تلاحق المشكلات القانونية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من كل حدب وصوب. فهناك ما لا يقل عن سبعة تحقيقات ما بين جنائية ومدنية تتعلق بإمبراطوريته المالية والعقارية، وأخرى مرتبطة بالتضليل المالي والتهرب الضريبي، إضافة إلى تحقيقات لجنة مجلس النواب في أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) والهجوم على مبنى الكابيتول، وتحقيقات ولاية جورجيا حول تدخل ترمب لقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية في الولاية عام 2020 لصالحه.
هذه القضايا تثير أسئلة متعددة نظراً لطبيعتها غير المسبوقة. إذ لم يسبق أن واجه رئيس أميركي سابق هذا الكم من التحقيقات في تاريخ الولايات المتحدة. فما الذي يمكن أن يحدث في هذه التحقيقات، وكيف سينتهي الأمر بالنسبة لترمب؟
في المداهمة التي قام بها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لمنزل ترمب في مار لارغو في فلوريدا، استعاد عملاء المكتب 20 صندوقاً ونحو 11 مستنداً من المستندات عالية السرية والسرية للغاية، التي يتعلق بعضها بالقدرات النووية.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1557776145185181697?s=20&t=ZExKBcAqCzn7QN_eDMPKYg
وتقول وزارة العدل الأميركية إنها تحقق فيما إذا كان ترمب انتهك ثلاثة قوانين فيدرالية، بما في ذلك قانون مكافحة التجسس وقوانين متعلقة بالتعامل مع وثائق الأمن القومي.
كل هذه القضايا تفتح الباب أمام تكهنات عدة فيما يتعلق بإمكانية توجيه تهم جنائية إلى الرئيس الأميركي السابق، وما إذا يمكن أن تنتهي التحقيقات إلى عدم توجيه تهم إليه أم لا، وما إذا سيستمر ترمب في الدفع ببراءته، أم يحاول إبرام صفقة لتجنب توجيه اتهامات إليه قد تلقي به إلى وراء القضبان، مقابل أن يظل قادراً على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1557299159643967489?s=20&t=93CD_nAcD76bYbNFoqtY7Q
والسيناريوهات المحتملة هي:
1 - أن تنتهي التحقيقات من دون توجيه اتهامات
يقول الخبراء إن مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزله يمكن أن ينتهي التحقيق حولها دون توجيه لائحة اتهام ضد ترمب. حدث ذلك مع محاميه رودي جولياني حينما داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزله ومكتبه العام الماضي وصادر أكثر من عشرة أجهزة إلكترونية كجزء من تحقيق جنائي فيما إذا كان جولياني انتهك قوانين الضغط الأجنبية. لكن في وقت سابق من هذا الشهر، أعاد الفيدراليون أجهزة جولياني إليه. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه من غير المرجح أن يواجه اتهامات جنائية تتعلق بعلاقاته في أوكرانيا.
ويقول المحللون إنه من المحتمل أن وزارة العدل أرادت فقط استعادة السجلات والوثائق الحساسة التي كانت لدى ترمب في منزله في مار لارغو، لذا فإن الأولوية القصوى للحكومة الأميركية هي حماية محتوى هذه الوثائق من الكشف، وهو ما قد يكون صعباً عند توجيه لائحة اتهامات لترمب في أي قضية في محكمة علنية. وفي حالة عدم توجيه اتهامات ضده، سيكون لدى ترمب مسار واضح للترشح للرئاسة عام 2024.
2 - إذا تم توجيه اتهامات لترمب وإدانته، هل بإمكانه الترشح للرئاسة؟
تطرح مسارات التحقيقات افتراضاً آخر. فهل يمكنه الترشح للرئاسة إذا ما تم اتهامه وإدانته وانتهى به الأمر وراء القضبان؟ يقول المحللون إنه إذا تم اتهام ترمب بارتكاب جريمة - أو جرائم - لكنه تخلى عن صفقة الإقرار بالذنب، فستنتقل القضية إلى محاكمة جنائية. وفقاً لأمر التفتيش الصادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، يبحث المدعون عما إذا كان ترمب انتهك 3 قوانين فيدرالية؛ الأول يتعلق بقانون التجسس المتعلق بإزالة المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني للولايات المتحدة (يعاقب على الإدانة بهذه التهمة بالسجن لمدة 10 سنوات كحد أقصى)، والثاني يتعلق بقانون رقم 2071 الذي يحظر إخفاء أو إزالة أو تشويه السجلات الحكومية بشكل عام (ويعاقب على الإدانة بهذه التهمة بعقوبة قصوى تصل إلى ثلاث سنوات وتجريد الأهلية من تقلد المناصب العامة)، والثالث قانون يحظر إتلاف أو تزوير السجلات الحكومية بقصد إعاقة أو عرقلة التأثير على تحقيقات فيدرالية (وتبلغ العقوبة القصوى للإدانة بهذه التهمة السجن لمدة عشرين عاماً). وبالإجمال، فإن الرئيس السابق يواجه احتمالات سجنه 33 عاماً، وفقاً للخبراء القانونيين.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1557427055423197184?s=20&t=WoyViX-XSpW8bKJm22D8Gg
ثم يأتي السؤال: هل يمكن لترمب الاستمرار بالترشح لانتخابات 2024 إذا ما تم اتهامه وإدانته وانتهى به المطاف في السجن؟ الإجابة المختصرة هي «نعم». إذ لا يوجد في الدستور ما يمنع أي شخص من الترشح للرئاسة إذا كان خلف القضبان. فإذا أدين بانتهاك اثنين فقط من القوانين الثلاثة المذكورة، يمكن لترمب عندها نظرياً إطلاق حملة رئاسية حتى لو كان مسجوناً.
أما إذا أدين بارتكاب جرائم تتعلق بإخفاء أو إزالة أو تشويه السجلات الحكومية، التي تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات وتجريد الأهلية من تقلد المناصب العامة، ففي هذه الحالة يمكن استبعاده من تولي المنصب مرة أخرى ومنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية. وهناك سوابق تاريخية تتعلق بهذا الأمر. فقد كان المرشح الاشتراكي يوجين دبس أدين بالخيانة بموجب قانون التجسس عندما ترشح للرئاسة في عام 1920. وليندون لاروش، الذي أدين بتهمة الاحتيال البريدي عام 1988 وسجن، ترشح أيضاً للرئاسة عام 1992. لكن بعض الخبراء القانونيين أشاروا لصحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنه من غير المحتمل منع ترمب من الترشح مرة أخرى حتى لو أدين بانتهاك القانون رقم 2071. واستشهدوا بأحكام المحكمة الدستورية العليا التي تشير إلى أن الكونغرس لا يستطيع إلغاء معايير الأهلية الرئاسية في الدستور.
3 - سيناريو تراجع ترمب عن الترشح للرئاسة
في هذا السيناريو، يوافق ترمب على عدم السعي للحصول على منصب عام مقابل عدم توجيه الاتهام إليه. فإذا وجه المدعي العام تهماً جنائية ضد الرئيس الخامس والأربعين فيما يتعلق بتعامله مع السجلات الحكومية والوثائق السرية، قد يكون أمام ترمب عندها خيار إبرام صفقة يوافق فيها على عدم السعي لمنصب عام مقابل عدم توجيه الاتهام إليه.
وهناك سوابق تاريخية كثيرة في تاريخ الرؤساء الأميركيين. ففي عام 2001، أبرم الرئيس الأسبق بيل كلينتون، في آخر يوم له في منصبه، صفقة مع المدعي الخاص روبرت راي، تخلى بموجبها عن رخصته لممارسة القانون في ولاية أركنساس - مسقط رأسه - لمدة خمس سنوات مقابل عدم الملاحقة الجنائية له التي تتهمه بالكذب تحت القسم بشأن علاقته الجنسية مع المتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي.
وفي حالة ترمب، رغم أن تحقيق وزارة العدل في تعامله مع السجلات الحكومية هو الأكثر تعرضاً للجمهور منذ مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلا أنه ليس التحقيق الفيدرالي الوحيد المتصل به. فالوزارة تجري أيضاً تحقيقاً واسع النطاق في أحداث الشغب التي وقعت في 6 يناير (كانون الثاني) في الكابيتول، وتم استدعاء العديد من المسؤولين السابقين رفيعي المستوى في البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة حيث تحقق على الأقل محلفتان كبيرتان في الأحداث التي أدت إلى الهجوم.
وهناك تحقيق منفصل يجريه الكونغرس في أحداث 6 يناير. وهناك على الأقل خمسة من المشرعين يعتقدون أن ترمب ربما يكون انتهك القوانين فيما يتعلق بأعمال الشغب. وقالت محامية ترمب إلينا هابا في تصريحات لبرنامج «صوت أميركا»: «في كل مرة أجلس مع ترمب أجد أنه يشعر بالإحباط وأقول له، سيدي الرئيس، إذا كنت تريد مني أن أحسم جميع الدعاوى القضائية، فيجب أن تعلن أنك لا تترشح لمنصب».
4 - سيناريو أن يمنح بايدن ترمب عفواً رئاسياً
يمكن للرئيس جو بايدن أن يختار منح الرأفة التنفيذية لترمب، في شكل عفو أو تخفيف للأحكام، أو تأجيل تنفيذ الأحكام - إذا تم توجيه الاتهام إلى ترمب أو إدانته أثناء وجود بايدن في منصبه. أشهر مثال تاريخي على ذلك كان عندما أصدر الرئيس جيرالد فورد عفواً عن سلفه، ريتشارد نيكسون، بعد استقالة نيكسون من منصبه وسط فضيحة «ووترغيت». في ذلك الوقت، أسقط الكونغرس تحقيق المساءلة ضد نيكسون بعد استقالته، لكنه ظل يواجه خطر الملاحقة الجنائية على مستوى الولاية والمستوى الفيدرالي. وفي سبتمبر (أيلول) 1974. منح فورد نيكسون عفواً كاملاً وغير مشروط عن أي جرائم قد يكون ارتكبها عندما كان رئيساً.
بينما كان يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها خطوة نحو مساعدة البلاد على التعافي في أعقاب ووترغيت، يُعتقد أيضاً على نطاق واسع أنها أحد الأسباب الرئيسية التي خسر بها فورد محاولته لقضاء فترة ولاية كاملة في انتخابات 1980 ضد جيمي كارتر.
الآن، وبعد أكثر من أربعة عقود، يشير الخبراء القانونيون إلى أنه من المحتمل جداً أن يمنح بايدن ترمب عفواً أو تخفيفاً إذا أدين أو وجهت إليه لائحة اتهام أو تحت التهديد بتوجيه الاتهام إليه لتجنب المزيد من تأجيج الانقسامات السياسية في البلاد.
وأشارت صحيفة «بوليتيكو» إلى أن العفو عن الجرائم المتعلقة بسوء التعامل مع المعلومات السرية، مختلفة بشكل كبير عن العفو الشامل مثل ذلك الذي منحه فورد لنيكسون. وقالت إن مثل هذا السيناريو «قد يقلل الضرر الذي يلحق بسيادة القانون، ويدعم معاييرنا الديمقراطية لكنه ليس مثالياً، فقد يكون الخيار الأقل سوءاً لحماية ديمقراطيتنا الدستورية».
من جانب آخر، فإن العفو الرئاسي، إذا حدث، لن يحمي ترمب من اتهامات فيدرالية أخرى من الولايات. فمكتب المدعي العام لمقاطعة فولتون بولاية جورجيا يحقق حالياً فيما إذا كان ترمب وحلفاؤه انتهكوا قوانين جورجيا في سعيهم لإبطال فوز بايدن الانتخابي في الولاية. ويقول بعض الخبراء القانونيين إن هذا التحقيق يمثل خطراً أكبر على ترمب من تحقيقات وزارة العدل.
وقد استدعى المدعون الفيدراليون رودي جولياني، محامي ترمب الذي قاد جهوده القانونية لإلغاء نتائج الانتخابات. ومثل جولياني أمام هيئة المحلفين الكبرى الخاصة بالتحقيق. وإذا أصبح ترمب نفسه هدفاً للتحقيق وواجه تهماً جنائية من الولاية، فإن أمله الوحيد في العفو عند الإدانة سيكون من مجلس العفو المشروط في جورجيا.
5 - سيناريو توجيه اتهامات لترمب وتبرئته بعد محاكمته
من المحتمل أيضاً أن يتم اتهام ترمب جنائياً، ويختار عدم إبرام صفقة، خاصة أنه من الصعوبة توقع أن يتدخل بايدن بمنح الرأفة أو العفو. وإذا انتقلت القضية إلى المحاكمة، فسيتعين على هيئة المحلفين المكونة من 12 شخصاً التوصل إلى قرار بالإجماع من أجل الإدانة، وسيكون ترمب خارج الخطورة إذا رفض محلف واحد فقط إدانة ترمب.
وإذا تجاوز ترمب حقول تلك الألغام القانونية الذي يوجد فيه حالياً وعاد إلى البيت الأبيض عام 2024، فمن المؤكد أنه وحلفاءه سيتخذون خطوات انتقامية من وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي.