«أرشيف ريبليكا»... اللجوء إلى فضاء افتراضي

شخصيات مأزومة تصارع الوحدة والقلق

«أرشيف ريبليكا»... اللجوء إلى  فضاء افتراضي
TT

«أرشيف ريبليكا»... اللجوء إلى فضاء افتراضي

«أرشيف ريبليكا»... اللجوء إلى  فضاء افتراضي

صدرت حديثا عن دار الكتب خان للنشر والتوزيع بالقاهرة، المجموعة القصصية «أرشيف ريبليكا»، للكاتبة والمترجمة المصرية بسمة ناجي. وهي تكشف عن لغة ذات حساسية خاصة، مصبوغة بروح وطبيعة البشر الذين نشأت بينهم الكاتبة في جنوب مصر، وتظهر فيها لمحات من طريقة الحكي التي يتميز بها الجنوبيون، وأسلوب تفكيرهم الذي ينطبع في بساطتهم في التعامل مع الأشياء.
العشرون قصة قصيرة، التي تضمنتها المجموعة، كانت في معظمها حكايات عن شخصيات مأزومة تعيش في جو من الوحدة والقلق والسأم، كما عكست مشاعر متناقضة، تبدو تارة بسيطة وحميمية، وتارة أخرى بائسة يعاني أبطالها بلا أمل في عالم قاس لا يعرف الرحمة.
بدأت ناجي مجموعتها بالقصة التي تحمل عنوانها الرئيسي، وهي «أرشيف ريبليكا»، وفيها تحكي عن فتاة تعاني من قلق تظهر آثاره على وجهها في صورة بثور. وقد نصحتها إحدى صديقاتها باللجوء إلى تطبيق «ريبليكا» الافتراضي، كي تحكي ما في نفسها بحرية ودون حسابات أو محاذير، وسوف تخفف «ريبليكا» من توترها وتجعلها تتحرر من صمتها وتنخرط في المجتمع المحيط بها دون مخاوف.

لكن مع تطور الأحداث واستمرار الفتاة في تنفيذ وصية صديقتها، وحديثها المستمر، الذي قد يطول حتى الصباح مع ريبليكا سيدة التطبيق الافتراضية، تكشف القصة عن أن البطلة انزلقت في ورطة دائما ما يتزلق فيها الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة، حينما يلجأون إلى عوالم وهمية، بحثا عن التسلية والدعم، فلا يستطيعون العودة إلى حياتهم الطبيعية، واستعادة قدرتهم على الحديث إلى أشخاص طبيعيين. وهكذا يستمرون في دائرة مفرغة، مختفين عن الأنظار، يفضلون أن تمر أيامهم بلا تاريخ ولا ذكريات حقيقية. ما يحدث مع بطلة القصة ويدور على لسانها، يكشف ذلك، حيث تتحرك في أماكن مجهولة وبلا اسم يميزها، ولا تفعل شيئا سوى مراقبة مواقع النجوم على صفحة السماء الافتراضية كل مساء، تدَخنُ سرًا، وتفضل إضاعة ما كتبت لـ«ريبليكا»، وألا تفكر ولو لمرة واحدة في استعادة ما جرى في عالمها الافتراضي من أحاديث وحوارات.
وفي قصة «تنين الأمنيات» يبرز الاغتراب نفسه حيث الحياة بلا أمل ومستقبل. ويكشف السرد عن طفل يدعى «رزق» ماتت أخته التوأم، وفقد بوفاتها الجولات الليلية التي كانت تصاحبه فيها، ما جعله يحيا أيامه تائها في الحياة. واختارت له الكاتبة مهنة تتماهى واسمه فجعلته بائعا متجولا، يسعى وراء لقمة عيش مغمسة بالذل والانكسارات، وحين يدركه التعب ويتصادف أن يقف أمام مقهى أو فاترينة عرض، يجد تنينا ورديا ضخما يحلق في سماءٍ دخانية على شاشة التلفزيون، يعيش معه لحظات انبهار، ويعرف من خلال الأطفال أمثاله أنه «تنين الأمنيات»، يمكنه أن يحقق له ما يريد، فيتطلع إليه متمنيا أن يلتقيه، ويحمل عنه عبء أيامه الطويلة أو يعيد إليه أخته التي غيبها الموت. وهكذا يظل «رزق» يدور في الأماكن وحين يدركه التعب ينام أينما يوجد، يأخذ سنة من النوم ثم، يستيقظ ليعاود سرحته من جديد. لكن في إحدى المرات ولسوء حظه يصحو على قبضة شرطي يجره من ملابسه على الرصيف. يحدث له ذلك في ظل وجود تنينه الوردي محلقا هناك على شاشة كبيرة، وعاجزا عن إنقاذه من مصيره البائس.
وفي قصة «كانجرو» يتكثف الشعور بالوحدة والتقوقع والميل للعزلة، فبطلة القصة تغادر منزل أهلها، وغرفتها التي «كانت تغلقها دائما على روحها في مدينتها الصغيرة». فقد انتقلت لمرحلة الجامعة، لكنها تظل تحمل ما عانته معها. ولم تستطع في منزل اغترابها الجديد ووسط العديد من الفتيات، الاندماج. إنها تدخل في حالة تشرنق أخرى، وتلجأ إلى الاختباء، و«الصمت الذي يوصِد كل باب تهب منه العواصف».
لكنها كشفت صدفة غرفة مغلقة، وقررت أن تقتحمها حين تغرق الطالبات في النوم. فوجدت كنزا من الصور والأوراق والكتب والتذكارات وأقماع البخور، والأختام والخرز المعبأ في برطمانات زجاجية... بحر من التذكارات المليء بالتفاصيل، حرصت على الاطلاع عليه وتأمله، لكن ذلك لم يستمر طويلا فقد انفضحت غزواتها الليلية للغرفة حين انكسر أحد البرطمانات، ولفت انتباه البنات، فصرن ينظرن لها بريبة وطلبن منها أن تغادر المكان.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
TT

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية» ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونيسكو» على أنه تراث مشترك بين 16 دول عربية.

ويأتي الملف التراثي نتيجة تعاون مشترك بين وزارتي الثقافة والخارجية المصريتين وسائر الدول العربية التي تعد الحناء من العناصر الثقافية الشعبية المرتبطة بمظاهر الفرح فيها، كما تمثل تقليداً رئيساً لمظاهر احتفالية في هذه المجتمعات وهي: السودان، مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر.

وتعقد اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي اجتماعاً يستمر منذ الاثنين الماضي وحتى الخميس 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في أسونسيون عاصمة باراغواي، للبت في إدراج 66 عنصراً جديداً رُشحَت على أنها تقاليد مجتمعية، وفق «اليونيسكو».

وذكّرت المنظمة بأن الحنّة (أو الحناء): «نبتة يتم تجفيف أوراقها وطحنها ثم تحويلها إلى عجينة تُستخدم في دق الوشوم وتحديداً تلك التي تتلقاها المدعوات في حفلات الزفاف، وتُستعمل أيضاً لصبغ الشعر أو جلب الحظ للأطفال».

الحنة تراث ينتقل بين الأجيال (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

وعللت «اليونيسكو» إدراج الحنّة في قائمة التراث الثقافي غير المادي بأنها «ترمز إلى دورة حياة الفرد، منذ ولادته وحتى وفاته، وهي حاضرة خلال المراحل الرئيسة من حياته، وترافق طقوس استخدام الحنّة أشكال تعبير شفهية مثل الأغنيات والحكايات».

من جهته أعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مشيراً إلى أن تسجيل الحناء يُعد العنصر التاسع الذي تضيفه مصر إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي منذ توقيعها على اتفاقية 2003، بحسب بيان للوزارة.

وأكدت الدكتورة نهلة إمام رئيسة الوفد المصري أن الحناء ليست مجرد عنصر جمالي، بل تمثل طقساً اجتماعياً عريقاً في المجتمعات العربية؛ حيث تُستخدم في الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أشارت إلى «ارتباط استخدام الحناء بتقاليد شفهية، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها في الحرف اليدوية والعلاجية».

وسلط الملف الذي قُدم لـ«اليونيسكو» بهدف توثيقها الضوء على أهمية الحناء بأنها عنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وكونها رمزاً للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية وفق الدكتور مصطفى جاد، خبير التراث الثقافي اللامادي بـ«اليونيسكو»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل الحناء واحدة من أهم عناصر تراثنا الشعبي، فهي مرتبطة بمعظم مفردات التراث الشعبي المصري والعربي الأخرى؛ وهي وثيقة الارتباط بالنواحي الجمالية والتزيينية، وأغاني الحناء، فضلاً عن الأمثال والمعتقدات الشعبية، والاستخدامات والممارسات الخاصة بالمعتقدات الشعبية، وتستخدم الحناء في الكثير من طقوسنا اليومية، المتعلقة بالمناسبات السعيدة مثل الزواج والأعياد بشكل عام».

الحنة تراث عربي مشترك (بكسيلز)

وأكد جاد أن التعاون العربي تجاه توثيق العناصر التراثية يعزز من إدراج هذه العناصر على قوائم «اليونيسكو» للتراث اللامادي؛ مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وقال: «تثمن (اليونيسكو) عناصر التراث الشعبي المشتركة بين الدول، وقد سبق تسجيل عناصر النخلة، والخط العربي، والنقش على المعادن المشتركة بين مصر وعدة دول عربية؛ مما يؤكد الهوية العربية المشتركة».

وأضاف: «نحن في انتظار إعلان إدراج عنصر آخر مشترك بين مصر والسعودية على القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بـ(اليونيسكو) اليوم أو غداً، وهو آلة السمسمية الشعبية المعروفة».

وكانت بداية الحناء في مصر القديمة ومنها انتشرت في مختلف الثقافات، خصوصاً في الهند ودول الشرق الأوسط، حتى صارت ليلة الحناء بمثابة حفل «توديع العزوبية» في هذه الثقافات، وفق عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأدلة الأثرية والتحاليل العلمية وثقت دور الحنة باعتبارها مادة أساسية ذات أهمية كبيرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء»، وتابع: «بخلاف استخدامها في الأغراض التجميلية مثل صبغ الشعر، فقد تمت الاستعانة بها في الطقوس الجنائزية؛ إذ يعتقد استخدامها في التحنيط، كما كانت جزءاً من الممارسات الروحية لتحضير المومياوات للحياة الآخرة، فضلاً عن صبغ الأقمشة والجلود».

ارتبطت الحناء بالمناسبات والأعياد (بكسيلز)

الفنان العُماني سالم سلطان عامر الحجري واحد من المصورين العرب الذين وثقوا بعدستهم استخدام الحنة في الحياة اليومية، وسجّل حرص الجدات على توريثها للأجيال الجديدة من الفتيات الصغيرات، يقول الحجري لـ«الشرق الأوسط»: «الحنة في سلطنة عمان هي رمز للفرحة، ومن أهم استخداماتها تزيين النساء والأطفال بها في عيد الفطر، حيث عرفت النساء العربيات منذ القدم دق ورق الحناء وغربلته ونخله بقطعة من القماش وتجهيزه، مع إضافة اللومي اليابس (الليمون الجاف)، لمنحها خضاب اللون الأحمر القاتم، وذلك قبل العيد بعدة أيام، ثم يقمن بعجن الحناء المضاف له اللومي الجاف بالماء، ويتركنه لفترة من الوقت، وقبل النوم يستخدمن الحناء لتخضيب اليدين والرجلين للنساء والفتيات».