سمير جريس: مع كل عمل يتقلص يقيني بشأن الترجمة المُثلى

الفائز بجائزة الملك عبد الله العالمية للترجمة لا يزال يتعلم من مشكلاتها

المترجم سمير جريس
المترجم سمير جريس
TT

سمير جريس: مع كل عمل يتقلص يقيني بشأن الترجمة المُثلى

المترجم سمير جريس
المترجم سمير جريس

بعد مسيرة متنوعة لنحو 40 عاماً في حقل الترجمة من اللغة الألمانية إلى العربية، وفي فروع الأدب المختلفة، حصل المترجم المصري سمير جريس أخيراً على جائزة الملك عبد الله العالمية للترجمة، والذي يعدّها تتويجاً لمسار طويل قطعه في هذا المجال.
يقيم جريس في ألمانيا منذ سنوات، ويرى الترجمة رحلة شاقة وممتعة. ومن أبرز ترجماته «عازفة البيانو» لإلفريده يلينك الحائزة على جائزة نوبل عام 2004، «الوعد» لفريدريش دورنمات، و«دون جوان» للكاتب النمساوي بيتر هاندكه الحائز جائزة نوبل 2019، و«الكونترباص» لباتريك زوسكيند، وصدرت له أخيراً ترجمة «اكتشاف البطء» لستن نادولني. هنا حوار معه حول الجائزة ومشاكل الترجمة.

غلاف مسرحية «الكونترباص»

> صدر لك نحو 40 عملاً مترجماً من الألمانية، كيف تتأمل بنظرة بانورامية تلك الرحلة والرصيد الحافل منذ بواكير ترجماتك إلى اليوم؟
- هي بالفعل رحلة حافلة، شاقة وممتعة في آن واحد. كانت بدايتها في أواخر الثمانينات محبطة جداً، عندما تقدمت بأول مجموعة قصصية من ترجمتي إلى هيئة الكتاب المصرية بالقاهرة، وحتى الآن ما زالت ترقد في غياهب أدراج الهيئة العتيقة، رغم الموافقة على نشرها، كانت هذه البداية المحبطة كفيلة بأن أتوقف عن الترجمة. لكني لم أفعل، وبدأت أعد مجموعة قصص أخرى لفولفجانج بورشرت، وأخرى لهاينريش بُل (نوبل 1972)، وقد تعطل نشر المجموعتين أيضاً سنوات طويلة.
في تلك الفترة انتقلت لأواصل دراسة علم الترجمة في جامعة ماينتس. وكانت فترة الدراسة في ألمانيا فترة خصبة جداً بالنسبة إليّ، حيث تعرفت على نظريات الترجمة المختلفة، وتعمقت في دراسة مشاكل الترجمة الأدبية نظرياً وعملياً، واستفدت كثيراً من عدد كبير من المراجع المكتوبة بالألمانية، ومنها الدراسة التي كتبها بالألمانية عبده عبود عن «تلقي الرواية الألمانية في المنطقة العربية»، ونال بها درجة الدكتوراه من جامعة فرانكفورت. فيها قام عبود بعمل مسح شامل للروايات الألمانية التي ترجمت للعربية من أوائل القرن العشرين حتى عام 1975، وقدم تقييماً نقدياً للترجمات.


غلاف «شتيلر» لـماكس فريش

تعلمت من هذه الدراسة النقد الموضوعي للترجمات. ثم اختتمت دراستي في جامعة ماينتس برسالة نلت عنها درجة الماجستير بتقدير امتياز، وكان عنوانها «إشكاليات ترجمة الأدب الألماني إلى اللغة العربية - هاينريش بـُل مثالاً»، وفيها ترجمت قصة طويلة نسبياً لهاينريش بُل بعنوان «ميزان آل باليك»، ثم قمت بعرض وتحليل للمشاكل التي تعترض المترجم العربي عند نقلها من الألمانية، وقدمت اقتراحات لمواجهة هذه المشاكل. ولعل هذه الرسالة هي حجر الأساس في كل عملي اللاحق في مجال الترجمة الأدبية.
> قدمت أعمالاً من ألمانيا والنمسا وسويسرا للقارئ العربي، كيف تختار أعمالك، هل تحكمها ذائقتك الأدبية فقط، أم أن هناك معايير أخرى تراعيها في اختياراتك؟
- معاييري في الاختيار يختلط فيها الشخصي بالموضوعي. أحاول البحث عن أعمال ذات صبغة إنسانية عامة (مثل مسرحية «مدرسة المستبدين» لإيريش كستنر، ورواية «حياة» لديفيد فاجنر)، أو أعمال لها أهميتها أو شهرتها في السياق الألماني، وأراها جديرة بأن يتعرف إليها القارئ العربي (مثل رواية «عازفة البيانو» للحائزة نوبل إلفريده يلينك ورواية «دون جوان» لبيتر هاندكه الحاصل على نوبل 2019، والنوفيلا النفسية «حلم» لأرتور شنيتسلر، ورواية «اكتشاف البطء» لستن نادولني)، أو لأنها حققت نقلة فنية أو أسلوبية وبالتالي كانت لها أهمية نقدية (مثل «مونتاوك» و«شتيلر» لماكس فريش)، أو لأنني أرى أن هذا العمل يثير اهتمام القارئ العربي (مثلاً «الحيوان الباكي» لميشائيل كليبرج والذي يتحدث فيه عن رحلته إلى لبنان وعلاقته بالشاعر عباس بيضون). وأحياناً أود أن أنقل عملاً لكاتب يجهله القارئ العربي (مثل توماس برنهارد وكتابه «صداقة»). كما أنني أهتم بأعمال الكتاب من ألمانيا الشرقية سابقاً؛ لأنها تعالج قضايا الديكتاتورية والتحول الديمقراطي، وهي قضايا ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلينا في المنطقة العربية. لهذا؛ قمت بترجمة رواية «قصص بسيطة» للكاتب إنجو شولتسه. وأخيراً، قد تكون متعة قراءة نص جيد هي الدافع للترجمة؛ كان هذا هو السبب في قيامي بترجمة أعمال مثل «الكونترباص» لباتريك زوسكيند و«العطل» و«الوعد» لفريدريش دورنمات.
> طرقت باب ترجمة باتريك زوسكند الشهير بـ«العطر» عبر «الكونترباص»، ما الذي جذبك في هذا النص؟
- قرأت «العطر» لزوسكيند بترجمة نبيل الحفار وأعجبت بها مثل ملايين من القراء في العالم كله. وفي مطلع التسعينات قدم أحد مسارح مدينة كولونيا مونودراما «الكونترباص»، فذهبت إلى لمشاهدتها، ولم أكن قرأت النص بعد.
وهناك انبهرت بهذه المسرحية، ثم قرأت النص، فزاد افتتاني به، بل اقتنيت المسرحية مسجلة على «سي دي» واستمعت إليها مرات عدة، حتى كدت أحفظ مقاطع بأكملها.
مع «الكونترباص» (1980) بدأ نجاح زوسكيند الذي جرب قلمه في أعمال نثرية عدة لم تجد من ينشرها. وقد جذبني إليها قدرته على مخاطبة الإنسان في كل مكان؛ لأن «عازفه» يجعلنا ندرك أن مشاكله الشخصية والمهنية في الأوركسترا هي صورة لمشاكلنا نحن، فالأوركسترا – بترتيبه الهرمي، وكما يقول العازف الذي يجهل المشاهد اسمه – «صورة طبق الأصل من المجتمع البشري».
> رغم القصر النسبي لنص «الكونترباص»، فإنه يحتشد بمصطلحات وآلات وسياقات موسيقية شديدة التخصص. كيف تعاملت مع تلك الخصوصية في الترجمة؟
- أشكرك على الالتفات إلى هذه التفصيلة التي تغيب عن كثيرين. في الحقيقة كانت تلك إحدى أكبر العقبات في ترجمة «الكونترباص»، ثم فيما بعد في ترجمة رواية «عازفة البيانو» لإلفريده يلينك. كثير من المصطلحات الموسيقية الواردة في «الكونترباص» لا وجود لها في القواميس الشائعة، وكان عليّ أن أبحث عن معناها بالفرنسية أو الإنجليزية، ثم ترجمتها عبر هذه اللغات الوسيطة. بعد أن فعلت ذلك، لم أكن مطمئناً تماماً، وبحثت عن متخصص في الموسيقى أراجع معه هذه المصطلحات.
وسألت عدداً من الأصدقاء، وأعطاني أحدهم رقم تليفون الدكتورة سمحة الخولي، العميدة السابقة لمعهد الكونسرفتوار في القاهرة. اتصلت بالمؤرخة الموسيقية الجليلة وكلي خجل، وعندما ردت عليّ، شرحت لها أنني ترجمت عملاً يحفل بالمصطلحات الموسيقية، وأنني أود التأكد منها من صحة الترجمة. فرحّبت ترحيباً كبيراً، ولم تبخل عليّ بالشرح والتفسير والتصحيح، كانت سخية إلى أقصى حد، كانت، رحمها الله، نموذجاً للعالم المعطاء الذي يرى رسالته في نشر علمه على الناس دون مقابل.
> يتسع «فهرس بعض الخسارات» للتاريخ والعلم والخيال، كيف كانت انطباعاتك عن ترجمة كتاب يوديت شالانسكي وفلسفة هذا التجربة؟
- هذا الكتاب من التجارب الممتعة في الترجمة، وكذلك من أشقها. هو كتاب فريد، يمزج الوقائعَ التاريخية والعلمية بالخيال الروائي، وفيه تقدم يوديت شالانسكي وجوهاً مختلفة لتراجيديا الفناء والزوال.
والحقيقة، على قدر بهجتي بهذه التجربة، كان حزني على مصير الترجمة. لقد انتهيت منها مطلع عام 2020، لكنها لم تصدر إلا في ربيع هذا العام قبيل معرض أبوظبي للكتاب. الكتاب يبدو كالشبح، لا يجده أي شخص في أي مكتبة، لا في مصر ولا خارجها. وهذا شيء محزن للغاية الحقيقة.
> عادةً ما تكون عين المترجم على النقل الأمين وجودة الترجمة من جهة وفنون الأسلوب واللغة من جهة أخرى، كيف تتحرك بين هذين الهامشين بما يدعك مطمئناً في النهاية للترجمة التي تحمل توقيعك؟
- لخصت بسؤالك إشكالية مهمة من إشكاليات الترجمة، بين الوفاء للأصل، وبين مراعاة مقتضيات اللغة الهدف.
المترجم مثل لاعب السيرك، عليه أن يسير على هذين الحبلين، ويتوازن، فلا ينبغي في رأيي أن يكون نقله أميناً إلى الدرجة التي تشعر فيها في كل سطر أنك أمام نص مترجم، بل ركيك يحاكي أحياناً بنية اللغة الأصلية، وفي الوقت نفسه عليه أن يحرص على ألا تضيع كل سمات النص الأصلي، فيصبح مسخاً بلا روح. هي إشكالية كبيرة، وكل مترجم يحاول أن «يتوازن» على الحبلين بطريقته.
> بعد مسيرة طويلة من العمل الاحترافي للترجمة، هل ترى أن مشكلات الترجمة تتقلص، أم أنها تفتح مع الوقت والتجربة مزيداً من الأسئلة التي تخص اللغة والسياق الثقافي والفني؟
- الترجمة من الأعمال التي كلما مارستها، تعرفت على مزيد من إشكالياتها. ومع كل عمل، يتقلص يقيني بشأن «الترجمة المثلى». بالطبع يكتسب المترجم خبرة تمكنه من تجاوز عديداً من العوائق، لكن المترجم –وأتكلم هنا عن نفسي - يزداد وعياً بمدى عجزه عن نقل كل شيء إلى اللغة الأخرى، فهكذا، بمرور السنين يزداد وعيي بما يفقده النص الأصلي خلال الترجمة. لكن هذا شيء في صميم عملية الترجمة، لذلك أطلق عليها الكاتب وعالم اللغويات الإيطالي أمبرتو إيكو «عملية تفاوض»، لا يمكن أن تحصل خلالها على كل شيء، بل يجب أن تتخلى عن شيء، لتكسب شيئاً آخر.
> حصلت على عدد من الجوائز آخرها جائزة «الملك عبد الله العالمية للترجمة»... ماذا تعني لك هذه الجائزة؟
- شعرت بغبطة كبيرة عندما أُعلن عن فوزي بهذه الجائزة التي تعدّ تتويجاً لمساري الطويل في الترجمة. لقد حصلت قبلها – مثلما أشرت - على جوائز عدة، إلا أنها كانت دائماً عن ترجمة عمل معين، وهذه هي الجائزة الأولى التي تكرّم منجزي كله، وتثمن، مثلما جاء في حيثيات منح الجائزة، جهودي في تشييد الجسور بين الثقافتين العربية والألمانية، وهو أمر أبهجني جدا.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

دراسة ترجّح عدم احتواء كوكب الزهرة على المحيطات إطلاقاً

نموذج ثلاثي الأبعاد لسطح كوكب الزهرة تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر من قبل وكالة «ناسا» يظهر بركان سيف مونس الذي يظهر علامات نشاط مستمر في هذه الصورة المنشورة دون تاريخ (رويترز)
نموذج ثلاثي الأبعاد لسطح كوكب الزهرة تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر من قبل وكالة «ناسا» يظهر بركان سيف مونس الذي يظهر علامات نشاط مستمر في هذه الصورة المنشورة دون تاريخ (رويترز)
TT

دراسة ترجّح عدم احتواء كوكب الزهرة على المحيطات إطلاقاً

نموذج ثلاثي الأبعاد لسطح كوكب الزهرة تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر من قبل وكالة «ناسا» يظهر بركان سيف مونس الذي يظهر علامات نشاط مستمر في هذه الصورة المنشورة دون تاريخ (رويترز)
نموذج ثلاثي الأبعاد لسطح كوكب الزهرة تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر من قبل وكالة «ناسا» يظهر بركان سيف مونس الذي يظهر علامات نشاط مستمر في هذه الصورة المنشورة دون تاريخ (رويترز)

رجّحت دراسة جديدة أنه ربما لم يستضف كوكب الزهرة محيطات على سطحه قط.

على الرغم من الجدل العلمي الذي احتدم لسنوات حول تاريخ كوكب الزهرة وما إذا كان يحتوي على محيطات سائلة، فإن بحثاً جديداً أجراه علماء الكيمياء الفلكية من جامعة كامبريدج يشير إلى أن الكوكب كان جافاً دائماً، وفق ما نقلته شبكة «سكاي نيوز».

صورة من مركبة الفضاء «ماجلان» التابعة لوكالة «ناسا» ومسبار «بايونير فينوس» تظهر كوكب الزهرة (رويترز)

يقول مؤلفو التقرير تيريزا كونستانتينو وأوليفر شورتل وبول ب. ريمر: «تم اقتراح تاريخين مختلفين للغاية للمياه على كوكب الزهرة: أحدهما حيث كان لكوكب الزهرة مناخ معتدل لمليارات السنين مع وجود مياه سائلة على السطح، والآخر حيث لم يتمكن كوكب الزهرة الساخن المبكر من تكثيف المياه السائلة على سطحه».

قام مؤلفو التقرير بوضع نموذج للتركيب الكيميائي الحالي للغلاف الجوي لكوكب الزهرة واكتشفوا أن «الكوكب لم يكن صالحاً للحياة على الماء السائل. كما أن كوكب الزهرة اليوم هو كوكب حار جداً». فوفق وكالة «ناسا»، يبلغ متوسط ​​درجة حرارة سطح كوكب الزهرة نحو 465 درجة مئوية وضغطه أكبر بنحو 90 مرة من ضغط الأرض عند مستوى سطح البحر، فضلاً عن كون الزهرة محاطاً بشكل دائم بسحب كثيفة سامة من حمض الكبريتيك.

في دراستهم، وجد العلماء أن باطن كوكب الزهرة يفتقر إلى الهيدروجين، ما يشير إلى أنه أكثر جفافاً من باطن الأرض. وبدلاً من التكاثف على سطح الكوكب، من المرجح أن أي ماء في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة بقي على شكل بخار، بحسب البحث.

في عام 2016، أشار فريق من العلماء يعملون في معهد غودارد للدراسات الفضائية التابع لوكالة «ناسا» في نيويورك إلى أن كوكب الزهرة ربما كان صالحاً للسكن ذات يوم.

صورة مقدمة من وكالة «ناسا» تظهر كوكب الزهرة في بداية عبوره أمام الشمس 5 يونيو 2012 (رويترز)

استخدم الفريق نموذجاً حاسوبياً مشابهاً للنوع المستخدم للتنبؤ بتغير المناخ على الأرض. وقال مايكل واي، الباحث في معهد غودارد لدراسات الفضاء والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية، في ذلك الوقت: «يمكن تكييف العديد من الأدوات نفسها التي نستخدمها لنمذجة تغير المناخ على الأرض لدراسة المناخ على كواكب أخرى، سواء في الماضي أو الحاضر». وأضاف: «تُظهر هذه النتائج أن كوكب الزهرة القديم ربما كان مكاناً مختلفاً تماماً عما هو عليه اليوم».

وأشارت دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة شيكاغو العام الماضي إلى أن كوكب الزهرة «كان غير صالح للسكن لأكثر من 70 في المائة من تاريخه، أي 4 مرات أطول من بعض التقديرات السابقة».