مدير عام قناة «العربية» يكشف عن خطط القناة المستقبلية

الدخيل أكد تركيز القناة على المنافسة في الخبر أولاً

تركي الدخيل خلال لقائه إعلاميين خليجيين وعربًا يوم أمس الأول في مقر القناة بدبي («الشرق الأوسط»)
تركي الدخيل خلال لقائه إعلاميين خليجيين وعربًا يوم أمس الأول في مقر القناة بدبي («الشرق الأوسط»)
TT

مدير عام قناة «العربية» يكشف عن خطط القناة المستقبلية

تركي الدخيل خلال لقائه إعلاميين خليجيين وعربًا يوم أمس الأول في مقر القناة بدبي («الشرق الأوسط»)
تركي الدخيل خلال لقائه إعلاميين خليجيين وعربًا يوم أمس الأول في مقر القناة بدبي («الشرق الأوسط»)

استعرض تركي الدخيل، مدير عام قناة «العربية»، توجهات قناتي «العربية» و«الحدث» خلال الفترة المقبلة، والخطط التي وضعتها إدارة القناة في سبيل المواصلة وتطوير المحتوى الذي يعرض على الشاشة، الذي يأتي بعد دراسات عميقة أجرتها الأقسام المتخصصة في القناة، التي ستسهم بشكل كبير في تعميق مستوى جودة المحتوى الذي سيتم عرضه للمشاهدين في المستقبل.
وعرض الدخيل خلال لقاء جرى، أول من أمس، مع إعلاميين من وسائل إعلام خليجية وعربية، بمقر القناة في دبي، كيفية إدارة القناة لـ«عاصفة الحزم» في اليمن، مقدمًا الإعلاميين في نظرة عامة عن عمل القناتين وتطلعات إدارة التحرير في الفترة المقبلة.
وكشف مدير عام قناة «العربية» التي تتخذ من دبي مقرًا لها نتائج دراسة نوعية أنجزتها قناة «العربية» حول رأي الجمهور في تغطية «عاصفة الحزم»، وأكدت النتائج تقدم قناتي «العربية» و«الحدث» كمصدر خبر رئيسي، على قنوات «الجزيرة»، و«الإخبارية»، و«سكاي نيوز عربية»، التي أجريت على عينة من اليمنيين المقيمين في السعودية وأيضًا على سعوديين، (6 مجموعات)، وكان معدل المشاهدة هو 4 ساعات أسبوعيًا، والمستجوبون لم يكونوا يعلمون ساعتها لمن تجرى هذه الدراسة.
وأوضح الدخيل أن برنامج «صباح العربية» سيعود بحلة جديدة بعد شهر رمضان، موضحًا أسباب توقيف البرنامج، حيث قال إن «المادة التلفزيونية في (صباح العربية) هادئة ولا تتناسب مع أجواء الحرب التي فرضتها (عاصفة الحزم)، كخبر كبير، اهتمت به كل وسائل الإعلام العالمية». لكن مع ذلك، أبقت قناة «العربية» على جرعة الأخبار الخفيفة، من خلال تقارير طبية وفنية ضمن نشرات الأخبار، كما كانت «العربية» تبث أخبار الرياضة والاقتصاد.
وبالنسبة لأخبار الاقتصاد، فقد كانت «العربية» مصدر خبر أساسي، لأنه لا يمكن فصل تأثير الشأن السياسي على تطورات أسواق المال والبورصة، خصوصًا البورصة السعودية.
وردًا على سؤال يخص ضعف «هامش الرأي» في تغطية «عاصفة الحزم»، قال تركي الدخيل، إن «مساحة الرأي متوفرة في القناة، من خلال عرض آراء كثيرة سواء في الأخبار أو في البرامج، كما هو الشأن مع برنامج (بانوراما)». وقال الدخيل إنه «عندما يكون هناك ضعف في التغطية الإخبارية تلجأ بعض القنوات إلى فتح مجال أوسع للرأي، ونحن في قناة (العربية) كنا نركز على المنافسة في الخبر أولاً».
من جانبه، قدم مدير قناة «العربية»، لممثلي وسائل الإعلام الخليجية والعربية، بالأرقام، إنجازات العربية، ورديفتها «الحدث»، وقال إن «سرعة الأحداث وتفجرها في المنطقة العربية، خلق واقعًا إخباريًا جديدًا، وهو كثرة الأخبار العاجلة، وهو ما دفعنا للخروج بفكرة قناة (الحدث)، التي قدمت طريقة جديدة في التعاطي مع الأخبار، بحيث يشارك الصحافي في تقديم الخبر وتفاعلاته في مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت ظاهرة قائمة بذاتها».
وبحسب الأرقام التي عرضت في اللقاء، فإن قناة العربية تملك 70 حسابًا في شبكات التواصل الاجتماعي خلال عام 2015، و44 مليون متابع في العام ذاته. أما موقع «العربية»، فقد حقق زيارات فاقت 591 مليون خلال عام 2014، وتجاوز 233 مليون زيارة منذ مطلع عام 2015. وفيما يتعلق بالتطبيقات الذكية، فقد تم تحميل 2.5 مليون مرة لتطبيق العربية بالعربي، ومليون مرة لتطبيق الحدث.
وفيما يتعلق بمشاريع العربية المستقبلية، فينتظر حسب مدير القناة، الإعلان عن «مشروع العربية للمسؤولية الاجتماعية»، بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في الوقت الذي ستكون هناك عدة برامج حاضرة في شهر رمضان، منها برنامج «تفاعل com»، وبرنامج «ورتل القرآن»، وبرنامج «منارات» الحواري اليومي، وبرنامج «على خطى العرب» حيث سيبث يوميًا أيضًا في شهر رمضان.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)