دعوات إخوانية متجددة للمصالحة وسط تجاهل رسمي وشعبي في مصر

من وقت إلى آخر تتجدد الدعوات الإخوانية للمصالحة، فتثير جدلاً على صفحات التواصل الاجتماعي؛ لكن من «دون أي أثر يُذكر على الأرض في مصر، حيث يقابلها تجاهل رسمي وشعبي». وبحسب خبراء مصريين فإن «تجدد إثارة فكرة المصالحة في هذا التوقيت يعكس محاولة (قيادات الخارج) لحلحلة أزمة الصراع والانقسامات المتفاقمة منذ أشهر على قيادة التنظيم».
«جبهة لندن» بقيادة إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان»، التنظيم الذي تصنفه السلطات المصرية «إرهابياً»، حركت «فكرة المصالحة» من جديد. وكانت مصادر مطلعة قد ذكرت لموقع «سكاي نيوز عربية» (الجمعة) أن «مجلس (شورى لندن) قد اجتمع في وقت سابق، وقرر تشكيل مجموعة مُصغرة من (الإخوان) وبعض المتحالفين معهم، للتواصل مع السلطات المصرية وطلب المصالحة، في مقابل تجميد النشاط السياسي للتنظيم داخل مصر نهائياً، والإفراج عن بعض أعضائهم المحبوسين على ذمة (قضايا إرهابية)».
ما ذكرته المصادر المطلعة تطابق مع ما أكده أحمد بان، الخبير في الشأن الأصولي بمصر، من أن «هناك اتجاهاً من (مجموعة إبراهيم منير) لمحاولة (كسر الجمود) مع الدولة المصرية، عبر (جس النبض) بمبادرات من هذا النوع»، كاشفاً أنه «كانت هناك محاولة من أحد الشخصيات المُحايدة القريبة من (الإخوان) مع إبراهيم منير بشأن المصالحة، يوليو (تموز) الماضي»، موضحاً أن «أبرز ما ظهر من تلك المبادرة، تجميد النشاط السياسي لـ(الإخوان)، والقطيعة مع فكرة العنف، والتحول لتيار دعوي؛ بل التوقف عن الدعوة لمدة عامين، لحين توفيق الأوضاع والحصول على ترخيص وفق إطار رسمي».
وفي نهاية يوليو الماضي، قال إبراهيم منير: «لن نخوض صراعاً جديداً على السلطة في مصر». كما أكد في تصريحات لقناة «الجزيرة» الفضائية، مارس (آذار) 2021 أنه «إذا عُرض - على ما وصفهم بـ(المعارضة المصرية) - الحوار مع النظام المصري، بما يتضمن السجناء فلن نرفض». ويشار إلى أنه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2019 أطلق شباب التنظيم رسائل كانت عبارة عن تسريبات من داخل أحد السجون المصرية لـ«المراجعة أو المصالحة»، وتنوعت حينها بين «مطالب الإفراج عنهم، ونقد تصرفات قيادات الخارج بسبب التعامل مع أسرهم - على حد قولهم –». كما نشرت منصات تابعة لـ«الإخوان» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رسالة – قالت عنها إنها من شباب التنظيم داخل السجون – دعوا فيها إلى «مصالحة أو تسوية شاملة لإخراجهم من السجون، وحل أزمتهم بعيداً عن صراعات قياداتهم في الخارج». لكن مصدراً أمنياً مصرياً نفى حينها «هذه الادعاءات بشأن تمرير سجناء (الإخوان) رسائل للدولة بدعوى المصالحة».
من جهته، قال أحمد بان لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنظيم في مأزق، بعد انقسامه إلى 5 جبهات (جبهتي لندن وإسطنبول، وجبهة محمد كمال، وقيادات السجون، والأغلبية الصامتة وهي المجموعة الأكبر)»، مضيفاً أن «كل جبهة تتنافس مع الجبهة الأخرى، لمحاولة الوصول إلى الأغلبية الصامتة، لأن هذه الأغلبية لديها أزمات مع التنظيم».
وذكر بان، أن «رد فعل الدولة المصرية لم يكن (إيجابياً) تجاه التنظيم»، لافتاً إلى أن «الدولة المصرية لا تستطيع أن تتعاطى مع أي دعوة لـ(الإخوان) قبل أن يراجع التنظيم أفكاره وأهدافه، ويعترف بأعمال العنف التي ارتكبها»، لافتاً إلى أن «الشارع المصري سبق أن شاهد التنظيم في مواقفه السياسية في الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، حتى خرج عليه وطالبه بالرحيل».
في هذا الصدد أكد اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، عضو مجلس «الشيوخ»، أن «المصالحة مع (الإخوان) فكرة يرفضها المجتمع المصري»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الدعوات الإخوانية للمصالحة ليس لها أي وجود شعبي في مصر»، و«الدولة المصرية لا تلتفت لأي دعوات مصالحة مع (الإخوان)»، موضحاً أن «ظهور مثل هذه الدعوات من وقت لآخر من قبل التنظيم، هي محاولة لتفادي الانقسامات المتفاقمة منذ أشهر على القيادة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015 شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لتنظيم الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً»... وتنظيم (الإخوان) مستبعد من الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السيسي قبل أشهر. وقال السيسي مطلع يوليو الماضي، إن «الحوار الوطني للجميع باستثناء فصيل واحد فقط».
ويقبع معظم قيادات «الإخوان» داخل السجون المصرية في اتهامات بالتورط في «أعمال عنف وقتل» اندلعت عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي عن الحكم في 3 يوليو عام 2013 عقب احتجاجات شعبية... وصدر بحق مرشد التنظيم محمد بديع وقيادات (الإخوان) أحكام بـ(الإعدام) والسجن (المؤبد) و(المشدد)».
تأتي فكرة المصالحة وترويجها في وقت، ما زالت أزمة الانقسامات بين قيادات الخارج تتفاقم بين جبهتي إسطنبول بقيادة محمود حسين الأمين العام السابق للتنظيم، وجبهة لندن بقيادة إبراهيم منير، فلا تزال أصداء تشكيل «جبهة لندن» هيئة عليا تكون بديلة لمكتب إرشاد «الإخوان» متصاعدة، عقب تصعيد آخر بتشكيل «جبهة لندن» لـ«مجلس شورى جديد»، وإعفاء أعضاء «شورى إسطنبول» الستة ومحمود حسين من مناصبهم.
ومجلس «شورى لندن» كان قد تم تشكيله عقب خلافات كانت قد تعمقت بين جبهتي «لندن وإسطنبول» عقب قيام «مجلس شورى إسطنبول» بتشكيل «لجنة» باسم «اللجنة القائمة بأعمال المرشد العام»، لتقوم بمهام المرشد العام بقيادة مصطفى طُلبة، وعزل إبراهيم منير من منصبه؛ إلا أن «جبهة لندن» عزلت طُلبة، معلنة في بيان لها «عدم اعترافها بقرارات جبهة إسطنبول أو ما يسمى مجلس الشورى العام». حينها أكدت «جبهة إسطنبول» تمسكها بـ«قرارات مجلس الشورى العام للتنظيم في إسطنبول، وأنه هو المرجعية الأعلى»، مطالبة جميع عناصرها بـ«الالتزام بقرارات المؤسسات الشورية».