كم مرة سألنا أنفسنا إذا ما كنا نستأهل نجاحاً معيناً وبحثنا في أعماقنا عما يسهم في هذا التردد الذي ينتابنا في هذا النوع من الحالات. فأن ندرك حقيقة قدراتنا وكيفية الاستفادة منها يرى فيه الممثل جيري غزال حاجة علينا التقاطها في الوقت المناسب. فهو من الممثلين، الذين صعدوا سلم النجاح بخطوات واثقة، واستحق اليوم ما يحصده من نجاحات في العالم العربي بفضل جهد بذله.
وفي مسلسل «بيروت 303» تأكد للمشاهد أن جيري اجتاز مرحلة الامتحانات والاختبارات ليصبح بمصاف الممثل المحترف. فهو جسد شخصية مطر الشريرة وأقنع المشاهد بأدائه إلى حد دفع بهذا الأخير إلى النفور منه. أما هو فيفرح للمشاعر السلبية التي يحملها له المشاهد تجاه هذا الدور، لأن ذلك يعني أنه نجح في تقمصه.
يقف جيري غزال في «بيروت 303» إلى جانب نجوم الشاشة الصغيرة في العالم العربي. يجمعه أكثر من مشهد أساسي مع عابد فهد ويلتقي ولو لبرهة من الوقت في آخر مع سلافة معمار، ويتحاور مرات مع النجمة اللبنانية نادين الراسي التي جمعه معها أكثر من موقف ومشهد في العمل المذكور. أسأل جيري؛ ما الصعوبات التي واجهتها في هذا العمل؟ يرد: «لمجرد أني علمت بالأسماء الكبيرة التي سأشاطرها هذا العمل، كان الأمر صعباً علي. صحيح أني تعاونت مع الفنان عابد فهد في مسلسل (شتي يا بيروت) من قبل، لكننا لم نجتمع في مشاهد كثيرة. هذه الصعوبة تأتي من المسؤولية التي تجتاحني في كل مرة أقدم على عمل معين. كنت أدرك أن الانتقادات ستلاحقني، فقد اعتدت على ذلك. لكنني شخص عنيد وأعلم كلفة تحقيق أي نجاح، خاصة أني صرت أنتقي أدواري اليوم بدقة. كل ذلك حفزني على اجتياز هذه الصعوبات، ووقوفي أمام سلافة معمار أو نادين الراسي التي كنت أتسمر أمام الشاشة لمتابعة أعمالهما أعطاني نوعاً من القوة والتحدي».
أن يتشارك جيري غزال مع هؤلاء في بطولة عمل درامي كان بالنسبة له كحلم يتحقق بعد تسلقه درجات سلم المهنة خطوة خطوة. صحيح أنه منذ بداياته قام بأعمال درامية محلية كرسته بطلاً لها من دون منازع، إلا أنه في «بيروت 303» تذوق طعم البطولة بنكهة جديدة لا تشبه غيرها. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «الموقف بحد ذاته كان غريباً عليّ، إذ منذ فترة وجيزة كنت من المعجبين بهؤلاء النجوم، وفجأة وقفت بينهم ومثلت معهم. سبق أن خضعت لجلسات علاج أسهمت في إدراكي كل هذه الأمور، فغالبيتنا نعاني من حب ناقص لأنفسنا وكأننا لا نستأهل الفرص التي تصادفنا. وبعدها تخلصت من هذه المشاعر وما عدت أتردد في القيام بخطوات كبيرة. فحب الذات ضرورة لا يجب الاستهانة بها، شرط أن تكون معتدلة وغير مبالغ فيها. أما الأنانية فهي كالميزان وعلينا استخدامها في إطار صحي وسليم. فأنا لم آتِ من العدم بل جاهدت وتعبت كي أصل هنا، وصرت مقتنعاً أني أستأهل هذه الفرص».
ولكن من يتابع جيري غزال في شخصية مطر الشرير والقادر على أذية الآخر من دون أن يرف له جفن، يتساءل بقرارة نفسه من أين جاء بكل هذه الكمية من الشر. كيف استطاع تفريغها من داخله وهو المعروف في الوسط بدبلوماسيته وتهذيبه ودماثة أخلاقه؟ يرد: «لطالما شعرت أني صرت قادراً على تقديم أدوار الشر ولعل دور ألكس في (ع اسمك) هو الذي مدني بها الشعور. كما أني شاهدت كثيراً من الأعمال التي ترتكز على بطل شرير. حاولت الانفصال عن ذاتي وقررت اتباع الأداء الاستفزازي. كما أجبرت نفسي على التخلص من طبيعتي المسالمة كي أنتقل إلى أخرى مؤذية».
ويشير جيري إلى أن هناك كلمات وعبارات تفوه بها لأول مرة وتخرج بطبيعتها عن إطار التهذيب. «كأن أقول (والدتك امرأة فلتانة)، أنا الذي أحسب 100 حساب لكل كلمة تخرج مني. فالدور أخذ مني مجهوداً كبيراً، لأن لعبة التمثيل ممتعة، والاقتناع بالدور يخدم العمل وينسحب على باقي الفريق».
يرى جيري أن الثقة الكبيرة التي يوليها لمخرج العمل إيلي السمعان زادت من حماسه ومن تعلقه بالدور، فقد سبق أن قدمه في «شتي يا بيروت» بصورة حلوة بعدما سلّمه مهام قيادته على موقع التصوير. «إنه دقيق جداً، ويصغي لكل شاردة وواردة وينتبه إلى أي تفصيل صغير في الشخصية التي يلعبها الممثل». ويشير غزال إلى أن شخصية مطر الشريرة، وكما يدرك المشاهد في الحلقات النهائية للمسلسل، تنبع من عقد نفسية عاشها. فهو لا يهوى الشر بطبيعته، لكنه انجرف وراءه بفضل مواقف قاسية عاشها كولد يتيم. فنما الانتقام بداخله لاشعورياً وتحول إلى رجل إرهابي بسبب طفولة مشوهة. «أنا شخصياً لا أؤمن بالشر المطلق، فهناك دائما أسباب معينة تؤدي إلى الإجرام والشر والإرهاب. وعلينا أن نطلع على خلفية مراحل عمر مرّ بها صاحبها كي نتفهم أسبابها».
ويتحدث عن أهم المشاهد التي قدمها في «بيروت 303» ويحكي عن ذلك الذي أجهش فيه بكاء عندما دخل في حالة معينة كي يستطيع تجسيد اللحظة. وكذلك يخبرنا عن المشهد الذي يجمعه مع الممثل ملهم بشر صاحب شخصية نجم، ما تطلب منه كمية من اللؤم، إضافة إلى المشهد الأخير الذي تطلب منه الصراخ بشكل معبر.
وعما يتعلمه من عمله مع نجوم كبار، يقول: «أتابع بدقة أداءهم وأنظر إلى ملامح وجوههم وأتعلم كيف يترجمون لغة جسدهم بالتوازي مع الحوار أو بدونه. إنهم أشخاص مرتاحون جداً مع أنفسهم ومحترفون بأعلى المستويات. ومع عابد فهد مثلاً كنت أتفرج على أدائه، وأنا أمثل معه وأتلقى الإشارات منه وأعطيه بالمقابل. فكانت طبيعة التمثيل ثلاثية الأبعاد وفيها الثراء والغنى».
يرى جيري في التمثيل ما يشبه برج الحوت، إذ هو مجال متنوع ينطوي على حالات حزن وفرح وغضب وهدوء ورومانسية وغيرها فلا يمل منه. وهو يختلف تماماً عن مهمة التقديم التلفزيوني الذي لعبها فترة طويلة، إذ ترتكز أكثر على العمل الميكانيكي. «في الأولى هناك كثير من التجديد بعيداً عن الروتين، فيما الثانية ليست كذلك، وهو ما أوقعني في حب التمثيل».
يسلم جيري طريقه لرب العالمين، ولذلك فإنه لا يخطط للغد، بل يترك الرياح تجري بما تشتهيه السفن. «صراحة لا أفكر بالغد، بل باللحظة نفسها، أعطي فيها كل ما هو مطلوب مني، وأقبع أنتظر ما بعدها، أي العرض المناسب». ويتابع: «أنا لا أعرف أن أدق الأبواب، ولا أن أستجدي الأدوار، فرزقي على رب العالمين».
يتمنى أن يدخل جيري غزال مصر لأنه مغرم بها، كما يقول، خصوصاً بعدما زارها مؤخراً. «أحببت كثيراً شعب مصر وشوارعها وإيقاع حياة أهلها. ذكرتني بكل ما تربيت عليه منذ صغري، وأنا أشاهد والدتي تتابع الأفلام المصرية بالأبيض والأسود. مصر في الحقيقة هي (أم الدنيا)، وأتمنى أن أدخلها يوماً ما من باب التمثيل والدراما». وعما إذا هناك إمكانية عودته إلى الدراما المحلية بعد غوصه بالعربية وتحقيقه الانتشار المطلوب. يرد: «بالتأكيد أعود إليها ضمن معايير معينة تناسبني تماماً، كما في السابق. فما قدمته لي مسلسلات محلية كـ(أم البنات) و(ع اسمك) كان رائعاً. وأتمنى أن تعود الدراما اللبنانية إلى سابق عهدها بعد فترة ركود قسرية عاشتها بسبب الأزمات الاقتصادية والجائحة».
يتفرغ اليوم جيري غزال للتمثيل وللكتابة، ويحضر لمولوده الثالث قريباً. «سيكون على نفس نمط ما سبق أن قدمته ضمن خواطر ونثر، أشعر أن كل واحد من كتبي يمثل المرحلة التي وصلت إليها. ولذلك تلمسين الفرق بين كتابي الأول والثاني، مقارنة بالثالث الذي أنوي إصداره قريباً. فأنا اليوم ما عدت جيري غزال الماضي، وكتابي يحكي عن حالتي اليوم».
جيري غزال لـ«الشرق الأوسط»: الأنانية يجب استخدامها ضمن إطار صحي
أقنع المشاهد بأدائه الشرير في مسلسل «بيروت 303»
جيري غزال لـ«الشرق الأوسط»: الأنانية يجب استخدامها ضمن إطار صحي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة