إلسا مورانته وألبرتو مورافيا... علاقة متهاوية لم تفلح في إنقاذها مئات الرسائل

تعارض شبه فصامي بين حياته العاطفية وأدبه الإباحي

إلسا مورانته  -  مورافيا في مكتبه
إلسا مورانته - مورافيا في مكتبه
TT

إلسا مورانته وألبرتو مورافيا... علاقة متهاوية لم تفلح في إنقاذها مئات الرسائل

إلسا مورانته  -  مورافيا في مكتبه
إلسا مورانته - مورافيا في مكتبه

«أنت مثل الأطفال، تجري وراء كل الأشياء، قبل أن تعود إلى مكانك وتهرب من جديد. كل أولئك النساء لسن سوى لا شيء. لا أحد يحبك، والأكيد أن أحداً لن يحبك بالفعل»، قد يكون هذا الجزء من الرسالة التي بعثت بها إلسا مورانته إلى الكاتب الإيطالي الشهير ألبرتو مورافيا عام 1938، أي بعد سنتين اثنتين من تعارفهما، هو التعبير الأبلغ عن الترنح السريع لعلاقتهما العاطفية من جهة، وعن الطبع العصبي والقسوة المفرطة اللذين ميزا شخصية مورانته من جهة أخرى. صحيح أن مورافيا كان محاطاً في تلك الفترة بالكثير من المعجبات، وأن علاقته بالرسامة البلجيكية ليلو فيو، لم تكن خافية على أحد، ولكن الصحيح أيضاً أنه شغف بإلسا منذ لقائهما الأول، وأن زواجه منها بعد سنوات لم ينقص بأي حال من منسوب ذلك الشغف المحموم، بل زاده توهجاً واضطراماً، فيما راحت من جهتها تضرب بمشاعره عرض الحائط، باحثة عن ضالتها العاطفية خارج سريرها الزوجي.
ولد ألبرتو بنكيرليه، وهو الاسم الأصلي لمورافيا، في العاصمة الإيطالية روما عام 1907 لعائلة ميسورة الحال، حيث كان والده كارلو بنكيرليه، المتحدر من البندقية، رساماً ومهندساً معمارياً ومهتماً بالأدب. ولعل إصابة ألبرتو بسل العظام وهو بعدُ في العاشرة، واستعانته اللاحقة بالعكاز، هي الحادثة الأكثر تأثيراً على حياته بكاملها، حيث اضطر إلى الاكتفاء بالشهادة المتوسطة قبل أن يترك مقاعد الدراسة بشكل نهائي. إلا أن ذلك الحدث لم يمنعه بأي حال من التهام كل ما يقع بين يديه من كتب ومؤلفات، حيث قرأ بإمعان أعمال دانتي وشكسبير وبودلير ورامبو وفرويد وكافكا وبروست وإليوت ودوستويفسكي، مبدياً إعجاباً خاصاً بهذا الأخير. على أن الموهبة الواضحة التي تمتع بها الكاتب منذ يفاعته، لم تشفع له لدى الناشرين الذين رفضوا نشر باكورته الروائية «اللامبالون»، بدعوى أنها «ضباب من الكلام»، قبل أن تحقق إثر نشرها عام 1929 نجاحاً منقطع النظير.
أما إلسا مورانته، التي التقى بها مورافيا عام 1936، بوساطة من الرسام كابو غروسي، فلم تكن بعيدة بالمقابل عن عالم الكتابة الأدبية، إلا أنها لم تحقق شهرتها الواسعة إلا بعد مرور سنوات عدة على ارتباطها بصاحب «الانتباه». ومع أن مورافيا قد شعر بانجذاب خاص إلى مورانته منذ لقائهما الأول، إلا أن ذلك لم يمنعه من تقديم بورتريه دقيق لملامحها وشخصيتها «المحيرة»، إذ يقول «كانت تعيش وحدها وتموت من الوحدة والجوع. كان شعرها أبيض منذ مراهقتها. وهو يشبه نبتة فطر كبيرة معلقة على وجه مستدير. وكانت مصابة بقصر النظر، ولها عينان جميلتان ونظراتها حالمة مثل نظرات قصيري النظر. أما فمها فكان كبيراً ويوحي بالدلع، ووجهها طفولي».
على أن انضواء مورافيا ومورانته في مؤسسة الزواج، سرعان ما أماط اللثام عن التباينات الكثيرة التي تفصل بين الطرفين. ومع أن ألبرتو قد زعم، في رسائله إلى زوجته، التي جمعتها أليساندرا غرانديليس تحت عنوان «بمجيئكِ قد تكتمل سعادتي»، ونقلها إلى العربية نبيل المهايني، بأنه أحب مورانته ولكنه لم يقع في غرامها، إلا أن من يمعن النظر في الرسائل، سيكتشف بشكل ملموس مدى الحب الجارف الذي كان يكنه الكاتب للمرأة التي اقترن بها، وكيف أنه على امتداد علاقتهما الصعبة ظل يطالبها بما يشبه التوسل، بأن لا تتركه وحيداً إلى مصيره القاتم. واللافت في الأمر أن كلا الطرفين راح في الفترة السابقة على الزواج يرشق الآخر بالتهم نفسها، محملاً إياه المسؤولية الكاملة عما يعترض علاقتهما من مصاعب. فمورافيا يعترف لصديق له بحبه لإلسا، لكنه لا يتوانى عن اتهامها بالأنانية والغيرة، قبل أن يضيف قائلاً «أرجوك أن تدرك أنني قادر على الاحتفاظ بحبي لها، ما لم تكن أنانية بهذا الشكل. أنا أعرف كم الحب مهم بالنسبة للرجل، ولكن ما يهمني أيضاً هو الحفاظ على نفسي دون أي قيد، وأني أفضل النوم على قارعة الطريق، على أن أنام على سرير من العذاب».
أما إلسا مورانته، فلا تتوانى عن انتقاد مورافيا الذي يسرف في تلميع صورته على حسابها، حيث تكتب في مذكراتها بأنه «مزيج من أخيل وهاملت»، ثم تضيف قائلة: «إنه يسافر إلى باريس من أجل انتصاراته الشخصية. وأنا؟ إني أعاني من وحدة رهيبة، إني أنهار». لكنها لا تتردد من ناحية أخرى في إظهار غيرتها من نجاحاته، فتكتب في رسالة أخرى: «كم أرغب في أن أكون قد كتبتُ كل ما كتبتَه أنت. كما أنني أرغب رغبة شديدة في أن أكون أنت». غير أن تلك البداية الصعبة للعلاقة لم تمنع الطرفين من تجاوز مخاوفهما المتبادلة، واتخاذ قرارهما النهائي بالزواج عام 1941، حيث يعترف الزوج بأنه اكتفى بشراء باقة الزنبق، فيما لم تكن العروس تملك المال لشراء خاتم الزفاف.
غير أن فترة الصفاء الوادعة التي حكمت العلاقة بين الطرفين لم تتجاوز السنتين الأوليين من الزواج، حيث أمكن للعواطف «الطازجة» وحدها أن تتكفل بتجاوز المصاعب الناجمة عن ضيق ذات اليد وتواضع المنزل الزوجي، وحيث كان الزوجان يسيران مغتبطين في شوارع روما. وفيما كانت إلسا تجر قطاً سيامياً بواسطة الجنزير، كان ألبرتو يسير إلى جانبها وقد وضع بومة على أحد كتفيه. والأرجح أن ما ساعد الزوجين على إطالة فترة التفاهم والانسجام، لم يكن الحب وحده، بل مطاردتهما الشرسة من قبل النظام الفاشي الذي كان آنذاك في ذروة استشرائه، والذي وضعهما بسبب مواقفهما المنددة ببطشه على قائمة المطلوبين. ووفقاً للمثل القائل «رب ضارة نافعة»، فقد تبين أن فترة الهروب إلى قرية مالابارته النائية، قد بدت على شظفها، فردوس مورافيا المفقود، والفترة الوحيدة التي حظي فيها مع زوجته بالهدوء والسعادة الحقيقية والبعد عن المنغصات.
ومع أن شغف مورافيا الشديد بسيغموند فرويد وفتوحاته المعرفية المتعلقة بعلم النفس، قد قاده على المستوى النظري إلى اعتبار الحب «نوعاً من المرض، وتوسعاً غير عادي للأنا»، فإن ما يستوقفنا في هذا المجال هو أن إلسا هي التي استثمرت بمكر واضح نظرية زوجها المتعلقة بثقل المؤسسة المرهق وحاجة طرفيها إلى الحرية، لتدخل في غير علاقة غرامية، غير آبهة بمشاعر صاحب «السأم»، الذي لم يسأم رغم الطعنات المتلاحقة، من محاولة استعادة الزوجة الحرون، التي أشاحت بقلبها عنه. ومن المفارقات الغريبة أيضاً، أن يكون أحد أكثر كتاب الغرب إباحية، وصاحب روايتي «أنا وهو» و«امرأة من روما»، الذي اتهمه الفاتيكان بالفحش وترويج الرذيلة، مطالباً بمنع العديد من أعماله، هو في الوقت ذاته العاشق الموله، الذي ظل على امتداد ثلاثة عقود ونصف العقد يطارد زوجته بالرسائل، حتى أثناء هجرها له وارتمائها في أحضان سواه. في حين تقع إلسا في غرام المخرج السينمائي لوكينو فيسكونتي عام 1949، لم يعمد الزوج رغم تعاسته إلى تقريعها، بل راح يحدثها عن الكوابيس التي كانت تداهمه في ليل مكابداته الطويل. وحين دخلت في علاقة أخرى عاصفة مع الرسام الأميركي الشاب بيل مورو، إثر زيارتها إلى نيويورك عام 1959، لم تُظهر لزوجها، الذي لم يعمد إلى تطليقها أبداً، أي شعور بالذنب. لا بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، حين اتهمت مورافيا بأن معاملته الفظة لمورو، كانت واحدة من الأسباب التي عجلت في موته المفاجئ إثر نوبة قلبية حادة.
«الزواج من الأدباء ليس إلا آفة»، كتبت إلسا لإحدى صديقاتها عام 1945، أي بعد سنوات أربع على ارتباطها الرسمي بمورافيا، متناسية أن هذا القول لا يصيب زوجها وحده، بل يصيبها أيضاً في الصميم، وهي الكاتبة المرموقة التي لقيت أعمالها الأدبية والروائية مثل «أكاذيب وشعوذات» و«التاريخ»، نجاحاً باهراً في الأوساط الثقافية الإيطالية. كما لقي كتابها «العالم الذي تم إنقاذه من الصبية»، الذي تنتقد فيه بشكل لاذع ثورة الطلاب الشهيرة عام 1968، ردود فعل واسعة ومتباينة على المستويين الأوروبي والعالمي. وقد يكون الموقف السلبي من تلك الثورة، أحد القواسم القليلة التي جمعت بين الزوجين المتباعدين، خصوصاً أن مورافيا قد وضع ما يجري في إطار الصراع الضاري بين الأجيال، متهماً جيل الشبان بأنه يتعامل مع الأجيال التي سبقته من منطلق النبذ والإلغاء، وكأنها «لم توجد البتة».
ولعل أكثر ما يلفت في رسائل مورافيا إلى زوجته، هو إصراره الدائم على أن يتجرع كأس تنكرها له بأقصى ما يملك من الصبر والأناة. ومع أنه كان أحد أكثر كتاب العالم شغفاً بالسفر، وشبيهاً بعاصفة لا تهدأ، فإن ذلك لم يساعده على نسيان إلسا، بل كان يكرر في رسائله لها عبارات من مثل «أنا لا أستطيع الحياة من دونك»، أو «لا أريد الانفصال عنك، وأنت أكثر الذين أحببتهم في العالم». وحين قررت الانفصال النهائي عنه، بعد وفاة مورو، ظل يذيل تواقيعه على الرسائل بعبارة «حبيبك ألبرتو»، أو ما شابهها. ومع أن يأسه من عودة مورانته قاده إلى البحث عن ضالة عاطفية بديلة مع الكاتبة داتشا مارييني، إلا أن ذلك لم يخفف أبداً من ألمه الممض ووحشته المتمادية. والأدل على ذلك أنه أثناء رحلة له إلى أفريقيا بصحبة داتشا وبازوليني، يكتب لإلسا «كنت أشعر في روما بحزن رهيب، وأشعر هنا أيضاً في آخر العالم كلما فكرت بك. إنني لا أستطيع تحمل عباراتك القائلة (لا أبداً، وعلى الإطلاق). لقد انقضى من حياتنا ثلثاها، وفي هذه العبارات طعم الموت. وهذه هي المرة الأولى التي أفكر فيها بالموت».
لم يمت مورافيا من الحب بالطبع. لكن قيام إلسا بمحاولة للانتحار نجت بأعجوبة منها، ليس أمراً بلا دلالة، لأنه كشف بشكل ملموس عن هشاشتها المستترة خلف قناع ظاهري من الصلابة. ومع ذلك فإن نجاتها من الانتحار لم توفر لها ملاذاً من الموت طويل الأمد، حيث لم تلبث أن قضت بنوبة قلبية بعد سنتين اثنتين من تلك الحادثة. أما صاحب «العصيان» فقد آثر التحامل على جراحه ليتزوج، بعد انفصاله عن داتشا مارييني، من الكاتبة كارمن لليرا عام 1986، التي اتصلت به لإجراء مقابلة مطولة لصالح إحدى الصحف، ثم رافقته بعد ذلك حتى لحظة رحيله عن هذا العالم عام 1990.
لن يُعثر فيما بعد على الرسائل التي كتبها مورافيا إلى لليرا، والتي جرى تمزيقها لأسباب غامضة. لكن رسائله إلى إلسا مورانته ستظل شاهداً حياً وبالغ الدلالة على الثلم العميق الذي تركه في قلب الكاتب، سعيه المستحيل لاستعادتها من براثن الفقدان. وإذا كانت إلسا بالنسبة له هي حبه الأعظم وخيبته الكبرى في الآن ذاته، فقد بدت من بعض وجوهها، الصورة الرمزية لمدينته روما، الساحرة والمتهالكة والمليئة بالتناقضات، التي وصفها بقوله «لم يعد بالإمكان التعرف إلى روما. روما لن تكون عاصمة أبداً. لقد كتبت عنها بوصفها مدينة للحب، لكنها تحولت إلى مكان للكراهية، وأنا بالتأكيد أعيش فيها كمدينة غريبة عني».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.