ديفيد تريمبل... آيرلندا الشمالية تفقد صانع سلامها

ديفيد تريمبل (أ.ب)
ديفيد تريمبل (أ.ب)
TT

ديفيد تريمبل... آيرلندا الشمالية تفقد صانع سلامها

ديفيد تريمبل (أ.ب)
ديفيد تريمبل (أ.ب)

فقدت آيرلندا الشمالية رئيس وزرائها السابق ديفيد تريمبل عن عمر 77 عاما، بعد مسيرة أنجز خلالها اتفاق سلام تاريخيا، وقدّم مثال السياسي القادر على الدفع نحو التسويات في أزمنة الانقسام الحاد.
وفي وقت متأخر ليل الاثنين الثلاثاء، أعلن حزب ألستر الوحدوي، الذي انتمى إليه تريمبل، وفاة رئيس الوزراء السابق الحائز جائزة نوبل للسلام تقديرا لدوره في إبرام اتفاق عام 1998، وضع حدا لثلاثة عقود من النزاع في البلد المنضوي تحت راية المملكة المتحدة.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن الحزب قوله في بيان إن تريمبل «توفي بسلام في وقت سابق اليوم (الاثنين) بعد فترة وجيزة من المرض»، من دون تقديم تفاصيل إضافية بهذا الشأن.
ويطوي هذا الرحيل حقبة أساسية من التاريخ المعاصر لآيرلندا الشمالية.
وقاد تريمبل حزبه البروتستانتي المؤيد لتعزيز الروابط مع لندن، إلى مفاوضات شاقة مع الجمهوريين الكاثوليك، توجّت بـ«اتفاق الجمعة العظيمة» الذي وضع حدا لزهاء ثلاثة عقود من توتر طائفي دموي.
وفي العام ذاته، تشارك تريمبل جائزة نوبل للسلام مع نظيره الجمهوري جون هيوم لدورهما في إبرام اتفاق سلام أنهى نزاعا أودى بحياة 3500 شخص.
ووفق كاتب سيرته أندرو روث، كان تريمبل مثل شخص «يقدم أداء على حبل مشدود، أذهل متابعيه بقدرته على التأرجح بين الطائفية البروتستانتية المتطرفة والوسط المعتدل».
ولد وليام ديفيد تريمبل في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1944 لعائلة من الطبقة الوسطى في بانغور بآيرلندا الشمالية.
عرف في طفولته بطباعه الخجولة وشغفه بالقراءة والدراسة، وتم قبوله في جامعة الملكة في بلفاست، حيث نال شهادة في الحقوق عام 1968، ودخل نقابة المحامين في السنة التالية.
انخرط في المعترك السياسي في عام 1975 ممثلا لمنطقة جنوب بلفاست في الحكومة الاقليمية عن حزب فانغارد («الطليعة») الوحدوي التقدمي.
ولدى انقسام الحزب بسبب تحالف محتمل مع المنافسين الجمهوريين، اصطف تريمبل مع مؤيدي الاتفاق، ما أعطى إشارة إلى أن قناعاته الوحدوية باتت تترافق مع نزعة تسوية براغماتية.
عام 1978، انضم إلى حزب ألستر الوحدوي. وفي 1990، كان ضمن الجمع الذي قام من على سطح مقر الحزب في بلفاست، بالتشويش على زيارة رئيس الوزراء الآيرلندي جون هوهي.
في العام ذاته، انتخب نائبا في البرلمان البريطاني عن الحزب الذي أصبح زعيما له بعد خمس سنوات (1995). وكتب الصحافي جون مالن أن «القوميين نظروا إلى تريمبل على أنه وحدوي بذهنية» موقف لا يحيد «قيد أنملة».
وعلى الرغم من كل التركة الثقيلة للنزاع، كان تريمبل أول زعيم وحدوي يدخل في مفاوضات مع «شين فين»، الجناح السياسي للجيش الجمهوري الآيرلندي.
قاد تريمبل الوحدويين خلال مفاوضات امتدت ثمانية أشهر، توّجت باتفاق الجمعة العظيمة، الذي أرسى حكومة إقليمية تشاركية وأنهى العمليات العسكرية وشبه العسكرية لكل الأطراف. خلال الفترة التي سبقت طرح الاتفاق على الاستفتاء، وضع تريمبل رصيده الوحدوي لدعم الحملة الهادفة إلى نيل الموافقة الشعبية عليه.
ظهر على المسرح مع هيوم خلال حفل موسيقي، في لحظة ينظر إليها على أنها كانت مفصلية في جعل فوز الاتفاق في الاستفتاء أمرا شبه مؤكد.
إلا أن مساندته للسلام لم تنهِ بغضه الشخصي حيال القوميين. وينسب إليه وصف جيري أدامز، زعيم «شين فين» الذي يعتقد أنه كان أيضا من أفراد الجيش الجمهوري، بأنه «أكثر شخص مقزز التقيته في حياتي».
أكسبه دفعه نحو السلام أعداء في صفه، إذ اعتبر العديد من الوحدويين أنه خان القضية التي ناضلوا من أجلها.
مع ذلك، أصبح تريمبل أول رئيس وزراء لآيرلندا الشمالية وفق الصيغة الحكومية الجديدة، وتشارك مع هيوم جائزة نوبل للسلام عام 1998.
اعتبر بعد نيله الجائزة أن «وحدويي ألستر، خشية من أن يصبحوا معزولين على الجزيرة، بنوا بيتا صلبا، لكنه كان شديد البرودة للكاثوليك... بدا لنا أن القوميين الشماليين، على رغم تمتعهم بسقف فوق رأسهم، يريدون أن يحرقوا هذا البيت».
لم تكن المهمة سهلة في البيت المشترك. فغالبا ما تواجهت السلطتان التنفيذية والتشريعية على خلفية تعهد الجيش الجمهوري الإيرلندي نزع سلاحه، وهي مهمة أنجزت عام 2005.
ترك منصبه في 2002 مع بدء تعليق عمل السلطة التشريعية، على خلفية شبكة تجسس مزعومة مرتبطة بالجيش الجمهوري الآيرلندي تنشط في البرلمان.
بعد ثلاثة أعوام من ذلك، خسر مقعده في برلمان المملكة المتحدة، لكنه نال رتبة في مجلس اللوردات حيث انتقل لصف حزب المحافظين في 2006.


مقالات ذات صلة

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

العالم شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

أعلنت شرطة لندن، الثلاثاء، توقيف رجل «يشتبه بأنه مسلّح» اقترب من سياج قصر باكينغهام وألقى أغراضا يعتقد أنها خراطيش سلاح ناري إلى داخل حديقة القصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

قال قصر بكنغهام وصناع شاشة جديدة من المقرر استخدامها خلال مراسم تتويج الملك تشارلز الأسبوع المقبل إن الشاشة ستوفر «خصوصية مطلقة» للجزء الأكثر أهمية من المراسم، مما يضمن أن عيون العالم لن ترى الملك وهو يجري مسحه بزيت. فالشاشة ثلاثية الجوانب ستكون ساترا لتشارلز أثناء عملية المسح بالزيت المجلوب من القدس على يديه وصدره ورأسه قبل وقت قصير من تتويجه في كنيسة وستمنستر بلندن في السادس من مايو (أيار) المقبل. وقال قصر بكنغهام إن هذه اللحظة تاريخيا كان ينظر إليها على أنها «لحظة بين الملك والله» مع وجود حاجز لحماية قدسيته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

قدّم رئيس هيئة «بي بي سي» ريتشارد شارب، أمس الجمعة، استقالته بعد تحقيق وجد أنه انتهك القواعد لعدم الإفصاح عن دوره في ترتيب قرض لرئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون. وقال شارب، «أشعر أن هذا الأمر قد يصرف التركيز عن العمل الجيد الذي تقدّمه المؤسسة إذا بقيت في المنصب حتى نهاية فترة ولايتي». تأتي استقالة شارب في وقت يتزايد التدقيق السياسي في أوضاع «بي بي سي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

أكد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»، اليوم (الثلاثاء)، أنه يتعين على البريطانيين القبول بتراجع قدرتهم الشرائية في مواجهة أزمة تكاليف المعيشة التاريخية من أجل عدم تغذية التضخم. وقال هيو بيل، في «بودكاست»، إنه مع أن التضخم نجم عن الصدمات خارج المملكة المتحدة من وباء «كوفيد19» والحرب في أوكرانيا، فإن «ما يعززه أيضاً جهود يبذلها البريطانيون للحفاظ على مستوى معيشتهم، فيما تزيد الشركات أسعارها ويطالب الموظفون بزيادات في الرواتب». ووفق بيل؛ فإنه «بطريقة ما في المملكة المتحدة، يجب أن يقبل الناس بأن وضعهم ساء، والكف عن محاولة الحفاظ على قدرتهم الشرائية الحقيقية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

قدّم نائب رئيس الوزراء البريطاني، دومينيك راب، استقالته، أمس، بعدما خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّه تنمّر على موظفين حكوميين. وفي نكسة جديدة لرئيس الوزراء ريشي سوناك، خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّ راب، الذي يشغل منصب وزير العدل أيضاً، تصرّف بطريقة ترقى إلى المضايقة المعنوية خلال تولّيه مناصب وزارية سابقة. ورغم نفيه المستمر لهذه الاتهامات، كتب راب في رسالة الاستقالة الموجّهة إلى سوناك: «لقد طلبتُ هذا التحقيق، وتعهدتُ الاستقالة إذا ثبتت وقائع التنمّر أياً تكن»، مؤكّداً: «أعتقد أنه من المهم احترام كلمتي». وقبِل سوناك هذه الاستقالة، معرباً في رسالة وجهها إلى وزيره السابق عن «حزنه الشديد»، ومشيداً بسنوات خدمة

«الشرق الأوسط» (لندن)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.