جددت دراسة حديثة نشرها «مركز بيو» الأميركي للأبحاث، الجدل بشأن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على العمل الإعلامي والصحافي. إذ كشفت الدراسة عن اعتماد الصحافيين عليها في الترويج لما ينشرونه من أخبار وتحقيقات، وفي الحصول على المعلومات، والأفكار لقصصهم الصحافية، وهذا في ظل الانتقادات المستمرة لوسائل الإعلام بملاحقة «الترند»، والتخلي عن المعايير المهنية.
ومع استمرار اتهام مواقع التواصل الاجتماعي بالمسؤولية عن تزايد الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، يشدد الخبراء على أهمية هذه المواقع كوسيلة للحصول على المعلومات والتواصل مع الجمهور، ولكنهم أيضاً يشددون على ضرورة التحقق من دقة المعلومات قبل نشرها.
الدراسة التي نُشرت في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، توصلت إلى أن «أكثر من تسعة من كل عشرة صحافيين أميركيين، أي نحو 94 في المائة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في عملهم». ولكن الاستخدامات متنوعة حسب الدراسة، فبينما «يروّج 87 في المائة من الصحافيين لقصصهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتواصل 79 في المائة منهم مع الجمهور من خلالها وإيجاد مصادر لمواضيعهم. وفي حين يستخدمها 75 في المائة في تحديد القصص التي يجب متابعتها وتغطيتها، يعتمد 49 في المائة يعتمدون عليها في جمع معلومات دقيقة، و41 في المائة لبناء الثقة في الأخبار». وبتعبير أكثر دلالة تنقل الدراسة عن الصحافيين أنهم «يعدون مواقع التواصل الاجتماعي نعمة ونقمة في آن واحد».
من جهة أخرى، تكشف الدراسة التي استطلعت آراء 12 ألف صحافي أميركي في الفترة من منتصف فبراير (شباط) حتى منتصف مارس (آذار) 2022، أيضاً أن 67 في المائة من الصحافيين الأميركيين المستفتين في الدراسة يرون أن مواقع التواصل الاجتماعي كان لها تأثير سلبي على العمل الصحافي ككل، بينما يرى 18 في المائة أنه كان لها تأثير إيجابي، ويقول 14 في المائة أنها لم تؤثر لا سلباً ولا إيجاباً.
يوتام أوفير، أستاذ الإعلام بجامعة ولاية نيويورك – بافالو الأميركية، يقول: «الصحافيون وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي، منذ نشأتها، أرضاً خصبة للبحث عن قصص إخبارية، والترويج لأعمالهم، والتواصل مع الجمهور وزملاء المهنة». ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «نتائج الدراسة ليست مفاجئة، فمعظم الصحافيون يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في عملهم الآن، حيث توفر هذا المواقع كثيراً من الفرص للصحافيين... والتطور المرتبط بملاحقة الإعلام للمواضيع المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي دفع كثرة من باحثي الاتصال لمحاولة إعادة تقدير النظريات المتعلقة بمن يضع أجندة الجمهور».
ويتابع أوفير موضحاً أن «المسألة معقدة، فالدراسات تقول إن وسائل التواصل الاجتماعي تضع الأجندة في بعض الأحيان، وتقود وسائل الإعلام الجماهيرية أجندة اهتمامات الجمهور في أحيان أخرى، فالمسألة معقّدة وتسير في الاتجاهين معاً».
من جانبه، قال الدكتور أسامة المدني، أستاذ الإعلام البديل في جامعة «أم القرى» السعودية ومستشار الإعلام الرقمي وتطوير الأعمال، لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه إن «وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة أحدثت نقلة نوعية في صناعة الإعلام... فجعلت العالم قرية متواصلة على مدار الساعة. إنها لم تعد وسائل للتواصل بين الأفراد فحسب، بل أصبحت أيضاً المصدر الرئيسي للأخبار لجميع فئات المجتمع دون استثناء، وبخاصة بعدما تخلصت من مصطلح حارس البوابة، أي مقصّ الرقيب، وباتت تشكل أهم أدوات التأثير في صناعة الرأي العام وتشكيله، خصوصاً لدى الفئة الأكثر استخداماً لها وهي فئة الشباب».
ويستطرد المدني شارحاً إن «منصات التواصل الاجتماعي تسهم في تغيير قناعات أفراد المجتمع حيال أي قضية رأي عام، كما أنها أداة لقياس الرأي العام أيضاً... ثم إن ظهور مصطلح المواطن الصحافي جعل من المواطن العادي مراسلاً صحافياً، وصار كل فرد يلعب دوراً مهماً في نقل الأخبار وصناعتها وتحريرها». ثم يشدد على أن «مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير إيجابي على العمل الصحافي كوسيلة مساعدة في رصد ونقل الخبر، لكن لها أيضاً بعض التأثيرات السلبية فيما يتعلق بمهنية ومصداقية المعلومات».
وحيال تعرّض الصحافيين لانتقادات بسبب اعتمادهم على مواقع التواصل الاجتماعي وملاحقتهم ما تسمى «ترندات السوشيال ميديا»، يقول المدني: «من الطبيعي جداً مواكبة الصحافي وتغطيته لما يحدث على الساحة المحلية أو الإقليمية أو الدولية، خصوصاً أن منصات التواصل الاجتماعي باتت تتمتع بسرعة في الاستجابة للأحداث، وتنفرد بالقدرة على الانتشار، وعلى أوسع نطاق، وتحقيق السبق الصحافي، والبقاء على اتصال مع القراء مراد كل صحافي ومؤسسة إعلامية». ويضيف: «لهذا يلجأ الكثير من الصحافيين، إلى منصات التواصل الاجتماعي المختلفة بوصفها أحد المصادر الرئيسة لتبني أفكار للقصص الصحافية، فهي باتت أشبه بأداة لتوليد القصص الصحافية الشيقة، إضافة إلى كونها أداة لمساعدة الصحافيين في التواصل مع الجمهور وجمع المعلومات، والتحقق منها».
هنا، يحرص الدكتور أوفير على رفض «التقليل من قوة الصحافة ووسائل الإعلام التقليدية على صياغة وتحديد أجندة اهتمامات الجماهير». ويرى أن «البعض يرى أنه لم تعد هناك حاجة لوسائل الإعلام التقليدية مع اعتماد الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي في الحصول على معلوماتهم، وفقاً للعبارة المنتشرة: احصل على المعلومات من (فيسبوك) و(تويتر)، لكنّ هذه العبارة مضللة». ويوضح الأكاديمي الأميركي أن «معظم المواضيع والأخبار التي يراها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن روابط تقود إلى وسائل إعلام تقليدية... وبالتالي، إذا قرأت مقالاً من (واشنطن بوست) -مثلاً- على (فيسبوك)، فهذا لا يعني أنك لم تعد تستقي أخبارك عن العالم من الإعلام التقليدي، بل يعني أن وسيط النشر قد تغير، وأصبحتَ تحصل على معلوماتك من روابط ينشرها أصدقاؤك، وتتحكم فيها الخوارزميات. ويمكن أن نقول إن هذه الخوارزميات هي المسؤولة أو المتحكمة في صياغة الأجندة الآن».
في سياق متصل، يثير الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي قضية الأخبار الكاذبة، لا سيما مع الاتهامات المستمرة لهذه المواقع بنشر الأخبار الزائفة والمضللة. ففي بداية العام الجاري عدّ تحالف عالمي من المجموعات المتخصصة في التحقق من المعلومات منصة «يوتيوب»، «قناة رئيسية للمعلومات الزائفة والمضللة عبر الإنترنت»، وتبيِّن دراسة أجرتها جامعة نيويورك الأميركية، وجامعة «غرينوبل - آلب» الفرنسية، في الفترة من أغسطس (آب) 2020 حتى يناير (كانون الثاني) 2021 أن «الإخبار المزيفة يصار إلى تشاركها 6 مرات أكثر من الأخبار الصحيحة». وهنا يعلّق الدكتور أوفير قائلاً إنه «من الصعب تقدير حجم المعلومات المضللة التي يتعرّض لها الصحافيون، أو يمررونها على الإنترنت... وتتطلّب مواجهة المعلومات المضللة قدراً من التدريب كي يتمكن الصحافي من التحقق من المعلومات والمصادر».
ويشدد أوفير على القول إنه بينما «تفتح وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الأبواب أمام الصحافيين وتمنحهم فرصة للبقاء على اطّلاع على القصص الناشئة والجديدة التي أحياناً تظهر إلى الإنترنت أولاً، كما تسهّل لهم التواصل مع الجمهور والمصادر والصحافيين... فإن هذه المواقع تخلق تحديات جديدة من بينها المنافسة مع المدونين والصحافيين المزيفين، الدين لا يخضعون لنفس قواعد العمل الإعلامي، وأخلاقياته، إضافةً إلى التعرض لمعلومات غير موثقة، من مصادر مجهولة، وهو ما يتطلب الكثير من التدقيق للحقائق والمعلومات».
في المقابل، يعوّل المدني على «استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وإحدى أدواتها الذكاء الصناعي وخوارزمياته في كشف الأخبار الزائفة والمضللة». ويرى أن هذه الخوارزميات مؤهلة لمواجهة «تقنيات التزييف العميق المستخدمة لترويج الشائعات عن المشاهير والدول من خلال الفيديوهات المضللة». ثم يشير إلى أن «الأمر قد يكون معقداً في بعض الأحيان عندما يتعرض الصحافي لخبر مكتوب باحترافية ومهنية عالية، باستخدام برمجيات تمزج بين المعلومات الصحيحة والمعلومات الكاذبة، وهي البرمجيات نفسها التي وظّفتها شركة ميتا (فيسبوك سابقاً) و(تويتر) و(يوتيوب) في مواجهة المعلومات الزائفة». إلا أنه يخلص إلى القول إن «خط الدفاع الأول لمواجهة المعلومات الزائفة هو إعمال التفكير النقدي، وإن ظلت العملية صعبة على المؤسسات الإعلامية، في ظل الحروب العالمية السيبرانية، التي تعتمد على جيوش ما يسمى الذباب الإلكتروني».
ختاماً، حسب دراسة «بيو» فإن الصحافيين المستفتين منحوا درجات على مؤشر لمعدل الأهمية لمواقع التواصل في عملهم، فتبين أن «تويتر» هو الموقع الأهم للصحافيين بنسبة 69 في المائة من نسبة الأولوية لعملهم، ويليه «فيسبوك» بنسبة 52 في المائة، ثم «إنستغرام» 19 في المائة، و«لينكد إن» 17 في المائة، ويأتي «يوتيوب» في المرتبة الخامسة بنسبة 14 في المائة من مؤشر الأهمية الاستخدامية. في المقابل، كان الموقع الأكثر استخداماً من الجمهور هو «فيسبوك» بنسبة 31 في المائة، يليه «يوتيوب» بنسبة 22 في المائة، ويحتل «تويتر» المرتبة الثالثة بنسبة 13 في المائة.