كثيرة هي مواهب طوني أبو جودة الفنية؛ فإلى جانب مهنته السابقة في التقديم التلفزيوني، يمتلك صوتاً جميلاً خوله الفوز في أحد مواسم «ديو المشاهير». كما عُرف بموهبة الرسم «الكرتوني»، وتقليد شخصيات معروفة في المسرح الكوميدي. وقد شكل على مدى سنوات طويلة، رمزاً من رموز هذا المسرح في لبنان. فكان عنصراً مهماً لا يمكن الاستغناء عنه ضمن فرق الـ«ستاند أب كوميدي».
اليوم، قرر أبو جودة أن يشق طريقه وحده، بعيداً عن أسماء زملاء قدامى شاركهم عروضاً مسرحية كوميدية. فأطلق مسرحية «ستاند أب كوميدي» بعنوان «ستاند أب طوني» (انهض طوني)، يقدمها في عروض محددة على «مسرح مونو» في الأشرفية.
يستغرق عرض المسرحية نحو 60 دقيقة، يتناول خلالها أبو جودة مشاهد مختلفة من حياة اللبناني بصورة ساخرة. يتطرق إلى المحمول، والمسلسلات الدرامية، وظاهرة تربية الحيوانات الأليفة، ومشكلات اجتماعية مختلفة. وقرر الابتعاد تماماً عن الموضوعات السياسية وعن تقليد رجالها لأنهم حسب قوله، ما عادوا يشكلون مادة تجذب الناس. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ما عادت الموضوعات السياسية تهم الناس، ورجالها استنفدوا الوقت المعطى لهم، فملّ اللبناني من رؤيتهم حتى ولو صورياً، بتقليدهم على المسرح. فالتأثيرات السلبية التي مارسوها علينا دفعت بنا إلى النفور منهم. لذلك ابتعدت تماماً عن تناول السياسة وأهلها في لبنان ضمن مسرحيتي الجديدة».
هي عودة تأتي بعد طول غياب لطوني أبو جودة عن المسرح الكوميدي، أسوة بغيره من الزملاء. فالجائحة كانت سبباً رئيسياً لإيقاف أي نشاط من هذا النوع. واليوم ومع عودة الحياة إلى طبيعتها، قرر تقديم هذا العمل. أما عنوانه فهو عن الانطلاق من جديد في مشوار الحياة الذي أصيب بشلل تام في السنتين الماضيتين: «انهض طوني»، عبارة تمثل عودته بعد ركود قسري، ويشير فيها إلى ضرورة نهوض لبنان الثقافي والفني من جديد.
ولكن ماذا تبدل في المشهد الكوميدي اللبناني بعد هذا الغياب؟ يرد في سياق حديثه: «أمور كثيرة، بدءاً من مزاج الناس، مروراً بغياب البرامج التلفزيونية الساخرة، ووصولاً إلى اكتساح (السوشيال ميديا) مجال الكوميديا. وهذه الأخيرة تركت بأثرها الكبير على الفن الكوميدي، بعد أن لاقى ناشطوها أساليب مختلفة لإضحاك الناس وجذبهم إلى حواراتهم المصورة القصيرة».
وحسب طوني فإن الكوميديا تشهد فوضى عارمة، فما عادت تقتصر على أصحابها المعروفين. توسعت لتشمل الآلاف من الذين اتخذوا من الضحكة سبيلاً، لتحقيق نسب مشاهدة عالية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي المقابل يؤكد طوني، أن المسرح الكوميدي هو حاجة وضرورة وواجب دائم علينا القيام به. «ليس فقط من باب الترفيه بل أيضاً لأنه يمثل تكملة لدورة الفن. لذا علينا أن ننهض ونكمل الطريق، إنه فن كالفنون الأخرى، مثل الفن الغنائي، والتشكيلي، والاستعراضي، والروائي وغيره. وعالمنا اليوم برمته يحتاج الوجه الثقافي لينطلق من جديد».
وعن مسرحيته الجديدة يقول: «متنوعة وشاملة، تتضمن كل ما أجيد من مواهب، كالتقليد، والغناء، والتقديم التلفزيوني وغيرها. وركزت فيها على الموضوعات الاجتماعية والفنية وعلى البرامج التلفزيونية والسوشيال ميديا. وفي إطار النقد الساخر أتناول مجموعة من مشاكلنا اليومية كما أوجه (لطشات) قليلة لأهل السياسة».
تبدلت جرعات الضحك المتنوعة التي كانت بمتناول اللبناني فيما مضى. كان يجدها ضمن فريق يتألف من أكثر من ممثل كوميدي، يقدمون معاً، طبقاً دسماً من الضحك، فيحتار من يتابع منهم في مشهد واحد. لماذا هذا الفراق بين الزملاء في رأيه؟ «صار لكل منا مشاغله واهتماماته وارتباطاته، ولم نعد نملك الوقت لنحضر الأعمال معاً. كما أن العصر الذهبي للكوميديا ولّى والأولويات تبدلت. وكنت أفكر منذ مدّة بشق طريقي لوحدي، بيد أن الجائحة غيّرت خططي. وقد نجتمع كلنا يوماً في مهرجان أو مناسبة، تبعاً للزمان والمكان الملائمين».
يقدم أبو جودة حفلاته في مواعيد محددة على «مسرح مونو» في الأشرفية، لماذا؟ يرد: «لم تعد العروض الطويلة الأمد رائجة اليوم، والسرعة مطلوبة في كل شيء. وهو أمر شعرنا به منذ نحو 5 سنوات. ويمكن القول إني أجسّ النبض كي أتلمس الطريق الذي سأتبعه.
وفي حال وجدت الإقبال جيداً كما هو الآن، يمكنني أن أجدد العروض». يرى أبو جودة أن إضحاك الناس ليس بالأمر الصعب، لا بل هو صناعة سهلة إذا عرفنا تقديم الكوميديا في ظل محتوى جيد وجميل. «ما تبدل حقيقة، هو عملية اختيار المواضيع، لأن انشغالات الناس تبدلت، وأولوياتهم أيضاً. كما أن هناك جيلا كوميديا جديدا بدأ يظهر على الساحة ويتمتع بمواهب ممتازة، لذلك لا خوف على ضحكة اللبناني، فهي في أيادٍ أمينة». ألا يخاف جيلكم المخضرم من الكوميدي الجديد؟ يرد: «تقاعسنا في العمل قد يشعرنا بالخطر. مطلوب منا إيجاد السبل التي من خلالها نستطيع أن نستمر في عملنا وموازاتهم».
طوني أبو جودة لـ«الشرق الأوسط»: موضوعات السياسة ما عادت تهم الناس
«انهض طوني»... هكذا يعود إلى المسرح الكوميدي
طوني أبو جودة لـ«الشرق الأوسط»: موضوعات السياسة ما عادت تهم الناس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة