فلورنسا تنفض غبار الماضي وتبني أحدث دار للأوبرا في إيطاليا

تجديد مسرح «لابيرغولا» القديم مع الاحتفاظ بطابعه التاريخي

داخل دار الأوبرا الحديثة
داخل دار الأوبرا الحديثة
TT

فلورنسا تنفض غبار الماضي وتبني أحدث دار للأوبرا في إيطاليا

داخل دار الأوبرا الحديثة
داخل دار الأوبرا الحديثة

أخيرا حظيت فلورنسا بلد النهضة الأوروبية ومنشأ اللغة الإيطالية بأحدث وأفخم دار للأوبرا في إيطاليا وربما القارة الأوروبية بأجمعها. تحاول مدينة فلورنسا الجميلة إعطاء صورة حديثة عن نفسها لأنها كانت تعرف بأنها المدينة - المتحف في إيطاليا وأزقتها القديمة تعرض لك التاريخ والفن والذوق الرفيع، وحتى هتلر امتنع عن إعطاء قواته الأمر بضرب جسرها العتيق حتى لا تصاب كنوز الفن المعروضة في المتحف المجاور له. كان رئيس الوزراء الحالي ماتيو رينزي عمدة المدينة وقرر تجديد شكل المدينة بمناسبة مرور 150 سنة على إنشاء الوحدة الإيطالية، ومن أهم إنجازاته بناء دار للأوبرا على أحدث طراز وتجديد مسرح «لابيرغولا» القديم مع الاحتفاظ بطابعه التاريخي والحبال التي يشدونها باليد لافتتاح شاشة العرض على طريقة القرن الثامن عشر.
وجه ليوناردو فيراغامو الدعوة باسم شركاء مؤسسة قصر ستروتزي العريق المعروف بالمعارض الفنية المميزة، وهو صاحب دار الأزياء الشهيرة ومقره في قصر تاريخي في وسط فلورنسا وله اهتمام بترويج اسم المدينة كمركز للإبداع لأن انتشار المسرحيات الغنائية بدأ فيها في قصور النبلاء وكانت تعرض في حدائقهم الواسعة منذ أيام كلاوديو مونتيفيردي (1567 - 1643) أبي الأوبرا في أوائل القرن السابع عشر الذي بدأ بأوبرا «أورفيو» البطل اليوناني في العصور الغابرة في محاولة لأحياء المسرح كما عرفه الإغريق.
عرضت في قصر ستروتزي في السنوات الأخيرة معارض فنية عن لوحات سيزان والصين والنساء القويات في التاريخ والعالم غاليليو والرسام دي كيريكو وبيكاسو ودالي والجمال والمال وأصحاب البنوك وربيع عصر النهضة والفن الإيطالي بعد الفاشية والأميركان في فلورنسا منذ اكتشاف أميركا على يد أحد أبنائها أميركو فيسبوتشي. وستعرض في سبتمبر (أيلول) القادم أعمال هامة للرسامين فان غوخ وشاغال وفونتانا في معرض خاص يسمى «الجمال الإلهي».
تتسع الصالة الكبيرة في دار أوبرا فلورنسا الجديدة التي افتتحت العام الماضي إلى ألفي متفرج ووضوح السماع فيها مدهش ومبني على آخر ما وصل إليه علم الصوت. أضحت الآن أيضا مقرا للفرقة الموسيقية الشهيرة المسماة «ماجيو موزيكاليه فيورنتينو» التي يقودها المايسترو المشهور ذو الأصل الهندي زوبين مهتا. تتناوب الحفلات الموسيقية وعروض الأوبرا في الدار الجديدة ففي الشهر الحالي مثلا تعرض أوبرا الموسيقار الفرنسي ديبوسي «بيلياس وميليزاند» وفي أسبوع آخر مؤلفات الموسيقار الروسي سترافمسكي مثل «العرس» يلي ذلك السيمفونية الثانية لماهلر «البعث» بقيادة المايسترو الإيطالي العالمي دانييل غاتي.
المهم في فلورنسا هو النوعية الجيدة من الأكل إلى اللباس إلى الموسيقى فعازفو البيانو الذين قدموا حفلاتهم هذا الموسم هم من كبار العازفين المعروفين في العالم أمثال: مورتزيو بوليني وكريستيان زيمرمان وافجيني كيسن وماريا جواو بيريز واندراس شيف ولانغ لانغ وموري بيرايا، وكنا محظوظين لرؤية آخر أولئك العمالقة فحضرنا حفلة غريغوري سوكولوف المولود عام 1950 والشهير في الاتحاد السوفياتي إنما لم يكن معروفا في العالم حتى أواخر ثمانينات القرن المنصرم.
يعرف ذواقة الموسيقى الكلاسيكية أهمية سوكولوف لأن حفلاته تتميز بالتعبير البديع لموسيقى البيانو التي لا يمكن مقارنتها مع سماع نفس القطع مسجلة على الأسطوانات المدمجة بالطريقة الرقمية التي تفقدها بعضا من بهجتها وإيقاعها الداخلي الذي يوحي بالألفة والدفء. شعرنا أثناء سماع موسيقى باخ وبيتهوفن وشوبرت بالشاعرية التي يتقن سوكولوف التعبير عنها رغم كبره في السن فحين تتصاعد الألحان من بين يديه تشعر وكأن له تأثير التنويم المغناطيسي في طريقته العفوية للعزف. كان الانسجام والتقدير المتبادل بين العازف والجمهور مدهشا فقرر سوكولوف إهداء الجمهور مقطوعات إضافية بعد انتهاء الحفل وكان رد الحضور بالتصفيق الحار المتواصل ملهما للعازف بالاستمرار في عزف القطع الإضافية وكأنه يقيم حفلة خاصة في بيته لمجموعة من الأصدقاء، واستمر في حماسه وكرمه مضيفا نصف ساعة لم يتوقعها الجمهور الطرب.
يقع مسرح لابيرغولا التاريخي العريق في وسط فلورنسا في إحدى الحارات الضيقة وجرى افتتاحه عام 1657 أيام حكم عائلة ميديتشي النبيلة للمدينة، وكان في ذلك الزمان مثالا لطريقة بناء المسرح على الطريقة الإيطالية فله خشبة مسرح بيضاوية شبه دائرية ومقصورات خاصة على الجانبين ومقاعد للمتفرجين في الطابق الأرضي والعلوي ويتسع لـ1350 متفرجا. كانت لهذا المسرح سمعة كبيرة واختاره الموسيقار المعروف جيوسيبي فيردي لتقديم العرض الأول لأوبرا «ماكبث» التي اقتبسها عن مسرحية شكسبير وقاد الأوركسترا بنفسه، وقد رأينا خلال جولتنا في المسرح الكرسي الخشبي الذي جلس عليه فيردي لقيادة الفرقة الموسيقية، كما رأينا الحبال القديمة التي ما زالت تستعمل حتى الآن لافتتاح الستارة إذ يتطلب ذلك جهد ستة عاملين في المسرح من أصحاب العضلات القوية أو المدربين على استخدام وشد حبال السفن الشراعية.
استعمل مسرح لابيرغولا أيام موسوليني وحكم الفاشية كصالة كبيرة للرقص وأحيانا للمصارعة للتدليل على قوة المنتسبين للحزب الفاشي وذلك برفع مستوى الصالة إلى مستوى خشبة المسرح بطريقة تقليدية يستخدمون فيها عددا من الحمير والبغال لتدوير الرافعات الخشبية في قبو المسرح. أما اليوم فقد اقتصرت نشاطات المسرح بعد تجديده قبل سنتين على العروض المسرحية الرفيعة فجرى خلال الموسم الحالي عرض مسرحية «تارتوف» لموليير و«هنري الرابع» لبيرانديللو و«سيمفونية الخريف» لانغمار بيرغمان و«فجأة خلال الصيف الماضي» لتينيسي ويليامز و«مهنة السيدة وارين» لجورج برنارد شو و«حياة غاليليو» لبرتولد بريخت التي اختتمت الموسم الحالي. ستعرض في الموسم الصيفي هذا الشهر مسرحية جديدة بعنوان «عودة كازانوفا» للكاتب المسرحي والقصاص النمساوي آرثر شنيتزلر (1862 - 1931) ألفها في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 حول المغامر وزير النساء كازانوفا حين بلغ الثالثة والخمسين من العمر وعزف عن المغامرة بعد هربه من السجن في فينيسيا (البندقية).
نفضت فلورنسا عن نفسها غبار الماضي وجددت تراثها الثقافي المسرحي والأوبرالي فهي تستعد لاستقبال ملايين السياح ومحبي الفن. يقول كارلو فورتيس المسؤول عن دار الأوبرا في روما «الأوبرا في إيطاليا تمثل بامتياز كل المحاسن والمساوئ الموجودة في البلد فهي تعرض جمال إيطاليا وتعتبر عالميا أنجح المحاولات الفنية التي نفتخر بها».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.