«جبايات المدارس» تهدد بتجهيل جيل كامل من اليمنيين

الميليشيات الحوثية ابتكرت مبررات جديدة للحصول على مبالغ طائلة لقاء حق التعليم

«جبايات المدارس» تهدد بتجهيل جيل كامل من اليمنيين
TT

«جبايات المدارس» تهدد بتجهيل جيل كامل من اليمنيين

«جبايات المدارس» تهدد بتجهيل جيل كامل من اليمنيين

بالتزامن مع إقرار الميليشيات الحوثية رفع رسوم الدراسة، وفرض إتاوات جديدة على التلاميذ الملتحقين بالمدارس في مختلف المراحل، اعترف قيادي في الميليشيات بنيات جماعته لتجريف التعليم، وتسريح نحو 40 ألف معلم، وهو الأمر الذي يهدد بتسرب جيل كامل من صفوف الدراسة.
وفي برنامج تلفزيوني بثته قناة «المسيرة» التابعة للحوثيين؛ أقر عبد الله النعيمي المعين من قبل الميليشيات وكيلا لوزارة التربية والتعليم في الحكومة الانقلابية؛ بعدم توفير الكتاب المدرسي للعام الدراسي الجديد، متحججا بتوقف المطابع، ورفض المنظمات الدولية تقديم الدعم. بحسب زعمه.
ومع إقدام قادة الميليشيات على فرض الرسوم الجديدة؛ أكد السكان في صنعاء أنهم دفعوا 4500 ريال رسوم تسجيل عن كل تلميذ، بعد أن كانت لا تزيد على 200 ريال فقط، إضافة إلى دفعهم 8 آلاف ريال تحت بند رسوم خدمة مجتمعية، وهو بند جباية جديد كما يصفه أولياء الأمور(الدولار حوالي 550 ريالا في مناطق سيطرة الميليشيات).
واعترف النعيمي أيضاً بانتشار الفساد في «صندوق دعم المعلم والتعليم» الذي أنشأته الميليشيات كمبرر للجبايات، وأقر أيضاً بتسبب جماعته في ارتفاع الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، وذلك بفرض جبايات باهظة على هذه المدارس، مبرراً تلك الجبايات بأنها تذهب لدعم التعليم وصندوق دعم المعلم والتعليم الذي لم يستفد منه المعلمون.
وابتكرت الميليشيات الحوثية مبررات جديدة للحصول على مبالغ باهظة مقابل التحاق الطلبة بالمدارس في مختلف المراحل، وأعلن عدد من أولياء الأمور عدم مقدرتهم على تدريس أبنائهم في ظل الرسوم الجديدة.
وكشفت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»؛ عن مساعٍ حوثية حثيثة لتحويل المؤسسة التعليمية إلى مصدر للجباية، وتحويل الإيرادات التي تتحقق من ذلك إلى حسابات بنكية مجهولة لا تتبع قطاع التعليم يشرف عليها مباشرة يحيى الحوثي وهو أخو زعيم الميليشيات.
وتذهب المصادر إلى أن الإجراءات والخطوات التي تتبعها الميليشيات تؤدي إلى إفراغ المؤسسات التعليمية من مضمونها وأغراضها في خدمة المجتمع، وإسقاط الحق في التعليم للمواطنين، والعودة بالبلد إلى ما قبل أكثر من نصف قرن حين لم يكن هناك مدارس أو جامعات، والمجتمع يعيش في عزلة وتجهيل.

السطو على المباني
من الإجراءات التي اتخذتها الميليشيات لخصخصة التعليم، تحويل عدد من المدارس العامة إلى مدارس خاصة، ونقل الطلاب منها إلى مدارس أخرى، ومن تلك المدارس مدرسة روافد النهضة التابعة لمؤسسة اليتيم في حي النهضة شمال العاصمة صنعاء، والمخصصة للأيتام.
وأبلغت الميليشيات قبل نحو شهر الطلبة الملتحقين بالمدرسة، وكلهم من الأيتام؛ بإغلاق مبنى المدرسة، وطلبت منهم سحب ملفاتهم وتقديمها إلى مبنى آخر للمدرسة أو الانتقال إلى مدارس أخرى للالتحاق بها، وبحسب المصدر؛ فإن الميليشيات تعمل على تحويل مبنى المدرسة إلى مقر لجامعة خاصة تابعة لها.
وتضيف المصادر أن المبنى الجديد للمدرسة لا يتسع لكل الطلاب الذين كانوا في المبنى القديم، ولهذا السبب تعمدت الميليشيات تسليم الطلاب ملفاتهم من أجل التقليل منهم، إضافة إلى أنها باعت أثاث المبنى القديم، وحولت ثمنه إلى حسابات الجامعة المزمع إحلالها فيه.
ووفقا للمصادر؛ فإن الميليشيا أقدمت على إجراءات شبيهة العام الماضي لمصادرة مبنى مدرسة «آزال حدة» التابعة لجامعة صنعاء، والتي كانت مخصصة لتعليم أبناء هيئة التدريس في الجامعة، وبنيت قبل عقود طويلة بمنحة من جمهورية العراق، لكن الميليشيا زعمت عرضه للبيع لتبرير تسليمه إلى شخصيات تابعة لها، بعد أن نقلت الطلاب إلى مدرسة أخرى.
وبحسب المصادر؛ فإن من وسائل الجباية التي تزمع الميليشيات تنفيذها؛ إلزام الطلاب بإعادة الكتب المدرسية للعام الماضي، وبيعها لطلاب العام الجديد، وإلزامهم بزي مدرسي جديد يتم بيعه داخل المدارس، وعدم السماح لمن لم يدفع ثمن الكتب والزي بالدخول إلى المدارس، متوقعا أن تكون أسعار الكتب والزي مرتفعة جدا.

انتقادات للجبايات الجديدة
هاجم عدد من الشخصيات الاجتماعية والإعلامية المقربة من جماعة الحوثي الإجراءات الأخيرة التي قالوا إنها تشير إلى توجه لخصخصة التعليم وحرمان غالبية اليمنيين من إلحاق أبنائهم بالمدارس، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
واستغرب البرلماني أحمد سيف حاشد هاشم المقيم في صنعاء من عدم كفاية إيرادات صندوق دعم المعلم لتسليم رواتب المعلمين، في حين تغيب الشفافية والوضوح حول إيرادات الصندوق، وترفض الميليشيات الإفصاح عن المبالغ التي يستقبلها الصندوق، وتلقي باللوم على قانون إنشائه الذي أصدرته الميليشيات نفسها.
واتهم حاشد في سلسلة تغريدات على حسابه في «تويتر» الميليشيات بإحلال أنصارها وأتباعها بدلا من المعلمين الذين يرفضون حرمانهم من رواتبهم، بعد أن أقدمت على إحلال العشرات سابقا، بحجة وجود إشكالات في كشف راتب المعلم.
وقال حاشد: «يريدون تصفير رواتب 40 ألف معلم لأن جلهم يرفضون أن يعملوا دون راتب؛ ولما كان الأمر مستحيلا يريدون أن يحلوا محلهم من جماعتهم وأنصارهم، ثم يمنحوهم رواتب من تم تصفيرهم، إنهم لا يستحون».
واستغرب حاشد من طلب جماعة الحوثي دعم المنظمات الدولية لطباعة الكتاب المدرسي، في الوقت الذي تعدل فيه المناهج الدراسية بما يتوافق مع نهجها ومشروعها.
القاضي عبد الوهاب قطران، وهو أحد الشخصيات الاجتماعية التي أيدت جماعة الحوثي منذ ما قبل انقلابها في عام 2014، وضّح أن الدستور ينص على أنه لا يجوز فرض أي رسوم إلا بقانون، متسائلا من أين لأولياء الأمور المعدمين أن يدفعوا عن كل طالب 8000 ريال، وهم دون مرتبات. ووصف الرسوم المقرة مؤخرا على إلحاق الطلاب بالمدارس بـ«الوقاحة» متهما الميليشيات بتعمد حرمان اليمنيين الفقراء من حقهم في التعليم المجاني، وخصخصة مدارس الثورة والدولة والجمهورية، وجعل التعليم حكراً على أبنائهم.
من جهته، حذر خبير التعليم عبد الواسع الفاتكي مما ستؤول إليه الإجراءات الميليشياوية بالعملية التعليمية، متحدثا لـ«الشرق الأوسط»، عن إفراغ تام للتعليم من مضمونه، بما يحقق للميليشيا أغراضها الطائفية السلالية التي تسعى إليها من خلال تغيير المناهج، وتحويل المدارس العامة إلى مدارس خاصة بالجماعة، تُدَرِّس منهجاً طائفيا بعقيدة الولاء للسلالة وتجريف الهوية الوطنية.
وتتضمن عملية التجريف بحسب الفاتكي، إفقار اليمنيين ورفع رسوم التعليم ومنعهم من إلحاق أبنائهم بالمدارس، وحرمان المعلمين من رواتبهم.
ونبه الفاتكي إلى أن الميليشيات تسعى إلى تفخيخ مستقبل اليمن بألغام فكرية مذهبية تحشو بها عقول الطلاب، وتشويه الانتماء الوطني للناشئة، ومحو الذاكرة الجمعية واستبدال ذاكرة الجماعة والسلالة بها، وهو ما ينذر بتصدعات مجتمعية كبيرة تحتاج إلى وقت كبير للتخفيف من آثارها.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

العالم العربي غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الخميس) اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في عدن بـ«المثمر والجوهري»، وذلك بعد نقاشات أجراها في صنعاء مع الحوثيين في سياق الجهود المعززة للتوصل إلى تسوية يمنية تطوي صفحة الصراع. تصريحات المبعوث الأممي جاءت في وقت أكدت فيه الحكومة اليمنية جاهزيتها للتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر لما وصفته بـ«بتصفير السجون» وإغلاق ملف الأسرى والمحتجزين مع الجماعة الحوثية. وأوضح المبعوث في بيان أنه أطلع العليمي على آخر المستجدات وسير المناقشات الجارية التي تهدف لبناء الثقة وخفض وطأة معاناة اليمنيين؛ تسهيلاً لاستئناف العملية السياسية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

في خطوة أحادية أفرجت الجماعة الحوثية (الأحد) عن القائد العسكري اليمني المشمول بقرار مجلس الأمن 2216 فيصل رجب بعد ثماني سنوات من اعتقاله مع وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي شمال مدينة عدن، التي كان الحوثيون يحاولون احتلالها. وفي حين رحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالخطوة الحوثية الأحادية، قابلتها الحكومة اليمنية بالارتياب، متهمة الجماعة الانقلابية بمحاولة تحسين صورتها، ومحاولة الإيقاع بين الأطراف المناهضة للجماعة. ومع زعم الجماعة أن الإفراج عن اللواء فيصل رجب جاء مكرمة من زعيمها عبد الملك الحوثي، دعا المبعوث الأممي في تغريدة على «تويتر» جميع الأطراف للبناء على التقدم الذي تم إنجازه

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

في مسكن متواضع في منطقة البساتين شرقي عدن العاصمة المؤقتة لليمن، تعيش الشابة الإثيوبية بيزا ووالدتها.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

فوجئ محمود ناجي حين ذهب لأحد متاجر الصرافة لتسلّم حوالة مالية برد الموظف بأن عليه تسلّمها بالريال اليمني؛ لأنهم لا يملكون سيولة نقدية بالعملة الأجنبية. لم يستوعب ما حصل إلا عندما طاف عبثاً على أربعة متاجر.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

يجزم خالد محسن صالح والبهجة تتسرب من صوته بأن هذا العام سيكون أفضل موسم زراعي، لأن البلاد وفقا للمزارع اليمني لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة منذ سنين طويلة. لكن وعلى خلاف ذلك، فإنه مع دخول موسم هطول الأمطار على مختلف المحافظات في الفصل الثاني تزداد المخاطر التي تواجه النازحين في المخيمات وبخاصة في محافظتي مأرب وحجة وتعز؛ حيث تسببت الأمطار التي هطلت خلال الفصل الأول في مقتل 14 شخصا وإصابة 30 آخرين، كما تضرر ألف مسكن، وفقا لتقرير أصدرته جمعية الهلال الأحمر اليمني. ويقول صالح، وهو أحد سكان محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب فإن الهطول ال

محمد ناصر (عدن)

قانون «الاقتراع المباشر» وانتخابات غوبالاند يشعلان التوتر في الصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في اجتماع رؤساء دول شرق أفريقيا قبل أيام (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في اجتماع رؤساء دول شرق أفريقيا قبل أيام (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

قانون «الاقتراع المباشر» وانتخابات غوبالاند يشعلان التوتر في الصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في اجتماع رؤساء دول شرق أفريقيا قبل أيام (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في اجتماع رؤساء دول شرق أفريقيا قبل أيام (وكالة الأنباء الصومالية)

تحذيرات رسمية من إقليم بونتلاند الصومالي بشأن اقتراب البلاد من «حرب أهلية» مع تصاعد الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات بسبب رفض متبادل لقانون الاقتراع المباشر وانتخابات ولاية غوبالاند الجنوبية.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن تمسك الحكومة الفيدرالية الصومالية بقانون الاقتراع المباشر المرفوض من ولايتي غوبالاند وبونتلاند، وما تلاه من تطورات «سيعمق الخلافات ويشعل التوتر أكثر وينذر في الأفق باحتمال حدوث حرب أهلية في البلاد المثقلة بمواجهة حركة الشباب الإرهابية»، غير مستبعدين إبرام حلول حال تدخل أصدقاء الصومال لإيجاد صيغة تعاون بشأن الحكم والانتخابات.

عناصر من الجيش الصومالي خلال عملية عسكرية في محافظتي شبيلي الوسطى وغلغدود (وكالة الأنباء الصومالية)

وأعرب إلياس عثمان لوغاتور، نائب رئيس ولاية بونتلاند، الثلاثاء، عن دهشته لما وصفه «بمعاداة الحكومة الصومالية لغوبالاند لكونها عقدت الانتخابات الخاصة بها ورفضت التمديد للإدارات الإقليمية»، مشيراً إلى أن «الحكومة الفيدرالية الصومالية تخرق قوانين البلاد وتعرضها لخطر الحرب الأهلية»، وفق ما نقله إعلام صومالي محلي.

ولاية غوبالاند التي تُعد «سلة غذاء» الصومال، وعاصمتها «كسمايو»، الميناء الاستراتيجي، أعادت في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، انتخاب أحمد مدوبي الذي يرأس الإقليم منذ إنشائه عام 2013، ويُعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

لكن هذا الاقتراع كان محل طعن في شرعيته من الحكومة الصومالية، من قبل أن يبدأ، وفق إعلان رئيس الوزراء حمزة عبده بري، في نوفمبر الماضي، مخالفته قانون الانتخابات الصادر لتنفيذه على كل عموم البلاد.

وتلا انتخاب مدوبي إعلان إقليم غوبالاند تعليق العلاقات والتعاون مع مقديشو، وإصدار محكمة «كسمايو» مذكرة اعتقال بحق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، متهمة إياه بـ«إشعال حرب أهلية وتقويض الوحدة الوطنية»، وذلك غداة إصدار محكمة بنادر الإقليمية التابعة لمقديشو، مذكرة اعتقال بحق مدوبي، متهمة إياه بـ«انتهاك الدستور الصومالي».

وقبل انتخابات غوبالاند بيومين، صادق مجلسا البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المَعني بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد، وهو القانون الذي يرفضه مدوبي، وآخرون من أبرزهم الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، الذي صرّح قبل نحو أسبوع بأنه «لا يمكن إجراء انتخابات صوت واحد لشخص واحد، لا تشارك فيها ولايتا بونتلاند وغوبالاند والسياسيون المعارضون، مع عدم وجود أجواء أمنية تسمح بإجراء الانتخابات المذكورة حتى في العاصمة الصومالية».

وفي ضوء التطورات المستمرة بين حكومة الصومال وإقليم غوبالاند، وتحذير بونتلاند، يعتقد خبير الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، أن العلاقة «وصلت لمرحلة اللاعودة»، مؤكداً أن تشريع الانتخابات وضع البلاد والأقاليم في «تحدٍّ حقيقي وسيكون عقبة كبيرة نحو مسار سياسي موحد».

ووفق تقدير تورشين، «ستتعمق تلك الخلافات أكثر ويزداد التوتر وقد يدفع أقاليم أخرى لحذو خطى غوبالاند وبونتلاند في رفض التشريع مع تزايد مخاوف الانزلاق في حرب أهلية»، لافتاً إلى أن «بعض الأطراف قد تعزز حدوث تلك الحرب لتعظيم مكسبها في ظل توتر علاقاتها مع الصومال».

وكان مدوبي انسحب من اجتماعات «المجلس الاستشاري الوطني» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التي ترعاها الحكومة الفيدرالية، ورفض نتائجها التي أقرت العودة لإجراء انتخابات مباشرة موحدة، في سبتمبر (أيلول) 2025، وهو نظام شهدته البلاد وكانت آخر انتخابات مباشرة عام 1968، تلتها انقلابات وحروب أهلية ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، والتي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس.

وفي ظل ذلك الرفض، يرى المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن قانون الاقتراع المباشر وانتخابات غوبالاند قد يستمران في «إشعال التوتر في الصومال» بسبب عدة عوامل أولها أن الحكومة الفيدرالية في مقديشو وولايات مثل غوبالاند وبونتلاند لديها رؤى مختلفة حول كيفية إدارة الانتخابات وهذا الاختلاف يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوترات، وثانيها أن استمرار رفض الاقتراع المباشر سيعكس انقساماً عميقاً حول شرعية الحكومة الفيدرالية، «مما يزيد من الاستقطاب».

وباعتقاد بري فإن تصريحات لوغاتور تشير إلى مخاوف حقيقية من أن الأوضاع قد «تتجه نحو صراع أكبر»، متوقعاً أنه «إذا استمرت الأوضاع الحالية دون حل، فستكون هناك تحركات عسكرية محتملة ويمكن أن تتصاعد التوترات إلى مواجهات عسكرية بين القوات الحكومية وقوات الولايات، فضلاً عن حدوث تدخلات خارجية، وقد تؤدي التوترات بين الصومال وإثيوبيا إلى تدخلات تؤجج الصراع».

وتوترت علاقة مقديشو مع أديس أبابا وإقليم أرض الصومال الانفصالي منذ بداية العام، مع عقد إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع الإقليم، تحصل بموجبه على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

ورفضت مقديشو تلك الخطوة وعدّتها مساساً بالسيادة، وأدى الاتفاق إلى توتر في منطقة القرن الأفريقي، وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وإعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في نوفمبر الحالي، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029؛ بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة الصومال واستقلاله».

وفي ظل هذا التصعيد، لا يرى تورشين «فرصة لإنهاء خطر حدوث حرب أهلية، إلا بتحرك أصدقاء الصومال في هذه المرحلة لإيجاد صيغة للتعاون بين الحكومة المركزية والأقاليم للتوافق وإدارة المشهد السياسي والحكم».

ويمكن أيضاً بخلاف تحرك أصدقاء الصومال أن يتجنب الصومال الحرب الأهلية والتدخلات الإثيوبية من «خلال حدوث حوار شامل بين الحكومة الفيدرالية والولايات لتجنب الانزلاق نحو الصراع، ويمكن أن يشمل هذا الحوار جميع الأطراف المعنية، مع دعم من المجتمع الدولي للأطراف الصومالية لتسهيل الحوار والوساطة»، وفق المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري.

ويضيف بري لتلك الحلول أيضاً: «الاستثمار في بناء مؤسسات قوية وموثوقة يمكن أن يساعد في تحقيق الاستقرار ومنع النزاعات ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، التي تؤدي إلى الاستياء، يمكن أن تسهم في الاستقرار».

ورغم تفاؤل بري، في إمكانية أن يجد خلاف غوبالاند والحكومة الصومالية مسار حل فإنه يرى أن «الوضع بات معقداً في ظل التطورات والتلويح بخطر الحرب الأهلية ويتطلب جهوداً متضافرة من جميع الأطراف المعنية لتحقيق السلام والاستقرار في الصومال».