امتحانات «الثانوية العامة».. معاناة سنوية في مصر

موسم توتر الطلاب.. وأحلام الأسر مثقلة للكاهل

أخذت مرحلة الثانوية العامة في التعليم ما قبل الجامعي في مصر مسميات كـ«الكابوس» و«المعركة» و«عنق الزجاجة»
أخذت مرحلة الثانوية العامة في التعليم ما قبل الجامعي في مصر مسميات كـ«الكابوس» و«المعركة» و«عنق الزجاجة»
TT

امتحانات «الثانوية العامة».. معاناة سنوية في مصر

أخذت مرحلة الثانوية العامة في التعليم ما قبل الجامعي في مصر مسميات كـ«الكابوس» و«المعركة» و«عنق الزجاجة»
أخذت مرحلة الثانوية العامة في التعليم ما قبل الجامعي في مصر مسميات كـ«الكابوس» و«المعركة» و«عنق الزجاجة»

انطلقت في مصر أمس امتحانات شهادة الثانوية العامة، لطلبة النظام القديم، بينما تنطلق اليوم الامتحانات لطلبة النظام الحديث، معلنة بدء الموسم السنوي لـ«معسكرات المعاناة» مع الامتحانات، بكل ما تحمله من توتر وأرق وإرهاق لكاهل الأسر المصرية.
وفي تجهيزات تشبه دخول المعركة، تتغير الخريطة الاجتماعية والنفسية للأسرة المصرية، التي يدرس أحد أبنائها في تلك المرحلة الحرجة، فتقل الزيارات الأسرية ويغلق التلفاز وأصوات الراديو طوال اليوم، ويكرس مصروف المنزل لتغذية الطالب وتكثر الأمهات من تقديم العناصر الغذائية التي تساعده على الفهم والتركيز، في محاولة منهن لتهيئة الجو العام من أجل تحصيل درجات عالية تحدد مصير الطالب في المرحلة الجامعية القادمة.
وتوضح الأسر أن المعاناة مع أبنائها الطلاب تزداد من حيث الضغوط والتعقيدات عاما بعد عام، حيث تمر المرحلة الابتدائية على خير، ثم تضطرب الأسرة قليلا مع بداية المرحلة الإعدادية استعدادا لما هو قادم، وأخيرا تأتي المرحلة الثانوية بفصولها الثقيلة المهلكة على عقل وكتف الطلاب وأسرهم.
وفي دلالة واضحة على تلك المعاناة، وبعد أن كانت تسمى قديما «الكفاءة» و«البكالوريا»، أخذت مرحلة الثانوية العامة في التعليم ما قبل الجامعي في مصر، مسميات أخرى كـ«الكابوس» و«المعركة» و«عنق الزجاجة» أو «تسونامي المدارس»، لما تشكله من عبء. ولا تندهش إذا ما مررت من أمام بوابة مدرسة خلال فترة الامتحانات، لتجد تجمعات من أولياء الأمور ينتظرون أبناءهم في شغف ولهفة، وتسود حولهم حالة من الترقب حول طبيعة الأسئلة ومدى فهم أبنائهم واستيعابهم لها.
وبين مشاهد البكاء الجماعي التي تصاحب طلاب القسم العلمي، وخصوصا في مادة الفيزياء، التي دائما ما يأتي امتحانها قاسيا، بعيدا عن تصريحات المسؤولين بأنها في مستوى الطالب العادي، ومشاهد أخرى من السعادة والزغاريد المبدئية لفرحة الإجابة الصحيحة، تقضى الأسر المصرية «فصلاً» مهلكًا من تاريخها الأسري والإنساني.
وخلال السنوات العشر الأخيرة، ومع انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية في مصر وسيطرتها بشكل كامل على تلك المرحلة، تخطط الأسر المتوسطة الحال مبكرا لهذا البند المالي الضخم من دروس ومراجعات، تزيد وتيرتها مع اقتراب موعد الامتحان.
وعبر تاريخها الممتد منذ الربع الأول من القرن التاسع عشر، شهدت قوانين ومعايير دراسة «الثانوية العامة» في مصر أكثر من تغيير على مدى تاريخها الطويل، وكان آخرها في عام 2013، بعد عامين من ثورة «25 يناير» عام 2011، حين أعلنت وزارة التربية والتعليم المعنية بشؤون التعليم في مصر عن تطبيق نظام جديد للثانوية العامة لتعود مجددا إلى كونها سنة واحدة بدلا من سنتين تخفيفا عن الأسر المصرية.
كما تأثرت المناهج التعليمة في مصر بالتطورات السياسية التي تحدث في الوقت الراهن، فقبل ثورة 30 يونيو (حزيران)، في فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين، أجرت الجماعة تعديلات في كتب مدرسية.. وحسب مراقبين، تم حذف صور خاصة بثورة «25 يناير»، واستبعدت صورة ناشطة حقوقية بسبب عدم ارتدائها الحجاب، مع استبدال صور المصحف والصليب بصور علم مصر فقط، وذلك في كتابي التربية الوطنية بالصفين الثاني والثالث الثانوي. لكن وزارة التربية والتعليم، قامت مؤخرا بإجراء مراجعات وتعديلات جديدة على تلك المناهج.
وتقول فرح يوسف، التي تنتظر امتحانها في النظام الحديث اليوم (الأحد)، إن التغيير الأخير باعتبار الثانوية العامة سنة واحدة فقط وليس لسنتين، «لم يفرق كثيرًا، لأننا ندرس طوال العام بلا هوادة، حيث تمر علينا 10 أشهر كاملة من التوتر والضغط والقلق والجري وراء الدروس والمراجعات المرهقة».
وتبسط الدولة نفوذها على العملية التعليمية، بموجب الدستور الذي ينص على أن «التعليم حق تكفله الدولة، وتشرف عليه وتنظم مراحله ومناهجه».. لكن يجمع كثير من الخبراء على أن حل معضلة التعليم في مصر يكمن في التحول من فكرة كون التعليم مسؤولية الحكومة إلى فكرة قومية للتعليم، وضرورة مساهمة جميع القطاعات ومن بينها القطاع الخاص في تطويره وتحسين جودته، باعتباره قضية أمن قومي.
وتقول الدكتورة منى أبو طيرة، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، لـ«الشرق الأوسط»: «من المهم جدا أن نهتم ونبحث عن سبب اتجاه الأسر والمجتمع إلى تضخيم مرحلة الثانوية العامة في حياتهم، فهذا يرجع إلى أن الإنسان مصاب بالقلق بطبعه، ويبحث دائما عن مهرب لمشكلاته اليومية والاجتماعية.. فمن تعاني من مشكلات مع زوجها تصب اهتمامها على أبنائها، كما يرى البعض أن فرض حالات التضييق والاهتمام المبالغ فيه بالطلاب يبرهن علي درجة اهتمامهم بأبنائهم بالشكل الصحيح.. ولكنهم بذلك يؤثرون على صحته النفسية وعلى شخصيته التي تتبلور في تلك المرحلة».
وتضيف أبو طيرة أن «أيضا الاستعراض والتباهي بالنتائج، من نوعية أن ابنتي حصلت على 98 في المائة وابنة فلانة حصلت علي 80 في المائة، يخضع إلى منافسة لا منطقية لا فائدة منها على قدر ضررها».
وتطمح أبو طيرة إلى تغير الوعي الاجتماعي لأهمية التعليم في مصر، وتقول إن «الثانوية العامة ليست منتهى الأمر، فالتجربة في مصر تقول إن الشهادة الجامعية بمفردها لا توفر فرصة عمل جيدة لصاحبها.. فعلى الأسر أن تدعم أبناءها وتؤهلهم ببساطة لدخول سوق العمل، عبر الالتحاق بأعمال تدريبية خلال العطلات الصيفية، والاشتراك في أنشطة تناسب ميولهم وتنميها. فكل تلك الأمور تدعم ركائز شخصية الطالب وتنميها، لأننا دائما ما نقع في فخ اسم ولقب الشهادة الجامعية، دون النظر إلى الفائدة التي عادت على أبنائنا مما يدرسون».
ومع اليوم الأول لبدء موسم جديد من ماراثون الثانوية العامة في مصر، تظهر تحديات جديدة تواجهها وزارة التعليم والحكومة المصرية، أبرزها مؤخرا التصدي لظاهرة الغش الإلكتروني، الذي انتشر بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبحت التقنية متوفرة للجميع. وأكدت الوزارة أنها ستتصدى لذلك بكل حسم، موضحة أن أي محاولة للغش ستواجه بكل صرامة.
ويبلغ عدد طلاب النظام القديم الذين يؤدون امتحانات الثانوية العامة لهذا العام الدراسي 3 آلاف و849 طالبا وطالبة على مستوى الجمهورية، بينما يبلغ عدد طلاب النظام الحديث 531800، منهم 247833 طالبا و283967 طالبة.
وعلى صعيد ذي صلة، قالت وزارة التربية والتعليم إن عدد الطلاب والطالبات الذين يؤدون امتحانات الثانوية العامة من خلال اللجان الخاصة داخل السجون يبلغ 96 طالبا وطالبة، حيث إنهم جميعهم على ذمة قضايا ومحكوم عليهم بأحكام قانونية. مشيرة إلى أنه تم تجهيز لجنة خاصة داخل سجن القناطر الخيرية لأداء امتحانات الثانوية العامة، مع انتداب رئيس لجنة ومراقب للجنة السجن من وزارة التربية والتعليم، بالإضافة إلى تجهيز اللجان بكافة سبل الراحة من مراوح ومياه، وكذلك تم التنسيق مع الجهات الأمنية لتأمين نقل الأسئلة وكذلك تأمين اللجان وتأمين استراحات المراقبين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».