كشف أسرار الآثار الحجرية الغامضة في السعودية

باحثو «كاوست» يوظفون نظم الذكاء الصناعي في دراستها

الهياكل الحجرية الضخمة التي تعرف بالمستطيلات تعد من أقدم الآثار بالعالم
الهياكل الحجرية الضخمة التي تعرف بالمستطيلات تعد من أقدم الآثار بالعالم
TT

كشف أسرار الآثار الحجرية الغامضة في السعودية

الهياكل الحجرية الضخمة التي تعرف بالمستطيلات تعد من أقدم الآثار بالعالم
الهياكل الحجرية الضخمة التي تعرف بالمستطيلات تعد من أقدم الآثار بالعالم

وظف العلماء خوارزميات التعلم الآلي العميق لتسريع اكتشاف مستطيلات الصحراء السعودية العملاقة التي يعود تاريخها إلى آلاف ماضية من السنين. وكان وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، أشار في تغريدة له عبر تويتر عام 2021، أن دراسة دولية أوضحت أن الهياكل الحجرية الضخمة والغامضة التي تعرف بالـ«مستطيلات» في شمال غربي المملكة، تعدّ من أقدم الآثار في العالم. ويعود تاريخ هذه المواقع الأثرية إلى حوالي 7000 عام، وشكلت لغزا كبيرا للباحثين والعلماء حول العالم لمعرفة طبيعتها وأسباب بنائها. وكانت دراسة من جامعة كمبريدج البريطانية قد أشارت إلى أن هذه الهياكل الضخمة أكثر تعقيداً مما كان يُفترض سابقاً، وتضم غرفاً ومداخل ومقاعد.

مسح أثري «ذكي»
في هذا الاتجاه، ولتسريع وتيرة الاكتشافات استخدم علماء من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، نظم الذكاء الصناعي لتوفير مسح أرضي مفصل عن هذه المنطقة التي لم تحظ بدراسة كافية من قبل، وللإسهام في بناء معارف جديدة تعزز من الإرث الثقافي، ما يعود بالنفع على بقية قطاعات الاقتصاد بالمملكة.
ويتكون الفريق العلمي من فيرجيل بلوا، طالب زائر في مختبر إدراك الصورة والفيديو التابع لـ«كاوست» (IVUL)، ود. سيلفيو جيانكولا، عالم الأبحاث العلمية ومبادرة الذكاء الصناعي بالمختبر ذاته، ود. لورانس هابيوت زميلة «كاوست» للبحوث الأثرية والتواصل الثقافي، والبروفسيور برنارد غانم، الباحث الرئيس بمختبر إدراك الصورة والفيديو، ونائب مدير مبادرة الذكاء الصناعي، والذي حدد نطاق التعاون متعدد التخصصات. ويمول المشروع من قِبل مكتب الرئيس، ومكتب عميد الجامعة، ومختبر إدراك الصورة والفيديو (IVUL).
وتعد تقنيات الذكاء الصناعي أحد أفضل الطرق لقياس الآثار من خلال استكشاف طرق لتمثيل المعلومات الأثرية العامة والهياكل، خاصة عند تطبيقها على التحليلات المكانية مثل تحليل مجال الرؤية وتحليل المسار الأقل تكلفة والتي يصعب تنفيذها دون الاستعانة بمقدرات الحاسوب بسبب تعقيدها.

مستطيلات الصحراء
في عام 2020 أعلنت هيئة التراث في السعودية عن عثور فريق علمي على منشآت حجرية في صحراء النفود في المملكة عبارة عن مصائد للحيوانات تُعد من أقدم المصائد الحجرية في العالم حيث يعود تاريخها إلى أكثر من 7000 عام.
وأوضحت الهيئة أن نتائج أعمال الفريق أكدت أن مناطق شمالي المملكة شهدت تطوراً حضارياً قبل حوالي 5000 سنة ق.م. بدليل تشييد أمكنة ضخمة ضمت مئات المنشآت الحجرية الكبيرة وهو تغيّر ثقافي مهم ونقلة حضارية في المنطقة.
وتناول العمل العلمي الميداني الذي قام به الفريق بدايات تطور المنشآت الحجرية ضمن سياقها الأثري والبيئي وخاصة المستطيلات منها التي وصفت بأنها مصائد للحيوانات. فلقد أدت تلك المستطيلات دوراً مشابهاً وعكست تطور سلوك التوجهات الإقليمية عند الإنسان من خلال المنافسة على المراعي في بيئات صعبة غير مستقرة في الجزيرة العربية حتى في الأزمنة الرطبة في عصر الهولوسين، حيث كانت البيئة تمر بفترات جفاف.

مجال بحثي جديد
وتعتبر المبادرة جزءاً من مجال بحثي جديد يُعرف باسم علم «الآثار الحسابي»، حيث أنشأ الفريق برنامجاً لنمذجة الكشف عن الهياكل الحجرية، باستخدام الصور الملتقطة بواسطة صور الأقمار الصناعية.
ويهتم علم «الآثار الحسابي» بتوظيف طرق معالجة حاسوبية عالية الدقّة لكمية كبيرة من البيانات لدراسة السلوك البشري والتطور السلوكي على المدى الطويل، والذي يتضمن استخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS). وعلى مدار أكثر من عقد، استخدم علماء الآثار المصادر المتاحة لصور الأقمار الصناعية يدويّاً، والبحث عن برنامج مثل خرائط غوغل؛ للحصول على أدلة عن المواقع الأثرية المحتملة، ثم بعد ذلك القيام بإجراء زيارات ميدانية لهذه المواقع.
في هذا المشروع استخدم فريق «كاوست» عملية آلية لإجراء مسح الأحجار العملاقة الغريبة المصطفة على شكل مستطيلات في صحراء النفود السعودية، وكذلك بقايا الأماكن الأثرية ذات الأشكال الدائرية والمثلثة. ويستخدم المنهج خوارزميات التعلم الآلي العميق المُدرّبة على مجموعة من البيانات التي تم تعريفها يدويّاً بواسطة د. هابيوت. وفي اللحظة التي تم تدريب الخوارزميات عليها، أصبح من الممكن عزل مئات الخصائص المتشابهة المماثلة على نطاقٍ واسعٍ. وبمجردِ اكتشاف هيكل جديد؛ فإنَّ الأداة المستخدمة يمكنها تحويل وحدات البكسل (نقطة الصورة) المتشابهة إلى إحداثيات جيوديسية (أقصر خط طول بين نقطتين)، عبر استخدام نظام الإحداثيات العالمي (جي بي إس) (GPS)، ودمج تلك النتائج في خريطة إلكترونية وقاعدة بيانات لتحليلها. ويمكن استخدام تلك التقنية لإجراء تمارين مسح أخرى لاكتشاف أي عنصر ضخم في منطقة مفتوحة.
تقول د. هابيوت: «هذا المشروع يوضّح أنَّ جامعة «كاوست» صرح فريد للبحوث متعددة التخصصات؛ إذ يمكن لبيئات قليلة جداً تعزيز التكامل السريع لمفاهيم تقنية عميقة؛ كالذكاء الصناعي بالتعاون مع علماء الآثار، والذي ينتج عنه فهم فريد للوجود العالمي لتلك الهياكل الحجرية».
وتتميز المساحة الشاسعة الخاضعة للدراسة في المملكة بوجود آلاف الهياكل الحجرية الضخمة، ونظراً لأنَّ مساحة السعودية تغطي تقريباً مليوني كيلومتر مربع؛ فإنَّ عمليات البحث التقليدية وطرق الاكتشاف قد تستغرق أشهرا وربما سنوات للانتهاء منها، مقارنة بالخمس ساعات التي تستغرقها منهجية الفريق الذي يستعين بالذكاء الصناعي.
وحول التقنيات الجديدة المستخدمة في هذا المجال، يقول الدكتور جاسر سليمان الحربش، الرئيس التنفيذي لهيئة التراث السعودية: «يحلل الذكاء الصناعي، والتعلُّم الآلي قدرا هائلا من البيانات للمواقع الأثرية السعودية بسرعة مذهلة، لذلك ترحّب هيئة التراث السعودي بجهود «كاوست» لاستخدام أحدث التقنيات لدراسة تلك الهياكل الحجرية القديمة، وهو ما يساعدنا في معرفة المزيد عن وظيفتها وتوزيعها، وكذلك عن السكان القدامى الذين بنوها».
ولن تساعد التقنية في تسريع عملية الاستكشاف فقط، لكنها تقدم إجابة عن الأسئلة المطروحة عن الحجم، والمساحة، وأماكن توزيع بقايا الآثار القديمة، وأيضاً تسهم في معرفة إذا ما كان اكتشاف موقع وجود هيكل قديم في منطقةٍ ما، يعني احتمالية العثور على هيكل مشابه أو مرتبط به في منطقة مجاورة.

منافع أخرى
كما لا تتوقف المنافع التي تحققها تقنية التعلم الآلي العميق المستخدمة من قبل «كاوست» عند اكتشاف المناطق الأثرية فحسب، لكنها تساعد أيضا في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، من خلال الحفاظ على الإرث الفريد للدولة السعودية، بتوثيقه وتسليط الضوء عليه، فضلاً عن دعم قطاع السياحة. فهذه المنطقة المفتوحة في المملكة تمثل نموذجاً مثالياً لهذا النوع من التقنية، والذي يصلح للاستخدام في أماكن أخرى في المنطقة، لها ذات الخصائص المشابهة لسطح الأرض، التي تعرف بـ«الطوبوغرافيا» أو علم التضاريس. وفي هذا الصدد يمكن إطلاق مبادرة في هذا الشأن، تعزز استفادة علم الآثار من الذكاء الصناعي، ويصبح بإمكان علماء الآثار، وعلماء البيانات تبادل المعرفة في تخصصاتهم، لتحقيق نتائج واعدة على المستوى التطبيقي.
ويعني علم الآثار بدراسة كل النشاط الإنساني الذي قام به أسلافنا في مكان ما، خلال حقبة ما من الزمن. وقد يشمل هذا النشاط الأدوات التي صنعها الإنسان لمواجهة متطلبات الحياة، والأبنية التي أشادها، والنشاط الاجتماعي والاقتصادي الذي قام به، والنصوص المكتوبة وكل الأعمال الفنية والمعمارية والعلمية. كما اهتم علم الآثار كذلك بدراسة أصل الإنسان والحضارة مستعيناً بأحدث التقنيات التي تدرس أدق التفاصيل المتعلقة بحياة أسلافنا القدماء. وفي النصف الثاني من القرن العشرين برز مصطلح «علم الآثار الجديد» الذي يعنى بدراسة تنظيم الجماعات البشرية في داخل مناطقها ومعرفة بنيتها الاجتماعية بهدف ربط ذلك كله بنظام عام للسلوك الإنساني.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟
TT

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

ربما تتذكر وقتاً كنت فيه بحاجة إلى إجابة سريعة، لوصفة طبق للطعام، أو مشروع لتحسين بيتك.

من محرك «غوغل» إلى «جي بي تي»

قبل بضع سنوات، كانت غريزة معظم الناس الأولى هي البحث عن المعلومات على محرك «غوغل» للبحث، ومع ذلك، اليوم، مما كتب غاي يون تشونغ (*)، أصبح كثير من الناس أكثر ميلاً إلى استخدام «تشات جي بي تي (ChatGPT)»، أداة الذكاء الاصطناعي والمحادثة من شركة «أوبن إيه آي»، التي تغير الطريقة التي يبحث بها الناس عن المعلومات.

بدلاً من مجرد توفير قوائم بمواقع الويب، يُقدِّم «تشات جي بي تي» إجابات محادثة أكثر مباشرة.

مسألة الإبداع

ولكن هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» أن يفعل أكثر من مجرد الإجابة عن الأسئلة المباشرة؟ هل يمكنه بالفعل مساعدة الناس على أن يكونوا أكثر إبداعاً؟

إني أدرس التقنيات الجديدة وتفاعل المستهلكين مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شرعت أنا وزميلي بيونغ لي في استكشاف هذا السؤال: هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» مساعدة الناس حقاً على حل المشكلات بشكل إبداعي، وهل يؤدي هذا بشكل أفضل من محركات البحث التقليدية مثل «غوغل»؟

عبر سلسلة من التجارب في دراسة نُشرت في مجلة «نتشر-السلوك البشري (Nature Human Behaviour)»، وجدنا أن «تشات جي بي تي» يعزز الإبداع، خصوصاً في المهام العملية اليومية.

وإليك ما تعلمناه عن كيفية تغيير هذه التقنية للطريقة التي يحلُّ بها الناس المشكلات، ويتبادلون بها الأفكار ويفكرون بشكل إبداعي.

«جي بي تي» مبدع

«تشات جي بي تي» والمهام الإبداعية. تخيل أنك تبحث عن فكرة هدية إبداعية لابنة أخت في سِنِّ المراهقة. في السابق، ربما كنت تبحث على «غوغل» عن «هدايا إبداعية للمراهقين»، ثم تتصفح المقالات حتى تجد شيئاً يناسبك.

الآن، إذا سألت «تشات جي بي تي»، فإنه يولِّد استجابةً مباشرةً بناءً على تحليله للأنماط عبر الويب. قد يقترح مشروعاً مخصصاً أو تجربةً فريدةً من نوعها، وصياغة الفكرة في الوقت الفعلي.

لاستكشاف ما إذا كان «تشات جي بي تي» يتفوق على «غوغل» في مهام التفكير الإبداعي، أجرينا 5 تجارب، تعامل فيها المشاركون مع مهام إبداعية مختلفة.

توليد الأفكار

على سبيل المثال، قمنا بتعيين المشاركين بشكل عشوائي، إما لاستخدام «تشات جي بي تي» للمساعدة، أو استخدام بحث «غوغل»، أو توليد الأفكار بأنفسهم.

بمجرد جمع الأفكار، قام الحكام الخارجيون، الذين لا يدركون الشروط المخصصة للمشاركين، بتقييم كل فكرة من حيث الإبداع. قمنا بوضع متوسط ل​​درجات الحكام؛ بهدف توفير تصنيف إبداعي عام.

كانت إحدى المهام تتضمَّن تبادل الأفكار حول طرق إعادة استخدام العناصر اليومية، مثل تحويل مضرب تنس قديم وخراطيم الحديقة إلى شيء جديد. وطُلبت مهمة أخرى من المشاركين تصميم طاولة طعام مبتكرة. وكان الهدف هو اختبار ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد الناس على التوصل إلى حلول أكثر إبداعاً، مقارنة باستخدام محرك بحث على الويب أو مجرد خيالهم.

نتائج لصالح الذكاء التوليدي

وكانت النتائج واضحة: صنف الحكام الأفكار التي تم إنشاؤها بمساعدة «تشات جي بي تي» على أنها أكثر إبداعاً من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام عمليات البحث على «غوغل» أو دون أي مساعدة. ومن المثير للاهتمام أن الأفكار التي تم إنشاؤها باستخدام «تشات جي بي تي» - حتى دون أي تعديل بشري - سجَّلت درجات أعلى في الإبداع من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام «غوغل».

وكانت إحدى النتائج البارزة هي قدرة «تشات جي بي تي» على توليد أفكار إبداعية تدريجياً: تلك التي تعمل على تحسين أو البناء على ما هو موجود بالفعل. وفي حين أن الأفكار الجذرية حقاً قد لا تزال تشكل تحدياً للذكاء الاصطناعي، فقد تفوَّق «تشات جي بي تي» في اقتراح نهج عملي ومبتكر. على سبيل المثال، في تجربة تصميم الألعاب، توصَّل المشاركون الذين يستخدمون «تشات جي بي تي» إلى تصميمات خيالية، مثل تحويل مروحة متبقية وكيس ورقي إلى مروحة تعمل بطاقة الرياح.

حدود الإبداع في الذكاء الاصطناعي

تكمن قوة «تشات جي بي تي» في قدرته على الجمع بين المفاهيم غير ذات الصلة في استجابة متماسكة.

وعلى عكس «غوغل»، الذي يتطلب من المستخدمين غربلة الروابط وتجميع المعلومات معاً. يقدم «تشات جي بي تي» إجابةً متكاملةً تساعد المستخدمين على التعبير عن الأفكار وصقلها بتنسيق مصقول. وهذا يجعل «تشات جي بي تي» واعداً بوصفه أداةً إبداعيةً، خصوصاً للمهام التي تربط بين الأفكار المتباينة أو تولد مفاهيم جديدة.

من المهم ملاحظة، مع ذلك، أن «تشات جي بي تي» لا يولِّد أفكاراً جديدة حقاً. إنه يتعرَّف على الأنماط اللغوية ويجمعها من بيانات التدريب الخاصة به، وبالتالي يولِّد مخرجات بتسلسلات أكثر احتمالية بناءً على تدريبه. إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين فكرة موجودة أو تكييفها بطريقة جديدة، فيمكن أن يكون «تشات جي بي تي» مورداً مفيداً. ومع ذلك، بالنسبة لشيء مبتكر، لا يزال الإبداع والخيال البشري ضروريَّين.

بالإضافة إلى ذلك، في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» توليد اقتراحات إبداعية، فإنها ليست عملية دائماً أو قابلة للتطوير دون مدخلات الخبراء. تتطلب خطوات مثل الفحص، وفحص الجدوى، والتحقق من الحقائق، والتحقق من السوق خبرة بشرية. ونظراً لأن استجابات «تشات جي بي تي» قد تعكس تحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها، فيجب على الأشخاص توخي الحذر في السياقات الحساسة مثل تلك التي تنطوي على العرق أو الجنس.

كما اختبرنا ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد في المهام التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تتطلب التعاطف، مثل إعادة استخدام العناصر العزيزة على أحد الأحباء. ومن المدهش أن «تشات جي بي تي» عزَّز الإبداع حتى في هذه السيناريوهات، حيث أدى إلى توليد أفكار وجدها المستخدمون ذات صلة، ومدروسة.

وتتحدى هذه النتيجة الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه المساعدة على المهام التي تحركها العواطف.

مستقبل الذكاء الاصطناعي والإبداع

مع ازدياد إمكانية الوصول إلى «تشات جي بي تي» وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، فإنها تفتح إمكانات جديدة للمهام الإبداعية. سواء في مكان العمل أو في المنزل، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الشحذ الذهني وحل المشكلات وتعزيز المشروعات الإبداعية.

ومع ذلك، يشير بحثنا أيضاً إلى الحاجة إلى الحذر: في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» تعزيز الإبداع البشري، فإنه لا يحلُّ محلَّ القدرة البشرية الفريدة على التفكير الجذري حقاً خارج الإطار المألوف.

يمثل هذا التحول من البحث على «غوغل» إلى سؤال «تشات جي بي تي»، أكثرَ من مجرد طريقة جديدة للوصول إلى المعلومات. إنه يمثل تحولاً في كيفية تعاون الناس مع التكنولوجيا للتفكير والإبداع والابتكار.

* أستاذ مساعد في إدارة الأعمال بجامعة رايس الأميركية - مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً