احتفل الممثل آرنولد شوارتزنيغر في 30 يوليو (تموز) بميلاده الـ75. فهو وُلد في عام 1947 في بلدة نمساوية صغيرة اسمها ثال، واتجه منذ سنوات شبابه الأولى إلى رياضة رفع الأثقال. نال لقب «مستر يونيفيرس» وهو في العشرين، ولقب مستر أولمبيا 7 مرات. في عام 1970 بحث المخرج الأميركي آرثر ألان سايدلمان، عمن يؤدي شخصية هركوليس الشهيرة واسترعى شوارتزنيغر انتباهه، فأسند إليه الدور تاركاً لعضلاته التعبير عن نفسها كون لكنة شوارتزنيغر كانت ثقيلة إلى حد أنها لم تكن تصلح للاستخدام فدُبلجت. ليس أن تمثيله كان أفضل.
في فيلمه الثاني، «الوداع الطويل» (The Long Goodbye) لروبرت التمن، 1973. أُسند له دور صامت. فهو قاتل محترف وأخرس في دور محدود للفيلم الذي قاد إليوت غولد بطولته، عن رواية شهيرة لرايموند تشاندلر. وبعد 3 سنوات، أسند إليه المخرج بوب رافلسلن، الراحل قبل أسابيع قليلة، دوراً جيداً (من حيث الشخصية والمساحة) في فيلمه «ابق جائعاً» (Stay Hungry)، مع جف بردجز وسالي فيلد في البطولة.
من هنا، امتدت الطريق أمامه وامتلأت بالمحطّات التي حوّلته من ممثل مبتدئ يحاول العثور على فرص أفضل في كل مرّة، إلى نجم كبير يحقق النجاح لنفسه، ولاستوديوهات هوليوود كل تلك المليارات من الدولارات التي جمعتها مجمل أفلامه.
شوارتزنيغر البربري
فيلمان صغيران تبعا «ابق جائعا» مثّلهما في عام واحد (1979) هما «الشرير» (وسترن)، و«صيادو الفضلات» (أكشن)، لعب فيهما دورين قصيرين. بعدهما وافقت المنتجة رفاييلا دي لورنتيس (ابنة المنتج الإيطالي - الهوليوودي الشهير دينو دي لورونتس) على رأي المخرج جون ميليوس بإسناد بطولة فيلم من نوع حروب السيوف في الأزمنة الغابرة عنوانه «كونان البربري» (Conan the Barbarian) سنة 1982.
كتب ميليوس هذا الفيلم مع أوليفر ستون.
الممثل النمساوي الأميركي آرنولد شوارتزنيغر (أ.ف.ب)
لعب شوارتزنيغر هنا دور رجل عاش حياة شاقة بعدما قُتل والداه وسيق مع آخرين كعبيد للقبيلة التي غزت مرابع قبيلته التي سكنت في الشمال الأوروبي البارد. هنا لم يعد هناك ريب في قوّة حضور شوارتزنيغر على الشاشة. ممثل يتميّز بالقوّة البدنية والبعد عن أداء معمّق لا يجيده على أي حال ولطف وكياسة. أمامه في الفيلم ممثلون رائعون في أدوار أولى (ماكس فون سيدو وجيمس إيرل جونز) ومساندة (ويليام سميث وماكو).
في مجمله هو فيلم عن انتقام كونان من الشرير الذي قتل والديه واستعبده صغيراً. اللافت أن معالجة المخرج للفيلم تبقى خفيفة الوقع، رغم كل ما فيه من معارك وبطولات. يلتقي كونان بفاليريا (ساندال برغمن) التي لديها عضلاتها الخاصة وقوّتها وخفّة حركتها وإجادتها للمعارك تماماً كآرنولد. لكن لا آرنولد ولا هي يقدمان على ذلك النوع من التمثيل المتجهم، بل يمارسان أداءً مرحاً يناسب شخصيتيهما.
آرنولد شوارتزنيغر في «ذا ترمينَيتور»
تبعاً للنجاح الكبير بتكلفة تذكرة ذلك الحين (70 مليون دولار) سارع الجميع لتحقيق جزء ثان بعنوان «كونان المدمّر» (Conan the Destroyer) سنة 1984 قام بتحقيقه ريتشارد فلايشر، لكن لا شيء يوفره فلايشر يمكن أن يُقارن بحسنات إخراج ميليوس.
من هذا الانتصار إلى آخر. المخرج جيمس كاميرون قرر أن شوارتزنيغر، كونه لا يجيد التمثيل بقدر ما يجيد الحضور، أسند إليه بطولة «ذا ترميناتور» (1984) وحسناً فعل. الفكرة في هذا الفيلم هي أن يلعب شوارتزنيغر شخصية رجل آت من كوكب بعيد ليقتل صبياً سيصبح منقذاً للعالم الذي نعيش فيه. هذه حبكة مستوحاة بالطبع من المعتقد الديني عن عودة المسيح لإنقاذ الأرض من الأشرار. لكن الفيلم ذاته ليس دينياً، بل محض خيال علمي وأكشن يجيد شوارتزنيغر تجسيد شخصية الكائن الذي لا يعرف المشاعر ولديه كلمات قليلة يستطيع إلقاءها على مستمعيه.
مضت 6 سنوات بعد هذا الفيلم، قبل أن يكتب جيمس كاميرون ويخرج «ترميناتور 2» سنة 1991. خلال الفترة ظهر شوارتزنيغر في 9 أفلام مختلفة المستويات. أسوأها فيلمان من إخراج إيفان رايتمن، اقترنتا برغبة شوارتزنيغر تنويع ظهوره في السينما بأدوار كوميدية. هما «توأم» (Twins) مع داني ديفيتو (كتوأم!) سنة 1988، و«شرطي الحضانة»(Kindergarten Cop)، 1990. قبلهما شاهدناه يعود إلى أدوار القوى البدنية في «سونيا الحمراء» مع بردجيت نلسون. هذا الفيلم الذي حققه ريتشارد فلايشر سنة 1985، هو صورة معكوسة لفيلم «كانون البربري»، فسونيا هي التي تسعى للانتقام من قتلة والديها، وشوارتزنيغر هو من سيوفّر الدعم البدني.
آرنولد شوارتزنيغر (أ.ف.ب)
بعده في فيلم الأكشن «كوماندو» (1985)، للمخرج الجيد وغير المقدّر مارك ل. لستر، حيث يحاول إنقاذ ابنته من خاطفيها. بعده بسنة لعب دوراً مشابهاً في فيلم أكشن آخر «صفقة مبدأي» (Raw Deal) أنجزه جون إيرفنز. الأفضل منه كان «مفترس» (Predator) سنة 1987.
هذا فيلم مختلف عن أعماله ومهم بالنسبة لهواة الخيال العلمي الممتزج بسينما الرعب. هناك وحش في أدغال لاتينية لديه شكل زئبقي وقدرة على الفتك. مجموعة من المقاتلين المحترفين يقودهم شوارتزنيغر طبعاً، يحاولون مجابهته وقتله. هنا يحيط المخرج جون مكتيرنن بطله بعدد من الممثلين من أصحاب القوّة البدنية أيضاً، بينهم كارل ويذرز، وبيل ديوك، وجسي فنتورا، واللافت، سوني لاندهام.
هذه الأفلام، وأخرى مثلها في التسعينات، اعتمدت على قوّته البدنية وعضلاته المفتولة. وفي حين عمد ممثلو أفلام أكشن آخرين، مثل ستيفن سيغال، وتشاك نوريس، وجان - كلود فان دام، إلى فنون القتال الشرقية لإثبات وجودهم وتعزيز نجاحهم، اكتفى شوارتزنيغر (وسلفستر ستالون) بالقوّة البدنية كاحتراف ونوع قتال.
حلم متأخر
«توتال ريكول» (1990) لبول فرهوفن، تبع فيلما رايتمن الفاشلين فنياً، لكن شوارتزنيغر ورايتمن، التقيا مجدداً في فيلم رديء آخر هو «جونيور» (1994). بين «توتال ريكول» و«جونيور»، تابع شوارتزنيغر مسيرته في «ترميناتور 2»، ومن ثَم «لاست أكشن هيرو» لجون مكتيرنن (1993)، و«أكاذيب حقيقية» لجيمس كاميرون (1994).
تبع هؤلاء ثلة من مخرجي أفلام التشويق والأكشن الذين لا يقلّون مهارة عن مكتيرنن وكاميرون وفرهوفن. المخرج تشاك راسل استعان به لفيلم (Eraser) سنة 1996. وبيتر هيامس وضع شوارتزنيغر في بطولة «نهاية الأيام» (1999)، وروجر سبوتسوود أسند إليه بطولة «اليوم السادس» (2000).
خلال هذه الرحلة وما تلاها كان هناك بطل صنديد آخر ينجز النوعية نفسها من الأفلام. كانت لديه عضلاته الخاصّة وحضوره البدني الطاغي وأدواره الناجحة. هذا الممثل هو سلفستر ستالون، الذي تقاسم النجاحات في مثل هذه الأفلام مع شوارتزنيغر.
في عام 2000. وبينما كان شوارتزنيغر يصوّر «اليوم السادس» (الذي أنتجه أيضاً)، التقيت بستالون الذي كان انتهى من بطولة نسخة جديدة (غير موفقة) من فيلم، كان البريطاني مايكل كاين مثّله سنة 1971. في حديثنا تطرّقنا إلى ما بدا لي منافسة بين ستالون وشوارتزنيغر. قال: «المنافسة طبيعية، لكنني لا أجدها مسألة مهمّة بالفعل. نلتقي من حين لآخر وكل منا يتابع ما يقوم به الثاني».
سألته إذا ما فكّر في تمثيل فيلم من بطولة مشتركة بينه وبين شوارتزنيغر فأجاب: «هذا ما أتمنّاه. قلت له أكثر من مرّة، بعد سنوات سنصبح غير قادرين على تمثيل هذه الأفلام. دعنا نمثل فيلماً مشتركاً. قال نعم، لكننا لم نتقدّم أكثر من ذلك». طبعاً لا هو ولا شوارتزنيغر توقفا عن تمثيل أفلام الأكشن والقوّة، لكن شوارتزنيغر انشغل بتولي منصب حاكم كاليفورنيا الثامن والثلاثين ما بين 2003 و2011. وعندما عاد إلى التمثيل لم يجد بين ما عرض عليه ومثّله، الرواج السابق له.
في عام 2010 تحققت أمنية ستالون عندما حقق بطولة الجزء الأول من «المستَلكَون» (The Expendables)، الذي شارك في بطولته عدد من أبطال أفلام الأكشن مثل، دولف لندغرن، وجت لي، وجيسون ستاثام. شوارتزنيغر كان في الفيلم لكن من دون اسمه، كونه ما زال حاكم ولاية. بعد ذلك، ظهر في الجزأين اللاحقين من هذا المسلسل السينمائي.
حالياً، وفي سن الخامسة والسبعين، يعود إلى الشاشة بفيلم عنوانه (Kung Fury 2)، لاعباً دور رئيس الجمهورية. لكنه من غير المحتمل مطلقاً أن يُعيد الفيلم أمجاداً مضت.