«سكة الترامواي» يروي نجاحات «معركة التغيير» في دمشق... وخيباتها

أمين معلوف عن كتاب المؤرخ سامي مبيض: يوقظ فينا الحنين وشيئاً من الأمل

ترامواي القصاع
ترامواي القصاع
TT

«سكة الترامواي» يروي نجاحات «معركة التغيير» في دمشق... وخيباتها

ترامواي القصاع
ترامواي القصاع

«كتابٌ يوقظ فينا الحنين، وشيئاً من الأمل». هكذا وصف الأديب العالمي أمين معلوف كتاب سامي مروان مبيّض الجديد «سكّة الترامواي: طريق الحداثة مرّ بدمشق»، الذي يصدر عن «دار رياض نجيب الريّس»، في بيروت، مطلع شهر سبتمبر (أيلول).
هذا هو التعاون السادس بين مبيّض و«دار الريّس»، بعد سلسلة من المؤلفات عن تاريخ مدينة دمشق المعاصر، بدأت سنة 2015 بكتاب «تاريخ دمشق المنسي». وجاء بعدها «شرق الجامع الأموي»، ثم «غرب كنيس دمشق»، وصولاً إلى «عبد الناصر والتأميم» و«نكبة نصارى الشام»، سنة 2020.
في هذه الكتب، يركز مبيّض جهوده على كشف النقاب عن جوانب مهمة من تاريخ مدينته؛ سواء كانت غائبة أم مغيبة. وهذا ما يفعله في كتابه الجديد، حيث يطرح سؤالاً: «هل كانت دمشق مستعدة للتغيير؟ وهل قبلت به عن قناعة؟ هل كانت فعلاً مدينة كلاسيكية محافظة غارقة في إرثها التاريخي، أم مدينة متجددة ومنفتحة على كل جديد؟ وأخيراً، هل كانت دمشق مُتعصبة أم أنها كانت متسامحة مع شبابها وصباياها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين؟».

بطاقة ركوب  الترامواي

«الحداثة»، ومعركة التغيير في المجتمع السوري من نهايات القرن التاسع عشر، ولغاية منتصف القرن العشرين، عنوانان أساسيان في الكتاب. و«معركة التغيير» شنّت على ثلاث جبهات بين ثلاثة مكونات اجتماعية: بين الشباب المتعلّم وآبائهم المحافظين، بين الرجل والمرأة، وبين العلمانيين ورجال الدين. عليه، «تنوّعت منصّات الصراع وكثرت أمكنته: في الأزقة والحارات، داخل المنازل، في المساجد، في حرم جامعة دمشق، على خشبات المسارح، في ملاعب كرة القدم، وداخل الأحزاب والأندية والصحف».
يأتي هذا الكتاب لتسليط الضوء على كل هذه التجارب، بما لها وما عليها، بنجاحاتها وفشلها، مع إشارة إلى أنها بقيت تجارب متفرقة لا تلبي رغبات بعض المتنورين بإحداث تغيير حقيقي في المجتمع، وذهبت كلها أدراج الرياح، بسبب الانقلابات العسكرية التي عصفت بسوريا منذ سنة 1949.
يقع الكتاب في 416 صفحة، فيها كثير من الصور النادرة، منضوية تحت قسمين: الأول يحكي تجربة التغيير في السياسة والمجتمع منذ عهد الملك فيصل الأول (1919 - 1920) إلى انفصال سوريا عن مصر سنة 1961. الثاني يتناول «معركة التغيير» في مجالات الفنون والثقافة منذ سبعينات القرن التاسع عشر، التي وُلدت على يد رائد التمثيل في سوريا ومؤسس مسرح «الميوزيكال»، أبي خليل القباني.
ويقول مبيّض إنه اختار «سكّة الترامواي» عنواناً لكتابه نظراً للحياة الجديدة التي وُلدت في دمشق بفضل شبكة النقل العام التي ظهرت خارج أسوار المدينة القديمة ابتداء من عام 1907. ساهمت هذه شبكة مع الكهرباء التي دخلت دمشق في نفس السنة، في إنشاء أحياء كاملة خارج أسوار دمشق القديمة، ظهرت تباعاً على طرفي خط مسير الترامواي، بالتزامن مع إنشاء عدد من المدارس والمستشفيات و«معهد الطب»، الذي شكّل نواة الجامعة السورية فيما بعد.
ترافق كل ذلك مع هجرة عدد من الشباب لدراسة الطب والهندسة والقانون في جامعات أوروبية، حيث سكنوا في عمارات طابقية، وعاشوا في مجتمعات تشرب من ينابيع مختلفة. وبعد عودتهم إلى مدينتهم، وجدوا أن بعض أبنية دمشق باتت مماثلة لما شاهدوه في المهجر. وشاهدوا، أيضاً، شبكة شوارع رئيسية تصل بينها ساحات صغيرة تليها شوارع فرعية منظمة. وفي هذه الأحياء الجديدة شيّدت أبنية طابقية على الطراز الأوروبي. «هجر» الكثير من أولاد الميسورين بيوت أهلهم في دمشق القديمة ليسكنوا في هذه الشقق الجديدة... «الأوروبية».

في هذه الأحياء الجميلة والحديثة والمنظمة، ظهر جيل جديد من السوريين، مختلف عن الآباء والأجداد، «متحرر» في أفكاره ولباسه وسلوكه، متأثر بطرق العيش الأوروبية، حيث عاد هؤلاء «من دراستهم الجامعية في أوروبا مرتدين القبعة بدلاً من الطربوش، والبنطال بدلاً من القمباز المقصّب». عادوا إلى مدينتهم حاملين أفكاراً أجنبية عن الدين والدولة والمجتمع، رافعين راية العلمانية في حياتهم الخاصة وفي تربية أولادهم. وقد انتقلت هذه «الأفكار التحررية» من منازلهم إلى أماكن عملهم، في دوائر الدولة وفي الجامعات ومكاتب الصحف والمحاماة، وصولاً إلى النوادي والمقاهي، ومن ثم إلى الأحزاب السياسية التي قاموا بإنشائها في مرحلة الاستقلال. إذ يقول: «لولا سفرهم واطلاعهم على تجارب الآخرين لما كان هذا التحول في حياتهم، ولولا الحداثة في العمران وطرق العيش، لما انعكست هذه الأفكار على بيوتهم وعاداتهم وتجربتهم الحياتية».
البداية إذن كانت مع «الترامواي» وكل الأحياء الحديثة التي وُلدت من حوله وبسببه، والتي أصبحت معقلاً لشباب دمشق وصباياها مع سقوط الحكم العثماني سنة 1918.
وقد عبر الكاتب أمين معلوف عن ذلك في تعريفه عن الكتاب، قائلاً: «من مآسي مشرقنا أن الحداثة الاجتماعية والفكرية، التي تبدو في يومنا هذا بعيدة المنال، بدأت تسري قبل أجيال في عروق أبنائه وبناته، بفضل رواد مبدعين كان في وسعهم أن يحوّلوا هذه البقعة من العالم إلى منارة حقيقية للتقدم والحضارة. هذا ما يرويه لنا سامي مبيّض في عمله الرائع عن دمشق».
الكتاب وثق محاولات فردية وعامة للتنوير في العاصمة السورية. بعضها كان فاشلاً وبعضها نجح في ترك البصمات. هنا الأهمية الأولى لهذا الكتاب. أهمية أخرى، تأتي من أنه يضع «معركة التغيير» في سوريا، في العقد الأخير، في سياق تاريخي، وإن كان هذا النص يركز على البعد الاجتماعي والتنويري لـ«معركة دمشق»، وليس الجوانب السياسية في «المعركة» الحالية ومآلاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية في شوارع دمشق وباقي الأنحاء السورية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.