«الأدب الشعبي»... أنصفه ابن خلدون وأهمله العرب المعاصرون

مشروع شامل ينقح التراث ويحتفي بجماليات علم الفولكلور فيه

«الأدب الشعبي»... أنصفه ابن خلدون وأهمله العرب المعاصرون
TT

«الأدب الشعبي»... أنصفه ابن خلدون وأهمله العرب المعاصرون

«الأدب الشعبي»... أنصفه ابن خلدون وأهمله العرب المعاصرون

يدعو كتاب «المأثورات الشعبية العربية - دراسة تأصيلية وقضايا معاصرة»، الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، إلى إنصاف التراث الشعبي العربي، ويقترح مؤلفه د. محمد رجب النجار، أن يتم ذلك في سياق مشروع عربي شامل يأخذ على عاتقه تنقيح التراث والاحتفاء بعناصر وجماليات علم الفولكلور فيه، وذلك وفق معيار وظيفي يجعل منه تعبيراً عن الوجدان الجمعي فكرياً ونفسياً وجمالياً، وأن يكون هذا التعبير أو الإبداع الفني في أساسه قائماً على المشافهة في أدائه، وتواتره خاضعاً لمقتضيات هذه الشفاهية من حذف أو إضافة أو تعديل في النص تبعاً لنوعية الجمهور المتلقي ورغباته.
يذكر المؤلف أنه في مقابل تلك النظرة الفوقية التي تتعامل بها الأجيال الحديثة مع مصطلح الأدب الشعبي، بذل جيل الموسوعيين العرب العظام من أمثال الجاحظ وابن قتيبة والمسعودي والثعالبي والمرزباني وأبي حيان التوحيدي والأصفهاني والطبري ونظرائهم جهداً رائعاً في جمع المادة الفولكلورية العربية على امتدادها الطويل والعريض في الزمان والمكان. وقدم هؤلاء العلماء الموسوعيون أساليب سابقة لعصرها في الجمع الميداني عبر أقدم مناهج التصنيف في بعض المجالات بعينها كالأمثال والأغاني والقصص والحكايات، مشيراً إلى أن ابن خلدون، عبر «مقدمته»، كان أول عالم يقوم بدراسة العلوم الشعبية من حيث هي أدب شعبي وعادات وتقاليد ومعتقدات ومعارف شعبية وحرف وصناعات وفنون جمعية في إطارها العلمي الصحيح ضمن دراسته عن علم العمران والاجتماع البشري. وهو في ذلك صاحب وجهة نظر تأسيسية داخل هذه المجالات الشعبية التي عرفتها أوروبا بعد ذلك بثلاثة قرون تحت مصطلح «فولكلور».
يقسم المؤلف شعر ما قبل الإسلام إلى عدة اتجاهات؛ أبرزها شعر المعلقات السبع، وشعر الشعراء الصعاليك مثل الشنفرى وعروة بن الورد، وشعر الشعراء الفرسان مثل المهلهل وعبد يغوث وعامر بن الطفيل وحاتم الطائي وعبيد بن الأبرص، وشعراء المديح أو شعراء الملوك والبلاط مثل الأعشى والنابغة وعلقمة الفحل والمثقب العبدي وعدي بن زيد. ويذهب الباحث إلى أن قصائد شعراء الصعاليك والشعراء الفرسان تشكل روافد شعبية بامتياز لأدب شعبي عظيم صدر فيها أصحابها عن وجدان جمعي هو وجدان القبيلة فعبروا عن قضاياهم وتطلعاتها وقيمها وفضائلها ومآثرها.
ويضم المؤلف «شعر الأوابد» تحت لافتة الأدب الشعبي، وهو ضرب من الشعر صرخ به شعراء القبائل والأمصار في وجه الولاة والعمال المستبدين، مثبوت في كتب الأدب والتاريخ. ويمضي المؤلف في رصده للتراث العربي بحثاً عما يعده أدباً شعبياً بامتياز، وفق التعريف أو المعيار الذي سبق أن قدمه في هذا السياق.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

اليونيسكو تُدرج الورد الطائفي في التراث غير المادي

تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
TT

اليونيسكو تُدرج الورد الطائفي في التراث غير المادي

تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)

أعلن الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، رئيس اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، عن نجاح السعودية في تسجيل «الممارسات الثقافية المرتبطة بالورد الطائفي» في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو».

وأكّد وزير الثقافة السعودي أن الدعم غير المحدود الذي يحظى به القطاع الثقافي السعودي بمختلف مكوناته من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، ساعد على تعزيز حضور الثقافة السعودية في العالم، مضيفاً: «يعكس هذا التسجيل جهود المملكة الحثيثة في حماية الموروث الثقافي غير المادي، وضمان استدامته ونقله للأجيال القادمة».

وجاء تسجيل الورد الطائفي بملفٍ وطنيٍ مشتركٍ بقيادة هيئة التراث، وبالتعاون مع اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، والوفد الدائم للمملكة لدى اليونيسكو، لينضم إلى قائمة عناصر التراث الثقافي غير المادي السعودية المُسجلة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونيسكو، وهي: العرضة السعودية، والمجلس، والقهوة العربية، والصقارة، والقط العسيري، والنخلة، وحياكة السدو، والخط العربي، وحِداء الإبل، والبن الخولاني السعودي، والنقش على المعادن، والهريس.

ويُعد الورد الطائفي عنصراً ثقافياً واجتماعياً يرتبط بحياة سكان الطائف، حيث تُمثّل زراعته وصناعته جزءاً من النشاط اليومي الذي ينعكس على الممارسات الاجتماعية والتقليدية في المنطقة، ويمتد تاريخ زراعة الورد الطائفي إلى مئات السنين، إذ يعتمد سكان الطائف على زراعته في موسم الورد السنوي، ويجتمع أفراد المجتمع في حقول الورود للمشاركة في عمليات الحصاد، التي تُعد فرصة للتواصل الاجتماعي، ونقل الخبرات الزراعية بين الأجيال.

وتُستخدم منتجات الورد الطائفي، وخصوصاً ماء الورد والزيوت العطرية في المناسبات الاجتماعية والتقاليد المحلية، مثل تعطير المجالس وتقديم الضيافة، مما يُبرز دورها في تعزيز الروابط الاجتماعية، كما يُعد مهرجان الورد الطائفي السنوي احتفالاً اجتماعياً كبيراً يجتمع خلاله السكان والزوّار للاحتفاء بهذا التراث، حيث يعرض المجتمع المحلي منتجاته، ويُقدم فعاليات تُبرز الفخر بالهوية الثقافية.

ويعكس تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو قيمة هذا العنصر بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية، إلى جانب إسهامه في تعزيز فهم العالم للعلاقات الوثيقة بين التراث الثقافي والممارسات الاجتماعية، ويأتي ذلك في ظل حرص هيئة التراث على ضمان استدامة هذا الإرث الثقافي، كما يعكس حرصها على ترسيخ التبادل الثقافي الدولي بعدّه أحد مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية المملكة 2030».