يؤدّي الخلاف على تقاسم حصص المياه بين الدول، إلى تفاقم التوترات السياسية أو العرقية، لكنّ مسألة تقاسم المياه هذه باتت في خطر أن تصبح سبباً في حدّ ذاته للصراع، وفق مقال لجان ميشال بيزا، الصحافي في جريدة «لوموند» الفرنسيّة.
يشير بيزا إلى أنّه على الرغم من الكتلة الهائلة من المياه الموجودة على الكوكب، فإنّ كمية صغيرة منها (0.07 في المائة) صالحة للاستخدام المباشر من قِبل البشر، في حين يجب على ثلاثة أرباع الدول أن تشارك هذه المياه مع دولة جارة واحدة أو مع أكثر من دولة؛ مما يضاعف من بؤر التوتّر.
وحذّرت الأمم المتّحدة من أنّ النمو السكاني والتصنيع والتحضّر سيؤدّون إلى زيادة الطلب بنسبة 30 في المائة تقريباً على المياه بحلول عام 2050، وسيكون توزيع المياه أسوأ، وسيعاني نصف البشر البالغ الذين سيكون عددهم 9.7 مليار نسمة تقريباً، أزمة في تأمين المياه، في حين سيتعرّض 700 مليون شخص لخطر الفرار من أراضيهم الجافة بحلول نهاية هذا العقد.
ويلفت بيزا إلى أنّ الجفاف الذي كان مستشرياً منذ ربيع هذا العام في نصف الكرة الأرضيّة الشمالي، والذي تتخلّله أحياناً أمطارٌ مدمّرة، أيقظ الأوروبيين وأدهشهم لكونهم لم يعودوا بمنأى عن الجفاف.
يقول بيزا «يدرك الأوروبيون الآن أنّ جزءاً من قارّتهم القديمة، يتّجه نحو مناخ شبه جاف، بما في ذلك فرنسا، وأنّ الموارد ليست غير محدودة»، مضيفاً «لم تعد البلدان الناشئة وحدها تتأثّر بانخفاض 20 في المائة إلى 50 في المائة في المحاصيل، ولم يعد بإمكان المستثمرين التقليل من أهمية هذه المخاطر...».
ويذكّر، أنّ أزمة ندرة المياه لم يعد سببها فقط سوء إدارة المياه، حيث يُستخدم ما يقرب من ثلاثة أرباعها للزراعة، بل إنّ للاضطرابات المناخية الأخيرة دورها أيضاً بتغيير المعطيات.
ويتحدّث بيزا عن امتلاك دول المنبع للأنهار التأثير (في مسألة المياه) مثل إثيوبيا بالنسبة لنهر النيل، وتركيا لنهري دجلة والفرات، والولايات المتحدة لنهر كولورادو، والصين التي تسيطر على هضبة التيبت من أجل أنهار آسيا الكبرى، على حد وصف بيزا الّذي يعلّق على ذلك قائلاً «رغم أنّ إدارة هذه المياه غالباً ما تكون منظّمة باتفاقيات بين الدول المستفيدة من مياه هذه الأنهار، فإنّ هذه الاتفاقيّات تكون هشّة ولا يتمّ احترامها (الالتزام بها) كما يجب»، ملمّحاً إلى عدم التزام إثيوبيا بالاتفاقيات بشأن النيل، قائلاً، إنّ بناء سدّ النّهضة الإثيوبي جعل الاتفاقيات بين إثيوبيا ومصر بشأن نهر النيل موضع شكّ بفاعليّتها، في حين يغذّي النيل 250 مليون نسمة، وتعتبر القاهرة حصّتها من مياه النيل قضية «وجودية» بالنسبة لـ100 مليون مصري.
ويرى بيزا، أنّه لم يحدث أن قامت دولٌ حتّى الآن بشنّ حروب ضدّ بعضها البعض بذريعة الاستئثار بموارد المياه فقط، إلّا أنّه يتوقّع اندلاع موجات عنف داخل البلدان التي تتعارض فيها طرق استخدام المياه بين القرويين (الفلاحين إجمالاً) وسكّان المدن، معتبراً أنّ دولاً مثل الهند وإيران مهدّدة بأن تشهد عنفاً سببه المياه.
ويستشهد بكلام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يقول «المياه يمكن أن تكون مصدر نزاع أو أداة للتعاون».
ويعتبر بيزا، أنّه يمكن للبشريّة أن تحلم بالحوكمة العالمية لتوزيع هذا الصالح العام على البشرية بشكل عادل، ولكنّه يرى أنّه «كلّما أصبحت موارد المياه شحيحة، أصبحت (المياه) قضية أمنية حيوية، فتتراجع الدبلوماسية والمعاهدات المشتركة (بين الدول)، أمام ميزان القوى (بين الدول)، وسيصبح تقاسم المياه، الذي أدّى إلى تفاقم التوترات السياسية أو العرقية، عاملاً من عوامل الصراع في حد ذاته».
الجفاف يهدّد بموجات عنف داخلية وصراعات بين الدول
الجفاف يهدّد بموجات عنف داخلية وصراعات بين الدول
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة