احتمالات المواجهة عبر مضيق تايوان تثير قلق «جارات» الصين

في أعقاب الغبار الذي أثارته زيارة نانسي بيلوسي لتايبيه

نانسي بيلوسي (يسار) رفقة الرئيسة التايوانية في زيارتها الأخيرة للعاصمة تايبه (د ب أ)
نانسي بيلوسي (يسار) رفقة الرئيسة التايوانية في زيارتها الأخيرة للعاصمة تايبه (د ب أ)
TT

احتمالات المواجهة عبر مضيق تايوان تثير قلق «جارات» الصين

نانسي بيلوسي (يسار) رفقة الرئيسة التايوانية في زيارتها الأخيرة للعاصمة تايبه (د ب أ)
نانسي بيلوسي (يسار) رفقة الرئيسة التايوانية في زيارتها الأخيرة للعاصمة تايبه (د ب أ)

خلّفت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى العاصمة التايوانية تايبيه في وقت سابق من الشهر تداعيات سياسية متتالية امتدت لما وراء مضيق تايوان في جميع أنحاء آسيا تقريباً، خاصة جنوب شرقي آسيا. وفي حين أسعدت زيارة بيلوسي سكان تايوان وقادتها، فإنها أثارت غضب الصين. ومنذ ذلك الحين، عمدت سلطات بكين، التي تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ من التراب الصيني، إلى عرض قدراتها العسكرية... إذ ردت الصين بتنفيذ أكبر تدريبات عسكرية لها على الإطلاق، وطوّقت خلالها الجزيرة وأغلقت بشكل أساسي ممرات الشحن والسفر الجوي. ومع هذا، بعد زيارة بيلوسي، وصل وفد من المشرّعين الأميركيين إلى تايوان في زيارة استغرقت يومين التقوا خلالها بالرئيسة تساي إنغ ون، وهي ثاني مجموعة رفيعة المستوى تزور الدولة - الجزيرة وسط تصاعد التوترات العسكرية في المنطقة.
باتت نانسي بيلوسي أول رئيس لمجلس النواب في الولايات المتحدة وأعلى مسؤول أميركي يزور تايوان منذ 25 سنة، داخلة بذلك في تحدٍ أمام الحزب الشيوعي الصيني الذي يعتبر تايوان جزءاً من أراضي الصين. وللعلم، يتجنب المسؤولون الأميركيون بوجه عام أي تحركات قد تؤدي إلى اندلاع صراع عسكري بين الصين وتايوان قد يؤدي إلى توريط الولايات المتحدة. ولكن حول الزيارة وتداعياتها تظاهرت واشنطن بأنها لم ترتكب أي خطأ، وأن رد فعل بكين مبالَغ فيه. ولا سيما أن تايوان كانت محطة في جولة بيلوسي في الشرق الأقصى شملت أيضاً اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة.
كذلك، في خضم التوتر، أعلنت واشنطن أنها ستبدأ مفاوضات تجارية رسمية مع تايبيه، وكان قد كشف عن المبادرة الأميركية ـ التايوانية حول تجارة القرن الحادي والعشرين لأول مرة في يونيو (حزيران) الماضي، وقالت نائبة الممثل التجاري للولايات المتحدة سارا بيانكي في بيان «نخطط لمتابعة جدول زمني طموح... من شأنه أن يساعد في بناء اقتصاد أكثر عدلاً وازدهاراً ومرونة في القرن الحادي والعشرين». وبهذا الصدد، بلغت قيمة التجارة بين الولايات المتحدة وتايوان نحو 106 مليارات دولار عام 2020.
- لماذا عرض العضلات؟
فيما يخص الرئيس الصيني شي جينبينغ، أعرب أستاذ الدراسات الدولية الهندي، هارش في بانت، عن اعتقاده بأن الأمر لم يخلُ من بُعد شخصي، بالنظر إلى تاريخ بيلوسي المناوئ للصين. وبعد مطالبة بكين علناً بإلغاء هذه الزيارة، لم يعد هناك خيار أمام بكين سوى التصعيد. وما يستحق الإشارة هنا أن تحولاً ملحوظاً طرأ على سياسة بكين في محاولتها اجتذاب تايوان بعيداً من خلال التعاون والمشاركة؛ ذلك أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين ازدهرت، وبرزت الأجزاء الرئيسية من الصين كوجهة جذابة للشباب التايواني. لكن الرئيس شي يشعر بأنه في عجلة من أمره، وليس لديه وقت للتعاون والمشاركة ما لم يسجل الإنجاز التاريخي المتمثل في إعادة توحيد البلاد باسمه.

مع هذا، تظل الحقيقة أن الإجراءات الصينية تجاه تايوان ليست موجهة للتايوانيين فحسب، بل تستهدف كذلك جمهوراً أوسع بكثير من شرق آسيا وجنوب شرقها وصولاً إلى جبال الهيمالايا والغرب. والرسالة إلى هذا الجمهور واضحة: كن مستعداً لمواجهة تهديدات بكين العسكرية حال مقاومة التغييرات التي تقرها منفردة في الوضع القائم. ومن خلال تعليق الحوار العسكري مع واشنطن ونبذ المشاركة الدبلوماسية وترك مهمة الحديث إلى الصواريخ، تعمد بكين اليوم إلى تذكير واشنطن بأن حقبة جديدة من «سياسات القوة» العالمية قد بدأت.
تايوان، كما هو معلوم، ظلت تتمتع بالحكم الذاتي لعقود من الزمان، ومزاعم الصين بأنها جزء من أراضيها لا تجدي شيئاً في تغيير هذا الواقع. بل تثير العدوانية الصينية حالة من التوتر الشديد داخل آسيا، في ضوء القلق الذي يساور دول المنطقة إزاء التوتر المتفاقم واحتمالات الاضطراب الإقليمي في المنطقة.
مع هذا، تدّعي الصين أن الإجماع الدولي يقف إلى جانبها، فقد صرح وانغ وينبين، الناطق باسم وزارة الخارجية، أمام حشد من الصحافيين بأن «أكثر عن 170 دولة... أعربت عن دعمها القوي للصين فيما يتعلق بقضية تايوان عبر وسائل مختلفة». ولكن الواقع أن، العكس صحيح فقد أعرب عدد قليل للغاية من الدول عن تأييده بالفعل لبكين. وتحديداً، تميل ثلاث دول فقط إلى جانب بكين هي ميانمار وكوريا الشمالية وروسيا. وتلوم الدول الثلاث صراحة واشنطن على التوتر الحالي. في المقابل، بينما يعترف معظم دول العالم بحكومة بكين ممثلة للصين، فإن قلة ضئيلة من الدول تعترف بتايوان. ومع أنه لا توجد علاقات رسمية بين واشنطن وتايبيه، ثمة قانون يلزم الجانب الأميركي بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها. وهنا يعلق الدبلوماسي والأكاديمي السنغافوري المخضرم كيشور محبوباني بأن «ما تعرفه البلدان في هذه المنطقة أن الصين لا تستطيع أن تفعل شيئا... وليس أمامها خيار سوى رد الفعل، وفي الوقت نفسه لا تود الصين أن تشعل شرارة الحرب العالمية الثالثة».
- تهديد التجارة العالمية
على صعيد آخر، قد يؤدي الصراع الصيني - التايواني إلى اضطراب هائل في سلاسل التوريد العالمية، ويحذر خبراء من أن صراعاً كهذا سيهدد استمرار التجارة عبر بحر الصين الجنوبي الذي يعد ممراً مهماً جداً يربط آسيا ببقية العالم. وفي حين تضرب العواصف الجيوسياسية سواحل تايوان، متحسبة لما قد تفعله بكين، تشعر دول المنطقة - من الفلبين وكوريا الجنوبية وفيتنام واليابان إلى سنغافورة - قلقة من احتمال تفجر الأوضاع.
في الحقيقة، وضعت أزمة تايوان «رابطة دول رابطة جنوب شرقي آسيا» (آسيان) في مأزق، وتثير التمارين العسكرية الصينية الكبيرة قبالة تايوان تخوفاً إقليمياً جدياً، على امتداد شرق آسيا وجنوب شرقها وفق الكاتب الصحافي الهندي شوباجيت. ولكن تتباين مواقف الدول المعنية حيال من يتحمل مسؤولية التوتر الحالي... الولايات المتحدة أم الصين.

دول «آسيان» تكره التنافس الأميركي - الصيني في المنطقة؛ لأنها لا تريد الانحياز إلى أحد الجانبين. وهي بينما ترحب بالمشاركة والاستثمارات الأميركية المتزايدة، فإنها تود تجنب اشتعال مواجهة بين الطرفين. وخلال احتفال دول «آسيان» بالذكرى السنوية الـ55 لتأسيسها «الرابطة»، صدر بيان قصير في اجتماع وزراء خارجيتها في منتصف في أوائل أغسطس (آب) حول التنمية عبر المضيق أعاد التأكيد على سياسة «آسيان» تجاه «الصين الواحدة». ودعا البيان إلى «أقصى درجات ضبط النفس»، وحذر من أن التمارين العسكرية يمكن أن «تؤدي إلى سوء تقدير ومواجهة خطيرة وصراعات مفتوحة وعواقب يتعذر التنبؤ بها بين قوى كبرى».
من جهته، حذر لي هسين لونغ، رئيس وزراء سنغافورة، من «سوء التقدير حيال التوتر في مضيق تايوان»، مستبعداً أن ينحسر التوتر قريباً في خضم شكوك عميقة وتعاون محدود بين واشنطن وبكين. وقال لي خلال خطاب متلفز، إن سنغافورة ستتعرض لضربات موجعة جراء هذا التنافس الشديد والتوتر في المنطقة، التي ينبغي أن تعمل من أجل مستقبل أقل سلاماً واستقراراً عن الآن. ثم تابع «من حولنا، ثمة عاصفة تتجمع. إن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تتدهور، بسبب قضايا مستعصية وشكوك عميقة والتعاون المحدود... ومن غير المحتمل أن يتحسن هذا في أي وقت قريب. بجانب ذلك، يمكن أن تؤدي الحسابات الخاطئة أو الحوادث المؤسفة بسهولة إلى جعل الأمور أسوأ بكثير». ويُذكر هنا، أنه تربط سنغافورة وتايوان علاقات تاريخية عميقة في مجالي الدفاع والأمن. ولقد اعتمدت سنغافورة منذ فترة طويلة على دعم تايوان في التمارين السنوية المشتركة التي تشكل حجر الزاوية في التعاون العسكري الثنائي، والتي يطلق عليها «عملية ستارلايت». وعلى امتداد أكثر عن 30 سنة بدءاً من عام 1975، دربت سنغافورة قواتها في تايوان في إطار هذا البرنامج.
- موقف الفلبين
وفي حين أن الولايات المتحدة قد يكون لديها القليل من الأمل في أن دول جنوب شرقي آسيا الأخرى (باستثناء سنغافورة ربما) ستقدم مساعدة عملية حال نشوب صراع، فإن الفلبين ستكون في دائرة الضوء؛ لأنها تواجه خيارات أكثر صعوبة. وستحمل نتيجة هذه الخيارات أهمية أكبر للولايات المتحدة والصين.
أساساً، سيكون لغزو الصين لتايوان – إذا حصل - تداعيات خطيرة على الفلبين بسبب الجغرافيا، ذلك الحد الشمالي لجزر الأرخبيل الفلبيني الشمالية تقع على بعد 190 كيلومتراً من تايوان، وأبعد قليلاً عن أقرب جزيرة في اليابان. ومن ناحيته، أشار وزير الدفاع الفلبيني خوسيه فوستينو أخيراً إلى أن «هذا الأمر قد يعرّض الفلبين لعواقب كارثة إنسانية، بما في ذلك تدفق موجات من اللاجئين». وبطبيعة الحال، مثل هذا «السيناريو» له سابقة معروفة للغاية في الفلبين، ففي نهاية حرب فيتنام، جرى إجلاء عشرات الآلاف من اللاجئين من جنوب فيتنام، وكذلك جاءت قطع من سلاح البحرية الفيتنامية الجنوبية إلى قاعدة سوبيك باي في الفلبين. ولقد ركزت بعض «سيناريوهات» المناورات الحربية الأخيرة التي أجرتها مراكز الأبحاث الأميركية على كيفية تطور الصراع بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، والافتراض أن القوات الأميركية سيكون لها القدرة على استغلال قواعد الفلبين.
ومثل الفلبين، تبنت فيتنام أيضاً نهجاً حذراً. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الفيتنامية لي ثي ثو هانغ، إن «فيتنام ترغب في أن تمارس جميع الأطراف المعنية ضبط النفس لا تصعيد التوتر في مضيق تايوان، وتفضل المساهمة بشكل إيجابي في الحفاظ على السلام والاستقرار، وتوطيد أواصر التعاون والتنمية في المنطقة والعالم». وما يستحق الذكر هنا، أن العلاقات القائمة بين تايوان وفيتنام «غير رسمية»، وبينما تلتزم سلطات هانوي بسياسة «صين واحدة» وتعترف رسمياً بجمهورية الصين الشعبية فقط. ومع ذلك، لم يوقف هذا الموقف الزيارات الثنائية والتدفقات الكبيرة للمهاجرين ورأس المال الاستثماري بين تايوان وفيتنام.
- اليابان وكوريا الجنوبية
يبقى السؤال، بالتالي، حول موقفي حليفي واشنطن الأبرز في المنطقة: اليابان وكوريا الجنوبية...
بصفة عامة، لدى سيول وطوكيو مواقف مختلفة تجاه تايوان وتجاه الصين. وتبعاً لما ذكرته وزارة الدفاع اليابانية في طوكيو، سقطت صواريخ الصين الخمسة داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة في اليابان. وسقطت الصواريخ الصينية في أقرب نقطة لها على بعد أقل عن 50 ميلاً من جزيرة يوناغوني اليابانية وعطلت مصايد الأسماك اليابانية. وراهناً، تتحدى بكين مطالبة اليابان بمنطقة اقتصادية خاصة في المياه القريبة من تايوان. وفي هذا الإطار، قال ماساهيسا ساتو، وزير الدولة في وزارة الخارجية اليابانية، لوسائل الإعلام بأن «عمليات إطلاق الصواريخ جاءت كجزء من تدريبات تحاكي حصار لتايوان، وإدراج أهداف بالقرب من اليابان أرسل بالتأكيد رسالة لا لبس فيها». وأردف «إذا كنت تتحدث عن محاصرة تايوان أو فرض حصار عليها، فهذا يعني بالطبع في هذه الحالة أنك تدفع اليابان للدخول في الأمر... وصواريخ الصين أوضحت للعيان أن جزرنا النائية وتايوان تقع في منطقة الحرب نفسها».
من ناحيته، ذكر غورميت سينغ، السفير الهندي السابق، أنه «حتى وقت قريب، كانت فكرة نضال الولايات المتحدة واليابان معاً لمساعدة تايوان على صد الغزو الصيني مجرد فكرة نظرية، وكانت اليابان في كثير من الأحيان تبذل قصارى جهدها لتجنب إثارة غضب الصين، أكبر شريك تجاري لها. إلا أن هذا الوضع بدأ يتغير العام الماضي؛ لأن العديد من القادة اليابانيين، بينهم رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، صاروا مُقرّين بأنه في حال اندلاع صراع حول مضيق تايوان ربما يؤدي إلى غزو من قبل الصين، فإن اليابان ستنجر إلى القتال نظراً لقربها الجغرافي ووجود القواعد العسكرية الأميركية في أوكيناوا وأجزاء أخرى من اليابان». وطبعاُ، سيكون نحو 50.000 جندي أميركي متمركزين في اليابان وأوكيناوا لاعبين أساسيين حال حدوث أي اشتباك بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان، كما أن اليابان عملت في السنوات الأخيرة بهدوء على بناء قدراتها العسكرية.
في سياق متصل، من المفارقات أن هذا العام يصادف الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين بكين وطوكيو. وفي تطور حديث، تباحث مسؤول ياباني رفيع بمجال لأمن الوطني مع نظير صيني لمدة سبع ساعات في مدينة تيانجين الصينية. ويبدو أن هذا الاجتماع كان مبادرة دبلوماسية لنزع فتيل التوتر بين الجانبين.
من جهة أخرى، ثارت مزاعم بأن بيلوسي تعرضت أثناء سفرها مباشرة من تايبيه إلى سيول، «للتجاهل» في المطار عندما لم يصل أي وفد رسمي كوري جنوبي لاستقبالها. وعلى عكس ما حدث مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، رفض رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول مقابلة بيلوسي، وأبلغ المكتب الرئاسي بيلوسي أن يون «في إجازة» ولن يكون قادراً على عقد اجتماع شخصي معها (مع أنه أجرى مكالمة هاتفية معها لمدة 40 دقيقة). وبعد أيام قليلة، سافر وزير خارجية كوريا الجنوبية بارك جين إلى بكين للقاء نظيره الصيني؛ ما أثار تكهنات بأن سيول تحاول إرضاء الصين لتجنب الدخول في مواجهة معها. ولا يرى مراقبون مفاجأة في ذلك؛ لأن كوريا الجنوبية حساسة للغاية تجاه الثقل السياسي والاقتصادي للصين، وتدعم سياسة بكين «صين واحدة»، وتحتفل سيول وبكين هذا العام بالذكرى الثلاثين لتأسيس العلاقات الثنائية.
مقابل ذلك، لا يمكن وصف العلاقة بين سيول وتايبيه بأنها متينة. بل تسبب قطع سيول المفاجئ العلاقات الدبلوماسية الرسمية عام 1992 لصالح الاعتراف الدبلوماسي بالصين إلى خلق مرارة لدى تايبيه طالت لسنوات. وبالنظر إلى موقع كوريا الجنوبية الجغرافي الاستراتيجي في شمال شرقي آسيا، فهي ستبقى عرضة للضغوط وستجد نفسها محصورة بين بكين وواشنطن، بغض النظر عما إذا كانت الحكومة القائمة في السلطة محافظة أو تقدمية. ومع هذا على الرغم من السعي نحو العودة إلى نهج «متوازن» تجاه بكين وواشنطن، من المرجح أن تظل حكومة يون على المسار الصحيح لتعزيز تعاونها مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
- الهند تخرج عن صمتها... بنقدٍ حذر للصين
> حافظت الهند على صمت مدروس على امتداد أسابيع بعد زيارة نانسي بيلوسي لتايوان، لكنها كسرت هذا الصمت عندما أدلى الناطق باسم وزارة الخارجية في نيودلهي بتصريح قصير ومحسوب. وفيه وجّهت الهند نقداً حذراً للصين من خلال حثها على «تجنب الإجراءات الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن». أيضاً تجنبت الهند أي ذكر لسياسة «صين واحدة»؛ لأنها عارضت الإجراءات الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن في مضيق تايوان في أول رد رسمي لها على التوترات الناجمة عن التمارين العسكرية الصينية في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي.
الجانب الهندي، الذي يخوض مواجهة عسكرية مع الصين في قطاع لاداخ من خط السيطرة على مدار أكثر عن سنتين، حافظ حتى الآن على صمت مدروس بشأن زيارة بيلوسي. وبالتأكيد، لاحظت الصين الأمر. وبعد وقت قصير من نشر البيان الأخير، دعا السفير الصيني في نيودلهي الحكومة إلى إعادة تأكيد دعمها لمبدأ «صين واحدة».
في الواقع، ليس للهند علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان حتى الآن، لكنها في السنوات الأخيرة حاولت الهند تعزيز علاقتها مع تايوان بالتواري مع توترها بالصين. وعام 2020، بعد اشتباكات غالوان، اختارت نيودلهي الدبلوماسي غورانجالال داس ليصبح مبعوثاً لها لدى تايبيه، كما فوضت الحكومة اثنين من أعضاء البرلمان لحضور مراسم أداء اليمين لرئيسة تايوان تساي إنغ ون على نحو افتراضي.
وهنا يقول الكاتب الصحافي شوباجيت روي «إن إغفال مبدأ (صين واحدة) له علاقة أكبر بموقف الهند الذي أوضحه عام 2014 وزير الخارجية الهندي آنذاك سوشما سواراج، حول أن بكين لا يمكن أن تنتظر من نيودلهي أن تعبّر عن دعمها الشفهي لها في حين تتجاهل بكين المخاوف الهندية إزاء سيادتها في كشمير وأروناتشال براديش».


مقالات ذات صلة

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم لندن تحذّر من عواقب مدمّرة لحرب في مضيق تايوان

لندن تحذّر من عواقب مدمّرة لحرب في مضيق تايوان

دافع وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي عن الوضع القائم في تايوان، محذرا من عواقب اقتصادية مدمرة لحرب، في خطاب تبنى فيه أيضًا نبرة أكثر تصالحا حيال بكين. وقال كليفرلي في خطاب ألقاه مساء الثلاثاء «لن تكون حرب عبر المضيق مأساة إنسانية فحسب بل ستدمر 2,6 تريليون دولار في التجارة العالمية حسب مؤشر نيكاي آسيا». وأضاف «لن تنجو أي دولة من التداعيات»، مشيرا إلى أن موقعها البعيد لا يؤمن أي حماية مما سيشكل ضربة «كارثية» للاقتصاد العالمي والصين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم الصين تحقق مع ناشر تايواني في جرائم متعلقة بالأمن القومي

الصين تحقق مع ناشر تايواني في جرائم متعلقة بالأمن القومي

أعلنت السلطات الصينية، الأربعاء، أن ناشراً تايوانياً، أُبلغ عن اختفائه، خلال زيارة قام بها إلى شنغهاي، يخضع لتحقيق في جرائم متعلقة بالأمن القومي. وقالت تشو فنغ ليان، المتحدثة باسم «المكتب الصيني للشؤون التايوانية»، إن لي يانهي، الذي يدير دار النشر «غوسا»، «يخضع للتحقيق من قِبل وكالات الأمن القومي، لشبهات الانخراط بأنشطة تعرِّض الأمن القومي للخطر». وأضافت: «الأطراف المعنية ستقوم بحماية حقوقه المشروعة ومصالحه، وفقاً للقانون». وكان ناشطون وصحافيون في تايوان قد أبلغوا عن اختفاء لي، الذي ذهب لزيارة عائلته في شنغهاي، الشهر الماضي. وكتب الشاعر الصيني المعارض باي لينغ، الأسبوع الماضي، عبر صفحته على «ف

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم رئيس غواتيمالا يبدأ زيارة لتايوان

رئيس غواتيمالا يبدأ زيارة لتايوان

وصل رئيس غواتيمالا أليخاندرو جاماتي الاثنين إلى تايوان في زيارة رسمية تهدف إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع هذه الجزيرة التي تعتبر بلاده من الدول القليلة التي تعترف بها دبلوماسياً. وسيلقي جاماتي كلمة أمام البرلمان التايواني خلال الزيارة التي تستمر أربعة أيام.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
العالم بكين تحتج لدى سيول إثر «تصريحات خاطئة» حول تايوان

بكين تحتج لدى سيول إثر «تصريحات خاطئة» حول تايوان

أعلنت الصين أمس (الأحد)، أنها قدمت شكوى لدى سيول على خلفية تصريحات «خاطئة» للرئيس يون سوك يول، حول تايوان، في وقت يشتدّ فيه الخلاف الدبلوماسي بين الجارين الآسيويين. وتبادلت بكين وسيول انتقادات في أعقاب مقابلة أجرتها وكالة «رويترز» مع يون في وقت سابق الشهر الحالي، اعتبر فيها التوتر بين الصين وتايوان «مسألة دولية» على غرار كوريا الشمالية، ملقياً مسؤولية التوتر المتصاعد على «محاولات تغيير الوضع القائم بالقوة».

«الشرق الأوسط» (بكين)

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
TT

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين اتهمها بتمويل جماعات إرهابية من بينها «بوكو حرام»، التنظيم الإرهابي الذي يخوض حرباً داميةً ضد نيجيريا منذ 2009، قتل فيها عشرات آلاف النيجيريين. في نيجيريا لا صوتَ يعلو اليوم على مطالب التحقيق في مزاعم وصول أموال الوكالة الأميركية إلى «بوكو حرام»، ومحاسبة المتورطين في القضية جميعاً؛ لأن النقاش الذي يدور في الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ أبعاداً خطيرة بعد اتهام شخصيات في الوسط السياسي والمجتمع المدني بأنها متورطة في إيصال أموال الوكالة إلى التنظيم الإرهابي. واتسعت دائرة الجدل ليطرح أسئلة حول خطورة أموال المساعدات الخارجية على الأمن القومي للدول المستفيدة منها، خصوصاً إثر الكلام عن دور سياسي لعبته تمويلات «الوكالة» في خسارة الرئيس النيجيري الأسبق غودلاك جوناثان رئاسيات 2015.

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقَّع الرئيس العائد عدداً من القرارات أو «الأوامر التنفيذية»، التي كان في مقدمها قرار بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية باستثناء تلك المخصَّصة لمصر وإسرائيل. وكانت الذريعة، انتظار التدقيق في نشاطات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» التي ظلت لأكثر من 7 عقود تمثّل وجه الدبلوماسية الناعمة للولايات المتحدة.

ترمب يريد اليوم طيّ حقبة هذه الوكالة، وأسند مهمة تفكيكها إلى الملياردير إيلون ماسك، وزير «كفاءة العمل الحكومي» في فريقه الخاص. ولم يتأخر الأخير في وضع يده على جميع وثائق الوكالة، التي وصفها بأنها «عشٌ للأفكار اليسارية المتطرفة التي تكره أميركا».

هذا النقاشُ ظل أميركياً خالصاً، حتى جاءت تصريحات سكوت بيري، عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، لتخرج به نحو دوائر أبعد. إذ قال الرجل إن 697 مليون دولار أميركي من التمويلات السنوية لـ«الوكالة» تنتهي بحوزة تنظيمات إرهابية، من بينها جماعة «بوكو حرام»، وجماعة «طالبان»، وتنظيم «القاعدة».

تصريحات بيري جاءت خلال جلسة استماع للجنة الفرعية لمراقبة كفاءة الحكومة، تحت عنوان «الحرب على الهدر: القضاء على ظاهرة المدفوعات غير المشروعة والاحتيال». وقال بيري أمام اللجنة: «أموالكم تذهب لتمويل الإرهاب، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية... يجب أن يتوقف هذا فوراً».

وأضاف بيري في حديثه أمام لجنة الاستماع أن الوكالة خصَّصت 136 مليون دولار لبناء 120 مدرسة في باكستان، إلا أنه لم يُعثر على أي دليل يثبتُ تنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك حول مصير هذه الأموال.

علم "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (آ ف ب)

مطالب التحقيق

تصريحات عضو الكونغرس أثارت بطبيعة الحال جدلاً واسعاً في نيجيريا، وحظيت بحيّز واسع من التداول في الصحافة المحلية. وخلال برنامج تلفزيوني على قناة محلية لنقاش تصريحات سكوت بيري، قال علي ندومة، عضو مجلس الشيوخ في نيجيريا عن ولاية بورنو، إن على نيجيريا فتح «تحقيق شامل حول الادعاءات التي تفيد بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تموّل (بوكو حرام)».

وأردف السياسي النيجيري الذي ينحدرُ من بورنو، أكثر ولايات نيجيريا تضرراً من هجمات «بوكو حرام» الإرهابية: «لا يمكنكم القول إنها مجرد مزاعم، الأمر يتجاوز ذلك. ولهذا السبب يتوجَّب على الحكومة النيجيرية، والبرلمان الوطني على وجه الخصوص، التحقيق في هذه الادعاءات والتحقّق من صحتها، لأنها خطيرة للغاية».

ثم تابع ندومة: «هذا التطوّر مقلق للغاية، خصوصاً أن إحدى الجماعات الإرهابية التي ذكرها سكوت بيري هي (بوكو حرام)، التي لم تدمّر شمال شرقي نيجيريا فحسب، بل امتد تأثيرها أيضاً إلى مناطق أخرى من البلاد. تتذكرون أن (بوكو حرام) فجَّرت مقر الشرطة، ومكتب الأمم المتحدة في أبوجا، وكانت الخسائر البشرية هائلة. لذا، يجب أن تكون الحكومة النيجيرية مهتمةً بهذا الأمر».

ومن ثم، أعرب ندومة عن قلقه الكبير حيال هذه المزاعم، لافتاً إلى أن «أجهزة الأمن النيجيرية سبق أن أثارت هذه القضية بشكل غير مباشر مرات عدة»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش النيجيري أخيراً ذكرت أن «دولاً ومنظمات أجنبية» متورطة في تمويل «بوكو حرام». وخلص عضو مجلس الشيوخ النيجيري إلى التأكيد على ضرورة التحقيق في هذه المزاعم، وأن الجميع «كان يتساءل منذ سنوات طويلة عن مصدر تمويل هؤلاء الأشخاص».

قرويون نيجيرون إثر تعرّض قريتهم لإحدى هجمات "بوكو حرام" (آ ب)

المسلمون... و«بوكو حرام»

في الواقع، لأكثر من 15 سنة، دأبت جماعة «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا، وكان السؤال الذي يُطرَحُ بإلحاح من قِبَل الجميع هو: مَن يقف خلف هذا التنظيم الإرهابي؟ ومَن يوفر له التمويل والسلاح... ويمكِّنه من تجنيد آلاف الشباب المحبطين وفاقدي الأمل؟.

طيلة تلك الفترة، كانت أصابع الاتهام توجَّه إلى زمر من المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان شمال نيجيريا، حيث تنشط الجماعة الإرهابية. ولكن مع إثارة الجدل حول مزاعم تمويل «بوكو حرام» عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» أصدرَ «مركز الشؤون العامة للمسلمين» في نيجيريا بياناً يستحضر فيه اتهامات سابقة للمسلمين بتمويل الجماعة.

ولقد طلب «المركز» من البرلمان النيجيري التحقيق في تلك المزاعم، وأعرب رئيسه ديسو كامور، عن «قلقه العميق إزاء هذه الادعاءات»، قبل أن يستحضر «حملة التدقيق والاتهامات الظالمة التي واجهها المسلمون النيجيريون، ومنها التعاطف مع (بوكو حرام)».

وقال كامور: «إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستكشف نفاق أولئك الذين ألقوا باللوم على المجتمعات المسلمة المحلية، بينما كانت جهات خارجية تدعم الإرهابيين». وطالب، بالتالي، السلطات النيجيرية بالتحقيق في المزاعم لأن «النيجيريين يستحقون الشفافية والمساءلة بشأن أي تورّط أجنبي في تمويل الإرهاب على أراضينا».

شكوك كبيرة

من جانبه، ذهب آدامو غاربا، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في نيجيريا، والقيادي في حزب «المؤتمر التقدمي الشامل»، إلى أن «شكوكاً كبيرة» تحوم حول تمويلات الوكالة في نيجيريا، وأعلن تصديقه للادعاءات بأن بعض التمويلات قد تكون بالفعل أسهمت في تسليح «بوكو حرام» و«داعش في غرب أفريقيا».

وادعى غاربا، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الوكالة» أنفقت مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا العام الماضي، وتساءل عن طريقة صرف هذا المبلغ الكبير.

ثم أضاف: «ذكرتُ سابقاً أن (بوكو حرام) و(داعش)، ومختلف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تتلقى أسلحتها عبر جهات أجنبية سرّية تموّلها وتزوّدها بالسلاح. وبعد الكشف عن دور (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، يكفي أن نعرف أنه في العام الماضي وحده، أنفقت الوكالة مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا، فأين ذهب هذا المال؟ هل تعلم ماذا يعني 824 مليون دولار؟ عند تحويله إلى النيرة (العملة النيجيرية)، يساوي 1.3 تريليون نيرة».

واستطرد قائلاً: «هذا يعني أن كل ولاية يمكن أن تحصل على 36 مليار نيرة، ومع ذلك، يزعمون أنهم أنفقوا هذه الأموال على الحدّ من وفيات الأطفال والتعليم، لكن ماذا رأينا؟ لا شيء. متى دخل هذا المال؟ وأين ذهب؟ هذه الأموال تذهب لتمويل (بوكو حرام)، والخاطفين الذين يستخدمونها للقتل وتدمير بلادنا، هذه هي الحقيقة».

قضية باينانس

في سياق موازٍ، بينما يحتدم النقاش في نيجيريا حول اتهام «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بتمويل أنشطة «بوكو حرام»، اتهم فيمي فاني-كايودي، وزير الطيران السابق في نيجيريا، أخيراً، مسؤولاً تنفيذياً في شركة باينانس، أكبر منصة عالمية لتداول العملات الرقمية، بالتورط في إيصال التمويلات إلى الجماعة الإرهابية.

وزعم الوزير السابق إن تيغران غامباريان، المسؤول التنفيذي في شركة «باينانس» كان «أداة» استخدمتها الوكالة لتمويل الجماعة، قبل أن يصف غامباريان بأنه كان «عامل تمكين للإرهاب وأسهم في تخريب اقتصاد نيجيريا».

وللعلم، اعتُقل غامباريان في نيجيريا العام الماضي بعد اتهام السلطات النيجيرية شركة «باينانس» بالتهرب الضريبي، والتورّط في عمليات غسل أموال، بالإضافة إلى المساهمة في إضعاف العملة المحلية «النيرة». إلا أنه أُفرِج عن الرجل؛ بسبب تدهور وضعه الصحي، بينما تشير بعض المصادر إلى أن السلطات النيجيرية تعرَّضت لضغط دبلوماسي أميركي كبير.

وفي آخر تطور للقضية، رفعت نيجيريا دعوى قضائية في الأسبوع قبل الماضي ضد منصة «باينانس»، تطالبها بدفع 79.5 مليار دولار، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عملياتها في البلاد، بالإضافة إلى مليارَي دولار ضرائب متأخرة عن العامين الماضيين.

تمويل دون قصد!

في أي حال، لا يخلو النقاش الدائر في نيجيريا حول العلاقة بين «الوكالة» و«بوكو حرام» من حسابات سياسية ضيقة. ومن الأصوات التي بدت أكثر رصانةً، السفير والخبير الأمني نورين أبايومي موموني، عضو «حزب المؤتمر التقدمي» الحاكم، الذي نشر مقالاً تطرَّق فيه إلى طريقة عمل المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المراجعة، لأنها قد تُموِّل أنشطة إرهابية «دون قصد».

وتابع: «أنا قلق للغاية بشأن الاتهامات الأخيرة» التي تفيد بأن الوكالة قد تكون دعمت الإرهاب دون قصد في نيجيريا ومناطق أخرى من العالم... «هذه الادعاءات تثير تساؤلات جوهرية ليس فقط حول نزاهة المساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً حول تداعياتها الأوسع على الأمن العالمي، والعلاقات الدبلوماسية».

وأضاف أبايومي موموني أن «على الوكالات الدولية العاملة تقديم الدعم الإنساني من دون الإضرار بأمن المجتمعات المستضيفة». ورأى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد «الحاجة الملحة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة في برامج المساعدات الدولية. ومن الضروري أن تعزز وكالات مثل الوكالة الأميركية آليات المتابعة والتقييم والتدقيق؛ لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها ولا يتم تحويلها لدعم التطرف العنيف».

وأوضح أنه «إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تؤدي إلى زيادة التدقيق في سياسات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يستدعي عملية إصلاح جذرية... لأن اتباع نهج شفاف في تمويل المساعدات والالتزام بالمعايير الأخلاقية في تقديم الدعم الإنساني أمران أساسيان. وبالتالي، على الحكومة الأميركية أن تعزز التزامها بمنع تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المساعدات وسيلةً لتحقيق السلام والاستقرار، لا العنف».

المال السياسي

غير أن الاتهامات الموجَّهة إلى «الوكالة» لم تقتصر على تمويل الإرهاب في نيجيريا، بل وصلت إلى أن بعض تمويلاتها أسهمت في التأثير على الانتخابات الرئاسية في البلد الذي يملك الاقتصاد الأكبر في غرب أفريقيا، والذي يبلغ تعداد سكانه نحو ربع مليار نسمة.

إذ كتبت الصحافة المحلية، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «علاقة» ربطت «الوكالة» مع قيادة حملة «أعيدوا فتياتنا» التي أطلقها ناشطون في المجتمع المدني عام 2014 إثر اختطاف «بوكو حرام» مئات الفتيات من بلدة شيبوك في قضية هزَّت الرأي العام العالمي آنذاك. ولقد ادعى ناشطون سياسيون أن الحملة كانت مدعومة سراً من «الوكالة» بهدف الإطاحة بالرئيس النيجيري آنذاك، غودلاك جوناثان، بعد حملة واسعة لتشويه سمعته، ربطه بالفشل، وحمَّلته مسؤولية اختطاف الفتيات والعجز عن تحريرهن، ما فتح الباب واسعاً أمام فوز محمدو بخاري بانتخابات 2015 الرئاسية.

كذلك تعرَّضت الناشطة النيجيرية عائشة يسوفو، التي كانت من أبرز وجوه الحملة، لهجوم حاد على منصة «إكس»، حين طالبها البعض بتقديم تفسير أو اعتذار، لكن الناشطة النيجيرية في ردِّها على هذه الاتهامات، نفت أي علاقة لها أو للحملة بـ«الوكالة» أو أي منظمة دولية أخرى. وقالت في تغريدة مقتضبة: «أنا أعمل مع نيجيريين ملتزمين ببناء أمة عظيمة، بعيداً عن نظريات المؤامرة والتشكيك». لأكثر من 15 سنة دأب تنظيم «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا... وكان السؤال المطروح بإلحاح:

مَن يقف خلفه؟