أفغانستان: الفقر والمرض يستفحلان بعد عام من حكم طالبان

أشخاص خارج جناح الكوليرا في مستشفى منطقة موسى قلعة بهلمند (أ.ف.ب)
أشخاص خارج جناح الكوليرا في مستشفى منطقة موسى قلعة بهلمند (أ.ف.ب)
TT

أفغانستان: الفقر والمرض يستفحلان بعد عام من حكم طالبان

أشخاص خارج جناح الكوليرا في مستشفى منطقة موسى قلعة بهلمند (أ.ف.ب)
أشخاص خارج جناح الكوليرا في مستشفى منطقة موسى قلعة بهلمند (أ.ف.ب)

منذ أن استحوذت طالبان على السلطة في أفغانستان في 15 أغسطس (آب) 2021، بعد انسحاب القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة، تعاظمت الأزمة الإنسانية في البلاد بسرعة، رغم أنّ أعمال العنف التي تلت الانسحاب انخفضت بشكل ملحوظ، فوصل الفقر الذي يبدو أكثر حدة في جنوب البلاد، إلى مستويات بائسة تفاقمت بسبب الجفاف وارتفاع الأسعار منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسيّة.
قالت امرأة تجلس على سرير في مستشفى في لشكركاه عاصمة إقليم هلمند، بجوار حفيدها الذي يبلغ من العمر ستة أعوام ويعاني من سوء التغذية: «منذ وصلت الإمارة (طالبان) إلى السلطة، لا يمكننا الحصول حتّى على الزّيت».
وأضافت المرأة البالغة 35 عاماً التي يغطّي الوشاح وجهها بالكامل: «الفقراء يُسحقون تحت أقدامهم»؛ في إشارة إلى حركة طالبان.
يتلقى حفيدها العلاج للمرة الخامسة في مستشفى بوست، وهي مجموعة من المباني تديرها وزارة الصحة الأفغانية ومنظمة أطباء بلا حدود بشكل مشترك.
قالت بريشنا والدة مريضة أخرى: «حتّى الخبز لا يمكننا إيجاده»، وأضافت: «ليس لدينا ما نأكله منذ ثلاثة أو أربعة أيام».
وأكّدت هوميرا نوروزي، المشرفة المساعدة على الممرّضين، أنّ الموظفين «لا يرتاحون»، مضيفة: «لدينا الكثير من المرضى الذين يأتون في حالة حرجة»، لأنّ الأهالي لم يتمكّنوا من القدوم في وقت أبكر من ذلك، وقالت هوميرا التي تصرخ لإسماع صوتها وسط بكاء الرُضّع: «لا نعرف عدد الوفيات في الأقاليم الأخرى لأنّ الكثير من الأشخاص لا يأتون إلى المستشفى».
تساءلت روكسانا شابور التي تعمل في «شبكة محلّلي أفغانستان» (AAN): «كيف يمكن تقديم المساعدة إلى بلد غير مُعترف بحكومته»؟
وأشارت شابور إلى أنّ المساعدات الإنسانية في مواجهة الأزمات مثل الزلزال الذي ضرب البلاد في يونيو (حزيران) وأودى بحياة أكثر من ألف شخص، وشرّد مئات الآلاف، تعدّ أمراً بسيطاً لأنّها معونة «غير سياسية، إنها مساعدة حيوية»، إضافة إلى ذلك، يتمّ إرسال الأموال جواً لتمويل المساعدات الغذائية والرعاية الصحية، ولكن المساعدات للمشاريع طويلة الأجل تعدّ أكثر تعقيداً.
وقالت روكسانا شابور: «إذا أتيتم إلى البلاد وقلتم إنّكم تريدون دفع جميع رواتب المعلّمين، فلا بأس بذلك»، مضيفة: «ولكن ماذا ستفعل طالبان بالمال الذي لن تنفقه على رواتب المعلّمين»؟
تمثّل القاعات المزدحمة في المستشفى المتداعي في منطقة موسى قلعة في جنوب أفغانستان، أحد رموز الأزمة الإنسانية المأساوية التي تعصف بالبلاد، بعد عام على عودة حركة طالبان إلى السلطة.
الشهر الماضي، اضطر هذا المستشفى الواقع في إقليم هلمند إلى إقفال أبوابه، إلا للأشخاص الذين يشتبه بإصابتهم بالكوليرا.
سرعان ما اكتظ المستوصف بالمرضى الواهنين، فرغم أنّه لا يملك المعدّات اللازمة لتشخيص الإصابة بالكوليرا، فإنّه استقبل نحو 550 مريضاً في غضون أيام.
يبدو رئيس المستشفى إحسان الله رودي مرهقاً، لا سيما أنه لا ينام سوى خمس ساعات في اليوم منذ بدء توافد المرضى، قال لوكالة الصحافة الفرنسيّة: «هذا صعب جداً»، وأضاف: «لم نشهد ذلك في العام الماضي، ولا في أي وقت سابق».
في موسى قلعة، يقتصر النشاط الاقتصادي على تصليح دراجات نارية وبيع الدجاج ومشروبات الطاقة المحفوظة في برادات قذرة.
قالت ميمنة التي تعالج ابنتها آسيا البالغة من العمر ثمانية أعوام في موسى قلعة: «الآن، يمكننا أن نذهب إلى المستشفى، ليلاً أو نهاراً»، وأضافت: «سابقاً، كانت هناك معارك وألغام، وكانت الطرقات مقطوعة».
يرى مدير الصحة العامة في هلمند سيد أحمد، أنّ تدفّق المرضى الجدد يعني أنّ هناك «أماكن أقل» و«هناك عدد أقل من الموظفين، وبالتالي هناك صعوبات».
مع ذلك، يصرّ هذا الطبيب على أنّ «الوضع العام بات أفضل» مما كان عليه في ظل الحكومة السابقة، حيث كان الفساد مستشرياً.
يقول رجل من لشكركاه، فضل عدم الكشف عن هويته: «ليسوا على قدر مسؤولية الحكم» في إشارة إلى حركة طالبان.
بدأت المحنة الاقتصادية في أفغانستان قبل وقت طويل من استحواذ طالبان على السلطة، ولكن وصول طالبان إلى الحكم دفع البلد الذي يبلغ عدد سكانه 38 مليون نسمة إلى حافة الهاوية.
جمّدت الولايات المتحدة سبع مليارات دولار من أصول البنك المركزي، كما انهار القطاع المصرفي، وتوقفت المساعدات الخارجية التي تمثّل 45 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد.


مقالات ذات صلة

غوتيريش: أفغانستان أكبر مأساة إنسانية في العالم

العالم غوتيريش: أفغانستان أكبر مأساة إنسانية في العالم

غوتيريش: أفغانستان أكبر مأساة إنسانية في العالم

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، أن الوضع في أفغانستان هو أكبر كارثة إنسانية في العالم اليوم، مؤكداً أن المنظمة الدولية ستبقى في أفغانستان لتقديم المساعدة لملايين الأفغان الذين في أمّس الحاجة إليها رغم القيود التي تفرضها «طالبان» على عمل النساء في المنظمة الدولية، محذراً في الوقت نفسه من أن التمويل ينضب. وكان غوتيريش بدأ أمس يوماً ثانياً من المحادثات مع مبعوثين دوليين حول كيفية التعامل مع سلطات «طالبان» التي حذّرت من استبعادها عن اجتماع قد يأتي بـ«نتائج عكسيّة». ودعا غوتيريش إلى المحادثات التي تستمرّ يومين، في وقت تجري الأمم المتحدة عملية مراجعة لأدائها في أفغانستان م

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
العالم «طالبان» ترفض الادعاء الروسي بأن أفغانستان تشكل تهديداً أمنياً

«طالبان» ترفض الادعاء الروسي بأن أفغانستان تشكل تهديداً أمنياً

رفضت حركة «طالبان»، الأحد، تصريحات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي زعم أن جماعات مسلحة في أفغانستان تهدد الأمن الإقليمي. وقال شويغو خلال اجتماع وزراء دفاع منظمة شنغهاي للتعاون يوم الجمعة في نيودلهي: «تشكل الجماعات المسلحة من أفغانستان تهديداً كبيراً لأمن دول آسيا الوسطى». وذكر ذبيح الله مجاهد كبير المتحدثين باسم «طالبان» في بيان أن بعض الهجمات الأخيرة في أفغانستان نفذها مواطنون من دول أخرى في المنطقة». وجاء في البيان: «من المهم أن تفي الحكومات المعنية بمسؤولياتها». ومنذ عودة «طالبان» إلى السلطة، نفذت هجمات صاروخية عدة من الأراضي الأفغانية استهدفت طاجيكستان وأوزبكستان.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
العالم جهود في الكونغرس لتمديد إقامة أفغانيات حاربن مع الجيش الأميركي

جهود في الكونغرس لتمديد إقامة أفغانيات حاربن مع الجيش الأميركي

قبل أن تتغير بلادها وحياتها بصورة مفاجئة في عام 2021، كانت مهناز أكبري قائدة بارزة في «الوحدة التكتيكية النسائية» بالجيش الوطني الأفغاني، وهي فرقة نسائية رافقت قوات العمليات الخاصة النخبوية الأميركية في أثناء تنفيذها مهام جبلية جريئة، ومطاردة مقاتلي «داعش»، وتحرير الأسرى من سجون «طالبان». نفذت أكبري (37 عاماً) وجنودها تلك المهام رغم مخاطر شخصية هائلة؛ فقد أصيبت امرأة برصاصة في عنقها، وعانت من كسر في الجمجمة. فيما قُتلت أخرى قبل وقت قصير من سقوط كابل.

العالم أفغانيات يتظاهرن ضد اعتراف دولي محتمل بـ«طالبان»

أفغانيات يتظاهرن ضد اعتراف دولي محتمل بـ«طالبان»

تظاهرت أكثر من عشرين امرأة لفترة وجيزة في كابل، أمس، احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بحكومة «طالبان»، وذلك قبل يومين من اجتماع للأمم المتحدة، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. وسارت نحو 25 امرأة أفغانية في أحد شوارع كابل لمدة عشر دقائق، وردّدن «الاعتراف بـ(طالبان) انتهاك لحقوق المرأة!»، و«الأمم المتحدة تنتهك الحقوق الدولية!».

«الشرق الأوسط» (كابل)
العالم مظاهرة لأفغانيات احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بـ«طالبان»

مظاهرة لأفغانيات احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بـ«طالبان»

تظاهرت أكثر من 20 امرأة لفترة وجيزة في كابل، السبت، احتجاجاً على اعتراف دولي محتمل بحكومة «طالبان»، وذلك قبل يومين من اجتماع للأمم المتحدة. وسارت حوالي 25 امرأة أفغانية في أحد شوارع كابل لمدة عشر دقائق، ورددن «الاعتراف بطالبان انتهاك لحقوق المرأة!» و«الأمم المتحدة تنتهك الحقوق الدولية!». وتنظم الأمم المتحدة اجتماعاً دولياً حول أفغانستان يومَي 1 و2 مايو (أيار) في الدوحة من أجل «توضيح التوقّعات» في عدد من الملفات. وأشارت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد، خلال اجتماع في جامعة برينستون 17 أبريل (نيسان)، إلى احتمال إجراء مناقشات واتخاذ «خطوات صغيرة» نحو «اعتراف مبدئي» محتمل بـ«طالبان» عب

«الشرق الأوسط» (كابل)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.