الجنرالات في إسرائيل يحفرون قبورهم السياسية

14 رئيساً سابقاً للأركان و28 قائداً عسكرياً كبيراً برتبة لواء دخلوا المعترك

غادي آيزنكوت (يسار) وبيني غانتس يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك الأحد  (أ.ف.ب)
غادي آيزنكوت (يسار) وبيني غانتس يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك الأحد (أ.ف.ب)
TT

الجنرالات في إسرائيل يحفرون قبورهم السياسية

غادي آيزنكوت (يسار) وبيني غانتس يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك الأحد  (أ.ف.ب)
غادي آيزنكوت (يسار) وبيني غانتس يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك الأحد (أ.ف.ب)

غادي آيزنكوت، رئيس الأركان الحادي والعشرون للجيش الإسرائيلي، ليس أول جنرال يحمل رتبة فريق يختار الانتقال من العسكرة إلى السياسة. فعل ذلك قبله 14 رئيس أركان سابقاً، وكذلك 28 قائداً عسكرياً كبيراً برتبة لواء. ومع كل مرة كان يعلن فيها جنرال كهذا عن نيته دخول السياسة، كانت الساحة تغلي والإعلام ينتفض، ويتجاوز الاهتمام بهذا «الحدث» حدود إسرائيل بعيداً جداً. وتتسابق وسائل إعلام عالمية لإجراء حوار معه.
ولكن بالون الاهتمام هذا كان يفقد كثيراً من الهواء حتى يترهل. ومن جنرال إلى آخر، تقصر مدة الانتفاخ أكثر. وبالون آيزنكوت كان صاحب رقم قياسي في فقدان الهواء. فبعد ساعات من إعلانه دخول السياسة في حزب جديد هو «حزب الوطنية»، مع قائده السابق، بيني غانتس، وزميله في سكرتارية الحكومة، غدعون ساعر، أجريت أول 3 استطلاعات رأي لفحص مدى تأثير هذا الدخول، وجاءت النتيجة مخيبة: فالحزب يتأرجح ما بين 12 و14 مقعداً، أي أكثر بمقعدين من الاستطلاعات السابقة. وحزب غانتس ساعر يمتلك اليوم 14 مقعداً. والأهم أن أحد هذين المقعدين يأتي من معسكر اليمين، والثاني يأتي على حساب حليفهم، رئيس الحكومة يائير لبيد.
بالطبع، نحن نتحدث عن استطلاع أجري بعد أقل من يوم واحد على إعلان دخول آيزنكوت عالم السياسة، وهناك احتمال أن تتغير هذه النتيجة لاحقاً. إلا أن التغيير أيضاً غير مضمون الاتجاه، فقد يكون للأفضل أو للأسوأ، بالمقدار نفسه؛ لأن الجمهور الإسرائيلي لم يعد ينظر إلى الجنرالات بنظرة التبجيل والتأليه، كما كان يفعل في يوم من الأيام. وهناك انحسار متواصل في مكانتهم بالمجتمع الإسرائيلي، يعود لعدة أسباب، بعضها يتعلق بأدائهم، وبعضها بمنافسيهم والحرب التي يديرونها ضدهم.
فأولاً، هناك تاريخ غير مشرق للجنرالات في السياسة الإسرائيلية. لقد خدم في منصب رئيس الحكومة، 14 شخصية سياسية، بينهم 3 جنرالات سابقين في الجيش: إسحاق رابين، وإيهود باراك، وكانا يحملان رتبة فريق، وشغلا منصب رئيس الأركان، وأرئيل شارون الذي كان يحمل رتبة لواء. جميعهم معروفون بقدرات عسكرية عالية جعلتهم محبوبين ومقدرين لدى الجمهور الإسرائيلي، اليمين واليسار معاً. لكن قناعتهم بضرورة تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس «حل الدولتين»، تسبب في حملة تحريض دموية ضدهم في اليمين، بلغت حد الاتهام بالخيانة.
رابين قُتل بسبب قراره التوقيع على اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين، وسبقت اغتياله مظاهرات عنيفة اتهمته بالخيانة، ورفعت صوراً مفبركة له يظهر فيها كما لو أنه ضابط في جيش النازية الألمانية. والثاني باراك الذي يعتبر حامل أكبر عدد من الأوسمة على إنجازاته القتالية، اعتُبر أكثر رؤساء الحكومات فشلاً، وأطيح به بشكل مهين، واليمين لفظه لأنه وافق على دولة فلسطينية بحسب خطة الرئيس الأميركي بيل كلينتون. أما شارون الذي يعتبر مؤسساً لحزب «الليكود»، وتاريخه مليء بالمجازر ضد الشعب الفلسطيني (خصوصاً مجزرة السموع في الخمسينات، ومجازر صبرا وشاتيلا في 1982)، فاعتُبر عميلاً لليسار، عندما قاد الانسحاب من قطاع غزة وإزالة المستوطنات هناك.
أما بقية الجنرالات، وبينهم رؤساء سابقون لأجهزة للمخابرات («الموساد»، و«الشاباك») مثل عامي إيلون وداني ياتوم، وحتى رؤساء أركان مثل: أمنون لفكين شاحك، وموشيه يعلون، وشاؤول موفاز، وغابي أشكنازي، فقد عوملوا كسياسيين عاديين، وربما أقل. وإذا كان بعضهم مثل: موشيه ديان، ويغئال يادين، وحايم بارليف، ورفايل إيتان، عوملوا باحترام خاص بحكم تاريخهم العسكري، فإن هذا الاحترام آخذ في الانقراض شيئاً فشيئاً منذ بدأ الجنرالات يتحدثون عن «حلول واقعية للصراع».
وهناك مشكلة عمومية تقليدية للجنرالات المنتقلين إلى السياسة، فهم يأتون من عالم إصدار الأوامر إلى عالم التداول وسماع الآخر، من عالم رفاق السلاح إلى عالم الحرب داخل الحزب الواحد، من عالم «احمِ ظهري» إلى عالم «يطعنونني في ظهري».
ما يجرى هنا دوامة تشبه رقصة الموت. فاليمين السياسي في إسرائيل اتخذ مواقفه العدائية من تسوية الصراع، بالأساس، بسبب الجنرالات. فقبل أن يتركوا الجيش وينضموا للسياسة عُرف عن جنرالات الجيش الإسرائيلي أنهم يطلقون خطاب عربدة عسكرياً، ويمارسون هذه العربدة على الأرض. وقد حققوا في الحروب مكاسب كبيرة، وحققوا في صناعة الأسلحة إنجازات هائلة، وبدلاً من أن يطمئنوا الجمهور بأن إسرائيل قوية بالدرجة الكافية حتى تنهي الصراع بسلام، اختاروا تحذير وتهديد الأعداء بغطرسة وغرور. والتيار القومي اليميني يطرب لهذا الغرور، ويحوله إلى سياسة وآيديولوجيا. لكن عندما يخلع الجنرالات البزة العسكرية ويدخلون معترك الحياة والأطر غير العسكرية مكتشفين «كم هو مهم أن تترك الحرب وتهتم بالتكنولوجيا والعلوم والثقافة، وتهتم باحتياجات الناس المعاشية»، فإنهم يجدون أن المخلوق الذي صنعوه -أي الموقف المتغطرس- يرتد إلى نحرهم. فإسرائيل تسير باندفاع نحو اليمين. واليمين لا يقبل أي تراجع.
اليمين في إسرائيل ليس مجرد حزب أو مجموعة فرق. إنه معسكر منظم يقوده بشكل منهجي أحد أقوى الشخصيات السياسية في تاريخ الدولة العبرية، بنيامين نتنياهو. لقد كان نتنياهو في صدام دائم مع قيادات الجيش وبقية الأجهزة الأمنية منذ عام 2010، بعد أن رفضوا طلبه الدخول في حرب مع إيران. إنه يخوض حرباً ضد الجيش. وأجهزة الإعلام ومعاهد الأبحاث والقنوات التلفزيونية التي أقامها نتنياهو، مليئة بمهاجمة الجيش والمساس بهيبته، وادعاء أنه ذو قيادة يسارية، وأنه تخلى عن عقيدة الإقدام القتالية، وأنه غير جاهز للحرب، ويبذر الأموال على رواتب الضباط، وغير ذلك.
عملياً، الجيش يدفع ثمن ما صنعته أياديه. والجمهور الذي كان يبجل الجيش وقادته، بات على استعداد لتحطيم جنرالاته، فأصابه ما أصاب العرب في إحدى حقب الجاهلية. عندما صنعوا آلهة من التمر ثم أكلوها عندما جاعوا.
لذلك، فإن مجيء آيزنكوت إلى السياسة، لا يأتي مصحوباً ببشائر خاصة، ووصوله إلى السياسة ليس لأنه جنرال؛ بل «رغم أنه كان جنرالاً».


مقالات ذات صلة

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

شؤون إقليمية غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

في اليوم الذي استأنف فيه المتظاهرون احتجاجهم على خطة الحكومة الإسرائيلية لتغيير منظومة الحكم والقضاء، بـ«يوم تشويش الحياة الرتيبة في الدولة»، فاجأ رئيس حزب «المعسكر الرسمي» وأقوى المرشحين لرئاسة الحكومة، بيني غانتس، الإسرائيليين، بإعلانه أنه يؤيد إبرام صفقة ادعاء تنهي محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم الفساد، من دون الدخول إلى السجن بشرط أن يتخلى عن الحكم. وقال غانتس في تصريحات صحافية خلال المظاهرات، إن نتنياهو يعيش في ضائقة بسبب هذه المحاكمة، ويستخدم كل ما لديه من قوة وحلفاء وأدوات حكم لكي يحارب القضاء ويهدم منظومة الحكم. فإذا نجا من المحاكمة وتم تحييده، سوف تسقط هذه الخطة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

سادَ هدوء حذِر قطاع غزة، صباح اليوم الأربعاء، بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، على أثر وفاة المعتقل خضر عدنان، أمس، مُضرباً عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وكانت وسائل إعلام فلسطينية قد أفادت، فجر اليوم، بأنه جرى التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار بين فصائل فلسطينية والجانب الإسرائيلي، وأنه دخل حيز التنفيذ. وقالت وكالة «معاً» للأنباء إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة «مشروط بالتزام الاحتلال الإسرائيلي بعدم قصف أي مواقع أو أهداف في القطاع».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد مرور 75 عاماً على قيامها، أصبح اقتصاد إسرائيل واحداً من أكثر الاقتصادات ازدهاراً في العالم، وحقّقت شركاتها في مجالات مختلفة من بينها التكنولوجيا المتقدمة والزراعة وغيرها، نجاحاً هائلاً، ولكنها أيضاً توجد فيها فروقات اجتماعية صارخة. وتحتلّ إسرائيل التي توصف دائماً بأنها «دولة الشركات الناشئة» المركز الرابع عشر في تصنيف 2022 للبلدان وفقاً لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متقدمةً على الاقتصادات الأوروبية الأربعة الأولى (ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، وفقاً لأرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي. ولكن يقول جيل دارمون، رئيس منظمة «لاتيت» الإسرائيلية غير الربحية التي تسعى لمكافحة ا

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، في تل أبيب، امتعاضه من تجاهل الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وامتناعه عن دعوته للقيام بالزيارة التقليدية إلى واشنطن. وهدد قائلاً «إذا لم يدع نتنياهو إلى البيت الأبيض قريباً، فإنني سأدعوه إلى الكونغرس». وقال مكارثي، الذي يمثل الحزب الجمهوري، ويعدّ اليوم أحد أقوى الشخصيات في السياسة الأميركية «لا أعرف التوقيت الدقيق للزيارة، ولكن إذا حدث ذلك فسوف أدعوه للحضور ومقابلتي في مجلس النواب باحترام كبير. فأنا أرى في نتنياهو صديقاً عزيزاً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

بدأت المواجهة المفتوحة في إسرائيل، بسبب خطة «التعديلات» القضائية لحكومة بنيامين نتنياهو، تأخذ طابع «شارع ضد شارع» بعد مظاهرة كبيرة نظمها اليمين، الخميس الماضي، دعماً لهذه الخطة، ما دفع المعارضة إلى إظهار عزمها الرد باحتجاجات واسعة النطاق مع برنامج عمل مستقبلي. وجاء في بيان لمعارضي التعديلات القضائية: «ابتداءً من يوم الأحد، مع انتهاء عطلة الكنيست، صوت واحد فقط يفصل إسرائيل عن أن تصبحَ ديكتاتورية قومية متطرفة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

ميلوني بحثت مع ترمب قضية إيطالية تحتجزها إيران

ترمب وميلوني في صورة جمعتهما مع المرشّحين لمنصب وزير الخزانة سكوت بيسنت (يسار) ووزير الخارجية ماركو روبيو في مارالاغو السبت (إ.ب.أ)
ترمب وميلوني في صورة جمعتهما مع المرشّحين لمنصب وزير الخزانة سكوت بيسنت (يسار) ووزير الخارجية ماركو روبيو في مارالاغو السبت (إ.ب.أ)
TT

ميلوني بحثت مع ترمب قضية إيطالية تحتجزها إيران

ترمب وميلوني في صورة جمعتهما مع المرشّحين لمنصب وزير الخزانة سكوت بيسنت (يسار) ووزير الخارجية ماركو روبيو في مارالاغو السبت (إ.ب.أ)
ترمب وميلوني في صورة جمعتهما مع المرشّحين لمنصب وزير الخزانة سكوت بيسنت (يسار) ووزير الخارجية ماركو روبيو في مارالاغو السبت (إ.ب.أ)

فاجأت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، حلفاءها، المحليين والإقليميين، عندما حطّت طائرتها بعد ظهر السبت، في مطار ميامي، وتوجّهت مباشرةً إلى منتجع «مارالاغو» لمقابلة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي استقبلها بحفاوة لافتة، واجتمع بها لساعة بحضور ساعده الأيمن إيلون ماسك، الذي تربطه علاقة وثيقة بميلوني.

وأفادت مصادر الوفد الذي رافق ميلوني بأنها بحثت مع الرئيس الأميركي المنتخب قضية الصحافية الإيطالية، سيسيليا سالا، التي اعتقلتها السلطات الإيرانية بتهمة التجسس، وتحاول مقايضة الإفراج عنها بتسليم القضاء الإيطالي المهندس الإيراني محمد عابديني، الذي كانت السلطات الإيطالية قد اعتقلته الشهر الماضي تنفيذاً لمذكرة جلب دولية صادرة عن الحكومة الأميركية، التي تتهمه بخرق الحصار المفروض على إيران وتزويدها بمعدات إلكترونية لصناعة مسيّرات استُخدمت في عدد من العمليات العسكرية، أودت إحداها بحياة ثلاثة جنود أميركيين في الأردن مطلع العام الماضي.