم المستقل والمناسب، كما ذكر لي أكثر من مرّة. ولأنه أنجز أفلاماً فشلت تجارياً، فإن القطاع الخاص في مصر لم يكترث له إذا عمل أو لم يعمل. وما لبث أن وجد نفسه منفياً على نحو رسمي من قِبل المؤسسة العامة للسينما من بعد تحقيقه الفيلم الوحيد لحسابها وهو «يوميات نائب في الأرياف» سنة 1969.

هذا ما أدّى به إلى العمل خارج مصر فحقّق «المخدوعون» سنة 1972 لحساب المؤسسة العامّة للسينما في دمشق، الفيلم الذي اقتُبس عن رواية الراحل غسّان كنفاني، وتمتّع بموجة إعجاب كبيرة بين النقاد والإعلاميين والمثقّفين.

من فيلم «المخدوعون» (مؤسسة السينما السورية)

بدا هذا النجاح إيذاناً ببداية جديدة تفضي إلى المزيد من الأعمال الجديدة، لكن المخرج ابتعد مجدداً عن الوقوف وراء الكاميرا حتى عام 1980. حينها كان قد استقر في بغداد مع عائلته وبدأ التدريس. لكن في ذلك العام حقق فيلمه الأخير «الأيام الطويلة»، الذي ألّب عليه العديد من النقاد والمثقفين كونه كان سيرة ذاتية للرئيس العراقي صدّام حسين.

إعادة تقييم

من الإجحاف إلى حد كبير أن يؤاخذ توفيق صالح على تحقيقه فيلماً واحداً نفّذه تحت ضغوط كبيرة، والانقلاب عليه وعلى تاريخه على أساس أن التقدير الذي صاحبه خلال السنوات التي حقق فيها أفلامه من الخمسينات وحتى الثمانينات كان مُغالى في تقييمها. لكن هذا ما حصل بالفعل، فسادت إعادة التفكير في قيمة توفيق صالح بعض الوجهات الثقافية وبعض النقاد على نحو متوازٍ، مع قيامهم بإعادة تقييم حسن الإمام على أساس أن نقاد الأمس ظلموه. الواقع أنّ كلاً من صالح والإمام سينمائيان مختلفان تماماً، وغير متساويين في أوجه كثيرة. واحد اهتم بحكايات الغوازي والراقصات وأفلام الميلودراما، وآخر هدف لتحقيق أعمال جادة في موضوعات مجتمعية حسّاسة.

الجدّية في الطرح والتميّز في فن الطرح ليسا تذكرة مضمونة للنجاح، لا في عالمنا العربي ولا خارجه. الفرص تختلف، ونسبة تحقيق المعجزات أيضاً، لكن كثيراً ما وجد مخرجون جادّون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: تلبية رغباتهم حسب رؤيتهم لدور السينما وفهمهم لها، أو تلبية رغبات الجمهور السائد. العديد منهم عمد إلى الاختيار الثاني ليستمر.

أنجز توفيق صالح أول أفلامه بعنوان «درب المهابيل» (1955)، المأخوذ عن معالجة لنجيب محفوظ، ومن ثم توقف لبضع سنوات قبل أن يعود وينجز «صراع الأبطال» (1962)، ليتوقف ثانية ويعود في «السيد البلطي» (1967). بعد ذلك واصل العمل بلا توقف فحقق «المتمردون» (1968)، ومرّ عام واحد بعد ذلك قبل أن يحقق «يوميات نائب في الأرياف» (1969). تبع ذلك مرور ثلاث سنوات قبل العودة في «المخدوعون» (1972)، فثماني سنوات قبل فيلمه السابع والأخير «الأيام الطويلة».

منهج بوجهين

غابت عن نتاجاته الأولى الرغبة في إيجاد المعالجة الفنية الصحيحة التي تستطيع توجيه ورفع ذلك المحتوى. هي أفلام صادقة في نقد التخلّف وأسبابه وجشع البعض للمال وسقوط الآخرين ضحايا لهذا الجشع. صادقة في دعوتها لتأسيس «نظام» جديد (والكمة تتردد في «صراع الأبطال» و«المتمردون») يحمي الناس من الجهل والأمراض (كلا الفيلمين دار حول أطباء يطرحون ضرورة التغيير الذي يطال مفهوم حكم كامل). لا تخلو أفلامه من محاولة تأسيس أسلوب عبر مشاهد ولقطات لتفاصيل شخصية وميدانية، لكنها تبقى في إطار الاستسلام للسرد التقليدي في الوقت نفسه.

ربما لم يعرف صالح غير ذلك الإطار حينها، وربما عرف، لكنه اختار ما يضمن وصول المضمون إلى الجمهور. على أن نقّاد ذك الحين (الستينات) كان لهم يد في تشجيع المخرج على الاستمرار في منهجه. فبينما كان ذلك التشجيع مهماً لأي سينمائي يطلب لنفسه النجاح الذي سيساعده على مواصلة التقدم في ميدانه، حمل موقف النقاد الإيجابي سلبية واحدة، وهي أنهم تحدّثوا في المضامين التي احتوتها أفلامه، مثل «صراع الأبطال» و«درب المهابيل»، ورحبوا بها بمنأى عن تناول عناصر فنية أخرى موجودة أو غائبة. طبعاً هي مضامين جادّة وضرورية، لكن تلك الأعمال لم تكن - على صعيد فني بحت - ذات تميّز فعلي عن أعمال مخرجين آخرين تطرّقوا بدورهم إلى أحوال البلاد قبل أو بعد ثورة 1952.

بداية ونهاية

وُلد المخرج في مدينة الإسكندرية بتاريخ 1926/10/27. عائلته كانت مرتاحه ووالده الطبيب كان منفتحاً ومهتماً بأن يواصل ابنه دراساته العليا. في شبابه التحق بكلية فيكتوريا، تلك التي درس فيها كذلك يوسف شاهين، قبل أن يتوجه إلى باريس لدراسة السينما.

حين عاد صالح إلى مصر كتب معالجة سينمائية لفيلمه الأول «درب المهابيل»، التي ساعده نجيب محفوظ على إعادة صياغتها على نحو يمكن قبولها رقابياً. لكن صالح، إذ نفَد من متاعب الرقابة في ذلك الفيلم الأول، وجد الرقابة تعترضه أكثر من مرّة لاحقاً. من تلك المرّات كان ما حدث بينه وبين الرقابة سنة 1966 عندما انتهى من إخراج «المتمردون»، الذي يدور حول الإهمال الطبّي في تلك الفترة، فعارضته الرقابة، مما اضطره لتغيير النهاية التي اختارها لأخرى تحمل أملاً.

من «يوميات نائب في الأرياف» (موقع السينما. كوم»

الحال نفسها، على نحوٍ أفدح، ووجه به سنة 1969 عندما نقل رواية توفيق الحكيم «يوميات نائب في الأرياف»، فطالبت الرقابة حينها بتغيير عدد كبير من المشاهد أو حذفها. تدخل الرئيس جمال عبد الناصر وأجاز عرض الفيلم الذي انتقد أوضاع الحياة السياسية السائدة بوضوح.

على قلّة أفلامه، مقارنة مع سواه من فرسان السينما المصرية (يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، كمال الشيخ وآخرين)، كان توفيق صالح مخرجاً ناجحاً، نسبة لأهمية أعماله وثباته على النواحي النقدية التي استخدمها لوصف الحالة السياسية والمعيشية.

اضطره كل ذلك إلى مغادرة مصر وتلبية طلب المؤسسة العامة للسينما في سوريا لتحقيق فيلم «المخدوعون»، عن رواية الراحل غسّان كنفاني. لبّى صالح ذلك الطلب، وأنجز أفضل فيلم حققه على الصعيد الفني (رغم هفوات كِتابه) وأحد أهم أعماله على صعيد المضمون.

عاد قبل سنوات قليلة من وفاته واحتفلت به «جمعية الفيلم» في القاهرة بحفل كبير حضره نجوم وسينمائيون ونقاد.

الفيلم الأخير «الأيام الطويلة»، يُمكن بكل سهولة عدم حسبانه من بين تلك الأعمال النقدية والاجتماعية كونه نُفّذ بإلحاح من مؤسسة السينما العراقية كتحية للرئيس العراقي صدام حسين، لكن فيه من الخصال الفنية ما لا يجب أن يغيب عن الإشارة إليه بحيادٍ تام عن ظروف عمله.

كان هذا الناقد زار المخرج في بغداد أكثر من مرّة، واستمع إلى بعض تلك الظروف. لم يكن أمام صالح سوى الموافقة على رغبة المؤسسة العامّة للسينما في توظيف اسمه الكبير إعلامياً لسرد قصّة حياة الرئيس العراقي. لكنّ الفيلم ليس «بروباغاندا» وإن وضع صدّام حسين في دائرة ضوء إيجابية: «كان يمكن لهذا الفيلم أن يأتي إشادة علنية كاملة للرئيس العراقي»، قال في مقابلة، «لكنّي وجدت أنه من الممكن البحث قليلاً في التاريخ وتقديم فيلم عن الظروف وليس عن السياسة».


شاشة الناقد: وراء الجبال **

مشهد من فيلم «وراء الجبال» (نوماديس إيميجيز)
مشهد من فيلم «وراء الجبال» (نوماديس إيميجيز)
TT

شاشة الناقد: وراء الجبال **

مشهد من فيلم «وراء الجبال» (نوماديس إيميجيز)
مشهد من فيلم «وراء الجبال» (نوماديس إيميجيز)

شاشة الناقد

وراء الجبال **

إخراج: ‪محمد بن عطية‬ | دراما | تونس | 2023

«الإنسان الأول» يقول الرجل الطائر لعائلة من المستمعين كان يمشي محدودب الظهر وعلى أطرافه الأربعة، ومن ثم استقام أحدهم وتبعه الآخرون. «كل منا يستطيع الطيران».

ليس هذا صحيحاً ولا هو ثابت علمياً، لكن المشكلة في هذا القول، إن رفيق (ماجد مستورة) لا يجيد الطيران. هو، في أفضل الحالات مثل صقر صغير أراد تقليد والده قبل أن يعرف الطيران فسقط أرضاً في كل محاولة.

في «وراء الجبال» تتمثّل هذه الحالة في رجل نراه يقفز من على مرتفعات (أدوار عليا، جبال) ويحلّق لفترة، لكنه حين يريد أن يعود إلى الأرض لا يملك الطريقة التي تعفيه من الاصطدام بها. يفقد الوعي (ماذا عن فقدانه العظام؟)، وفي ذلك يثبت من حيث لا يدري عدم صحة كلامه. على ذلك، بنى المخرج محمد بن عطيّة مضمون فيلمه كله على حكاية هذا الرجل الطائر وكان يستطيع، بتغيير طفيف، أن يترك وقعاً أفضل لو أن بطله كان يعرف كيف يعود إلى الأرض سالماً.

في فصول الفيلم، ينطلق ماجد وابنه وراعي غنم ما زال مدهوشاً من قدرة الأول على الطيران هرباً من حاجز أمني على طريق ريفية. ليس واضحاً تماماً سبب هروبه، ولكن نستطيع تجاوز هذا المنعطف لأنه ضروري في سياق اقتحام ماجد وصاحبيه منزل رجل وزوجته وولديهما، النائي في منطقة جبلية بعيدة. الوقت ليل، والعائلة التي تسكن البيت تمر بلحظات خوف وتوتر عندما تصبح رهينة الغزاة ثم تمسك بالموقف عندما يأوي ماجد وصحبه إلى النوم. في مطلع اليوم التالي، يطلب ماجد من العائلة إطلاق سراحه فهو لم يتعرّض لأحد بالأذى. تفعل الزوجة ذلك ويتابع طيرانه في السماء. حينها تصدّق ما ادعاه من قدرة على التحليق.

كان يمكن للفيلم أن يحلّق معه لكن الكتابة، وليس التنفيذ الفعلي، موّه تلك الإمكانية. وفّر الحبكة (بعد بداية مضطربة) ولم يوفّر الغطاء لجعل هذا المضمون مهمّاً. إذا كان القصد هو الترميز لشيء، فإن هذا الترميز يبقى غامضاً. إذا كان القصد مجرد سرد حكاية فانتازية، فإن اعتماد وتيرة تشويقية تقع في إطار اقتحام منزل وأخذ أفراده رهينة، لا يعمل جيداً مع الآخر. ليس من شروط الفانتازيا أن تكون قابلة للتصديق (لذلك هي فانتازيا)، لكن من شروطها أن تعني أكثر مما تعرض.

هذا ما لم يقدم عليه محمد بن عطية، الذي أصاب الهدف على نحو أفضل حين حقق قبل أربع سنوات فيلماً بعنوان «ولدي»، عن الرجل الذي يلحق بابنه إلى الحدود التركية - السورية لاستعادته من المتطرفين ويفشل.

يُسجَّل للمخرج رغبته في تحقيق موضوع مختلف، وفي إدارة الأحداث داخل البيت على نحو جيد كوتيرة وإيقاع، مولّداً قدراً من التشويق، لكن الفيلم بكامله كان بحاجة إلى دفع إضافي وقدرة ماديّة تجعل مشاهد الطيران احتفالية.

عروض مهرجان فينيسيا

BREAKING NEWS : OFF***

Outlaw Johnny Black

إخراج: ‪مايكل جاي وايت‬ | وسترن | الولايات المتحدة | 2023

بعد أقل من ربع ساعة من بداية هذا الفيلم، يقول جوني لعنصري أبيض كان يضرب «هندياً» مسكيناً: «سأرفع قدمي هذه وأضرب بها وجهك»، وأشار إلى منتصف جبهة ذلك الرجل وهو يفي بوعده. المشهد مأخوذ من فيلم «بيلي جاك» لتي سي فرانك (1971) بتفاصيله، بما في ذلك إشارة اليد لموقع الضربة المقبلة ثم ضربة القدم في الموقع نفسه.

«الخارج عن القانون جوني بلاك» (جايغانتك ستديوز)

هذا ليس الاستيحاء الوحيد من أفلام الغرب. «الخارج عن القانون جوني بلاك» يحمل عنوانه شبيهاً بفيلم كلينت إيستوود «الخارج عن القانون جوزي وَلز (1976) والمعالجة التي تجمع بين الكوميديا والأكشن مستوحاة من أفلام الوسترن سباغيتي» في الستينات. والحكاية كلها (رجل أسود يجابه كل من هو أبيض في بلدة تقع في الغرب الأميركي) تحمل في طيّاتها كل كليشيه كان من الممكن التذكير به خلال كتابة السيناريو. هناك بيض عنصريون، بطل أسود لا يمكن قهره. نساء جميلات وراغبات، هنود حمر يرقصون على إيقاع طبولهم ويهاجمون البيض. أحدهم يطلق سهماً صوب بطل الفيلم المتنكر في زي راهب، لكن الكتاب المقدّس الذي وضعه جوني بلاك في جيب صدره الداخلي يحميه.

هو فيلم سخيف يركض وراء الفكاهة وبعض الغرابة، لكنه بلا بطانة تماثل أياً من النماذج المذكورة أعلاه. لا يحتّم على المرء مشاهدته لكن إذا ما اختار المُشاهد هذا الفعل فمن المتحمل أن يضحك معه وينساه فيما بعد.

عروض في صالات السينما.

The Movie Teller***

إخراج: ‪لون شرفِغ‬ | دراما عائلية | تشيلي/ إسبانيا | 2023

بعد سلسلة من الأفلام التي تناولت علاقة مخرجيها بالسينما أو دارت حول السينما في حياة أبطال الفيلم، يأتي «قاصّة الفيلم» كإضافة لما سبق.

كنا شاهدنا في هذا الاتجاه أربعة أفلام في العام الماضي تدور حول هذه العلاقة هي «زمن القيامة» (Armageddon Time) لجيمس غراي، و«ذا فابلمانز» لستيفن سبيلبرغ، وفيلم كنيث براناه «بلفاست»، وفيلم سام مندز «إمبراطورية الضوء»، ومن ثَمّ فيلم داميَن شازيل «بابل». كلٌ غنّى على ليلاه حول رؤيته أو علاقته بالسينما في نوع من التحيات المرحّب بها في هذا المجال.

«قاصّة الفيلم» (سيلنيوم فيلمز)

الآن يأتي دور المخرجة الدنماركية لون شرفِغ، التي تسلمت مهمّة كان عاينها المخرج البرازيلي وولتر سايِلس ثم ولّى عنها. تسلمت الإسبانية إيزابل كواشت المشروع لحين، ثم مضت عنه. كل من المخرجين السابقين مذكور في بطاقة الفيلم وعند شريط النهاية، مما يعني أنهما شاركا في كتابة السيناريو، لكن أي نسخة لا أحد يعرف. ما يهم هنا أن معالجة شرفِغ لهذا الموضوع جديدة في نواحٍ عدّة. مثلاً العلاقة المرسومة بين الإنسان والشاشة تتولاها فتاة صغيرة تستطيع أن تحفظ تفاصيل كل فيلم تراه. وهذه الفتاة تنتمي إلى عائلة من الشغوفين بحضور الأفلام، تجمع أفرادها وتؤم صالة السينما كل يوم أحد لترى فيلم الأسبوع. وهذه العائلة بدورها تعيش في قرية تكمن في ركن قصي وبعيد عن جمهورية تشيلي اسمها أتاكاما: 1600 كيلومتر من الصحراء الجافة. سبب وجود القرية هناك يتعلّق بوجود منجم للفوسفات، وسبب وجود الصالة مرتبط بالقرية في أحداث تقع في الستينات التي كانت تشهد تقلّبات سياسية في الصراع على البلاد بين اليسار واليمين.

لا يتحدّث الفيلم كثيراً في السياسة، لكنه يستخدم دلالاتها عبر ترحيب أهل القرية بانتخاب سلفادور أليندي رئيساً، على أمل تعزيز مصالح الطبقة العاملة. عمال المنجم يعانون من شغف المكان وقسوته، لكن النساء لديهن فرصة حضور أفلام مثل «مظلات شربورغ»، و«الرجل الذي قتل ليبرتي فالانس» وسواهما. عندما يُصاب رب الأسرة في حادثة خلال عمله بالمنجم تشحّ الإمكانات المادية وتفرض انتخاب ابنة واحدة كل أسبوع لدخول الصالة بمفردها ومشاهدة الفيلم الوحيد المعروض. هنّ أربعة بنات، مما يعني أنّ بطلة الفيلم ستشاهد فيلماً واحداً في الشهر (إلا في بعض الاستثناءات) تعود به إلى شقيقاتها وتقص الحكاية. وهي الأكثر دقة وتركيزاً.

هذه الذكريات تواجهها مشاكل الكبار. الزوج المصاب، والزوجة التي لم تعد تتحمّل المكان وقسوته فتتركه وتغادر.

«قاصّة الفيلم» فيه بذور من فيلم جيسيبي تورناتوري الشهير «سينما باراديزو»، لكن هذه البذور لا تنبت عملاً مستوحى من ذاك أو شبيهاً به إلا من حيث أن البطولة هي لصبي (في الفيلم الإيطالي) وفتاة (في هذا الفيلم) في عمرين متقاربين.

في مجمله يتمتع «قاصّة الفيلم» بميزة تناوله وضعاً اجتماعياً معقّداً بسهولة سردية عامّة. إذ تغادر الأم تلك البقعة (وهي التي كانت تحلم أساساً بحياة أفضل وأن تصبح ممثلة)، تبقى ابنتها مع شقيقاتها على أمل أن تمنحها الأفلام التي تراها كل ما تحتاجه من حب للحياة رغم صعوبتها. لا يقرر الفيلم عنها، لكنه ينتهي بتوجيه تحية ضمنية كبيرة لها.

عروض مهرجان تورنتو.

ضعيف* | وسط**| جيد ***| ممتاز**** | تحفة*****


«ستين جنيه» أول فيلم قصير يفتتح «الجونة السينمائي»

لقطة من الدورة الخامسة للمهرجان (الجونة السينمائي)
لقطة من الدورة الخامسة للمهرجان (الجونة السينمائي)
TT

«ستين جنيه» أول فيلم قصير يفتتح «الجونة السينمائي»

لقطة من الدورة الخامسة للمهرجان (الجونة السينمائي)
لقطة من الدورة الخامسة للمهرجان (الجونة السينمائي)

للمرة الأولى في تاريخ «مهرجان الجونة السينمائي» المصري، يتم اختيار فيلم قصير لافتتاح الدورة السادسة المقرَّرة إقامتها بين 13 و20 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

أثار هذا القرار تساؤلات، لا سيما أنّ المهرجان يضم أفلاماً مهمّة ينفرد بعرضها العالمي الأول داخل المسابقة، وأخرى حازت جوائز من مهرجانات دولية كبرى ضمن القسم الرسمي، وفق تأكيد مديره انتشال التميمي، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «ليست المسألة عدم وجود فيلم طويل يصلح للعرض في الافتتاح. لدينا أفلام مهمّة كثيرة في عروضها العالمية والدولية الأولى. لكن للاختيار أسبابه؛ أهمها أنّ يوم الافتتاح يستغرق وقتاً طويلاً، بداية من السجادة الحمراء إلى الحفل بما يتضمّنه من تفاصيل، من بينها تقديم لجان التحكيم واستعراض الأفلام المشاركة، والتكريمات... مما يُعدّ مرهقاً لمَن يتابع بعد ذلك فيلماً طويلاً، وقد ينصرف بعضٌ عن ذلك، مما يظلم العمل السينمائي المهم. لذا، عرضُ فيلم قصير سيكون أفضل، تشجيعاً لهذه النوعية من الأفلام. انحزنا أكثر للفكرة بعدما شاهدنا فيلم (ستين جنيه) للمخرج عمرو سلامة، فهو بديع».

بوستر فيلم «ستين جنيه» (الجونة السينمائي)

الفيلم من بطولة مغنّي الراب زياد ظاظا وطارق الدويري وحمزة دياب وروحية سالم، وتصوير أحمد بيومي، ومونتاج أحمد حافظ. تدور أحداثه حول زياد، المراهق الذي يعاني وعائلته العنف الأسري. فموهبة زياد في تأليف الأغنيات هي الطريقة الوحيدة أمامه للهروب من واقعه. ومع تصاعُد التوتّر وبلوغ الذروة، يأخذ على عاتقه مهمّة تخليص عائلته من المعاناة.

إلى الإخراج، كتب عمرو سلامة السيناريو والحوار، مستلهماً القصة من أغنية لظاظا، ومؤكداً في تصريحات صحافية أنه يعدّ نفسه متابعاً مُخلصاً لأغنيات الراب منذ سنوات، ويجد فيها قصصاً آسرة، كما لمح في أغنية لزياد تحمل العنوان عينه وتعبّر عن حالة درامية ألهمته الكتابة. وكان انتهى من التصوير في يونيو (حزيران) الماضي، وكتب على صفحته في «فيسبوك»: «فيلم مليء بالشغف والتجريب والاستمتاع، النتيجة نظنها ستكون مُرضية».

ونشر عبر صفحته الإعلان الترويجي الأول، كاشفاً عن البوستر الخاص بالعمل بعد اختيار «الجونة السينمائي» عرضه في الافتتاح. وهو كان قدّم من قبل مغني الراب ويجز ممثلاً للمرة الأولى في مسلسل «بيمبو»، علماً أنّ ظاظا، أحد نجوم الراب، قد أحيا مؤخراً حفلاً في مهرجان «العلمين»، وشارك في مهرجان «عيد الموسيقى».

تعليقاً، يرى الناقد خالد محمود في عرض المهرجان لفيلم قصير بحفل الافتتاح، خطوة جديدة قد تحلّ أزمات عدّة، وفق ما يقول لـ«الشرق الأوسط». يتابع: «من حق كل مهرجان الظهور بهوية مختلفة في كل دورة. أعتقد أنها خطوة جديدة رغم اعتيادنا على مشاهدة فيلم طويل في افتتاح المهرجانات الدولية. ولأنّ الحفلات باتت تستحوذ على وقت طويل، اضطرت بعض المهرجانات إلى عرض فيلم الافتتاح في اليوم التالي. لذا يبدو أنّ (الجونة) وجد حلاً مثالياً بعرض فيلم قصير مع الحفاظ على ملامح حفل الافتتاح؛ إضافة إلى كونه فيلماً مصرياً، أسوة بعرض مهرجانات سينمائية أفلاماً وثائقية في افتتاحها».


حبيب صدقة لـ«الشرق الأوسط»: قصص مخبأة تضج بالإنسانية يجب الإضاءة عليها

مريانا الخالد بطلة الوثائقي «لمريانا الخالد» (حبيب صدقة)
مريانا الخالد بطلة الوثائقي «لمريانا الخالد» (حبيب صدقة)
TT

حبيب صدقة لـ«الشرق الأوسط»: قصص مخبأة تضج بالإنسانية يجب الإضاءة عليها

مريانا الخالد بطلة الوثائقي «لمريانا الخالد» (حبيب صدقة)
مريانا الخالد بطلة الوثائقي «لمريانا الخالد» (حبيب صدقة)

يشكّل اليتم حالات إنسانية نلتقيها في يومياتنا تولّد عندنا تساؤلات كثيرة في ظروفها وطبيعتها. بعض الأطفال يتيتّمون بعد خسارة أحد الوالدين أو وفاتهما معاً في حادث ما. وبعضهم يسكن دور الأيتام بعد تخلي والديهما عنهم.

قصة مريانا الخالد تنتمي إلى الفئة الثانية من حالات اليتم. والداها قررا تركها في ميتم بدير للراهبات في بلدة غدراس بعد طلاقهما. رحلة إنسانية بامتياز تطل على حياة فتاة وحيدة منذ طفولتها، على الرغم من وجود جميع أفراد عائلتها على قيد الحياة. فينقلها المخرج حبيب صدقة ضمن «وثائقي» قصير بعنوان «لمريانا الخالد»، وفيه نتعرف إلى ظروف حياة مريانا التي تنقلت فيها مع إخوتها بين منزل جدتها وبين الميتم. يأخذنا المخرج إلى عالمها البسيط والمعقد في الوقت نفسه. فهي تقف عند مفترق طريق سيحدد مصير حياتها. دراستها الثانوية أنهتها بنجاح والمطلوب اليوم الانتقال من الميتم لتبدأ حياة جديدة. يحاول صدقة في الفيلم الذي دعا أهل الصحافة والإعلام لمشاهدته في صالات «غراند سينما» في مجمع «أ.ب.ث» الأشرفية إلقاء الضوء على قصتها. قصة حقيقية تحكي عن تخبط فتاة في الـ17 من عمرها في صراع مع نفسها لأخذ القرار المناسب. خيارها هذا سيحدد معالم حياتها الجديدة التي تفتقد فيها عطف وحنان ومسؤولية أهل كان يجب أن يحيطوها بدل إهمالها.

«لمريانا الخالد» قصة فتاة تعيش صراعاً حول مستقبلها (حبيب صدقة)

وخلال 20 دقيقة هي مدة الفيلم، نتابع يوميات مريانا الخالد، التي تمسك بكاميرا التصوير لأول مرة محققة حلمها. خيالها لطالما أخذها إلى مجال السينما والتصوير، ولكن وصية جدتها لها بعدم دخول هذا المجال وقفت حاجزاً بينها وبين مستقبلها. وبين كاميرا حبيب صادق وكاميرا مريانا الخالد تمتزج صور إنسانية ولقطات ومواقف معبرة تترجم معاناة فتاة تتساءل، لماذا تزوج أهلها في سن مبكرة، ومن ثم تخلوا عنها وعن إخوتها؟ فهل كان من الضروري الإقدام على خطوة بهذا الحجم من دون التفكير بتداعياتها؟

ويروي حبيب صدقة ظروف ولادة هذا الفيلم لـ«الشرق الأوسط»: «أخبرني صديق لي قصة هذه الفتاة فلامست مشاعري، وقررت أن ألحق بتفاصيلها. استغرق مني تحضير هذا الفيلم أكثر من سنة. وتابعت مريانا عن قرب وتعرفت إلى يومياتها وقررت ترجمتها في وثائقي قصير. وما حفزني على القيام بهذه الخطوة حلم مريانا بدراسة ممنوعة عنها ألا وهي الإخراج السينمائي. فأخذت على عاتقي الإمساك بيدها لتقوم بأول خطوة فيها. ومن هناك بدأ المشوار الذي ينتهي بعلامة استفهام كبيرة تطرحها مريانا على نفسها».

تجذب حبيب صدقة الموضوعات الإنسانية ويدعو إلى إلقاء الضوء عليها (حبيب صدقة)

الفيلم بسيط، صوّر بين منزل مريانا الأبوي والميتم حيث عاشت. يلقي الضوء بوضوح ومن دون تدخل عناصر فنية أو بشرية كثيرة، على معاناة فتاة يتيمة. فيتابعه مشاهده بسلاسة بحيث تمر الـ20 دقيقة وكأنها لحظات قليلة.

ويعلق صدقة: «الوثائقي لا يشبه بتاتاً الفيلم الروائي بحيثياته وأدواته الفنية. فننقل قصة واقعية قائمة على شهود عيان يشكلون بطولتها. ولذلك فهو لا يتحمل فزلكات سينمائية وما يشابهها».

قصة مؤثرة تلامس القلب وتطرح عند مشاهدها تساؤلات عدة. فحياة مريانا ينفطر لها القلب، ومتعلقة بلعبة «دب من الصوف» تحملها بين يديها وتتكئ على رأسها، تنقل إليك حاجتها لمن يهتم بها ويحيطها بالحب.

يرى حبيب صدقة أن الفيلم يحمل رسائل إنسانية كثيرة بينها نتائج الزواج المبكر وتأثيره على الأولاد. وكذلك يضع الأهل أمام مسؤوليات غضوا النظر عنها، فأسفرت عن ضياع في تحديد مستقبل فتاة بعمر الورد. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قصص إنسانية كثيرة مخبأة، علينا إلقاء الضوء عليها كي نستخلص منها العبر. وأنا شخصياً لدي ضعف أمام هذا النوع من القصص التي تلامس الروح والقلب. وقصة مريانا هي واحدة من آلاف الحكايات التي بانشغالنا وانغماسنا بحياتنا المادية لا نلتفت إليها».

درس حبيب صدقة الإخراج والسينما في جامعة القديس يوسف في بيروت. وبدأ مشواره مع التصوير وهو في الـ16 من عمره. قدم برامج تلفزيونية، وتعاون مع أبرز نجوم الغناء من بينهم مايا دياب وليال عبود ونيكول سابا وعاصي الحلاني وغيرهم. كما نظم مهرجانات في شارع الجميزة، وتعاون مع شركة «هيو مانجمنت» ويملك شركة «حبيب فيلمز» للإنتاج.

وبين صور ولقطات مسجلة التقطها حبيب صدقة وأخرى قامت بها مريانا بُني محتوى هذا الفيلم. ويختم صدقة: «كنت أرغب في تشجيعها على تحقيق حلمها بعيداً عن أي قيود فرضت عليها. قلت لها إنه حلمك، وعليك أن تعيشينه. فكسرت عندها هذا الخوف الذي كان يعتريها لمجرد التفكير بدراسة الإخراج».


«البحر الأحمر السينمائي» يكشف قائمة أفلام نسخته الثالثة

يحتفي «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» بثراء وتنوع رواية القصص العربية (الشرق الأوسط)
يحتفي «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» بثراء وتنوع رواية القصص العربية (الشرق الأوسط)
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يكشف قائمة أفلام نسخته الثالثة

يحتفي «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» بثراء وتنوع رواية القصص العربية (الشرق الأوسط)
يحتفي «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» بثراء وتنوع رواية القصص العربية (الشرق الأوسط)

كشف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي»، الثلاثاء، القائمة العربية المشاركة في مسابقة الأفلام القصيرة بنسخته الثالثة، التي تضمّ مجموعة مختارة من الأعمال التي تروي قصصاً نادرة حول حياة الناس والمدن في أنحاء العالم العربي، وتقام في جدة خلال الفترة بين 30 نوفمبر (تشرين الثاني) و9 ديسمبر (كانون الأول) 2023.

ويسعى المهرجان هذا العام لتقديم تجارب مؤثرة، والاحتفال بثراء وتنوع رواية القصص العربية، داعياً المشاهدين إلى رحلة مغايرة من خلال قوة الفيلم عبر عرض مجموعة استثنائية من 11 عملاً عربياً قصيراً.

يدعو المهرجان المشاهدين لرحلة مغايرة عبر مجموعة استثنائية من 11 فيلماً عربياً قصيراً (الشرق الأوسط)

وأكد محمد التركي، الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة البحر الأحمر السينمائي الدولي»، أن المهرجان يلتزم بتعزيز السينما العربية والثقافة السينمائية في المنطقة والعالم من خلال توفير منصّة لصانعي الأفلام العرب لعرض أعمالهم، وتقديمهم لخبراء صناعة السينما العالميين.

وقال أنطوان خليفة، مدير البرنامج السينمائي العربي والكلاسيكي في المهرجان، إن «مسابقة الأفلام العربية القصيرة تسلّط الضوء على تفاني المهرجان في دعم وتمكين صانعي الأفلام العرب في مشاركة قصص لم تكن لتروى من قبل، نستكشف من خلالها جوانب مختلفة عن الحياة»، مشيداً بالمخرجين العرب الشباب لأفلامهم المميزة التي تُظهر قوة ونضجاً استثنائيين.

يلتزم المهرجان بتعزيز السينما العربية والثقافة السينمائية في المنطقة والعالم (الشرق الأوسط)

قائمة الأفلام العربية القصيرة المختارة

«سموكي أيز»، يروي قصة فتاة تعيش ليلة مرعبة في القاهرة بعد أن تتورط في حادث سير مع سائق تاكسي، ويستخدم موسيقى الراب بوصفها وسيلة للتعبير عن الحالة النفسية للشخصيات والمجتمع، وهو من بطولة مغني الراب مروان موسى، والممثلة ميار الغيطي، وإخراج المخرج المصري علي علي، الحائز على العديد من الجوائز العالمية، مما جعله من بين المخرجين الأكثر تكريماً في العالم.

«موسم» من إخراج وتأليف حسين إبراهيم، يحكي قصة فراس البالغ من العمر 11 عاماً، ورحلته في مغامرة صيد الطيور في الريف اللبناني مع والده تيسير وصديقه ريان. ما يبدأ كرحلة صيد عادية يتطور إلى رحلة لا تُنسى، وتحول يوماً عادياً إلى مغامرة العمر.

«المفتاح» للمخرج راكان مياسي، وتدور أحداثه حول الطفلة إيدينا التي تُزعجها أصوات غامضة تعكّر نومها ليلاً بشكل متكرر. ومع استمرار هذا الضجيج المقلق في اجتياح حياة العائلة، يبقى لنا أن نرى كيف ستتصاعد ردة فعل والديها.

«بتتذكري» للمخرجة داليا نمليش، يحكي قصة زوجين يواجهان الانفصال الوشيك، مما يجعل إلياس وكريستيان يتعمقان في ذكرياتهما المشتركة، ويستعدان لوداع أخير يختبر قوة رباطهما.

«سكون» للمخرجة دينا ناصر، يتناول قصة هند؛ لاعبة كاراتيه شابة تتمتع بشخصية كاريزمية وتعاني من ضعف السمع. بعد وقوع حادث مؤلم لها في مركز الكاراتيه، تدخل حياة هند بعدها في دوامة من الفوضى، مما يعيق إصرارها ويثقل روحها.

«الحرش» للمخرج فراس الطيبة، يتتبع رحلة شقيقين ينطلقان لدفن والدهما المتوفى. على طول الطريق، تطفو على السطح المشاكل العالقة بينهما، مما يجبرهما على مواجهة المعنى الحقيقي لروابط الأخوة والروابط الأسرية.

«الترعة» للمخرج جاد شاهين، وهو يروي قصة شاب يرى أمراً غريباً في ترعة ملعونة، يجعله يشك في كل شيء ويُحدّد مصيره.

«رافقتكم السلامة» للمخرج إبراهيم ملحم، تدور أحداثه حول رحلة سلمى المحفوفة بالمخاطر للعودة إلى وطنها، حيث تعبر الحدود بشكل غير قانوني لتسليم جثمان شقيقها إلى منزل عائلتها. وعلى طول الطريق، تواجه تحديات تجبرها على اتخاذ قرار يغير مسار حياتها.

«سعيد» للمخرج رامي الزاير، تدور أحداثه حول حياة سعيد الذي يقرر الهرب بعد معرفته بضرورة عودة أخته سلمى إلى منزل والدتهما، ليبحث عن مأوى ومستقبل أفضل.

«صمّ» يعرض المخرج روي عريضة مهمّة حسن المتمثلة في إيجاد مكان لدفن زوجته المتوفاة في بلدتها الأصلية بمساعدة طفليه تمارا ورامي، وذلك بناء على رغبتها في أن تُدفن في مسقط رأسها، الذي غادرته لأكثر من عقدين من الزمن.

«أنا وعيدروس» للمخرجة سارة بالغنيم، وتدور أحداثه حول شابة سعودية.و يناقش الفيلم تصادم الحرية الشخصية مع الأعراف المجتمعية.


السينما العربية تعيش مرحلة نضج غير مسبوقة

من «بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ (الحوش برودكشنز)
من «بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ (الحوش برودكشنز)
TT

السينما العربية تعيش مرحلة نضج غير مسبوقة

من «بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ (الحوش برودكشنز)
من «بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ (الحوش برودكشنز)

لم يكن الفيلمان العربيان اللذان عُرضا في بعض تظاهرات مهرجان فينيسيا الأخير من النوع الذي يمكن كتابة القصائد حولهما. «وراء الجبال» لمحمد بن عطية، و«كواليس» (Backstage) لعفاف بن محمود وخليل بنكيران... فيلمان تونسيان لديهما ما يريدان قوله، لكنهما اشتركا في مشاكل الكتابة التي تسلّلت إلى التنفيذ ومن ثَمّ إلى قلب العمل المنجز.

من الأفلام العربية القليلة الأخرى، التي عرضتها شاشات هذا المهرجان «باي باي تبريس» للينا سويلم التي كانت قدّمت في إطار مهرجان «فيزيون دو ريل» (Visions du Réel) المتخصص في الأفلام الوثائقية والتسجيلية فيلمها السابق «جزائرهم» (Their Algeria). ذاك وفيلمها الجديد بحثان منفصلان في الذكريات العائلية ومحاولة رصف صورة لتاريخها القريب.

على ذلك، لا يجب الاستهانة بالمرحلة الحالية التي تمرّ بها السينما العربية وتتميّز بالقدرة على المناورة عالمياً والوصول إلى عروض مهرجانية وأحياناً تجارية في غير مكان حول العالم. المحرّك الأول هو الطموح الذاتي للانضمام إلى جملة صانعي الأفلام الذين تركوا بصماتهم عبر نجاحات فردية. والثاني هو تفعيل الرغبة في نقل حكايات محلية تتعرض بالنقد (أو على الأقل بالعرض) لأوضاع اجتماعية مختلفة. ليس أن كل الأفلام العربية التي خرجت للعروض العالمية حملت نقداً، بل إن بعضها اكتفى بعرض أحداث وشخصيات في بلورة تلتزم بالقصّة الواردة فقط.

مشهد عالمي

المحطات الرئيسية التي يمكن للفيلم العربي استحواذ اهتمامها وتسجيل حضور عالمي أمام النقاد والجماهير هي «كان» و«فينيسيا» و«تورنتو». تتوسع الدائرة لتشمل «لوكارنو» و«برلين» و«روتردام» و«لندن» وبضعة مهرجانات متخصصة بالفيلم غير الروائي مثل «لايبزغ» و«FID» و«فيزيون دو ريل» السويسري، و«سينما دو ريل» الفرنسي. ولكن إذا ما حقق الفيلم نجاحاً مهمّاً في أحد تلك المهرجانات (كما فعل «جزائرهم»، الذي خرج بعدة جوائز من المهرجانات التي عُرض فيها) كان ذلك، غالباً، بداية شق طريق تصاعدية صوب أعمال أخرى وجوائز أكثر.

ومع خروج «أربع بنات» للتونسية كوثر بن هنية، و«كذب أبيض» للمغربية أسماء المدير اللذين تمتعا بعروض مجزية في مهرجان «كان» للعام الحالي، يتبدّى أن السينما العربية (أو بعضها على الأقل)، يستفيد مما بناه سابقاً ويتحوّل إلى إثبات حضوره في المشهد العالمي حالياً.

من فيلم «أكاذيب بيضاء» لأسماء المدير (إنسايت فيلمز)

على نحو مؤكد تمتعت سينمات المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب) بالعلاقات الثقافية والفنية والإنتاجية المبنية مع فرنسا ودول أوروبية أخرى. هذا ينطلي على السينما التونسية والمغربية أكثر من الجزائرية التي كانت أكثر نشاطاً في العقود السابقة مما هي عليه الآن.

السينما اللبنانية في حوض الشرق الأوسط، تواصل بجهد ملحوظ توفير أعمال جيدة شاهدنا منها في الأعوام القليلة السابقة «كوستا - برافا» لمنية عقل، و«البحر أمامكم» لإيلي داغر، و«أخطبوط» لكريم قاسم، كذلك تفعل السينما الفلسطينية على الرغم من الأوضاع و- عادة - بمساعدات صناديق الدعم في دول خليجية وأوروبية. وحقق الأردن وجوداً لا بأس به عبر الأفلام القليلة المنتجة هناك، آخرها فيلم «إنشا الله ولد» لأمجد الرشيد.

حتى وقت قريب، كانت تلك السينمات المذكورة هي الوحيدة التي تطرق أبواب المهرجانات العالمية وتستوفي شروطها الفنية للاشتراك فيها. لكن الذي حدث في السنوات القليلة الماضية أن السينما السعودية انطلقت بدورها لتثبت حقها في الحضور العالمي. الاستقبال الحافل كان سبق الموجة الحالية عندما باشر كل من محمود صبّاغ وهيفاء منصور بعرض أفلامهما عالمياً.

كان الاستقبال حافلاً بـ«عمرة والزواج الثاني» و«بركة يقابل بركة» للصبّاغ، و«وجدة» و«المرشحة المثالية» لهيفاء المنصور، ذلك لأن الوسطين الشعبي والإعلامي لم يتعوّدا مشاهدة أفلام سعودية من قبل. لكن لا بد من ملاحظة أن حب الاستطلاع لم يفتر بعد عروض أفلام هذين السينمائيين، بل استمر مستقبلاً الجيل التالي لهما من المخرجين السعوديين.

دعم منشود

تبلور هذا التقدّم المنجز خلال أعمال مهرجان «تورنتو» السينمائي، الذي انتهي في 8 سبتمبر (أيلول) الحالي، حيث عرض ثلاثة أفلام سعودية جديدة اثنان منها («ناقة» لمشعل الجاسر و«مندوب» لعلي كلثوم) لسينمائيين سعوديين ومن إنتاج «تلفاز11»، التي تكسب مواقع جديدة متوالية، والثالث هو إنتاج سعودي من إخراج المصري أبو بكر شوقي بعنوان «هجّان».

ليس من بين المخرجين السعوديين في هذه المرحلة من أمضى 10 سنوات أو أكثر في مهنة الإخراج. على عكس بعض سينما الجوار لم يبنِ أحدهم علاقة مهنية مسبقة مع الغرب إلا عندما باشر تحقيق فيلمه الأول. والجامع بينهم أنهم لا يزالون في سن النهضة الشبابية التي تمدّهم بالرغبة والطموح وبمؤازرة «هيئة الأفلام السعودية»، المظلة التي تأسست لغاية صنع السينما السعودية ونشرها.

والحال أن السينما السعودية بوجود هذه المواكبة الرسمية لصناعة وليدة، هي التي تعرض التمويل عوض أن تطلبه كحال العديد من السينمات العربية الأخرى. هذا ما يجعلها قادرة أيضاً على عرض التمويل، شأنها في ذلك شأن الدول الأوروبية المعنية بالإنتاجات العربية.

وفي مهرجان «فينيسيا» الأخير، شاهدنا نماذج من هذا المنهج، فالفيلم التونسي «كواليس» (الذي عرضه قسم «أيام فينيسيا») استفاد من تمويل مؤسسات عالمية عدّة من بينها السعودية، كذلك فعل «خلف الجبال»، الذي جمع تمويله من أقطار متعددة من بينها السعودية.

ما يتعدّى هذا الوضع ويزيد الاهتمام به هو أن السينما العربية ككل، شهدت سابقاً غزواتها الناجحة. كان لا بد من هذه الغزوات ولا بد من نجاحها، وهذا تبلور في أفلام لهاني أبو أسعد («الجنة الآن»)، وإيليا سليمان («يد إلهية»)، وهيفاء المنصور («وجدة»)، ونادين لبكي («كفرناحوم»)، وأبو بكر شوقي («يوم الدين»)، وأمجد أبو العلا («ستموت في العشرين»)، وآخرين عديدين.

على ذلك من الخطأ تجاهل المخرجين السابقين الذين أسسوا محاولات الاندماج في الأسواق العالمية، نجحوا في ذلك أو أخفقوا؛ لكن نجاحهم كان فردياً. هذا ما يمكن قوله بالنسبة للمخرجين التونسيين محمود بن محمود ورضا الباهي (من بين آخرين) وبالنسبة للمخرجين المصريين يوسف شاهين ويسري نصر الله. فما الذي يختلف فعلياً هذه المرّة؟ ولماذا تبدو السينما العربية من الخليج إلى المحيط كما لو أنها في ولادة جديدة؟

ينقسم الجواب إلى قسمين: الأول وجود ذلك الاستعداد الخليجي لدعم الصناعة المحلية (كما في السعودية)، أو الحضور العالمي عن طريق صناديق الدعم (كما الحال في السعودية وقطر). الثاني هو تكاتف الجهود والعلاقات العربية في لبنان وفلسطين ومصر والأردن وتونس والمغرب لمواصلة العمل لاحتلال الموقع المناسب على شاشات العالم.

في كلتا الحالتين، الوقت مناسب والطموح متوفر، كذلك أساليب الدعم وتوفير الميزانيات. الباقي متعلّق بكيف تستطيع المواهب العربية القيام بالمهام الفنية الصحيحة المطلوبة.

أفلام عربية شوهدت العام الحالي

مجموعة من الأفلام العربية الأخرى التي لم تُذكر في هذا التحقيق: العنوان، المخرج، البلد، التقييم.

‫1- ‬«القفطان الأزرق» مريم توزاني (المغرب)

2- «أشكال» يوسف الشابي (تونس)

3- «حرقة» يوسف ناتان (تونس)

4- «أفنية الغراب» محمد السلمان (السعودية)

5- «الثلث الخالي» فوزي بن سعيدي (المغرب)

6- «قلق في بيروت» زكريا جابر (لبنان)

7- «أنا يوسف يا أبي» محمد ملص (سوريا)

8- «الكلاب» كمال الأزرق (المغرب)

9- «ملكات» ياسمين بنكيرون (المغرب)

10- «اليد الخضرا» جمانة منّاع (فلسطين)


شاشة الناقد: The Boy and the Heron

 «الصبي ومالك الحزين» (ستديو غيبلي)
«الصبي ومالك الحزين» (ستديو غيبلي)
TT

شاشة الناقد: The Boy and the Heron

 «الصبي ومالك الحزين» (ستديو غيبلي)
«الصبي ومالك الحزين» (ستديو غيبلي)

The Boy and the Heron****

إخراج: ‪هاياو ميازاكي‬ | أنيميشن | اليابان | 2023

بعد 10 سنوات من قرار اعتزاله، يعود مخرج فن الأنيميشن البديع هاياو ميازاكي بفيلمه الجديد «الصبي ومالك الحزين» وحسناً فعل. كسواه من أفلام المخرج (مثل Spirited Away وThe Wind Rises) لا مجال هنا لتجاهل أن ما يحرّك هذا المخرج لتحقيق أفلامه هو الرغبة في الحديث عن العائلة التي عليها أن تبذل ما يبدو مستحيلاً لتأكيد ألفتها ومحبة أفرادها كل للآخر. ميازاكي، بذلك، مخرج إنساني التفكير والغاية، ورسوماته بدورها مشبعة بتلك الروح وخالية من أدوات الترفيه المفتعلة في أفلام ديزني وسواها.

هذا لا يجب أن يعني أن «الصبي ومالك الحزين» فيلم غير ترفيهي، لكن البان شاسع بين الترفيه الوارد هنا وذلك الاستهلاكي الطاغي على ذلك النوع هذه الأيام.

يضع المخرج حكايته خلال الحرب العالمية الثانية. خسر بطله ماهيتو والدته وما زال تحت تأثير الصدمة. بعد زواج أبيه من امرأة أخرى يقرر ماهيتو الانطلاق للبحث عن أمه بعدما أخبره مالك الحزين أنها ما زالت على قيد الحياة.

من البداية يستخدم المخرج مشاهد تعكس البيئة والخطر والموت. النار متصاعدة من أطراف طوكيو والصبي يركض منادياً أمه. لكن مستوى الرسوم التي سنشاهدها لاحقاً، إثر انطلاق الصبي للبحث عن والدته وبدء توزيع الأحداث بين عالمين كلاهما خيالي مفعم بالجماليات، يزيد تفعيل تلك المشاهد المرسومة باستخدام الألوان الأساسية وتوفير الخلفيات المناسبة لها.

الفيلم لا بد أنه كان في دماغ مخرجه قبل الشروع بتصميم وتنفيذ أول مشاهد الفيلم لأنه بنى عمله على فعل الانتقال من مشهد بديع، مضموناً وشكلاً، إلى آخر يساويه أو يرتفع عنه. في النهاية نتابع وحدة متماسكة من الصنعة النيّرة تؤازرها عناصر السرد على نحو يتيح للمشاعر الإنسانية البريئة أن تتولّى عملية الدفع الدرامي، ما يعني أن الفيلم، مرّة أخرى، ليس مجرد صور مؤثرة، بل ينتمي إلى مضامين على النسبة نفسها من التأثير.

ما ينتظره المرء من فيلم ممهور بتوقيع هذا المخرج هو ما سبق ذكره من رسم مدهش من مخرج ما زال يرسم باليد وليس على جهاز الكومبيوتر. التفاصيل والتأني والحركات كلّها من صنع الموهبة الكبيرة التي تعيش داخل المخرج. كذلك الألوان الرائعة التي يتكوّن منها الفيلم، ومن ثَمّ الإيقاع الجيد غير المتهالك لإرضاء طالبي السرعة والانبهار. هذا هو عالم مايازاكي المتميّز عن سواه.

عروض مهرجانات فينيسيا، تورنتو، نيويورك، سان سيباستيان

Backstage**

إخراج: عفاف بن محمود، خليل بنكيران | دراما | تونس | 2023

أمضت المخرجة الجديدة عفاف بن محمود سنوات عدّة تكتب وتعيد كتابة السيناريو الذي حُقّق في النهاية وأُنجز في الأشهر الأولى من العام الحالي.

يبدأ باستعراضات عصرية راقصة. المشهد يستمر لنحو 10 دقائق لدرجة أن المُشاهد قد يبدأ بالاعتقاد أن الفيلم بأكمله سيكون على هذا النحو وبالموسيقى وحدها من دون حوار. بعد ذلك، هناك القرار بمواصلة الجولة التي كانت الفرقة بدأتها منذ أشهر، والآن لم يعد لديها سوى محطة أخيرة. لكن عايدة (عفاف بن محمود نفسها) تصاب برضوض حين يدفعها شريكها في الاستعراض (سيدي العربي الشرقاوي) من دون قصد إلى الأرض. على ذلك، هي مصرّة على ركوب الحافلة التي ستقل الجميع إلى وجهتهم الأخيرة.

«كواليس» (DUO فيلمز)

في قلب الليل تتوقف الحافلة على طريق جبلية مقطوعة بعد انفجار إحدى عجلاتها. ليس هناك من تفسير؛ لمَ لم يحتفظ سائق الحافلة بعجلة احتياط يستخدمها؟ لكن الناتج هو بدء أفراد الفرقة (نحو 10 أفراد، بينهم الممثل الفلسطيني صالح بكري) المشي في قلب الليل صوب ما يعتقدون أنه البلدة القريبة.

كثير من المناجاة في هذا المشوار الطويل والمرهق، لا على أفراد الفرقة فقط، بل على أفراد المشاهدين. صحيح أن الفيلم يوفر حبكة يرغب المُشاهد في متابعتها، لكن الأحداث التي تقع خلال الرحلة على الأقدام (التي منها ظهور قردة تثير الخوف في أفراد الفرقة) متباعدة، والمسافة ممتلئة بالحوارات وبعض المَشاهد الاستعراضية.

هناك غاية من كل ذلك، وهو إظهار ما قد يحدث في «كواليس» فرقة مسرحية من تجاذب علاقات وطرح نقاشات وتصوير وجوه وأجساد متعبة وقلقة، لكن الفيلم كان بحاجة إلى بطانة سميكة تضيف إلى كل ذلك مواقف أكثر تنوّعاً وحدّة. غير ذلك، هو مجرد فيلم يحمل قصّة، جديدها أنها تدور حول فرقة استعراضية في ورطة.

عروض مهرجان فينيسيا

A Haunting in Venice***

إخراج: ‪كنيث برانا‬ | بوليسي | الولايات المتحدة | 2023

وجد كينيث برانا في أعمال الروائية أغاثا كريستي منوالاً جيداً لتقديم سلسلة تخصّه مخرجاً وممثلاً ومنتجاً. وجد كذلك الشخصية التي يمكن أن تبقى طويلاً في البال وهي شخصية التحري هركول بوارو.

في البداية، كان هناك «جريمة في الأوريَنت إكسبرس» (2017) ومن ثمّ تلاه «موت على النيل» (2022). في كليهما احتفظ برانا بالعنوانين الأصليين لروايتي كريستي، لكنه في هذه المرة الثالثة اختار عنواناً خاصاً بالفيلم، وهو «مطاردة في فينيسيا»، أما الرواية الأصلية، التي ألّفتها كريستي، ونشرتها سنة 1969، فوردت تحت عنوان «حفلة هالويين» (Hallowe‪’‬en Party). عدا ذلك، الحكاية في الفيلم تطابق (باستثناء التفاصيل الضرورية) الحكاية في الكتاب. أما الموقع فمختلف تماماً، لم يعد الريف البريطاني مسرحاً للأحداث، بل قرر برانا نقلها إلى فينيسيا التي شكّلت دوماً ديكوراً موحياً بالرعب في مثل هذه الأعمال.

مطاردون في فينيسيا» (تونتييث سنتشري فوكس)»

تنطلق الأحداث سنة 1947. بطلنا العبقري الذي حلّ كثيراً من القضايا الغامضة وأودع فاعليها إلى السجون، قرر أن يتقاعد وينأى بنفسه عن القضايا التي صرف حياته عليها. يستجيب لحفلة مقامة في قصر قديم ضيفاً ليجد نفسه يلعب دوره محققاً من جديد حيث تقع جريمة قتل، وها هو الآن محور الأحداث بحثاً عن القاتل، أو ربما القتلة.

وربما كانوا من البشر أو من تلك الأرواح التي تسكن القصر القديم. فالقصر وأشباحه يؤديان دوراً أساسياً في تحريك عجلة الأحداث. طبعاً لا يتحوّل الفيلم إلى عرض مرعب، بل يبقى في نطاق التحقيقات التي يقوم بها بوارو.

الفيلم وجملة من فيه، إلى جانب برانا، (بينهم أمير المصري الذي ظهر في الفيلم البريطاني البديع «ليمبو» وفي أحد أجزاء «ستار وورز» سنة 2019)، يفي بشروط الفيلم المبني على التحقيقات وكثرة عدد المشتبه بهم. هذا الجانب هو ما اشتهرت به كريستي، إذ دوماً ما خلقت المناسبة التي تجمع بين عدد من المدعوين في مكان واحد، وكيف أن أحدهم نفّذ الجريمة، لكن بعلم شخص أو أشخاص آخرين.

القصر الذي تقع فيه معظم الأحداث قد يكون مسكوناً، لكن بوارو واثق من أن الجريمة تمّت على يد فاعل من البشر. ومع الأحداث وتفاصيلها، يبقى المُشاهد على خط واحد مع ما يقع، باستثناء بعض الملل الذي قد يتسرّب إليه، لأن البحث عن القاتل الفعلي وسط كثرة الدوافع وحضور الأرواح ليس تماماً نزهة ممتعة للجميع.

عروض صالات السينما حول العالم.

ضعيف* | وسط**| جيد ***| ممتاز**** | تحفة*****


«البحر الأحمر السينمائي» تحتفي بـ5 أفلام في «مهرجان تورونتو الدولي»

علي الكلثمي وهاجر الشمري ومحمد الدوخي (أ.ف.ب)
علي الكلثمي وهاجر الشمري ومحمد الدوخي (أ.ف.ب)
TT

«البحر الأحمر السينمائي» تحتفي بـ5 أفلام في «مهرجان تورونتو الدولي»

علي الكلثمي وهاجر الشمري ومحمد الدوخي (أ.ف.ب)
علي الكلثمي وهاجر الشمري ومحمد الدوخي (أ.ف.ب)

تعرض «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خمسة أفلام مدعومة من «صندوق البحر الأحمر» في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي خلال الفترة بين 7 و15 سبتمبر (أيلول) الجاري، لتسلّط الضوء على قصص من السعودية والعالم العربي وأفريقيا.

ويتضمن «مهرجان تورونتو»، الذي يعد أحد أكبر المهرجانات السينمائية، العديد من العروض والمناقشات وورش العمل والفعاليات، ويشكّل منصّة للتطوير المهني لصانعي الأفلام، ويتيح لهم فرصة للتفاعل وتبادل الخبرات مع أهم الخبراء في المجال من جميع أنحاء العالم.

يعد «مهرجان تورونتو الدولي» أحد أكبر المهرجانات السينمائية (أ.ف.ب)

حظى فيلم «مندوب الليل» للمخرج والمنتج السعودي علي الكلثمي، من إنتاج استديو «تلفاز 11» على اهتمام كبير في المهرجان، إذ تم تصنيف عرضه العالمي الأول للفيلم ضمن «برنامج ديسكفري Discovery program»، الذي انطلق منه العديد من المخرجين العالميين، من بينهم كريستوفر نولان. وتدور أحداثه في قالب من الكوميديا السوداء حول قصة سائق تطبيق توصيل في الرياض، يلعب دوره محمد الدوخي، في محاولة يائسة لكسب المزيد من المال لتغطية نفقات والده الطبية، ويتورّط في مغامرات غير مشروعة لتحقيق ذلك.

تلقى «مندوب الليل» تمويل التطوير عام 2021 حينما كان مجرد فكرة، وبعد الانتهاء من تطوير العمل حظي هذا العام على دعم إنتاج من صندوق البحر الأحمر، الذي يعتبر منتجاً مشاركاً للفيلم.

ويعرض فيلما «بانيل وأداما» و«إن شاء الله ولد»، المدعومان من الصندوق، بوصفهما جزءاً من برنامج «Centrepiece» في المهرجان. ويحكي الأول كفاح زوجين شابين للصمود أمام العواصف الحياتية ويتحديان توقعات أسرتيهما في شمال السنغال، وهو من إخراج راماتا تولاي سي. وحصل على دعم «سوق البحر الأحمر»، وتم ترشيحه لكل من جوائز السعفة الذهبية والكاميرا الذهبية بـ«مهرجان كان السينمائي الدولي».

تسلّط الأفلام الضوء على قصص من السعودية والعالم العربي وأفريقيا (أ.ف.ب)

ويروي فيلم «إن شاء الله ولد» للمخرج أمجد الرشيد، قصة معاناة امرأة بعد وفاة زوجها، حيث تحاول يائسة توفير حياة أفضل لابنتها وتواجه خيارات صعبة. وحصل على تمويل الإنتاج من الصندوق، كما حصد جائزة السكة الذهبية ضمن فعاليات أسبوع النقد بـ«مهرجان كان».

وعُرِض فيلم «بنات ألفة» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية ضمن برنامج «Special Presentations» بمهرجان تورونتو، ويقدّم تجربة سينمائية تجمع بين الوثائقي والدراما، حيث اُستلهم من قصة حقيقية لامرأة تدعى ألفة في الأربعينات من العمر، تنحدر من عائلة فقيرة وهي ربة منزل وأم لـ4 فتيات. وحصل على تمويل الإنتاج من الصندوق، وجائزتي «العين الذهبية» و«فرنسوا شالي» في مهرجان كان.

ويتناول الفيلم المغربي «كذب أبيض» للمخرجة أسماء المدير، الذي تم عرضه ضمن برنامج «TIFF Docs»، قصة عائلتها في خضّم أحداث انتفاضة الخبز عام 1981، حيث ظلت تبحث عن أصل وقصة صورة عثرت عليها في منزل والديها. ونال تمويل الإنتاج من صندوق البحر الأحمر، وجائزة أفضل إخراج في مسابقة «نظرة ما» ضمن «مهرجان كان»، وأفضل فيلم وثائقي في مهرجان ديربان السينمائي الدولي.

الأفلام المشاركة حاصلة على جوائز في مهرجان كان السينمائي الدولي (أ.ف.ب)

من جانبه، قال محمد التركي، الرئيس التنفيذي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي: «أعرب عن امتناني للجنتي الخبراء والاختيار في (مهرجان تورونتو)، حيث إن نجاح هذه الأفلام الخمسة يمثّل شهادة على المواهب الرائعة التي ندعمها في (مؤسسة البحر الأحمر)»، مضيفاً: «نحن فخورون بأن هذه الأفلام ستتاح لها الفرصة لرواية قصص من السعودية والعالم العربي وأفريقيا، وذلك بتمكينها من الحضور على المنصات السينمائية الدولية، مثل مهرجان تورونتو».

ويقدم صندوق البحر الأحمر التمويل للأفلام في جميع مراحل التطوير والإنتاج وما بعد الإنتاج، لدعم الأصوات الأصلية والمواهب الجديدة، خاصة من السعودية والعالم العربي وأفريقيا.


«ذي نان 2» يتصدر شباك التذاكر في أميركا

المنتج البريطاني الأميركي والرئيس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة DC Studios Peter Safran لحضور عرض خاص لفيلم The Nun II في لوس أنجليس، كاليفورنيا (أ.ف.ب)
المنتج البريطاني الأميركي والرئيس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة DC Studios Peter Safran لحضور عرض خاص لفيلم The Nun II في لوس أنجليس، كاليفورنيا (أ.ف.ب)
TT

«ذي نان 2» يتصدر شباك التذاكر في أميركا

المنتج البريطاني الأميركي والرئيس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة DC Studios Peter Safran لحضور عرض خاص لفيلم The Nun II في لوس أنجليس، كاليفورنيا (أ.ف.ب)
المنتج البريطاني الأميركي والرئيس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة DC Studios Peter Safran لحضور عرض خاص لفيلم The Nun II في لوس أنجليس، كاليفورنيا (أ.ف.ب)

تصدّر فيلم «ذي نان 2 (The Nun II)»، أحدث أفلام الرعب من سلسلة «كونجورينغ»، شُباك التذاكر في أميركا الشمالية، وفق تقديرات نشرتها، الأحد، شركة «إكزبيتر ريليشنز» المتخصصة.

وحقق الجزء الثاني من فيلم «ذي نان» (2018)، إيرادات بلغت 32.6 مليون دولار، في أول عطلة نهاية أسبوع له في دُور سينما الولايات المتحدة وكندا، مما يشكّل «انطلاقة جيدة جداً» لفيلم مماثل، وفق المحلل ديفيد غروس، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتدور أحداث الجزء التاسع من سلسلة أفلام الرعب «كونجورينغ»، خلال خمسينات القرن العشرين، داخل دير في جنوب فرنسا، حيث تواجه راهبة شابة قوة شيطانية.

وحلّ ثانياً في الترتيب فيلم الحركة «ذي إيكوالايزر 3 (The Equalizer 3)»، من بطولة الممثل دنزل واشنطن، محققاً 12.1 مليون دولار، في ثاني عطلة نهاية أسبوع له في دُور السينما. ويؤدي واشنطن مجدداً في هذا الفيلم، وهو الثالث ضمن سلسلة «ذي إيكوالايزر»، دور جندي متقاعد من مُشاة البحرية الأميركية وعميل مكافحة المخدِّرات يواجه عصابة إيطالية.

وكانت المرتبة الثالثة من نصيب فيلم «ماي بيغ فات غريك وِدينغ 3 (My Big Fat Greek Wedding 3)»، مع إيرادات بلغت 10 ملايين دولار. وتولّت تأليف هذا العمل الكوميدي الأميركي الذي يتناول تفاصيل رحلة عائلية إلى اليونان، وإخراجه، الممثلةُ نيا فاردالوس.

وجاء فيلم الحركة الهندي «جوان (Jawan)» في المركز الرابع، محققاً عائدات بلغت 6.2 مليون دولار، في نجاح كبير لفيلم ناطق بالهندية في الولايات المتحدة. ويؤدي نجم بوليوود شاه روخ خان، الذي تولّى إخراج العمل، دور البطولة فيه.

وحلّ خامساً فيلم «باربي (Barbie)»، الذي أخرجته غريتا غيرويغ، وتؤدي الممثلة مارغو روبي شخصية الدمية الشهيرة فيه، مع تحقيقه 5.9 مليون دولار عائدات، في ثامن أسبوع له بدُور السينما. وبلغ إجمالي إيرادات هذا العمل منذ طرحه 1.4 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم، وهو أعلى مبلغ يحققه فيلم في شُباك التذاكر هذه السنة.

وفيما يأتي الأفلام المتبقية في ترتيب الأعمال العشرة الأولى على شباك التذاكر في أميركا الشمالية:

6- «بلو بيتل» (3.8 مليون دولار).

7- «غران توريسمو» (3.4 مليون دولار).

8- «أوبنهايمر» (3 ملايين دولار).

9- «تينيدج ميوتنت نينجا تيرتلز: ميوتنت مايهم» (2.6 مليون دولار).

10- «باتمز» (2.1 مليون دولار).


المهرجان الدولي لفيلم المرأة في المغرب يكرم 4 سينمائيات

ملصق المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا المغربية
ملصق المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا المغربية
TT

المهرجان الدولي لفيلم المرأة في المغرب يكرم 4 سينمائيات

ملصق المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا المغربية
ملصق المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا المغربية

يكرم المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا المغربية، في دورته الـ16، ما بين 25 و30 سبتمبر (أيلول) الحالي، كوكبة من نجمات السينما المغربية والعالمية.

وتضم لائحة المكرمات ناستازيا كينسكي، الممثلة الألمانية المشهورة بأدوارها في «تيس» (1979) و«باريس، تكساس» (1984)، والمكسيكية ماريا نوفارو، مديرة المعهد المكسيكي للسينما، والمخرجة والسيناريست والمحررة والسوسيولوجية، كما تكرم الدورة، التي تنظمها جمعية أبي رقراق، الممثلة المغربية نعيمة إلياس على مسارها في السينما والمسرح والتلفزيون، والممثلة المغربية سعيدة باعدي على مسارها السينمائي.

ويقول المنظمون إن دورات المهرجان تتوالى فيما «يتعمق معها شَغَفُ اكتشاف الجديد سينمائيا، فضلا عن طرح أسئلة وقضايا تُعْنَى بالمرأة في السينما الوطنية مقارنة مع نظيراتها في مختلف أنحاء العالم».

ويرى المنظمون أن المهرجان «يمنح فرصة سانحة للسينمائيات من مختلف المشارب العربية والأفريقية والدولية للتداول في شؤون المهنة، وتبادل الخبرات والتجارب، وطرح القضايا المتعلقة بظروف الممارسة، ومناقشة شؤون المرأة من خلال المنجزات الفيلمية».

ويشدد المنظمون على أن دورة هذه السنة تنعقد في «ظروف سوسيولوجية متنوعة، لها بالغ الأثر على اشتغال المرأة في السينما، وعلى صورتها في الأفلام، لا سيما ما يخص العنف والتحرش وحماية الأسرة والمناصفة في الحقوق المدنية وحماية الطفولة والشباب، خاصة أن المغرب قد وَقعَ على اتفاقات دولية تُعْنَى بذلك، ولا يزال بعضها بعيدا عن تحقيق الانتظارات المأمولة، وهو الأمر الذي طرحته سينمائيات مغربيات في أفلامهن الأخيرة دليلا على حيوية السينما بالمغرب واستماعها لنبض المجتمع».