مهندس إسباني يبتكر محركًا توربينيًا دون شفرات

لتوليد الكهرباء بتكلفة تقل 40 % عن مثيلتها التقليدية

المهندس الإسباني ديفيد يانيز يقف بجوار نموذج للتوربين الهوائي المولد للكهرباء الذي صممه ويعمل من دون شفرات (رويترز)
المهندس الإسباني ديفيد يانيز يقف بجوار نموذج للتوربين الهوائي المولد للكهرباء الذي صممه ويعمل من دون شفرات (رويترز)
TT

مهندس إسباني يبتكر محركًا توربينيًا دون شفرات

المهندس الإسباني ديفيد يانيز يقف بجوار نموذج للتوربين الهوائي المولد للكهرباء الذي صممه ويعمل من دون شفرات (رويترز)
المهندس الإسباني ديفيد يانيز يقف بجوار نموذج للتوربين الهوائي المولد للكهرباء الذي صممه ويعمل من دون شفرات (رويترز)

لقطة من فيلم تسجيلي صور عام 1940 لجسر «تاكوما ناروز» المعلق بالولايات المتحدة، عندما اجتاحته عاصفة هوجاء خلبت لب طالب إسباني يدرس الهندسة واستبدت بمخيلته؛ إذ طفق يفكر كيف يمكن تحويل هذه الحركة الفوضوية إلى طاقة متجددة.
وبعد ذلك باثني عشر عامًا انضم الطالب ديفيد يانيز إلى فريق ألهمته هذه الحادثة، التي أدت إلى انهيار الجسر، لابتكار محرك توربيني دون شفرات تديره الرياح؛ عبارة عن هيكل مقلوب مخروطي الشكل يصل سعره إلى نصف كلفة المحرك التقليدي.
وقال يانيز متذكرًا لقطة انهيار الجسر: «يمكنك أن ترى هيكلاً دون تروس أو كرسي ارتكاز بإمكانه استغلال كميات كبيرة من طاقة الرياح». وكان يقف على قمة تلة بوسط إسبانيا أمام نموذج تجريبي بسيط يدور بسلاسة بحجم شجرة صغيرة.
وتمثل شركته - فورتكس بليدلس - نقطة مضيئة نادرة في صناعة الطاقة المتجددة في إسبانيا التي لحقت بها أضرار جسيمة بسبب فقدان ثقة المستثمرين، بعد تراجع إسبانيا عن وعود خاصة بالدعم في ذروة أزمة الديون بمنطقة اليورو.
وقال راؤول مارتن، زميل يانيز بالجامعة وشريكه في شركة فورتكس بليدلس، إنه بعد أن استثمرت شركته نحو مليون يورو (1.1 مليون دولار) في صناديق عامة، خصوصًا للمشروعات الحديثة، باتت قاب قوسين أو أدنى من أن يضخ إليها صندوق الاستثمار الأميركي خمسة ملايين دولار.
ويعمل التصميم الذي يحمل براءة اختراع من خلال الدوامات الهوائية الدوارة داخل المخروط المقلوب، ليحدث نوعًا من الحركة الترددية التي يمكن تحويلها إلى طاقة كهربية بالاستعانة بمولد.
وهذه الظاهرة نفسها هي المسؤولة عن الذبذبات التي تصدر عن كابلات الضغط العالي الكهربية عند مرور الرياح بها.
وقال يانيز: «شاهدنا جميعًا كيف يمكن لمغنية السوبرانو الأوبرالية أن تهشم كوبًا من خلال صوتها الحاد المجلجل. وبدلاً من الاستعانة بالموجات الصوتية نستخدم الحركة الدوامية المتولدة في الهيكل بفعل الرياح».
وتقول شركة فورتكس إنها تنتج طاقة أرخص بنسبة 40 في المائة عن طواحين الهواء التقليدية لأنها لا تكلف كثيرًا في نفقات الإنشاء والصيانة.
كما أن الهيكل أكثر أمانًا للطيور، لأنه لا يدور مثل شفرات النماذج التقليدية التي تشير التقديرات إلى أنها تقتل مئات الآلاف من الطيور سنويًا.
وعلى الرغم من أن الهدف النهائي للشركة هو خوض سوق طاقة الرياح بتوربينات يصل ارتفاعها إلى مائة متر وأطول من ذلك، غير أن المراحل الأولى من المشروع تركز بصورة جلية على الاستخدامات المحلية أو المنشآت الصناعية الصغيرة.
وتعتزم الشركة إنتاج نماذج أولية تجارية ارتفاعها ثلاثة أمتار ذات قدرة مائة واط بحلول نهاية العام التي يمكن تركيبها على الأرض أو على الأسطح ويتكلف الجهاز الواحد نحو 300 يورو.
وقال يانيز الذي يفكر في توريد هذه الأجهزة إلى الهند التي تعاني من مشكلات الطاقة: «من خلال تركيب جهازين أو ثلاثة من (فورتكس) وأربعة أو خمسة من الألواح الشمسية باستثمار من ألفين إلى ثلاثة آلاف يورو يمكنك توليد طاقة كهربية تكفى لسد احتياجاتك المنزلية».
وأضاف أن «مستقبل هذه الأجهزة يرتبط بابتكار بطاريات لتخزين الطاقة مثل تلك التي طورتها شركة تسلا الأميركية للسيارات الكهربية».
وستجعل القدرة على تخزين الطاقة المولدة من الرياح والشمس من الطاقة المتجددة أكثر كفاءة، وستمكن سكان الدول النامية من الاحتفاظ بمصدر مستقل للطاقة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».