تروي صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية وقائع انتفاضة قادها قائد شيعي سابق في حركة «طالبان» ذات الغالبية السنية في شمال أفغانستان، حيث حشدت الحركة قواتها ونجحت في سحقها، في التقرير الآتي:
- مولوي مجاهد
كان مولوي مهدي مجاهد، قد سيطر في وقت سابق من هذا العام على منطقة في شمال أفغانستان، فجمعت «طالبان» قواتها على طول حدود هذه المنطقة.
قاد كثيرون السيارات لساعات طويلة عبر الجبال المغطاة بالثلوج للوصول للانضمام إلى قوات مولوي مهدي مجاهد، القائد الشيعي السابق ضمن حركة «طالبان» ذات الأغلبية السنية، الذي نبذ مؤخراً الحكومة الجديدة في كابل واستولى على هذه المنطقة.
طوال شهور حاولت «طالبان» إعادته إلى صفوفها، خشية تنامي نفوذه بين الشيعة الأفغان التواقين للتمرد ضد الحركة التي ظلت تضطهدهم لعقود من الزمان.
المقاتل سيد قاسم (70 عاماً) قال: «إذا لم تكن (طالبان) تريد حكومة شاملة، وإذا لم تمنح الحقوق للشيعة والنساء، فلن نتمكن أبداً من تحقيق السلام في أفغانستان. ما دامت الدماء تجري في عروقنا فسوف نقاتل».
كانت الاشتباكات التي وقعت في إقليم ساريبول في يونيو (حزيران) الماضي هي الأخيرة من نوعها في خضمّ صراع يخيّم على شمال أفغانستان، حيث يتحدى عدد كبير من الفصائل المسلحة القبضة الثقيلة لحكومة «طالبان».
سعى مسؤولو «طالبان» إلى التقليل من شأن أي انتفاضة بُغية الحفاظ على صورة الدعم الشعبي، وتوافر السلام والأمن للبلاد. ومن المستبعد أن تُشكل أيٌّ من مجموعات المقاومة الثماني، أو نحوها، التي ظهرت حتى الآن، تهديداً مشروعاً لسيطرة «طالبان» على البلاد. إذ تفتقر الميليشيات التي تطلق على نفسها اسم «لواء أبو الفضل العباس» إلى التجهيز والتمويل، ولم تتمكن من تأمين الدعم من أي قوة أجنبية كبرى.
ومع ذلك، فإن نهج «طالبان» العازمة على القضاء على أي أثر للمعارضة، كان وحشياً على الدوام.
- جمرات الانتفاضة
في صباح أحد أيام شهر يونيو، جمع مهدي حفنة من المستشارين في منزله في وسط بلخ آب، وألقى نظرة على النافذة المتسخة. وفي الخارج، بدت المدينة تعج بالترقب المتوتر. وكان عشرات المسلحين قد احتشدوا على طول الطريق الرئيسي الموحل، واحتسوا الشاي، ودخنوا السجائر، بينما كانوا ينتظرون أوامر التحرك.
قبل أسبوعين، كان مهدي قد بسط سيطرته على هذه المنطقة منزوعة السلاح من شمال أفغانستان، ما دفع قوات «طالبان» إلى التجمع على طول حدودها. بدا هجوم «طالبان» الآن وشيكاً، ونقل الهواء الجبلي الخفيف شعوراً ملموساً بعدم الارتياح. أغلب سكان المقاطعة، البالغ عددهم 40 ألف نسمة، من طائفة الهزارة، أي الأقلية العرقية من المسلمين الشيعة الذين تعدهم «طالبان» زنادقة، وذبحتهم بالآلاف خلال فترة حكمها الأول.
نشأ الزعيم المتمرد (33 عاماً) في قرية ليست بعيدة عن المنطقة، وانضم إلى «طالبان» بعد قضاء فترة في السجن، حيث وجد إخوة بين سجناء «طالبان» الذين كانوا ينتقدون فساد الحكومة السابقة. فصورت الحركة في أشرطتها الدعائية مهدي، العضو النادر من الهزارة في حركة البشتون الجنوبية، كدليل على شمولية الحركة، في خطوة رأى أغلب المحللين أنها ليست أكثر من خدعة دعائية.
لكن بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، وقع خلاف بين مهدي وبين الحكام الجدد. يقول معظم السكان المحليين إنه انشق إثر نزاع حول إيرادات مناجم الفحم المربحة في بلخ. وبروايته الخاصة، ترك المهدي الحركة محتجاً عليها بعد خيبة أمله في أسلوب تعامل المتمردين الذين تولوا السلطة مع طائفة الهزارة.
قال مهدي في مقابلة في بلخ: «بعد وصول (طالبان) إلى الحكم، عانى الهزارة أكثر من غيرهم... لا يستطيع الهزارة المضيّ في حياتهم كلها على هذا النحو، سواء رغبوا في ذلك أم لا، ففي يوم من الأيام سوف يقف الناس ضد حكم (طالبان)».
بالنسبة للكثير من السكان، لا تبدو دوافع مهدي ذات أهمية. وتوافد مئات الشيعة، المتحمسين لحمل السلاح ضد «طالبان» للانضمام إلى ميليشيا المقاومة الجديدة التي شكلها في الربيع. كانوا خليطاً من رجال الشرطة السابقين والجنود وقدامى المحاربين من قوات «الفاطميون» (الميليشيا المدعومة من إيران التي حاربت في العراق وسوريا). بالنسبة لهم، كان انشقاقه بمثابة صيحة استنفار، ودليلاً على أنه لن يتم قبول أيٍّ من الهزارة، حتى أولئك الذين حاربوا نيابةً عن «طالبان» في بلد خاضع لسيطرتهم.
- معركة «بلخ آب»
كان خصم مهدي عبارة عن حركة متمردة خبيرة ومخضرمة؛ تلك التي سوف تُطلق قريباً العنان لتاريخها الطويل في محاربة قوة عظمى عالمية على فريق مهدي من شراذم الرجال، بنتائج لن تكون أقل من فظيعة. شنت «طالبان» هجومها في أواخر يونيو، مُرسلة آلاف الجنود عبر الثلوج العالية والقمم الخشنة إلى معقل مهدي على جبل قُم كوتال. وتردد صدى الصرخات العالية وصوت إطلاق الصواريخ الكثيفة عبر الجبل وفي الوديان طوال الليل، ملقياً الرعب في القرى المجاورة. وشرع الآلاف من السكان، المحاصرين مرة أخرى في صراع لم يختاروا المشاركة فيه، في تحميل أرغفة الخبز، وقوارير المياه، والبطانيات القليلة التي يملكونها على ظهور الحمير، وبدأوا السير ساعة كاملة للوصول إلى بر الأمان في الجبال المجاورة، حيث استمعوا إلى صوت الحرب المألوف والمحزن للغاية. رغم تفوق عدوهم في العدد والعتاد، فإن الثوار اعتقدوا أن معرفتهم بتضاريس منطقتهم ستجعل لهم اليد العليا في القتال.
غير أن «طالبان» وجدت اثنين من السكان لمساعدتها على التحرك في مسارات المشاة غير المعروفة إلى وسط المقاطعة، قبالة قوات مهدي، بينما كان يركز مجموعته المتداعية من المقاتلين نحو جبل قُم كوتال، وفقاً لمقاتلي الثوار، والسكان، ومسؤول في «طالبان».
ومع بزوغ الفجر في الصباح التالي، وجد رجال مهدي المَزارع ومجاري الأنهار المحيطة بمركز المنطقة متخمةً بجنود «طالبان». وقد فتحوا النار على المتمردين الغاضبين الذين دمروا الطرق الرئيسية المؤدية إلى البلدة قبل أيام، في محاولة غير مجدية لعرقلة قوات «طالبان».
وعلى مدى يومين، غرقت المدينة في معارك بالأسلحة النارية بين عناصر «طالبان» ورجال مهدي. وقد احترقت المتاجر التي كانت تصطف على الشارع الرئيسي. وتحولت منازل الطوب اللبن ومزار شيعي واحد على الأقل إلى مواقع دفاعية. ومع احتدام القتال، أصلحت «طالبان» الطرق المدمرة، وأرسلت قافلة من العربات المدرعة للسيطرة على الأراضي التي استولت عليها.
في النهاية، حاصر جنود «طالبان» آخر رجال مهدي. ولم تكن هناك تعزيزات للمتمردين في الطريق. وكانت الخيارات الوحيدة أمامهم هي الاستسلام، ومواجهة ما بدا موتاً محققاً، أو التراجع. وفي الحالتين انتهت الانتفاضة.
- خدمة «نيويورك تايمز»
هكذا سحقت «طالبان» انتفاضة شيعية ضدها في الشمال الأفغاني
قائد شيعي سابق في الحركة السُّنية نجح في تعبئة طائفة الهزارة
هكذا سحقت «طالبان» انتفاضة شيعية ضدها في الشمال الأفغاني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة