اتفاق إسطنبول: القمح يخرج من الاستراتيجية الروسية؟

مراسم التوقيع على اتفاق استئناف تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول أمس بحضور إردوغان وغوتيريش (أ.ب)
مراسم التوقيع على اتفاق استئناف تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول أمس بحضور إردوغان وغوتيريش (أ.ب)
TT

اتفاق إسطنبول: القمح يخرج من الاستراتيجية الروسية؟

مراسم التوقيع على اتفاق استئناف تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول أمس بحضور إردوغان وغوتيريش (أ.ب)
مراسم التوقيع على اتفاق استئناف تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول أمس بحضور إردوغان وغوتيريش (أ.ب)

«العبرة في التنفيذ» هي الخلاصة التي خرج بها المشرفون على توقيع آلية تصدير القمح الأوكراني، في إسطنبول يوم الجمعة. مسحة التشاؤم والترقب ترجع إلى إدراك الأطراف المعنية أن مسألة الصادرات الأوكرانية تدخل في صلب الاستراتيجية التي تخوض موسكو الحرب في ظلها.
ومنذ الأسابيع الأولى للقتال، ظهر أن روسيا تعتمد استراتيجية متعددة الأذرع في حربها على أوكرانيا. وتتسع الاستراتيجية هذه لتشمل العالم بأسره، والعمل على تطويق أوكرانيا وحلفائها في مختلف الساحات. القمح والأسمدة والزيوت التي تعتبر الصادرات الزراعية الأوكرانية الرئيسية، توقف شحنها إلى خارج الحدود منذ اليوم الأول للحرب في 24 فبراير (شباط). ولم تُجدِ نفعاً محاولات التصدير عبر القطارات، سواء من رومانيا أو بولندا، بسبب الكلفة المرتفعة للنقل البري، مقارنة بالشحن البحري التقليدي.
ولعلها من المفارقات النادرة أن تكون واحدة من مشكلات بلد يخوض حرباً مثل أوكرانيا، هي التخلص من كمية الغذاء التي يخزنها، في حين أن العادة هي طلب البلاد الواقعة في ظروف مشابهة إمدادها بالمساعدات الغذائية.
مهما يكن من أمر، لا يوجد فارق كبير في جوهر الموقف، ما دام الغذاء يُستخدم هنا كسلاح، وإن كان متوفراً في مكان القتال؛ ذاك أنه ينقص بشدة في أماكن عديدة من العالم، على نحو يهدد باندلاع كارثة جوع دولية، بحسب تحذيرات عديد من منظمات الأمم المتحدة المعنية.
السؤال هنا: هل تخلت روسيا عن ورقة القمح الأوكراني، واقتنعت بأهمية السماح بخروج ما يناهز 25 مليون طن من القمح بحراً، من المواني الثلاثة التي حددها اتفاق إسطنبول؟ يفترض ذلك أن موسكو تقيم وزناً واعتباراً للرأي العام الدولي الذي بدأ ينقلب عليها في موضوع منع الصادرات الزراعية التي ترى فيها رافعة اقتصادية تعزز وضع كييف في الحرب.
يبدو الأمر أكثر تركيباً. الاتفاق الذي أحيطت تفاصيله بالكتمان أثناء المفاوضات في شأنه، ثم ظهر بعضها في أعقاب التوقيع، يمنح موسكو قدرة معتبرة في مراقبة ومنع أي شحنة ترى فيها شبهة نقل سلع غير مدرجة في خانة التصدير المقبولة. بيد أن النص الحرفي للاتفاق قد لا يعني الشيء الكثير أثناء التطبيق العملي الذي يبدي عديد من الخبراء حذرهم حياله، والذي لن يبدأ قبل أسابيع، في انتظار إنشاء الأطر الناظمة.
وفي الوقت الذي لم يتضح فيه بعد المدى الذي ستبلغه موسكو في التزامها ببنود الاتفاق استناداً إلى تجارب سابقة، يمكن القول إن إخراج الروس لموضوع الصادرات الزراعية من الاستراتيجية الحربية يتخذ صفة العمل السياسي، لاستمالة عديد من دول العالم التي تضررت بشدة من توقف شحنات القمح الأوكراني، وبدأ بعضها يشهد اضطرابات واحتجاجات عنيفة.
الرواية الروسية السابقة كانت تحمِّل كييف مسؤولية التوقف عن التصدير، بسبب زرعها ألغاماً بحرية في الممرات المائية المفضية إلى موانيها لمنع اقتراب السفن العسكرية الروسية منها. هذه النقطة جرى تجاوزها في الاتفاق؛ حيث وُضعت آلية لتحرك السفن من مرافئ أوديسا وتشرنومورسك ويوجيني الأوكرانية، على أن يجري تفتيشها في إسطنبول من قبل تركيا، وليس في عرض البحر من قبل البحرية الروسية كما طلبت موسكو في المراحل الأولى من المفاوضات. يضاف إلى ذلك أن ما من مشكلة ستواجه الصادرات الروسية المشابهة، بعد تذكير الاتحاد الأوروبي بأن الحبوب الروسية لا تخضع للعقوبات المفروضة على السلع الروسية الأخرى، وأنها ستصدر كالمعتاد. وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد أشار إلى هذه النقطة عشية توقيع اتفاق إسطنبول، متوقعاً ألا تواجه الصادرات الروسية الزراعية أي مشكلات.
من ناحية ثانية، ليس من ضمانات بحسن سير عمليات التصدير، سوى الرهان على أن موسكو خففت من اعتمادها على القمح كسلاح استراتيجي، بعد ظهور الجوانب السلبية للاعتماد على هذا، بعدما باتت صورة موسكو وسمعتها؛ بل وتجارتها مع العالم الثالث، موضع شك. وما من شيء يحسم في الوجهة التي ستتخذها الأمور في المستقبل القريب؛ خصوصاً مع إصرار روسيا على إبقاء النفط ضمن ترسانتها في صراعها مع الغرب.
وإذا كان القمح يصيب منع تصديره الدول الفقيرة العاجزة عن توفير غذائها إلا من خلال الاستيراد من أوكرانيا أو سواها، فإن التحكم بالنفط والغاز الروسيين يستهدف مباشرة الدول الغربية التي لم تهتم كثيراً في العقود الماضية بإنجاز استقلالها النفطي.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: الضربة الروسية بصاروخ جديد تمثل تصعيداً واضحاً

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي: الضربة الروسية بصاروخ جديد تمثل تصعيداً واضحاً

ذكر الرئيس الأوكراني، الخميس، أن الهجوم الروسي على أوكرانيا بنوع جديد من الصواريخ الباليستية يمثّل «تصعيدا واضحا وخطيرا» في الحرب، ودعا إلى إدانة عالمية قوية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 21 نوفمبر 2024 (أ.ب) play-circle 00:21

بوتين يهدد باستهداف الدول التي تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لقصف روسيا

حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن بلاده يمكن أن تستخدم صواريخها الجديدة ضد الدول التي تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها على روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ كلمة «عقوبات» أمام ألوان علمي الولايات المتحدة وروسيا في هذه الصورة الملتقطة في 28 فبراير 2022 (رويترز)

أميركا تفرض عقوبات على 50 مصرفاً روسياً بسبب الحرب في أوكرانيا

أعلنت أميركا حزمة من العقوبات تستهدف نحو 50 مؤسسة مصرفية روسية للحد من وصولها إلى النظام المالي الدولي وتقليص تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

تسعى روسيا إلى تصعيد التهديد النووي، في محاولة لتثبيط الدعم الغربي لأوكرانيا بانتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض، آملة التوصل إلى اتفاق سلام بشروطها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون يعملون بموقع هجوم صاروخي روسي في دنيبرو بأوكرانيا 21 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

أوكرانيا: روسيا هاجمت مدينة بصاروخ باليستي عابر للقارات للمرة الأولى منذ بدء الحرب

أعلنت أوكرانيا أن روسيا أطلقت، للمرة الأولى منذ بدء الحرب، صاروخاً باليستياً عابراً للقارات استهدف مدينة دنيبرو بوسط شرق البلاد، خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (كييف)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)
إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)
TT

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)
إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مقترحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون 16 عاماً، وتغريم المنصات بما يصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (32 مليون دولار) بسبب الخروقات النظامية.

وطرحت الحكومة الأسترالية المنتمية ليسار الوسط مشروع القانون في البرلمان، أمس (الخميس)، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

وتخطط الحكومة لتجربة نظام للتحقق من العمر للسماح باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في أحد أكثر الضوابط صرامة تفرضها دولة حتى الآن.

وقال ماسك، الذي يُعدّ نفسه مدافعاً عن حرية التعبير، رداً على منشور رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي على منصة «إكس»: «تبدو كأنها وسيلة غير مباشرة للتحكم في اتصال جميع الأستراليين بالإنترنت».

وتعهَّدت عدة دول بالفعل بالحد من استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي من خلال تشريعات، لكن سياسة أستراليا واحدة من أكثر السياسات صرامة، ولا تشمل استثناء بالحصول على موافقة الوالدين أو باستخدام حسابات موجودة سلفاً.

واصطدم ماسك سابقاً مع الحكومة الأسترالية بشأن سياساتها الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي ووصفها بأنها «فاشية» بسبب قانون المعلومات المضللة.