«الحجر الأسود» حكر على فريق عمل الفيلم الصيني... و«العفيشة»

«الشرق الأوسط» تستطلع منطقة التصوير وأحياء المدينة

الفيلم السينمائي الصيني «عملية الديار» يتم تصويره في مدينة الحجر الأسود جنوب دمشق (أ.ف.ب)
الفيلم السينمائي الصيني «عملية الديار» يتم تصويره في مدينة الحجر الأسود جنوب دمشق (أ.ف.ب)
TT

«الحجر الأسود» حكر على فريق عمل الفيلم الصيني... و«العفيشة»

الفيلم السينمائي الصيني «عملية الديار» يتم تصويره في مدينة الحجر الأسود جنوب دمشق (أ.ف.ب)
الفيلم السينمائي الصيني «عملية الديار» يتم تصويره في مدينة الحجر الأسود جنوب دمشق (أ.ف.ب)

في أقصى شمال شرقي مدينة «الحجر الأسود» التي كانت معقلاً رئيسياً لتنظيم «داعش» في جنوب دمشق، كان الضجيج على أشده على خلفية قيام فريق عمل الفيلم السينمائي الصيني (Home Operation) أو «عملية الديار» بتصوير مشاهد من الفيلم وسط أحياء لا يزال دمار الحرب يخيم عليها.
وتقع «الحجر الأسود»، جنوب العاصمة السورية، وتتبع إدارياً محافظة ريف دمشق، ويحدها شمالاً مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين التابع إدارياً لمحافظة دمشق، وجنوباً بلدة السبينة، وشرقاً بلدتا يلدا وببيلا، وغرباً حي القدم الدمشقي. وتنقسم المدينة إلى حيين؛ شرقي يطلق عليه «حي تشرين» وغربي يسمى «حي الثورة».
كانت المدينة التي تعد إحدى بوابات الريف الجنوبي لدمشق، أكبر تجمع لنازحي الجولان المحتل منذ حرب يونيو (حزيران) 1967، وكانت من أولى المناطق التي شهدت الاحتجاجات ضد النظام في ربيع عام 2011، قبل أن تسيطر عليها فصائل المعارضة عام 2012، ثم تنظيم «داعش» منذ منتصف عام 2015، ولغاية 2018 عندما تمكن الجيش النظامي، بالتعاون مع الحليف الروسي، من استعادة السيطرة عليها، بعد قصف عنيف دمر أكثر من 80 في المائة من مبانيها.
ويُطلق على المنطقة التي اختارها الفريق الصيني لتصوير مشاهد الفيلم المفترض أن وقائعه تجري في دولة وهمية اسمها «بومان»، منطقة الناحية، وتقع في الجهة الشمالية الشرقية لحي تشرين، وتشكل جزءاً من الحدود الإدارية لـ«الحجر الأسود» مع مخيم اليرموك. وإذا كان أغلب المباني في المدينة طالها الدمار، إلا أن نسبة الدمار في منطقة الناحية التي توجد فيها مؤسسات حكومية منها مركز الناحية ومقسم الهاتف، بالإضافة إلى عدد من المدارس، أكبر مما هي عليه في المناطق الأخرى.
ويتم الدخول إلى «الحجر الأسود» إما من شارع الثلاثين أو من شارع اليرموك الرئيسي والاتجاه منه جنوباً، أو من بلدتي يلدا وببيلا، أو من حي القدم أو بلدة السبينة. وبينما كانت مداخل المدينة من يلدا وببيلا وحي القدم والسبينة شبه خالية من النازحين الذاهبين لتفقد منازلهم خلال جولة قامت بها «الشرق الأوسط» في المنطقة، بدا شارع مشحم عامر، وهو أحد مداخل «الحجر الأسود» الشمالية، وتقع في نهايته منطقة الناحية، خالياً أيضاً سوى من الدمار وحارس يمنع القادمين من النازحين لتفقد منازلهم من الدخول بسبب عمليات تصوير الفيلم، الأمر الذي يجبرهم على قطع مسافات كبيرة للوصول إليها، وذلك عبر شارع آخر يتبع مخيم اليرموك، ويصل في نهايته إلى الجهة الجنوبية من «الحجر الأسود».

الفيلم السينمائي الصيني «عملية الديار» يتم تصويره في مدينة الحجر الأسود جنوب دمشق (أ.ف.ب)

ويشاهد الزائر من بداية شارع مشحم عامر، البالغ طوله ما بين 250 - 300 متر، بعض أعضاء فريق عمل التصوير وممثلين، ويسمع ضجيجاً ناتجاً عن عمليات التصوير، بينما يسمح الحارس لمجموعات ممن يُطلق عليهم بـ«المعفشين» (الذين يسرقون «العفش» أو أثاث منازل فارغة) بمتابعة عمليات «التعفيش» فيه. ويتضح المشهد أكثر في مكان التصوير، إذ انتشر فيه فريق العمل الصيني وممثلون ثانويون سوريون، ارتدى بعضهم الزي اليمني، وقد لاذ أغلبهم إلى جوار الأبنية المدمرة بشكل جزئي لاتقاء حرارة الشمس الحارقة فيما بدا أنها فترة استراحة. كما شوهدت في المكان دبابات وآليات عسكرية، وقد تم وضعها وسط الأبنية المدمرة.
وبينما كان أغلب النازحين ممن يتم منعهم من دخول شارع مشحم عامر لتفقد منازلهم يعودون أدراجهم من حيث أتوا، آثر قلة منهم قطع المسافة الطويلة عبر حي التقدم ودخل لتفقد منزله. قال أحدهم بحسرة لـ«الشرق الأوسط» أثناء وصوله إلى منزله، «فقط في سوريا الدخول (إلى المدينة) محرم على أهلها ومسموح للأجانب! لم نسمع أن هذا حصل في أي بلد آخر». وأضاف: «أليس أفضل لهم (الحكومة) من السماح للأجانب بتصوير الدمار، أن يعيدوا بناء المنطقة ويسمحوا للأهالي بالعودة، ومن ثم يتم تصوير فيلم عن العودة».
ويلفت الانتباه في داخل المدينة انتشار عدد كبير من مجموعات تضم الواحدة ما بين 5 - 7 أشخاص أغلبهم من الأطفال والنساء وتقوم بـ«تعفيش» ما تبقى في المحال التجارية والمنازل من خردة الحديد وبقايا الأثاث المنزلي وتجميعها في الطرق، بينما يعمل آخرون على تحميلها في شاحنات كبيرة تتجه إلى دمشق.
والفيلم الصيني مستوحى في الواقع من عملية إجلاء جماعي نظمتها الصين في عام 2015 لمئات المواطنين الصينيين والأجانب من اليمن، فأخرجتهم على متن سفن للبحرية الصينية من البلد الغارق في حرب مدمرة تسببت فيها الميليشيات الحوثية منذ عام 2014.
ووجد المشرفون على الفيلم الذي تساهم شركة إماراتية أيضاً في إنتاجه، أن اليمن مكان غير آمن للتصوير، فارتأوا تصوير بعض مشاهده في سوريا.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها استثمار مشاهد الدمار المؤسفة في سوريا، في تصوير أعمال سينمائية وتلفزيونية، فقد كان المخرج السوري نجدت أنزور، السباق إلى تصوير أعماله التي تروج لروايات النظام عن الحرب السورية في عدة مناطق مدمرة، أبرزها داريا والغوطة الشرقية. كما صور عدد من المخرجين السوريين، مثل جود سعيد وباسل الخطيب وغيرهما، أعمالاً في مناطق بحمص وحلب قبل أن تحط الحرب أوزارها.
وإن كان نجم الألعاب القتالية جاكي تشان المنتج الرئيسي للفيلم الصيني، إلا أنه لن يحضر إلى سوريا للمشاركة في تصوير الفيلم الذي يقدم على أنه يسلط الضوء على دور السلطات الصينية في عملية الإجلاء الكبيرة من اليمن. وهذا ما أكده المخرج ينشي سونغ، خلال عمليات التصوير، إذ قال للصحافيين إن الفيلم «ينطلق من وجهة نظر الدبلوماسيين من الحزب الشيوعي الذين تحدوا وابل الرصاص في بلد تمزقه الحرب، واستطاعوا نقل جميع المواطنين الصينيين سالمين على متن سفينة حربية».
وقال المخرج المنفذ في سوريا رواد شاهين لوكالة الصحافة الفرنسية، «تحولت مناطق الحرب في سوريا إلى استوديو سينمائي يجذب المنتجين لتصوير أفلامهم». وأضاف: «بناء أماكن مشابهة مكلف جداً، هنا يوجد استوديو جاهز ومناسب لأي شخص يرغب بتصوير أي مشهد مرتبط بالحرب».
ولن يقتصر تصوير الفيلم الصيني على الحجر الأسود، بل سيشمل مناطق أخرى شهدت معارك مدمرة بينها مدينتا داريا ودوما بريف دمشق، ومدينة حمص في وسط البلاد. ومن المفترض أن يستمر التصوير في سوريا لمدة 45 يوماً، وفق المنتج المنفذ للفيلم زياد علي، على أن ينتقل إلى مواقع أخرى خارج سوريا.


مقالات ذات صلة

مصر: حالات زواج وطلاق مفاجئة... و«تألق» الشباب الأبرز فنياً بـ2025

يوميات الشرق زواج مي عز الدين خلال عام 2025 (صفحتها على «فيسبوك»)

مصر: حالات زواج وطلاق مفاجئة... و«تألق» الشباب الأبرز فنياً بـ2025

أسدل عام 2025 ستائره في مصر بحالات زواج مفاجئة وطلاقات مثيرة بين مشاهير الفن والإعلام، بالإضافة إلى رحيل عدد من الفنانين والمخرجين البارزين.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

«إن غاب القط»... كوميديا رومانسية تتناول العلاقات «التوكسيك»

يجمع الفيلم المصري «إن غاب القط» بين الكوميديا والرومانسية ومشاهد الأكشن في أجواء مثيرة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

«المُلحد» على شاشات السينما المصرية أخيراً بعد تجاوز الجدل والمنع

يصل فيلم «المُلحد» إلى شاشات السينما المصرية بعد مسار شائك من الجدل، مسار لم يكن منفصلاً عن طبيعة العمل نفسه، ولا عن القضايا التي يقترب منها بحذر وجرأة.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست

رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل

لم تكن تحت العين وقيد السمع، لكن بريجيت باردو، الممثلة التي رحلت عن 91 عاماً، كانت هرماً فرنسياً حاضراً في الأذهان رغم اعتزالها وعزلتها.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)

البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيد

عجز المخرج داود عبد السيد منذ 2022 عن تمويل فيلم جديد، وكان «قدرات غير عادية» (2015) آخر أفلامه قبل اعتزاله.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)

قال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء)، إن القاهرة تتابع باهتمام بالغ الأوضاع الأخيرة على الساحة اليمنية، وذلك من خلال الاتصالات المكثفة التي تجريها على أعلى المستويات وعلى مدار الساعة مع الأطراف المعنية كافة.

وأضاف البيان أن مصر تؤكد ثقتها التامة في حرص الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التعامل بحكمة مع التطورات الحالية في اليمن، وذلك في إطار إعلاء قيم الأخوة بين البلدين الشقيقين، وصون وحدة الصف والمصير العربي المشترك في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها اليمن الشقيق والمنطقة.

وتعرب جمهورية مصر العربية في هذا السياق عن تقديرها البالغ لحكمة القيادتين السعودية والإماراتية في التعامل البنّاء مع تطورات الأوضاع في اليمن، والحرص على تحقيق الاستقرار في اليمن، والحفاظ على سيادته ومصالح شعبه الشقيق.

وتؤكد جمهورية مصر العربية أنها لن تألو جهداً في مواصلة اتصالاتها المستمرة مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومع الجانب اليمني، وباقي الأطراف الإقليمية والدولية المعنية؛ للعمل على خفض التصعيد، وبما يمهد إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة في اليمن، تحقق طموحات وتطلعات الشعب اليمني الشقيق المشروعة في مستقبل آمن ومزدهر وتدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.


العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
TT

العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)

حذّر الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، من خطورة التحركات العسكرية الأحادية في المحافظات الشرقية، مؤكداً أنها تُمثل تهديداً مباشراً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتقويضاً للمركز القانوني للدولة، وإعادة إنتاج لمنطق السلطات الموازية الذي يرفضه المجتمع الدولي.

جاء ذلك خلال لقائه، الثلاثاء، سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني، حيث خُصص اللقاء لاستعراض آخر مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، الأمر الذي استدعى اتخاذ حزمة من القرارات والإجراءات الدستورية والقانونية الحازمة، حمايةً لأمن المواطنين، وصوناً لوحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه.

وفي مستهل اللقاء، رحّب الرئيس بالسفراء، مثمّناً وحدة مواقف دولهم الداعمة للشعب اليمني في أصعب مراحله، سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، ومؤكداً أن ما تشهده المحافظات الشرقية لا يندرج في إطار خلاف سياسي داخلي، بل يُشكّل مساساً خطيراً بأسس الدولة ووحدة مؤسساتها.

وأوضح الرئيس العليمي أن القيادة اليمنية بذلت خلال الفترة الماضية جهوداً مكثفة للتهدئة وخفض التصعيد، واحتواء تداعيات الإجراءات العسكرية الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج مرجعيات المرحلة الانتقالية، ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة تحالف دعم الشرعية، غير أن هذه المساعي قوبلت - حسب تعبيره - بالتعطيل والإصرار على فرض الأمر الواقع.

وأشار إلى أنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجّه صراحة بمنع أي تحركات عسكرية خارج إطار الدولة، وتمت الموافقة على خطة إعادة تموضع تدريجية لقوات «درع الوطن» من ثلاث مراحل، نُفذت مرحلتان منها بالفعل. كما كشف عن تشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى لاحتواء التصعيد وفتح قنوات الحوار، إلا أن تلك الجهود لم تلقَ استجابة.

وشدّد الرئيس العليمي على أن المشكلة لم تكن يوماً نقصاً في الحلول، بل تعطيلها المتعمد، مفنداً في الوقت ذاته ما وصفها بالسرديات المضللة التي تحاول تبرير فرض الأمر الواقع بالقوة تحت لافتة مكافحة الإرهاب. وقال إن مكافحة الإرهاب «قرار دولة ومؤسسات شرعية، وليست ذريعة سياسية»، مذكّراً بالإنجازات التي حققتها المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، بدعم شركائها، في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها، وتأمين المدن والممرات الحيوية.

وفي ملف القضية الجنوبية، جدّد الرئيس العليمي التأكيد على الموقف المبدئي والثابت من معالجتها، وفق أي خيارات تقررها الإرادة الشعبية الحرة، مع رفض قاطع لفرض أي حلول بقوة السلاح أو الأمر الواقع.

وعدّ أن اختزال القضية الجنوبية في تمثيل حصري أو تحركات عسكرية يسيء إلى عدالتها ويقوّض فرص الحل السياسي المستدام، ويلحق الضرر بأبناء الجنوب قبل غيرهم، لافتاً إلى أن هذا الموقف يتطابق مع ما أكدته المملكة العربية السعودية من أن القضية الجنوبية لا تُحل إلا عبر الحوار وفي إطار تسوية سياسية شاملة.

وحذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن وجود ميليشيات لا تأتمر لأوامر الدولة يعرّض أولويات المجتمع الدولي ومصالحه في المنطقة للخطر، فضلاً عن تطلعات الشعب اليمني للأمن والاستقرار والعيش الكريم.

وأكد أن أي اضطراب في حضرموت والمهرة سينعكس مباشرة على تصدير النفط، ودفع المرتبات، ويعمّق الأزمة الإنسانية، ويقوّض الثقة مع مجتمع المانحين.

وتطرق الرئيس العليمي إلى الدور الإماراتي في التطورات الأخيرة، مؤكداً أن اليمن لا ينكر ما قدمته دولة الإمارات من أدوار ومساهمات في مراحل سابقة، لكنه شدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب وضوحاً كاملاً، والنأي بالنفس عن دعم أي مكون خرج على آليات التوافق التي رعتها الإمارات نفسها ضمن تحالف دعم الشرعية. وقال إن أي ضغوط لدفع قوات محلية إلى تحركات عسكرية تشكل تهديداً للأمن القومي اليمني والسعودي، وتتعارض مع الأسس التي قام عليها التحالف.

وأضاف أن المطالبة بمغادرة القوات التي خرجت عن تلك الأسس «مطلب سيادي طبيعي»، لا يستهدف العلاقات الثنائية ولا ينكر التاريخ، بل يهدف إلى حماية فكرة التحالف ذاتها.

وفي ختام اللقاء، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدول الراعية للعملية السياسية إلى موقف دولي موحد وصريح يرفض الإجراءات الأحادية، ويدعم قرارات الدولة اليمنية وجهود التهدئة التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع ممارسة ضغط سياسي وقانوني لتمكين الحكومة الشرعية من ممارسة سلطاتها الحصرية، وترجمة ذلك داخل مجلس الأمن والمحافل الدولية وفق القانون الدولي.

وختم الرئيس العليمي بالتأكيد على أن سقوط منطق الدولة في اليمن يعني غياب أي استقرار يمكن البناء عليه أو الاستثمار فيه، محذراً من تحويل اليمن إلى نموذج جديد لتفكك الدول، ومشدداً على أن الشعب اليمني يستحق فرصة حقيقية للسلام والحياة الكريمة.


اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.