أجهزة الرسائل المشفرة «إنيغما» التي طورها النازي.. قطع تاريخية في أيدي هواة جمع المقتنيات

بقي منها حسب تقدير جهات ألمانية بضع مئات

جهاز التشفير «إنيغما»
جهاز التشفير «إنيغما»
TT

أجهزة الرسائل المشفرة «إنيغما» التي طورها النازي.. قطع تاريخية في أيدي هواة جمع المقتنيات

جهاز التشفير «إنيغما»
جهاز التشفير «إنيغما»

«إنيغما» اسم لم يعد يسمع في دهاليز دوائر المخابرات وهو آلة تشفير معقدة جدا طورتها ألمانيا النازية ولعبت دورا مهما جدا في الحرب العالمية الثانية، وكانت النازية الألمانية تعتمد عليها في الاتصال مع كل فرقها العسكرية والمخابراتية في أي مكان في أوروبا، لكن ولكي لا يحصل الحلفاء المنتصرون بعد هزيمة ألمانيا على هذه التقنية حطم الجنود الأوفياء للفوهر هتلر المئات من الأجهزة. وباعتراف الحلفاء فإن نظام «إنيغما» كان نظام تشفير عبقريا اعتمد على مليارات الرموز والمفاتيح وبذلك جسد أعلى مستوى من تقنية التعمية للرسائل السرية.
ومن آلاف أجهزة التشفير «إنيغما» التي أنتجت حتى الحرب العالمية الثانية بقي حسب تقدير جهات ألمانية بضع مئات ما يدفع هواة لشرائها بمبالغ غير رخيصة إما للاحتفاظ بها حتى ترتفع أسعارها أو أن تؤخذ منها قطع غيار لأجهزة معطلة. ويقال بأن مجموعة أوروبية لديها بضعة أجهزة من هذا النوع تجري عبرها الاتصالات فيما بينها كما كان الحال في السابق بعد بنائها شبكة اتصال شبيهة بالشبكة النازية خلال الحرب العالمية الثانية. كما أن الأجهزة المخبأة في الخزائن ليست قليلة وبدأت تظهر في المزادات العلنية.
مائة ألف يورو لجهاز تشفير نازي
وخلال مزاد علني في لندن نهاية الشهر الماضي بيع جهاز تشفير «إنيغما» ما زال يعمل وصنع عام 1941 واستعمله الجيش النازي في الحرب العالمية الثانية هرّبه جندي بريطاني إلى بلاده، بيع بنحو 86 ألف جنيه إسترليني ما يعادل الـ106 آلاف يورو وكان الاعتقاد بأن المزاد لن يتعدى 40 ألف جنيه إسترليني. ويقول خبير أجهزة تشفير ألماني بأن هذا النوع مرغوب به أكثر من أي يوم مضى من قبل هواة جمع الأجهزة الغريبة أو المعارض في العالم. ولم يعرف بعد من الجهة أو الشخص الذي اشترى الجهاز في لندن، لكن يتردد اليوم أن كل من يملك جهازا شبيها يمكنه اليوم تحقيق ربح يصل إلى أكثر من 800 في المائة، ما يجعله مصدر رزق للكثير من جنود الحلفاء المتقاعدين الذين أخذوا أجهزة وقطع أثاث ومقتنيات وغيرها تعود للنازية خلال الحرب في ألمانيا، وفي هذا الصدد نشرت صحيفة «باييس» الإسبانية قبل فترة أن الشرطة عثرت في أحد الأقبية بمدريد على 26 جهاز «إنيغما» ظل مختفيا أكثر من 70 عاما، ويعتقد بأن هتلر أهداها إلى حليفه الإسباني الديكتاتور فرانكو.
جهاز معقد
وعن فعالية نظام «إنيغما» يقول الجندي الألماني يورغين راينهولت (83 سنة) وكان أحد الذين عملوا على جهاز التشفير وعين ربيع عام 1942 لإرسال رسائل مشفرة إلى الوحدات الألمانية المرابطة يومها في الاتحاد السوفياتي بأن لوائح المفاتيح السرية كانت تكتب على ورقة وتعطى أجزاء منها إلى كل ضابط في الوحدة لتجمع عند كتابة رسائل مشفرة، وهذا يعني تفادي وقوع اللائحة كاملة في يد العدو إذا ما وقع ضابط أسيرا وكانت تعطى لكل فرقة لائحة ما جعل النازية متأكدة من صعوبة اكتشاف سر نظامها التشفيري، وفي الحالة الضرورية كان على الجندي مضغ الورقة وبلعها كي لا تقع في يد العدو.
ويذكر الجندي هرمان كلاديتس (85 سنة) أن مفاتيح الشفرة كانت تتغير كل 24 ساعة لترسل الرسائل إلى كل أماكن تواجد الجيش النازي، وكم كان صاحب حظ لأنه كان في ألمانيا وليس داخل الحصار الذي فرض على ستالينغراد في الحرب الثانية، وأخر رسالة أرسلها أو سربها بأمر من ضابطه إلى الوحدة داخل الحصار كانت «على الجميع قتال العدو بكل الوسائل المتوفرة، عاشت ألمانيا». بعدها أتت رسالة تقول: «سلامي إلى والدي». وخوفه وغضبه من الهزيمة جعله في التاسع من مايو (أيار) 1945 يحطم مع رفاقه الجنود الجهاز بالمطرقة.
جهاز اعتمد عليه هتلر
وكان هتلر يعتمد على هذا النظام التشفيري كليا لقناعته بعجز العدو على فك رموزه وكان يرسل عبره أكثر الرسائل سرية إلى قواته ودبلوماسييه وجهاز المخابرات إس إس والشرطة وغيرها في كل أماكن انتشارهم. وكانت النازية تغير إجراءات الاستخدام من وقت إلى آخر وكانت المفاتيح السرية غير موحدة لدى كل المؤسسات، وكانت ترسل أيضا نصوصا عادية لا تلفت النظر لكن المتلقي لها يعرف شفرتها وتكون عادة عالية السرية.
وباعتراف الحلفاء يومها فإن نظام «إنيغما» كان معقدا ما وفر للجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية إرسال رسائل مشفرة مهمة عجز خبراء التشفير لديهم عن حلها، لكن أحد أهم العوامل التي مكنت الحلفاء من كسر تعمية «إنيغما» وجود نقاط ضعف في النظام وأخطاء جنود عملوا على الأجهزة والأهم من ذلك تسرب أسرار التعتيم خلال العمل، وهذا أفسح المجال أمام خبراء أميركيين وبريطانيين وبولنديين لكشفه تماما والاطلاع على كل أسرار هتلر وضباطه قبل الهزيمة بأشهر.
وتعقيد نظام الشفرة هذا دفع بالمؤرخ البريطاني السير هنري هنسلي إلى القول لو لم يتمكن الحلفاء من فك سره لكانت الحرب العالمية قد طالت سنتين أو أربع سنوات وكانت أكثر دموية مما حدث.
جهاز صغير لكنه خطير
و«إنيغما» آلة شبيهة بالآلة الكاتبة الصغيرة وعبارة عن تجميع أنظمة كهربائية وميكانيكية معا. وتحمل لوحة مفاتيح ومجموعة من الأقراص الدوارة تسمى الدوّارات مركبة بشكل متقارب على طول محور وآلية خطوية لتدير واحد أو أكثر من الدوّارات مع كل ضربة على الأزرار، ويتحرك الدوار المجاور بين الحين والآخر باتجاه عقارب الساعة وتعطي الحركة المتواصلة للدوارات تحولا مختلفا للتعمية بعد كل ضربة على الأزرار. فعند الضرب على حرف «أ» يضيء حرف «ز» فيكون أول حرف من الكلمة المشفرة.
ومخترع هذا الجهاز هو المهندس الكهربائي الألماني أرتور شيربيوس عام 1918 ثم طور ليصبح أصغر حجما وأقل وزنا وفي عام 1930 اعتمده الجيش الألماني.
وتشير معلومات إلى أن النازية صنعت خلال الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1945 أي نهاية الحرب أكثر من 80 ألف جهاز «إنيغما» مختلف الأشكال ومتطور يصل وزن الواحد قرابة 12 كلغ وهو بحجم 34×28×15 سنتم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».