يبدأ إيثان هوك عرض «آخر نجوم السينما»، فيلمه الوثائقي الذي يمتد عبر 6 ساعات حول بول نيومان وجوان وودوارد، بمؤتمر مرئي. وبإلقاء نظرة خاطفة على حاسوبه المحمول، وشعره المسترسل على كتفيه، كان يرحب بموكب غير رسمي مماثل من الممثلين لمشروعه: جورج كلوني، ولورا ليني، وبيلي كرودب، وأوسكار أيزاك، وزوي كازان، وسالي فيلد، وسام روكويل والعديد من الآخرين. بدا الأمر وكأنه تجمع لفريق من الممثلين حول طاولة لقراءة السيناريو في الصباح الباكر.
تدور قصة «آخر نجوم السينما»، الذي بدأ عرضه يوم الخميس على قناة «إتش بي أو ماكس»، حول اثنين من أكثر فناني أميركا تكريماً، وأشهرهم من حيث الأداء، فضلاً عن قصة زواج علني ومحفوف بالمتاعب للغاية طيلة نصف قرن من الزمان. إنها حكاية معقدة ومترامية الأطراف، وهوك - الذي تولى الأمر بناء على طلب أحد أطفال نيومان ووودوارد - يستجيب للتحدي بمقاربة شاملة وغير رسمية على حد سواء. يقوم بتعريف رمزين رائعين، من دون محاولة المطابقة بينهما. وهو يتبنى دور المعجب المتحمس للغاية من رواد الاحتفالات.
وجاءت النتيجة، رغم فقدانها الزخم المطلوب عبر حلقاتها الست، ساحرة وممتعة وجاذبة للمشاهدين؛ فالمسلسل، في جزء منه، عبارة عن سيرة ذاتية تقليدية وفق الترتيب الزمني، ويظهر نيومان ووودوارد باستمرار على الشاشة في الأفلام ومقاطع التلفزيون والمشاهد والمقابلات والأفلام المنزلية. إنها كمثل الكتلة الحرجة من الجمال والشخصية التي لا يمكن للعديد من الأفلام الوثائقية مضاهاتها.
لكن ما يجعل العرض مختلفاً هو المجموعة الكبيرة من زملاء هوك المشاركين. ويحل محل الأكاديميين من ذوي العلم والخبرة الذين غالباً ما نجدهم في الأفلام الوثائقية التاريخية، وجزء من عملهم أن يصبحوا محاورين وموجهي المواد الصوتية لخدمة تأملات السيد هوك حول حياة نيومان ووودوارد وحياتهما المهنية.
لكن في الغالب، هم ليسوا هناك للتحدث وإنما للعمل. ولقد حصل هوك على الفرصة للاطلاع على نصوص سلسلة من المقابلات التي أجريت في إطار التاريخ الشفهي الذي لم ينجزه نيومان قط (من المقرر نشر كتاب يستند إلى تلك المواد في الخريف المقبل). إذن، تُسرد القصة على الشريط الصوتي من خلال مقتطفات من هذه المقابلات الحية والصريحة بصورة مدهشة، التي قرأها فريق هوك: كلوني في دور نيومان، وليني في دور وودوارد، وبروكس أشمانسكاس في دور غور فيدال، وفنسنت دونوفريو في دور كارل مالدن، وبوبي كانافالي في دور إيليا كازان، وما إلى ذلك. السيرة الذاتية لممثلين بارعين تتحول إلى تمرين رائع في الأداء.
أكثر ما سوف يلفت الانتباه في فيلم «آخر نجوم السينما» على الأرجح هو روايته عن الحياة الشخصية الصعبة لنيومان ووودوارد: إذ استمرا في علاقة غير شرعية لمدة خمس سنوات بينما كان مقترناً بزوجته الأولى، وويلات إدمانه على الكحول، والضرر الناجم عن افتقاره للشعور بالأمان (وفي وقت لاحق بالنسبة له: سباق السيارات والأعمال الخيرية).
لكن الأجزاء الأكثر إثارة للاهتمام تأتي مبكراً؛ عندما كانا ممثلين شابّين وطموحين. هناك زخم كبير، وجزل مستمر، في حسابات استوديو الممثلين، ونمط الحياة في نيويورك في خمسينات القرن الماضي، والصور غالباً أكثر قوة لكونها غير مألوفة: نيومان على ظهر حصانه في اختبار أداء فيلم «أوكلاهوما!»، أو في زي ملائم للفترة الزمنية لظهوره السينمائي المحرج لأول مرة في فيلم «الكأس الفضية». وكلما صارت القصة أكثر قتامة بمرور السنين، فقد المسلسل قدراً من حيويته، وكأنه أشبه بمسيرة إجبارية عبر كتالوجات النجمين للأعمال السينمائية والتلفزيونية. كلما ابتعد الموضوع عن التمثيل لا يبدو هوك مرتاحاً، أو ربما مهتماً.
كما أنه تعوقه الحقيقة المؤسفة القائلة إن العديد، إن لم يكن أغلب، الأفلام التي أنتجها نيومان ووودوارد، بما في ذلك أكبر النجاحات التي حققها نيومان، كانت أقل من مستوى مواهبهما. إنها غالباً تمر من دون تعليق بأننا نشاهد لقطات من فيلم سيئ بعد آخر، رغم أن هوك لا يخجل منها تماماً. والواقع أن فيلم «الجحيم الشاهق» لعام 1974، وكان من الأعمال السهلة، جاء مشوهاً. وبقدر أكبر من الجرأة، ينتقل هوك إلى فيلم «بوتش كاسيدي وصن دانس كيد» لعام 1969. باقتباس تعليق المخرج الأميركي مارتن ريت، ذلك الاقتباس الذي يزدري الفيلم الرائج وقتذاك بإشادة تافهة للغاية.
يمكن فهم قصور الأداء في الأفلام من خلال ما يُقصد بوضوح بأنه إشادة خفية. والأمر الأكثر أسفاً، وربما مفاجأة، بالنظر إلى تركيز هوك على التمثيل، أن عودة ظهور نيومان الاستثنائية في أواخر حياته المهنية، عبر أفلام من شاكلة «فورت أباتشي برونكس»، و«الحُكم»، و«السيد والسيدة بريدج» (مع وودوارد) جاءت مكدسة ضمن مجريات الحلقة الأخيرة من السلسلة الوثائقية وغير محددة بوضوح. وكان القيام بذلك يعني الإشارة إلى عدد المرات التي تواصل فيها نيومان هاتفياً عبر العقود السابقة. ونحن نستمع لذلك من صوت وحيد: نيومان ذاته. إذ نادراً ما كان لديه شيء جيد أو لطيف ليقوله عن نفسه أو أعماله.
شكّل أطفال نيومان ووودوارد، ومن زواج نيومان الأول، حضوراً قوياً للغاية، لا سيما في الحلقات اللاحقة، لكن أكثر التعليقات جرأة وفجاجة ووضوحاً، وغالباً ما تكون مضحكة، تأتي من المقولات المنمقة القديمة للفنانين، خاصة ووودوارد. (واحدة من الأشخاص القليلين الأوائل الذين أجريت معهم المقابلات ولا تزال على قيد الحياة، تبين أنها مُصابة بمرض ألزهايمر، منذ عام 2007، قبل عام واحد من وفاة نيومان). ولم يكن خفياً قط أنها كانت طوال أغلب وقتهما معاً، ممثلة أفضل موهبة من زوجها الأكثر شهرة بكثير، وأن حياتها المهنية بدأت في التراجع، عندما أخذت على عاتقها أغلب أعباء الاعتناء بأولادهما.
ولكن ما زال من المثير للانتباه أن تسمع، حسب تعبيرها، كيف أنها رأت الفوارق بكل وضوح، ومدى عمق إحساسها بها.
ويتساءل هوك: «كيف كان شعورك بأن تكون مثلهما؟»، وتأتيك الإجابة على الأرجح بأنه كان يشبه كثيراً أن نكون نحن (عسير ومخيف، سعيد ومغامر) مع ارتفاع النبرة الصوتية. الفرق الجلي للغاية لا علاقة له بالشهرة أو الإنجاز وإنما بالشغف: نيومان ووودوارد كانا شغوفين ببعضهما البعض لأكثر من 50 عاماً، ومن خلال المأساة، والخيانة، والسُّكر، والغيرة المهنية. تسمعون ذلك في كلماتهما وترونه في أعمالهما، صافياً للغاية، لا سيما عندما يكونان معاً على الشاشة.