هوس البحث عن الكنوز يهدد آثار اليمن

مومياء يمنية تعود إلى عصر الدولة الحميرية القديمة اكتُشفت أثناء الحفر العشوائي في إب (مكتب الآثار بالمحافظة)
مومياء يمنية تعود إلى عصر الدولة الحميرية القديمة اكتُشفت أثناء الحفر العشوائي في إب (مكتب الآثار بالمحافظة)
TT

هوس البحث عن الكنوز يهدد آثار اليمن

مومياء يمنية تعود إلى عصر الدولة الحميرية القديمة اكتُشفت أثناء الحفر العشوائي في إب (مكتب الآثار بالمحافظة)
مومياء يمنية تعود إلى عصر الدولة الحميرية القديمة اكتُشفت أثناء الحفر العشوائي في إب (مكتب الآثار بالمحافظة)

دُفن رجلان يمنيان نهاية الشهر الماضي تحت انهيار صخري ضخم مديرية ماوية بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن) بينما كانا يحفران أسفل موقع أثري بحثاً عن الكنوز. لكن الأمر ليس بهذه الخطورة في مواقع أثرية أخرى في وسط البلاد وشرقها؛ لوجودها في أعلى المرتفعات أو وسط الرمال.
وتتعرض هذه المواقع اليمنية الأثرية للعبث بصورة غير معهودة، حيث زادت أعمال البحث غير المشروعة عن الكنوز في هذه المدافن والمواقع نتيجة التراخي الأمني، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة نتيجة الحرب التي أشعلتها ميليشيات الحوثي ومصادرتها كل عائدات الدولة لخدمة مقاتليها. «الهيئة اليمنية العامة للآثار» نبّهت السكان إلى عدم الانجرار وراء شائعات وجود أماكن تحتوي على الكنوز، والتي دائماً ما يروّج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت، إن «ذلك من الأوهام». وبيّنت الهيئة أن كثيرين تعرضوا إلى حوادث مختلفة جراء ذلك، وكان آخرها حادثة دفن رجلين في مديرية ماوية بمحافظة تعز (جنوب غرب) بعد قيامهما وعلى مدى ثلاثة أشهر بالحفر العشوائي أسفل مرتفع جبلي يقع عليه حصن تاريخي، بغية الحصول على الكنز المزعوم، حيث وصلا في الحفر إلى عُمق كبير، ولكن مع التغيرات المناخية والأمطار التي تشهدها المحافظة حدث انهيار صخري كان سببه الفراغات التي أحدثها الرجلان بين الصخور؛ ما أدى إلى دفنهما تحت الأنقاض.
مواقع أثرية مهمة أخرى في محافظة إب المجاورة التي كانت عاصمة للدولة الحميرية (إحدى دول اليمن القديم) وظهرت وفق المؤرخين في العام 110 قبل الميلاد، كانت قد شهدت عمليات نبش وحفر عشوائي بحثاً عن الكنوز الذهبية، بعد أن حصل بعض السكان على مسكوكات ذهبية وحلي في مدافن يعتقد أنها لملوك تلك الدولة في تلك المواقع.
ويؤكد عاملون في قطاع الآثار لـ«الشرق الأوسط»، أن أهم منطقة يتم نهبها وسرقتها هي منطقة هي «جبل عصام» في مديرية السدة، حيث تولت أسرتان تتبعان ميليشيات الحوثي نبش معظم المواقع الأثرية هناك، وحفر عناصرها قبوراً وأخرجوا قطعاً ذهبية وتماثيل. وفي نهاية العام الماضي - بحسب المصادر - استحدث عناصر الحوثيين موقعاً عسكرياً في المنطقة، يجزم العاملون، أنه «مخيم للبحث عن الآثار ونهبها تحت غطاء موقع عسكري»، وأن مكتب الآثار في محافظة إب قدم بلاغات للأمن والهيئة العامة للآثار الخاضعة في صنعاء للحوثيين، لكن دون فائدة.
ووفق أحد العاملين في هذا القطاع، فإن عملية نبش المواقع الأثرية بحثاً عن كنوز الدولة الحميرية القديمة، لا يقتصر على بلدة ظفار التي كانت عاصمة تلك الدولة ،ولكن العبث يمتد إلى كل قرى مديرية السدة. ويقول، إن «أغلب المسؤولين الذين ينحدرون من أسر متنفذة في المنطقة تقاسموا هذه المواقع بعلم سلطة ميليشيات الحوثي ورضاها». ويضيف «ظاهرة الاعتداء على المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في المحافظة أصبحت تشكل خطراً على الموروث التاريخي؛ إذ إن العديد من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية تعرّض للاعتداء والتخريب من قِبل عصابات تقوم بالحفر العشوائي وتدمير المعالم التاريخية بحثاً عن الكنوز والآثار بغرض بيعها وتهريبها». ويؤكد، أن الأمر «وصل إلى الاعتداء على الموتى من خلال قيام تلك العصابات بتدمير الأضرحة ونبشها كما طالت الاعتداء على المساجد التاريخية في العديد من مديريات المحافظة».
ويعيد مسؤول رفيع في هيئة الآثار، في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، أسباب زيادة هذه الحوادث إلى وجود عصابات منظمة تعمل في هذا الاتجاه، إلى جانب ضعف الأجهزة الأمنية التي أثبتت السنوات الأخيرة أنها لم تكن بالمستوى المطلوب، بالإضافة إلى وجود وجاهات اجتماعية تسهل للعابثين الحفر والتنقيب العشوائي في المواقع الأثرية.
وقد زادت هذه الحوادث بسبب ضيق سبل العيش وقلة فرص العمل وقطع المرتبات حيث اندفع البعض للبحث عن دفائن في أغلب المواقع التاريخية، بحسب المصدر نفسه.
من جهته، يحذر الباحث الآثاري اليمني عبد الله محسن، اليمنين من انهيار وسقوط بيوت في صنعاء القديمة لكثرة عمليات الحفر في الأدوار السفلية من تلك المباني بحثاً عن كنوز. ويقول، إن «حالات الحفر والتنقيب بالعشرات معززة بقصص عن كميات من الكنوز يزعم أنها اكتشفت أثناء عمليات إصلاحات قبل فترة طويلة في جوار الجامع الكبير».
ويؤكد مسؤول يمني آخر لـ«الشرق الأوسط»، أن العديد من المواقع الأثرية في محافظة إب تحديداً تم اكتشافها إما بالصدفة أو عن طريق التنقيب والنبش والعبث والسطو من قبل مواطنين أو لصوص آثار، ولم يكن اكتشافها وفق دراسات علمية وبحوث وتنقيب علمي. ويقول المسؤول «تم توثيق 5 آلاف قطعة أثرية، ومع ذلك سلمت السلطة المحلية مبنى متحف المحافظة لإحدى الأسر، وتم نقل القطع الأثرية إلى مخازن تتبع المركز الثقافي في المحافظة (إب) منذ سيطرة الحوثيين على المدينة.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

العالم العربي غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الخميس) اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في عدن بـ«المثمر والجوهري»، وذلك بعد نقاشات أجراها في صنعاء مع الحوثيين في سياق الجهود المعززة للتوصل إلى تسوية يمنية تطوي صفحة الصراع. تصريحات المبعوث الأممي جاءت في وقت أكدت فيه الحكومة اليمنية جاهزيتها للتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر لما وصفته بـ«بتصفير السجون» وإغلاق ملف الأسرى والمحتجزين مع الجماعة الحوثية. وأوضح المبعوث في بيان أنه أطلع العليمي على آخر المستجدات وسير المناقشات الجارية التي تهدف لبناء الثقة وخفض وطأة معاناة اليمنيين؛ تسهيلاً لاستئناف العملية السياسية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

في خطوة أحادية أفرجت الجماعة الحوثية (الأحد) عن القائد العسكري اليمني المشمول بقرار مجلس الأمن 2216 فيصل رجب بعد ثماني سنوات من اعتقاله مع وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي شمال مدينة عدن، التي كان الحوثيون يحاولون احتلالها. وفي حين رحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالخطوة الحوثية الأحادية، قابلتها الحكومة اليمنية بالارتياب، متهمة الجماعة الانقلابية بمحاولة تحسين صورتها، ومحاولة الإيقاع بين الأطراف المناهضة للجماعة. ومع زعم الجماعة أن الإفراج عن اللواء فيصل رجب جاء مكرمة من زعيمها عبد الملك الحوثي، دعا المبعوث الأممي في تغريدة على «تويتر» جميع الأطراف للبناء على التقدم الذي تم إنجازه

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

في مسكن متواضع في منطقة البساتين شرقي عدن العاصمة المؤقتة لليمن، تعيش الشابة الإثيوبية بيزا ووالدتها.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

فوجئ محمود ناجي حين ذهب لأحد متاجر الصرافة لتسلّم حوالة مالية برد الموظف بأن عليه تسلّمها بالريال اليمني؛ لأنهم لا يملكون سيولة نقدية بالعملة الأجنبية. لم يستوعب ما حصل إلا عندما طاف عبثاً على أربعة متاجر.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

يجزم خالد محسن صالح والبهجة تتسرب من صوته بأن هذا العام سيكون أفضل موسم زراعي، لأن البلاد وفقا للمزارع اليمني لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة منذ سنين طويلة. لكن وعلى خلاف ذلك، فإنه مع دخول موسم هطول الأمطار على مختلف المحافظات في الفصل الثاني تزداد المخاطر التي تواجه النازحين في المخيمات وبخاصة في محافظتي مأرب وحجة وتعز؛ حيث تسببت الأمطار التي هطلت خلال الفصل الأول في مقتل 14 شخصا وإصابة 30 آخرين، كما تضرر ألف مسكن، وفقا لتقرير أصدرته جمعية الهلال الأحمر اليمني. ويقول صالح، وهو أحد سكان محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب فإن الهطول ال

محمد ناصر (عدن)

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.