تسارعت وتيرة هجمات الطائرات من دون طيار والصواريخ على القواعد العسكرية الأميركية في سوريا، مؤخراً، بالتوازي مع استهدافات أخرى لمواقع مجموعات محسوبة على إيران. وكانت البداية من هجمات 15 أغسطس (آب) على قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي على الحدود السورية - العراقية - الأردنية، حيث تعرضت فجر ذلك اليوم لهجوم بـ3 طائرات مسيرة أعلنت «القيادة المركزية الأميركية» تدميرها وتعطيلها.
وقالت مصادر من منطقة الـ«55 كلم» المحيطة بقاعدة التنف، لـ«الشرق الأوسط» إن الطائرات التي أسقطت في قاعدة التنف، كانت تستهدف «النقطة 209» داخل القاعدة، وأسقطت قرب القسم الذي يضم جنوداً أميركيين، لكن تم اعتراض الطائرات قبل وصولها للهدف، وإنه دوى صوت إنذارات داخل القاعدة وشوهدت سيارات إسعاف هناك تزامنت مع عملية التصدي للهجوم الذي نفذته 3 طائرات مسيرة، تم ضرب وتفجير إحداها، وإسقاط الثانية وتعطيلها دون أن تنفجر، وتم اعتراض الطائرة الثالثة وإبعادها عن المكان المستهدف في القاعدة.
بعد ذلك بدأت سلسلة غارات جوية على 3 ليالٍ متتالية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، بدأت من يوم الثلاثاء 23 أغسطس حتى الخميس 26 منه. وقالت «القيادة المركزية» للجيش الأميركي، في بيان، إنها نفذت ضربة في دير الزور استهدفت منشآت بنية تحتية تستخدمها جماعات تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، وأوضحت أن هذه الضربات تهدف إلى الدفاع عن القوات الأميركية وحمايتها من الهجمات التي شنتها الجماعات المدعومة من إيران تجاه أفراد أميركيين، وأنها اتخذت الإجراء الضروري والمناسب والمدروس (للحد من مخاطر التصعيد وتقليل مخاطر وقوع إصابات).
وأعلنت أن الضربات جاءت بتوجيهات من الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قال في رسالة إلى رئيسة مجلس النواب إن بلاده نفذت ضربات ضد أهداف إيرانية في سوريا للدفاع عن سلامة قواتها وتعطيل سلسلة الهجمات المستمرة عليهم. بعد قصف القوات الأميركية، تعرضت قواعد عسكرية أميركية في سوريا في حقلي «العمر» و«كونيكو» النفطيين بريف دير الزور لهجوم بقذائف صاروخية أسفر عن إصابة جندي أميركي؛ بحسب «القيادة المركزية الأميركية» التي تشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، في حين جرى فحص 3 عناصر آخرين أصيبوا إصابات طفيفة عقب هجمات صاروخية في سوريا في 24 أغسطس نفذتها فصائل يشتبه في أنها متحالفة مع إيران.
دخان القصف يتصاعد في مصياف
وارتبطت الهجمات التي تعرضت لها مواقع أميركية بالهجمات التي تشنها إسرائيل على سوريا وتستهدف نقاطاً تابعة لإيران، فهجوم الطائرات المسيرة على القاعدة الأميركية في التنف، جاء بعد يوم من قصف إسرائيل أهدافاً عسكرية في دمشق وطرطوس السوريتين أسفر عن مقتل 3 جنود سوريين.
واستهدفت تلك الضربات قاعدة دفاع جوي للجيش السوري تتمركز فيها في الغالب مقاتلات مدعومة من إيران، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان». بينما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير بأن مسؤولين أميركيين كباراً عدّوا هجمات 15 أغسطس محاولة إيرانية للانتقام من هجوم إسرائيلي سابق، مستهدفة حلفاء إسرائيل في المنطقة؛ أي الولايات المتحدة، وأن الهجوم باستخدام الطائرات المسيرة إشارة واضحة إلى تورط «الحرس الثوري»، فإيران صنعت مسيرات متطورة في السنوات الأخيرة، باعتها إلى دول أخرى ونقلتها إلى مجموعات تعمل بالوكالة.
ونقلت الصحيفة عن غيث قريشي، المحلل المقرب من الحكومة الإيرانية، أنه قبل عام عقد اجتماع للقوى المتحالفة مع إيران في سوريا والعراق ولبنان، لمناقشة سبل الرد على الهجمات الإسرائيلية المتزايدة داخل سوريا، وأفضى إلى توافق الرد على الضربات الإسرائيلية بضرب القواعد الأميركية في سوريا؛ خصوصاً في «قاعدة التنف» جنوب شرقي البلاد، على أمل أن تضغط واشنطن بعد ذلك على إسرائيل للتراجع عن ضرب مواقع إيران، بعد أن طالب السوريون خلال مناقشاتهم بعدم شن هجمات ضد إسرائيل من أراضيهم حتى لا يخاطروا بحرب شاملة.
لكن لماذا خصت قاعدة التنف بقرار القوى المتحالفة مع إيران؟ يرى مراقبون أنه بعيداً عن الهدف المعلن من تشكيلها لمحاربة تنظيم «داعش» في المنطقة، فإن القاعدة توجد في منطقة تحظى بأهمية جغرافية استراتيجية، على مثلث التقاء سوريا والعراق والأردن، كما أنها بوابة برية للاتصال بين إيران وحلفائها في المنطقة من العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. ووجود قاعدة التحالف ومنطقة الـ«55كلم» المحيطة بها والإعلان عن حمايتها ومنع الاقتراب منها، قطع الطريق أمام مشروع الإمداد الإيراني لتمرير أسلحة وصواريخ للحلفاء في المنطقة التي تهدد إسرائيل. أيضاً لهذه القاعدة مهمة أخرى؛ وهي تقديم دعم لحلفاء واشنطن في المنطقة، كالعمليات الاستخباراتية في الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية، كما أنها قد تقدم دعماً للأردن في الملاحقة وكشف شبكات تهريب المخدرات والسلاح من جنوب شرقي سوريا. إضافة إلى أن القاعدة جزء من مشروع إبعاد إيران عن المنطقة الجنوبية من سوريا، حيث التسويات غرباً في درعا والقنيطرة برعاية روسية، وشرقاً قاعدة التنف والفصائل السورية المدعومة من التحالف ضمن منطقة الـ«55كلم»، وتبقى عقدة جنوب السويداء التي شكلت فيها قبل عام مجموعة لمحاربة الوجود الإيراني تحمل اسم «قوة مكافحة الإرهاب»، لكن هذه المجموعة انتهت قبل أشهر بهجوم من مجموعات أمنية بالسويداء.
ورغم الحاصل مؤخراً بين التصعيدين الإيراني والأميركي على الساحة السورية، فإن واشنطن تقول إنها لا ترغب في التصعيد وإن أنشطتها لحماية المصالح الأميركية ولن تؤثر على محادثات الاتفاق النووي مع إيران، في الوقت الذي تنفي فيه طهران علاقتها بالهجمات أو المجموعات المستهدفة في سوريا. ويرى مراقبون سوريون أن تلك الهجمات وما رافقها من تصريحات متبادلة بين الأطراف لم تؤثر على وجود ومصالح الدولتين في سوريا، وأنها لم تتجاوز الرد على الاعتداء إرضاء للخطابات الإيرانية المتشددة الرافضة لخضوع إيران لاتفاقيات وتفاهمات دولية بشأن مشروعها النووي «الخاص»، إضافة لإرضاء الأميركيين وحلفائهم الذين ينتقدون الاتفاق النووي مع إيران، وإثبات أن واشنطن ستحتفظ بموقف متشدد ضد إيران حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي.
وفي المحصلة النهائية، لم تحقق هذه الهجمات أو غيرها أي فائدة للشعب السوري الذي أنهك بالحرب وتداعياتها المعيشية والاقتصادية والأمنية، أو أي فائدة لسوريا التي تحولت إلى ساحة صراع بين الأطراف الدولية المتنافسة على التركة السورية.
سوريا ساحة تصفيات بين الدول المتنافسة
ضربات أخيرة متبادلة بين طهران وواشنطن لإرضاء المتشددين
سوريا ساحة تصفيات بين الدول المتنافسة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة