هل تندرج «زيارة تايوان» ضمن استراتيجية تبادل أدوار أميركية؟

بيلوسي والوفد الديمقراطي لدى استعدادهم لمغادرة تايوان أمس (أ.ب)
بيلوسي والوفد الديمقراطي لدى استعدادهم لمغادرة تايوان أمس (أ.ب)
TT

هل تندرج «زيارة تايوان» ضمن استراتيجية تبادل أدوار أميركية؟

بيلوسي والوفد الديمقراطي لدى استعدادهم لمغادرة تايوان أمس (أ.ب)
بيلوسي والوفد الديمقراطي لدى استعدادهم لمغادرة تايوان أمس (أ.ب)

تسببت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، في ردود فعل متناقضة، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها؛ فالجدل الذي أطلقته حول «أفضل السياسات التي ينبغي اعتمادها لمواجهة صعود الصين»، طرح وجهات نظر عدة، وأكثر من علامة استفهام، حول تداعيات هذه الزيارة، في ظل التطورات التي فرضتها الحرب الروسية - الأوكرانية، والدروس التي ينبغي الاستفادة منها. وتساءل مراقبون عما إذا كان الضجيج الذي رافق هذه الزيارة في الداخل الأميركي، هو «تبادل أدوار» بين أركان الإدارة الأميركية، وبالتالي يحمل رسالة ضمنية عن «تصعيد أميركي» مدروس لبدء تطبيق سياسة «احتواء الصين» استراتيجياً، أم أنه علامة ضعف سياسي داخل الإدارة الديمقراطية «بسبب عجز الرئيس عن ثني عضوة في حزبه عن الزيارة»؟

- ردود فعل متناقضة
في ردود الفعل الأميركية، بدا لافتاً صدور مقالات رأي وتحليلات متناقضة حول تقييم الأثر الذي ستتركه الزيارة على مستقبل العلاقات مع الصين أو مع حلفاء الولايات المتحدة. فحمل مقالان في صحيفتي «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، على بيلوسي إصرارها «غير الحكيم» على زيارة تايوان، والتسبب بتحويل الانتباه «عن أولوية مواجهة تداعيات الحرب الأوكرانية»، الأمر الذي عرض «النجاحات» التي حققها الرئيس بايدن في «بناء استراتيجية اقتصادية ودبلوماسية في آسيا لمواجهة الصين» للخطر. واتهمت صحيفة «واشنطن بوست» بيلوسي بأنها «عرضت سياسة بايدن للضرر، وستجبره على اتخاذ خطوات للحد منها على المدى القصير، ومواجهة زيادة محتملة في الضغط الصيني طويل المدى على تايوان». وأضافت أن «إصرارها على الزيارة ربما كان لتتويج حياتها السياسية، وبأنها وقفت في وجه الزعيم الصيني شي جينبينغ الذي يستعد للفوز بولاية ثالثة في مؤتمر الحزب الشيوعي في الخريف المقبل»، قبل مغادرتها المتوقعة لمنصبها، في ظل احتمال قوي بفوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية.
من جهتها، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الرئيس بايدن سعى لإبرام شراكات جديدة، واهتم حتى بدولة صغيرة في المحيط الهادي، هي جزر سليمان، وأطلق خطة لتسليح أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية واتفاقية اقتصادية إقليمية، وزار كوريا الجنوبية واليابان في مايو (أيار)، ودعا البلدين لأول مرة إلى اجتماع «الناتو»... «لتأكيد أن آسيا لم تُنس مع اندلاع الحرب في أوكرانيا»، وأن زيارة بيلوسي «تهدد بتقويض مساعي البيت الأبيض، وهي استفزاز غير ضروري يصرف الانتباه عن جهود الحلفاء لمواجهة القوة العسكرية للصين ونفوذها الاقتصادي، مما يترك الحلفاء يتساءلون عن الضرر الذي لحق بالجبهة الموحدة للرئيس في آسيا».

- التخلي عن «سياسة الغموض»
في المقابل، دافع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور الديمقراطي بوب مينانديز، عن بيلوسي، وقال إن «الدرس الواضح من الحرب في أوكرانيا هو أن القادة الاستبداديين قد تشجعوا في السنوات الأخيرة بسبب الديمقراطيات المختلة والمؤسسات الدولية المترددة». وبناءً على ذلك، «فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى قدر أقل من الغموض لتوجيه نهجنا تجاه تايوان». وأضاف مينانديز أن التهديدات الأخيرة التي وجهتها بكين بشأن زيارة بيلوسي «متوقَّعة، بقدر ما كانت مؤشراً على نيات الرئيس الصيني، وكانت ستتخذها على أي حال». لهذا السبب، فإن بيلوسي «كانت على حق في عدم ترك الصين تقرر من يمكنه ومن لا يمكنه زيارة تايوان». وشدد على أنه «يجب أن تكون نتيجة صخب بكين، تقوية العزيمة في تايبيه وواشنطن وعبر المنطقة، عبر تنفيذ العديد من الاستراتيجيات لمواصلة التصدي للعدوان الصيني». وأشار إلى أن هناك اتفاقاً واضحاً في الكونغرس من الحزبين حول أهمية العمل الآن لتزويد شعب تايوان بنوع الدعم الذي يحتاجون إليه بشدة.
ولفت إلى أنه رغم علامات التحذير قبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 «فقد فشلنا في اتخاذ إجراء قد يردع المزيد من العدوان الروسي، ولا يسعنا أن نكرر هذا الخطأ مع تايوان». وأضاف: «لهذا السبب عملت مع السيناتور ليندسي غراهام (الجمهوري) لتقديم قانون (سياسة تايوان) للحزبين لعام 2022 لتعزيز أمنها، من خلال توفير ما يقرب من 4.5 مليار دولار من المساعدات الأمنية على مدى السنوات الأربع المقبلة، والاعتراف بتايوان باعتبارها حليفاً رئيسياً من خارج (الناتو)، واتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة حملات التأثير العدواني للصين، وفرض تكاليف اقتصادية باهظة إذا اتخذت إجراءات عدائية ضد تايوان (مثل العقوبات المالية والمصرفية والتأشيرات وغيرها من العقوبات)، وإصلاح الممارسات البيروقراطية الأميركية لتعزيز الدعم لحكومة تايوان الديمقراطية». وختم قائلاً: «باختصار، سيكون هذا الجهد بمثابة إعادة هيكلة شاملة لسياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان منذ قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979».


مقالات ذات صلة

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

الولايات المتحدة​ بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

في تحول كبير نحو تعزيز العلاقات الأميركية - الفلبينية، يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، في البيت الأبيض مساء الاثنين، في بداية أسبوع من اللقاءات رفيعة المستوى، تمثل تحولاً في العلاقة بين البلدين التي ظلت في حالة من الجمود لفترة طويلة. زيارة ماركوس لواشنطن التي تمتد 4 أيام، هي الأولى لرئيس فلبيني منذ أكثر من 10 سنوات.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
الاقتصاد الشركات الأميركية في الصين  تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

الشركات الأميركية في الصين تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

تخشى الشركات الأميركية في الصين بشكل متزايد من مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة الأميركية في الصين. وأعرب 87 في المائة من المشاركين في الدراسة عن تشاؤمهم بشأن توقعات العلاقة بين أكبر الاقتصادات في العالم، مقارنة بنسبة 73 في المائة في استطلاع ثقة الأعمال الأخير. ويفكر ما يقرب من ربع هؤلاء الأشخاص، أو بدأوا بالفعل، في نقل سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى دول أخرى.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

من المتوقع أن يبحث قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في قمتهم المقررة باليابان الشهر المقبل، الاتفاق على تحديد رد على التنمر الاقتصادي من جانب الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

انتقدت بكين الجمعة، عزم واشنطن فرض قيود جديدة على استثمارات الشركات الأميركية في نظيرتها الصينية، معتبرة أن خطوة كهذه هي أقرب ما يكون إلى «إكراه اقتصادي فاضح وتنمّر تكنولوجي». وتدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برنامجاً لتقييد استثمارات خارجية أميركية، بما يشمل بعض التقنيات الحسّاسة التي قد تكون لها آثار على الأمن القومي. وتعاني طموحات الصين التكنولوجية أساساً من قيود تفرضها الولايات المتحدة ودول حليفة لها، ما دفع السلطات الصينية إلى إيلاء أهمية للجهود الرامية للاستغناء عن الاستيراد في قطاعات محورية مثل أشباه الموصلات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، إن «الولايات المتحد

«الشرق الأوسط» (بكين)

جماهير حاشدة تستقبل الوفد الفلسطيني للألعاب الأولمبية في باريس (فيديو)

TT

جماهير حاشدة تستقبل الوفد الفلسطيني للألعاب الأولمبية في باريس (فيديو)

الرياضيون الأولمبيون الفلسطينيون وأعضاء الوفد يقفون مع أنصارهم لدى وصولهم إلى مطار شارل ديغول في باريس (أ.ف.ب)
الرياضيون الأولمبيون الفلسطينيون وأعضاء الوفد يقفون مع أنصارهم لدى وصولهم إلى مطار شارل ديغول في باريس (أ.ف.ب)

تم الترحيب بالرياضيين الأولمبيين الفلسطينيين بهتاف جماهيري «تحيا فلسطين»، وهدايا من الطعام والورود عند وصولهم إلى باريس، الخميس، لتمثيل غزة التي مزقتها الحرب وبقية المناطق الفلسطينية على المسرح العالمي.

وبينما كان الرياضيون المبتهجون يسيرون عبر بحر من الأعلام الفلسطينية في مطار باريس الرئيسي، قالوا إنهم يأملون أن يكون وجودهم بمثابة رمز وسط الحرب بين إسرائيل و«حماس»، حسبما أفادت وكالة «أسوشييتد برس».

وحث الرياضيون والمؤيدون الفرنسيون والسياسيون الحاضرون الأمةَ الأوروبية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بينما أعرب آخرون عن غضبهم من الوجود الإسرائيلي في الألعاب.

وقال يزن البواب، وهو سباح فلسطيني يبلغ من العمر 24 عاماً وُلد في السعودية: «فرنسا لا تعترف بفلسطين دولةً، لذلك أنا هنا لرفع العلم الفلسطيني». وأضاف: «لا نعامل بوصفنا بشراً، لذلك عندما نلعب الرياضة يدرك الناس أننا متساوون معهم». وتابع: «نحن 50 مليون شخص بلا دولة».

وقام البواب، وهو واحد من ثمانية رياضيين في الفريق الفلسطيني، بالتوقيع للمشجعين، وتناول التمر من طبق قدمه طفل بين الحشد.

الرياضيون الأولمبيون الفلسطينيون وأعضاء الوفد يقفون مع أنصارهم لدى وصولهم إلى مطار شارل ديغول في باريس (أ.ف.ب)

وتُظهِر هتافات «فلسطين الحرة» التي يتردد صداها في مطار شارل ديغول في باريس كيف يؤثر الصراع والتوتر السياسي في الشرق الأوسط على الألعاب الأولمبية.

ويجتمع العالم في باريس في لحظة تشهد اضطرابات سياسية عالمية، وحروباً متعددة، وهجرة تاريخية، وأزمة مناخية متفاقمة، وكلها قضايا صعدت إلى صدارة المحادثات في الألعاب الأولمبية.

في مايو (أيار)، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه مستعد للاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية، لكن الخطوة يجب أن «تأتي في لحظة مفيدة» عندما لا تكون المشاعر على هذا النحو (أي متوترة).

وأدى موقف ماكرون بعدم اعتراف مباشر بدولة فلسطينية، إلى إثارة غضب البعض، مثل إبراهيم بشروري البالغ من العمر 34 عاماً، وهو من سكان باريس، والذي كان من بين عشرات المؤيدين الذين كانوا ينتظرون لاستقبال الرياضيين الفلسطينيين في المطار. وقال بشروري: «أنا هنا لأظهر لهم أنهم ليسوا وحدهم. إنهم مدعومون».

وأضاف أن وجودهم هنا «يظهر أن الشعب الفلسطيني سيستمر في الوجود، وأنه لن يتم محوه. ويعني أيضاً أنه على الرغم من ذلك، في ظل الوضع المزري، فإنهم يظلون صامدين، وما زالوا جزءاً من العالم وهم هنا ليبقوا».

ودعت السفيرة الفلسطينية لدى فرنسا إلى الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية، ومقاطعة الوفد الأولمبي الإسرائيلي. وكانت قد قالت في وقت سابق إنها فقدت 60 من أقاربها في الحرب في غزة. وقالت: «إنه أمر مرحب به، وهذا ليس مفاجئاً للشعب الفرنسي، الذي يدعم العدالة، ويدعم الشعب الفلسطيني، ويدعم حقه في تقرير المصير».

وتأتي هذه الدعوة للاعتراف بعد يوم واحد فقط من إلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً لاذعاً أمام الكونغرس خلال زيارة لواشنطن، والتي قوبلت بالاحتجاجات. وأعلن أنه سيحقق «النصر الكامل» ضد «حماس»، ووصف أولئك الذين يحتجون في الجامعات وفي أماكن أخرى في الولايات المتحدة، على الحرب، بأنهم «أغبياء مفيدون» لإيران.

ورددت سفارة إسرائيل في باريس موقف اللجنة الأولمبية الدولية في «قرار فصل السياسة عن الألعاب». وكتبت السفارة في بيان لوكالة «أسوشييتد برس»: «نرحب بالألعاب الأولمبية وبوفدنا الرائع إلى فرنسا. كما نرحب بمشاركة جميع الوفود الأجنبية... رياضيونا موجودون هنا ليمثلوا بلادهم بكل فخر، والأمة بأكملها تقف خلفهم لدعمهم».

مؤيدون يتجمعون للترحيب بالرياضيين الفلسطينيين في مطار شارل ديغول قبل دورة الألعاب الأولمبية في باريس (رويترز)

وفق «أسوشييتد برس»، حتى في ظل أفضل الظروف، من الصعب الحفاظ على برنامج تدريبي حيوي للألعاب الأولمبية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. أصبح هذا الأمر أقرب إلى المستحيل خلال تسعة أشهر من الحرب بين إسرائيل و«حماس»، حيث تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية الرياضية في البلاد.

ومن بين الجالية الفلسطينية الكبيرة في الشتات في جميع أنحاء العالم، وُلد العديد من الرياضيين في الفريق أو يعيشون في أماكن أخرى، ومع ذلك فإنهم يهتمون بشدة بالسياسة في وطن آبائهم وأجدادهم.

وكان من بينهم السباحة الأميركية الفلسطينية فاليري ترزي، التي وزعت الكوفية التقليدية على أنصارها المحيطين بها، الخميس. وقالت: «يمكنك إما أن تنهار تحت الضغط وإما أن تستخدمه كطاقة». وأضافت: «لقد اخترت استخدامه كطاقة».