في ظل استمرار محاولات الاستقطاب العالمي، وظهور بوادر ما يسمى بالحرب الباردة الجديدة بين روسيا من جانب والغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية من جانب آخر، يبدو أن مصر تسعى إلى الحفاظ على خط متوازن في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وهو ما أكده سامح شكري، وزير الخارجية المصري، في تصريحات تلفزيونية تعليقاً على زيارة نظيره الروسي سيرغي لافروف للقاهرة، عندما قال إن «مصر تحتفظ دائماً بعلاقات متوازنة مع كل شركائها، على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهي مستمرة في إدارة علاقاتها بتوازن لتحقيق مصالحها».
تحقيق هذا التوازن في العلاقات بدا جلياً على مدار الأيام الأخيرة التي شهدت جولة أوروبية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شملت ألمانيا وصربيا وفرنسا، وقبلها كانت مشاركته في قمة جدة بالمملكة العربية، التي شهدت جميعها عرضاً لمبادئ السياسة الخارجية المصرية، التي تتضمن «إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية، وبناء المجتمعات من الداخل على أسس الديمقراطية والمواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان، والتأكيد على أن الأمن القومي العربي، كل لا يتجزأ، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون لمواجهة الأزمات العالمية الناتجة عن تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية، إضافة إلى أزمات المياه والطاقة وتطورات المناخ».
اتجاه مصر إلى تحقيق التوازن في علاقاتها الدولية ليس جديداً أو غريباً. ويقول الخبير والمحلل السيسي المصري الدكتور عبد المنعم سعيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «خط التوازن في العلاقات مع مختلف دول العالم موجود منذ عهد الملكية، حيث كانت مصر دائماً تقف موقف الحياد، وهو ما فعلته خلال الحرب الكورية في الخمسينيات من القرن الماضي. وبرغم علاقاتها القوية مع موسكو في أعقاب النكسة عام 1967 فإنها لم تؤيد غزو روسيا لتشيكوسلوفاكيا»، مشيرا إلى أن «مصر دائما تتبنى فكر الحياد الإيجابي، وكانت المرة الوحيدة التي تخلت فيها عن الفكرة هي عام 1948 بدخولها الحرب في فلسطين ودفعت ثمن ذلك غالياً».
وتسعى مصر من خلال علاقاتها الدولية إلى تحقيق مصالحها في المقام الأول، وتقديم نفسها للعالم كشريك وحليف قوي قادر على المشاركة في حل النزاعات الإقليمية، وتوفير الدعم إن أمكن. وهو ما بدا واضحا من خلال تعهدها أخيراً بتقديم تسهيلات للاتحاد الأوروبي لمواجهة أزمة الغاز الناتجة عن استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية. وقال الرئيس المصري في مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني أولاف شولتس الأسبوع الماضي، إن «مصر مستعدة لتقديم تسهيلات لإيصال الغاز الموجود في شرق المتوسط إلى أوروبا»، لكن هذه التصريحات لم تؤثر على العلاقات مع روسيا، التي تعتبر المصّدر الأول للغاز إلى القارة الأوروبية. ويقول سعيد إن «مصر دولة كبيرة، تعتمد على موقعها الجغرافي المتميز بين قارات العالم، وتقيم علاقاتها مع الدول وفقا لأجندة مصالحها»، معتبراً أن «الوضع الجيوسياسي لمصر هو ما يدفعها في هذا الاتجاه».
هذه السياسة المتوازنة، وإن كانت تحقق مصالح البلاد، فإن مراقبين انتقدوا عدم تبني مصر مواقف قوية من بعض القضايا الإقليمية، وبخاصة في الأزمة الروسية – الأوكرانية، حيث إنه برغم تصويتها في الأمم المتحدة لصالح على قرار يدين روسيا، في مارس (آذار) الماضي، فإن الخارجية المصرية أصدرت بياناً أوضحت فيه «ضرورة البحث عن حل سياسي سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية، ومن خلال دبلوماسية نشطة، وألا يتم غض الطرف عن مسببات الأزمة الراهنة»، مع تأكيد رفض «توظيف العقوبات الاقتصادية خارج آليات النظام الدولي»، وهو الموقف الذي دفع مراقبين إلى مطالبة القاهرة باتخاذ موقف واضح من الأزمة.
لكن القاهرة أصّرت على سياسة تمكنها من الحفاظ على علاقات صداقة قوية مع جميع الأطراف، حيث أشاد الرئيس الأميركي جو بايدن بـ«جهود مصر في حل القضايا الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية»، بينما أكد لافروف على «عمق العلاقات المصرية - الروسية».
وتعتبر المصالح هي السمة الحالية للعلاقات الدولية، على حد تعبير سعيد، الذي يشير إلى أن «نهج المصالح صيني في الأساس، يركز على تحقيق مصالح الدولة مع كل الأطراف. فهي (الصين) تطور مرفأ في إسرائيل، وتنفذ صفقة في إيران، وتبني برجاً في العاصمة الإدارية في مصر، عدا عن التوافق مثلاً بين روسيا وأميركا في شأن حظر التسلح النووي في إيران، وغير ذلك الكثير من الأمثلة التي تؤكد أن المصالح هي السمة الأساسية للعلاقات الدولية الآن».
مصر تريد علاقات متوازنة مع «الشرق» و«الغرب»
مصر تريد علاقات متوازنة مع «الشرق» و«الغرب»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة