كريستوفر لي.. مات بلا وتد أو ضوء وحرق

حاول الخروج من النمط ومثل 211 فيلمًا

حين ظهر كريستوفر لي في «ستار وورز»
حين ظهر كريستوفر لي في «ستار وورز»
TT

كريستوفر لي.. مات بلا وتد أو ضوء وحرق

حين ظهر كريستوفر لي في «ستار وورز»
حين ظهر كريستوفر لي في «ستار وورز»

قبل ثلاث سنوات التقى أحد الصحافيين الممثل كريستوفر لي لإجراء مقابلة. بعد ثلاث أسئلة أو أربعة، ثار عليه الممثل قائلا: «هل ستدور كل أسئلتك حول أفلام دراكولا؟ لقد مثلت أدوارًا متعددة وأكثر بكثير من ذلك الدور».‬
كريستوفر، الذي رحل يوم الأحد الماضي عن 93 سنة، معه حق.
لقد مثّل 211 فيلمًا امتدت من عام 1948 إلى العام الماضي، وكان مفترضًا به الظهور في دور رئيس في فيلم دنماركي بعنوان «الحادي عشر» مع أوما ثورمان وإيزابيل لوكاس في البطولة. عدد الأفلام التي أدّى فيها شخصية دراكولا لا تزيد على عشرة بدأت سنة 1958 بفيلم «رعب دراكولا» Horror of Dracula (إخراج ترنس فيشر لحساب شركة «هامر» الإنجليزية التي تخصصت في شخصيات الرعب الكلاسيكية) وانتهت بلمسة فرنسية عندما قام ببطولة «دراكولا وابنه» لحساب المخرج الفرنسي أدوار مولينارو سنة 1976.
اقترن اسم كريستوفر لي باسم شخصية دراكولا وحده. صحيح أنه لعب مائتي دور آخر، لكنه دراكولا كان ودراكولا سيبقى.
لا بد أن لهذا القِران سبب أبلغ مما تبديه الكلمات ذاتها، سواه لعب دور دراكولا أو غيره، لكنه الوحيد الذي اشتهر به أكثر من سواه.
أهو الزي الأرستقراطي الذي ظهر به مرّة بعد مرّة؟ الرداء الأسود الذي يلفّه؟ القامة الطويلة التي تؤكد سطوته؟ عيناه النافذتان كما لو أنهما سيكسران بؤرة الكاميرا؟ أم كل هذه مجتمعة وفوقها ذلك القدر من امتلاك المقوّمات الأدائية التي تجعل من دراكولا شخصية مرعبة أكثر مما تبديه كمجرد شخصية شريرة؟
على الأرجح أن كل هذه العوامل ومعها أفلام «هامر» المرعبة (التي شملت أيضا حكايات من آرثر كونان دويل وشخصيات مثل وحش فرانكنستاين والرجل - الذئب والدكتور جيكل ومستر هايد والكثير من المشتقات المختلفة) كانت جادّة في خطاها لترتيب بيت الرعب ترتيبًا تفتقر إليه معظم الأفلام المماثلة المنتجة في هوليوود.
أفلام دراكولا التي مثلها كريستوفر لي لحساب شركة هامر لم تكن مصنوعة للترفيه، بل للتصديق. لم تعرف شخصيات ثانوية تثير المرح وتطلق النكات، ولم تصور مطاردات سيارات أو مشاهد معارك نارية. إنه دراكولا، أمير الظلام الذي لا يمكن قهره إلا عندما ينجز عدوّه الأول، دكتور فان هلسينغ (بيتر كوشينغ)، معجزة في آخر لحظة.
الاثنان كانا عدوّين مثاليين في أكثر من فيلم معًا: الأول مصاص دماء يرمز لكل ما هو للشر المطلق. والثاني إرادة الخير المطلق. إذا ما تواجها فإن الأول هو الأكثر تمتعًا بالقدرة البدنية والقتالية. لا قدرة للدكتور هاسلينغ (أو سواه) على مواجهته. لذا وجب استخدام الطرق الثلاث الوحيدة للإجهاز على دراكولا: وتد يُدق في قلبه وهو نائم، شغله حتى يطلع عليه نور النهار أو حرقه برفع الصليب في وجهه… والدكتور هاسلينغ استخدم الوسائل الثلاث. مع ذلك، كان دراكولا يعود بعد كل مرّة بناء على طلب المشاهدين.

* حُذف من المونتاج
* وُلد في السابع والعشرين من مايو (أيار) سنة 1922 في حي بلغرافيا في لندن. أمه كونتيسا إيطالية ووالده جندي اسمه جيفري ترولوب لي. بعد أربع سنوات من ولادته طُلّق الاثنان. تزوّجت أمه ثم طُلّقت من جديد. آنذاك كان أصبح طالبًا في معهد لندني في الرابعة عشرة من عمره، وبعد ثلاث سنوات، انضم إلى سلاح الطيران الملكي البريطاني، حيث اشترك في معارك الحرب العالمية الثانية. النبذ المنشورة في بعض الكتب التي تناولت حياته (مثل «التاريخ السينمائي الرسمي لكريستوفر لي» لجوناثان ريغبي و«كنز كريستوفر لي من الرعب» لمورت دروكر) مرّت على تلك السنين الشابة من حياته بسرعة كما لو أنها حوت ما أراد الممثل إخفاءه. لا تفسير مثلاً لماذا تم صرفه من الخدمة مبكرًا. أو لماذا لم يواصل الدراسة أساسًا؟ أو ما الذي دفع الممثل لي للاتجاه بعد الحرب مباشرة إلى التمثيل.
مهما يكن فإنه أقدم على الالتحاق بتدريبات تمثيل كانت تقيمها شركة «رانك» (أشهر شركات الإنتاج والتوزيع البريطانية آنذاك) ولو أنه فشل في طرح نفسه ممثلا رومانسيا ناجحا. اتجه إلى التلفزيون في الخمسينات (الوسيط الذي مثل له نحو خمسين فيلما تضاف فوق الـ211 فيلما مثلها للسينما) لكن التجربة كانت صعبة. كان يطمح للبطولة لكن البطولة لم تكن تطمح إليه، إن لم يكن لشيء فلأنه من الصعب أن تجد ممثلة بطوله المفرط (195 سنتم) عليها أن تشرأب بعنقها إلى الأعلى لكي تتحدّث إليه، فما البال بتقبيله مثلاً؟ أو أن يكون الأطول بين كل الممثلين الآخرين. لذلك أساسًا وجد «لي» نفسه في محفل من الأدوار الثانوية حتى من بعد أن بدأ الظهور بصورة متزايدة في الأفلام السينمائية.
استخدمه في الأربعينات ومطلع الخمسينات رهط من المخرجين البريطانيين بينهم ترنس يونغ (أفلام جيمس بوند الأولى لاحقًا) وتشارلز فرند وباسيل ديردن. وجلبه الممثل - المخرج لورنس أوليفييه ليحمل الرمح في بلاط هاملت في نسخته من الرواية الشكسبيرية المعروفة (1948) وفي «ساراباند» (1949) لعب شخصية رجل شرطة لكن مشاهده حُذفت في المونتاج.
أدواره في الخمسينات بقيت مساندة وصغيرة أدّى في عدد منها أدوارًا عسكرية: هو ضابط بحرية بريطاني في «أبطال كوكليشل» (لجوزيه فيرير، 1955) وكابتن نازي في «فخ ليلي» (مايكل باول، 1957) والملازم بارني في الفيلم الأميركي «انتصار مر» (نيكولاس راي، 1957).

* دراكولا والنمط
* الاحتكاك الأول لكريستوفر لي في فيلم رعب من أعمال شركة هامر ورد أيضا سنة 1957 عندما وجده المخرج ترنس فيشر (ممن تخصصوا بأفلام الرعب آنذاك شأن بيتر ساسدي وفريدي فرنسيس وسواهما) مناسبًا للعب شخصية الوحش الذي ابتدعه العالم الشاذ فرانكنستاين في «لعنة فرانكنستاين». والمرة الثانية التي التقى فيها «لي» مع المخرج فيشر كانت المرّة الأولى التي لعب فيها الأول شخصية الكونت دراكولا وذلك في «رعب دراكولا».
«أولئك الذين جاءوا لإنهاء حكمه المرعب، سقطوا ضحايا له»، يقول الإعلان عن ذلك الفيلم الذي كان، بمعايير ذلك الحين وإلى حد كبير بمعايير فن سينما الرعب إلى اليوم، عملاً مفزعًا كما لم تشهده السينما من قبل.
فجأة وقبل أن يظهر «لي» في فيلم آخر من سلسلة دراكولا، وجد نفسه عرضة للتجاذب في أفلام رعب مختلفة فظهر في «أروقة الرعب» (روبرت داي، 1958) و«تابوت مصاص الدماء» (للإيطالي ستينو، 1959) كما أصبح شرير رواية آرثر كونان «كلب باسكرفيل» مع بيتر كوشينغ في دور شرلوك هولمز (فيشر، 1959) وبقي تحت إدارة ترنس فيشر وبصحبة بيتر كوشينغ في «المومياء»، لاعبًا دور الفرعوني «خريص» ودور المومياء التي تفلت من عقالها لتضرب أعضاء البعثة البريطانية المنقّبة عن أسرار توت عنخ آمون.
لكنها شخصية دراكولا التي التصقت به لا غيرها حتى من بعد عشرات أفلام الخوف والجريمة التي لعبها ما بين 1958 و1966 حيث عاد لشخصية دراكولا مرّة جديدة في فيلم بعنوان «دراكولا: أمير الظلام» للمخرج ذاته. فريدي فرنسيس استلم المهمّة عن ترنس فيشر بعد عامين في «دراكولا ارتفع من القبر» وبيتر ساسدي تناوب بعد ذلك عندما أخرج لكريستوفر لي «طعم دم دراكولا».
آنذاك، في تلك الستينات الداكنة، بدأ كريستوفر لي يتطلّع للخروج من تلك الصورة النمطية التي التصقت به. لم يكن بذلك يتحدّى دوره في دراكولا وما بناه من شهرة، بل كل أدواره المرعبة الأخرى. ومسعاه بدأ بالنجاح، وبدأنا نشاهده في أفلام تتبع سينمات مختلفة عن سينما الرعب. ظهر في «الفرسان الثلاثة» ثم «الفرسان الأربعة» (كلاهما لريتشارد لستر) ووجدناه شرير فيلم جيمس بوند (واسمه ساكارامانغا) في «الرجل ذو المسدس الذهبي» (غاي هاملتون، 1974) كما في «مطار 77» الكوارثي (جيري جامسون، 1977) ورحل إلى فيلم مغامرات تقع أحداثه في باكستان عبر «قوافل» (جيمس فارغو، 1978) بل وجد طريقه لفيلم من إخراج ستيفن سبيلبرغ هو «1941» وآخر بعنوان «مغامرة عربية» لاعبًا دور خليفة (1979).
ليس أن أدوار الرعب تركته في سلام، بل مثّل الكثير منها في السبعينات والثمانينات مع فرق أنها باتت أميركية (منها «منزل الظلال الطويلة» و«هاولينغ 2» و«قناع القاتل» و«غرملينز 2»). في سن الثمانين لعب دورًا رئيسيًا في «ستارز وورز 2 - هجوم الكلونز» وكان فخورًا بأنه مثل كل مشاهد القتال بالسيف بنفسه: «كلها مثلتها من دون بديل». كما قال مضيفًا: «هناك ذكر لي في موسوعة غينيس كأكثر ممثل مبارز»، لكن أحدًا لم يتحقق من هذا الموضوع.
كريستوفر لي، برعب أو من دونه، كان ممثلاً جيدًا. الأفلام التي لعبها في السنوات الأخيرة (ومنها دوراه المحدودان في «ذا هوبيت» الأول والثاني) لا تشي بقدراته الفعلية. اللقطات بعيدة. الاستخدام لاسمه وشكله وليس لفنه. لكنه على الأقل كان تذكيرًا لمشاهدي جيله وما بعده بأعماله الكثيرة خلال كل سنوات حياته. في مطلع الثمانينات زار وزوجته القاهرة بدعوة من مهرجانها السينمائي. وعلى عكس ما توقع، وجد أن الصحافة المصرية لم تكترث لوجوده. قليلون من طلبوا مقابلته، وكما قال لي بابتسامة عريضة حينها: «هذا لم يزعجني، لأنني أتوق إلى الراحة، ففي كل مهرجان أحضره أجد بانتظاري عشرات الصحافيين».
في اليوم التالي، بعدما ساح في الأهرام، زار المعابد البعيدة في الكرنك والأقصر. في اليوم الثالث صرنا نتناول الغداء وأحيانا العشاء نحن الثلاثة… أنا أيضا لم يكن أحد يود مقابلتي!
تحدث عما كتبت أعلاه. وتذكر زميله كوشينغ ومخرجي شركة هامر، وتحدث عن دوره في فيلم بوند وعن سينما الرعب في تلك الفترة:
«هذا لم يعد رعبًا، صار تخويفًا. هل تعلم ما أقصده؟ الرعب عليه أن يتسلل إليك لا أن يفرض نفسه عليك. الآن يستخدمون العنف وسيلة ويريقون الكثير من الدماء، لكن لا مجال للمقارنة بينها وبين أفلام هامر». والحال لا يزال كما وصفه إلى اليوم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».