أفاد ناشطون ومعارضون سوريون بأن قوات النظام السوري و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ارتكبت «مجزرة مروعة» راح ضحيتها عشرات الضحايا، جراء قصف صاروخي استهدف مدينة الباب، شمال شرقي حلب، وسط مناشدات عبر مكبرات الصوت للأهالي بالتوجه للمستشفيات والتبرع بالدم لإنقاذ الجرحى. في المقابل، سارعت «قسد» إلى نفي مسؤوليتها عن قصف الباب، مؤكدة أنه لا علاقة لها بالهجوم «لا بشكل مباشر أو غير مباشر».
وقال ناشطون إن «كلاً من قوات النظام السوري المتمركزة في منطقة العريمة، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المتمركزة قرب بلدة تادف بريف حلب، هاجمت براجمات الصواريخ (في آن واحد)، الأحياء السكنية والسوق الشعبية وسط مدينة الباب 38 كيلومتراً شمال حلب، ما أسفر عن وقوع مجزرة مروعة أوقعت 14 قتيلاً مدنياً بينهم أطفال، ونحو 38 مصاباً بجروح خطيرة كحصيلة أولية». وأشاروا إلى أن فرق الدفاع المدني وطواقم الإسعاف عملت على إجلاء الجرحى من الأماكن المستهدفة في اتجاه المشافي، وقامت بـ«البحث عن ناجين تحت الأنقاض... وسط حالة من الذعر والخوف في صفوف السكان».
وقالت مصادر طبية في مشفى الباب الجديد إنه «نظراً لكثرة أعداد الجرحى جراء القصف الصاروخي الذي استهدف المدينة، ناشدت المشافي الأهالي عبر مكبرات الصوت، التبرع بالدم من جميع الفئات لإنقاذ المصابين وبينهم 8 أطفال دون سن العاشرة تعرضوا لإصابات خطيرة مثل بتر الأقدام واليدين... فيما فارق الحياة 4 أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات نتيجة تعرضهم لإصابات بليغة».
وقال أبو جميل (53 عاماً)، وهو شاهد عيان في مدينة الباب، إنه «بينما كان الناس منشغلين صباحاً في أعمالهم على بسطات بيع الخضار وأمام أفران الخبز، في سوق الخميس القديمة وسط المدينة، انهالت وبشكل مفاجئ الصواريخ على وسط السوق وأحياء قريبة منه وأحدث انفجارها رعباً في أوساط الناس لا يمكن وصفه، ترافق مع انتشار كثيف للغبار وتطاير الشظايا في كل مكان، وما إن انكشف الغبار حتى شاهدنا عشرات المصابين من المدنيين بينهم أطفال وانتشار الدماء والأشلاء في كل مكان، وسط مناشدات وصراخ لإنقاذ الجرحى ودمار كبير في الممتلكات». وأضاف: «المحزن في المجزرة أكثر من أي شيء هو مشاهدة الأطفال الجرحى يستغيثون لإنقاذهم، بينما كان هناك عدد من الأطفال جثثاً هامدة انتشرت بين الركام وعربات بيع الخضار وسط السوق».
من جهته، قال «فريق منسقي استجابة سوريا»: «جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة جرائم متكررة ترتكبها ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية بحق مدنيين أبرياء؛ حيث استهدفت (انطلاقاً) من منطقة مشتركة مع النظام السوري مدينة الباب شرقي حلب. أسفر هذا الاستهداف عن سقوط 14 ضحية من المدنيين بينهم أطفال وأكثر من 42 مصاباً (...) ويأتي هذا الاستهداف في سياق الجرائم والاعتداءات والانتهاكات اليومية التي ترتكبها قوات سوريا الديمقراطية والتي تجاوز عددها منذ مطلع العام الحالي 589 انتهاكاً، والذي يقابله غض للطرف من قبل جميع الأطراف من بينها الأمم المتحدة».
وتشهد خطوط التماس بين القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لأنقرة من جهة، وقوات النظام السوري و«قسد» من جهة ثانية، في شمال حلب، ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة المواجهات العسكرية بين الطرفين، منذ إعلان تركيا عن عملية عسكرية ضد الأحزاب والقوى الكردية في شمال وشمال شرقي سوريا، وقُتل وجرح خلالها أكثر من 160 عنصراً من الأطراف المختلفة. وفي الوقت ذاته، تشهد منطقة العمليات التركية (درع الفرات) شمال حلب تصعيداً عسكرياً متواصلاً من قبل قوات النظام و«قسد» يستهدف مناطق تسيطر عليها تركيا وفصائل موالية لها.
نفي كردي
في المقابل، اتهمت «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» القوات التركية بارتكاب مجزرة في مناطق نفوذها راح ضحيتها 14 طفلة بين قتيلة وجريحة، في وقت نفت «قوات سوريا الديمقراطية» مسؤوليتها عن قصف مدينة الباب. وقال قيادي عسكري بارز في قوات «قسد» التي يشكل الأكراد عمادها الأساسي من خلال «وحدات حماية الشعب»، إنه لا علاقة للقوات بهذه الهجمات «لا بشكل مباشر أو غير مباشر»، واتهم بالمسؤولية عن الهجوم جهات قال إنها تعمل على منع أهالي المنطقة من التعبير عن رفضهم لتصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن مساعي أنقرة للوصول إلى مصالحة بين النظام الحاكم في دمشق والمعارضة السورية.
وقالت الإدارة الذاتية، في بيان نشر على موقعها الرسمي أمس (الجمعة)، إن القوات التركية صعدت من هجماتها واستهدفت فجراً بطائرة مسيرة الطريق الرئيسية التي تصل بلدة تل تمر (شمال غرب محافظة الحسكة) بمدينة الحسكة. وأضافت أنه «استكمالاً لحرب الإبادة الجماعية؛ قامت الدولة التركية (...) باستهداف مركز تعليم خاص للبنات تحت رعاية الأمم المتحدة بقرية شموكة» ما أسفر عن مقتل أربعة أطفال وجرح 11 شخصاً «جميعهم من البنات».
والمركز الأممي الذي تعرض للقصف التركي، بحسب الإدارة الذاتية، عبارة عن مركز خاص بالفتيات القصّر اللاتي قام تنظيم يسمّى «الشبيبة الثورية» بتجنيدهن في صفوف القوات العسكرية، وتعمل الإدارة الذاتية على إعادتهن إلى ذويهن. ويبعد المركز نحو كيلومترين شرق قاعدة لقوات التحالف الدولي تعرف باسم «استراحة الوزير»، كما يقع عند التقاء طريق بلدتي الدرباسية وتل تمر بالقرب من السد الغربي للحسكة. واعتبرت الإدارة الذاتية، في بيانها، أن الهجوم التركي «يتجاوز كل القيم والمعايير الأخلاقية والقانونية وهي جرائم حرب»، داعية التحالف الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة إلى التدخل لوقف الضربات التي تشنها القوات التركية.
من جانبه، قال مدير المركز الإعلامي لقوات «قسد» فرهاد شامي، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، تعليقاً على الهجمات الصاروخية على مدينة الباب: «لا علاقة لقواتنا بهذه العملية لا بشكل مباشر أو غير مباشر. كل عملياتنا موجهة ضد الاحتلال التركي ومرتزقته ونعلنها للرأي العام من خلال بيانات مكتوبة ومشاهد مصورة»، بحسب قوله.
ورأى أن الهجمات على الباب ارتكبتها جهات «منسقة» بهدف منع أهالي المنطقة من «التعبير عن رأيهم، والخروج بمظاهرات واحتجاجات لرفض التصريحات التركية عن مساعي التطبيع بين النظام الحاكم والمعارضة السورية». واتهم شامي تركيا والفصائل الموالية لها بـ«ارتكاب مجازر... وضرب الأمن والاستقرار في المنطقة».