تونس تستعدّ لاستفتاء حاسم على دستور «الجمهورية الجديدة»

لوحة إعلانات في العاصمة تونس تشجع التونسيين على التصويت على الاستفتاء الدستوري (أ.ف.ب)
لوحة إعلانات في العاصمة تونس تشجع التونسيين على التصويت على الاستفتاء الدستوري (أ.ف.ب)
TT

تونس تستعدّ لاستفتاء حاسم على دستور «الجمهورية الجديدة»

لوحة إعلانات في العاصمة تونس تشجع التونسيين على التصويت على الاستفتاء الدستوري (أ.ف.ب)
لوحة إعلانات في العاصمة تونس تشجع التونسيين على التصويت على الاستفتاء الدستوري (أ.ف.ب)

يتوجه التونسيون الاثنين المقبل إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء حول مشروع دستور جديد يمنح الرئيس صلاحيات واسعة ويمثل مرحلة مفصلية في تونس الديمقراطية الناشئة.
وتمر تونس بأزمة سياسية حادة منذ أن قرر رئيسها قيس سعيد السيطرة على معظم السلطات في البلاد قبل عام، وسيّر البلاد بمراسيم مبررا ذلك «بخطر داهم»، وهو ما اعتبره معارضوه «انقلابا على الثورة وتركيزا مفرطا للسلطات»، بحسب منظمات غير حكومية.
ودعا «حزب النهضة»، أبرز المعارضين للرئيس، إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره «مساراً غير قانوني»، بينما ترك «الاتحاد العام التونسي للشغل»، كبرى النقابات العمالية، حرية القرار لأنصاره.
وقال الباحث يوسف الشريف لوكالة الصحافة الفرنسية إن «أهم نقطة في هذا الاستفتاء هي نسبة المشاركة. هل ستكون هناك مشاركة ضعيفة أم ضعيفة جدا لأن العديد من الأشخاص لا يعرفون حول ماذا سيستفتون ولماذا». وأضاف: «القليل من الأشخاص يهتمون بالسياسة اليوم في تونس»، وكانت الانتخابات الرئاسية التي انتخب فيها سعيد رئيسا للبلاد في 2019 شهدت مشاركة نسبتها 58 في المائة من الناخبين.
وسجلت هيئة الانتخابات أكثر من 9.3 مليون ناخب، ولكن من غير المؤكد أن يتوجهوا الاثنين إلى صناديق الاستفتاء التي تفتح من الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش إلى الساعة 21:00، للإدلاء بأصواتهم.
وسيكون يوم الاستفتاء عطلة تلي عطلة نهاية الأسبوع مباشرة. ورأى الشريف أن الذين سيقررون الذهاب لاستفتاء سيفعلون ذلك «إما لأنهم يحبون فعلا الرئيس أو لأنهم يكرهون الذين حكموا البلاد منذ 2011 ولكن عددهم بضع مئات الآلاف».
وقال خبراء إن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة على الأرجح نظرا للمسار المثير للجدل خلال إعداد مسودة الدستور الجديد.
من جهته، أكد الكاتب والباحث السياسي حمادي الرديسي هذا الرأي. وقال للوكالة: «خلافا لعام 2014، لم يكن هناك نقاش عام حول مشروع الدستور».
كما يثير مشروع الدستور الجديد مخاوف لدى الخبراء بتأسيسه لنظام رئاسي ويقطع مع النظام البرلماني الذي جاء به دستور ما بعد ثورة 2011 في تونس التي اعتبرت المثال الناجح في المنطقة في ما أطلق عليه «الربيع العربي».
ومرحلة الاستفتاء هي الثانية ضمن مخطط أقرّه سعيد بعد أن قام بتعليق ثم حل المؤسسات الجمهورية بما فيها البرلمان، بالإضافة إلى تغيير قانون منظم للمجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات.
وأمام سعيد وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمة شاقة لإيجاد الحلول لذلك، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين الذين زادت الأزمة الروسية الأوكرانية تراجعها.
والثلاثاء، أعلن صندوق النقد الدولي أن بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار مفاوضات تجريها المؤسسة المالية الدولية مع البلد المأزوم لمنحه برنامج مساعدات، مشيراً إلى أن المحادثات بين الجانبين حققت «تقدماً جيداً».
وتتمحور المفاوضات بين تونس وصندوق النقد حول برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن. ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات جذرية.
ويقدر خبراء أن يبلغ حجم القرض نحو ملياري يورو. كنا يرى خبراء أن الإصلاحات التي ستقوم بها تونس ستثقل كواهل المواطنين أكثر فأكثر خصوصاً في ما يتعلق بمراجعة سياسة دعم المواد الأساسية.


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

سفير الصومال بالاتحاد الأفريقي لـ«الشرق الأوسط»: نتشاور مع الحلفاء للدفاع عن وحدة البلاد

سفير الصومال لدى أديس أبابا والاتحاد الأفريقي عبد الله محمد ورفا (صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي)
سفير الصومال لدى أديس أبابا والاتحاد الأفريقي عبد الله محمد ورفا (صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

سفير الصومال بالاتحاد الأفريقي لـ«الشرق الأوسط»: نتشاور مع الحلفاء للدفاع عن وحدة البلاد

سفير الصومال لدى أديس أبابا والاتحاد الأفريقي عبد الله محمد ورفا (صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي)
سفير الصومال لدى أديس أبابا والاتحاد الأفريقي عبد الله محمد ورفا (صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي)

كشف سفير الصومال لدى أديس أبابا والاتحاد الأفريقي، عبد الله محمد ورفا، لـ«الشرق الأوسط»، الثلاثاء، أن بلاده تفكر في خيارات مطروحة بشأن الدفاع عن وحدة الصومال، وتتشاور مع الحلفاء الاستراتيجيين والشركاء في المنطقة وخارجها، «لاختيار أفضل السبل للدفاع عن سيادة البلاد ووحدتها».

يأتي ذلك عقب إعلان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، في بيان لمكتبه، الجمعة الماضي، الاعتراف الرسمي بـ«جمهورية أرض الصومال دولة مستقلة ذات سيادة».

ولاقى الاعتراف الإسرائيلي إدانات عربية وإسلامية وأفريقية، وأصدرت دول عربية وإسلامية، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، بيانات أكدوا فيها رفضهم التام للخطوة الإسرائيلية.

ورفض الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود هذا الاعتراف، وأكد في اجتماع طارئ بالجامعة العربية على مستوى المندوبين، الأحد، «حق مقديشو في الدفاع الشرعي عن أراضيها».

ورداً على سؤال بشأن إمكانية ملاحقة رئيس الإقليم الانفصالي عبد الرحمن محمد عبد الله عرو، وما إذا كان هناك عمل عسكري مرتقب، قال السفير ورفا: «إننا نفكر في عدة خيارات مطروحة سيتم تناولها ومناقشتها»، مؤكداً «التشاور مع الحلفاء الاستراتيجيين والشركاء في المنطقة وخارجها، ليتم بعد ذلك القيام بأفضل خيار ممثل للدفاع عن الصومال ووحدته وسيادته».

وشدد السفير الصومالي لدى الاتحاد الأفريقي، على أن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم شمال الصومال «مرفوض قطعياً وغير مقبول»، ووصف هذه الخطوة بأنها «اعتداء صارخ على وحدة وسيادة الشعب الصومالي»، مؤكداً أنها «مخالفة للقوانين الدولية والشرعية الدولية، وكذلك للأعراف الدبلوماسية».

وأكد «أن الخطوة الإسرائيلية لا يمكن قبولها بأي منطق سياسي أو شرعي؛ لأنها أصلاً فاقدة للشرعية، وبما أن إسرائيل فاقدة للشرعية الدولية، فلا يمكنها أن تعطي شرعية لغيرها».

وعلى الصعيد الدبلوماسي والدولي، أشار إلى أن جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، وغيرها من المنظمات، وقفوا إلى جانب الصومال ضد هذا الانتهاك والتحرك الإسرائيلي.

وأضاف أن «المجتمع الدولي بأسره وقف تقريباً مع الشرعية الدولية، واللوم على إسرائيل المنعزلة دولياً في هذه المغامرة التي لن تأتي بثمارها».

جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

ولفت إلى «أن مجلس الأمن عقد جلسته، الاثنين، استجابةً للطلب الذي تقدم به الصومال، وأعضاء المجلس الـ15 صوتوا جميعهم لصالح الصومال»، مؤيدين بذلك الموقف الصومالي الذي يرفض الخطوات التي أقدمت عليها إسرائيل.

وعن تقديراته لخلفيات هذا الاعتراف، اعتبر ورفا أن «هذه المحاولة المتهورة تهدف إلى إيجاد قواعد عسكرية إسرائيلية للسيطرة على باب المندب الاستراتيجي الذي تعبر من خلاله الملاحة الدولية»، محذراً من أن «الأخطر من ذلك هو أن إسرائيل تريد من خلال تواجدها في هذه المنطقة تهجير أكثر من 1.8 مليون فلسطيني من الأراضي الفلسطينية إلى الصومال»، مؤكداً أن «وحدة الصومال أمر مقدس غير قابل للمساس، وأن التجاوز فيها يعد خط أحمر».

وحول رؤية الشعب الصومالي للخطوة الإسرائيلية، أوضح «أن الرفض جاء من قبل الشعب الصومالي بأكمله، سواء في وسط الصومال أو في شماله وجنوبه»، مشيراً إلى «أن سكان الإقليم الانفصالي رفضوا ما قام به رئيس هذا الإقليم رفضاً تاماً، ولوحظ ذلك بالمظاهرات الكبيرة جداً التي خرجت في عدة مناطق».

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أعلن، الجمعة، «توقيع اتفاقية اعتراف متبادل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين إسرائيل وأرض الصومال»، مشيراً إلى أنه «أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله» واصفاً اليوم «بالمهم لكلا الجانبين».


«المسار البحري الجزائري» ابتلع أكثر من ألف مهاجر خلال 2025

قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (حقوقيون)
قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (حقوقيون)
TT

«المسار البحري الجزائري» ابتلع أكثر من ألف مهاجر خلال 2025

قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (حقوقيون)
قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (حقوقيون)

فرض المسار البحري الرابط بين السواحل الجزائرية والإسبانية نفسه خلال عام 2025، بوصفه من أشد طرق الهجرة دموية في غرب البحر الأبيض المتوسط، بعدما حصد أرواح 1037 شخصاً بين قتيل ومفقود. هذا ما خلص إليه التقرير السنوي للمنظمة الإسبانية غير الحكومية «كاميناندو فرونتيراس»، التي تكرّس منذ عام 2001 جهودها لتوثيق الانتهاكات الجسيمة للحق في الحياة، التي يتعرض لها المهاجرون في عرض المتوسط وعلى حدود أوروبا.

خريطة لطرق الهجرة نحو إسبانيا انطلاقاً من السواحل الجزائرية (منظمات إسبانية غير حكومية)

وثق التقرير، الذي جاء بعنوان «رصد الحق في الحياة - 2025»، 121 حادث غرق على هذا المسار البحري وحده، الذي يسلكه في الأساس مهاجرون يغادرون الجزائر متجهين نحو جزر البليار والساحل الشرقي لإسبانيا. وباتت ما تُعرف بـ«طريق الجزائر» اليوم أكبر مقبرة مفتوحة للمهاجرين على الطرق البحرية المؤدية إلى إسبانيا عبر المتوسط، محققة الصدارة في عدد الوفيات، ومؤكدة خطورة هذا الممر الذي أصبح يكتسي طابعاً قاتماً بشكل متصاعد.

* ارتفاع معدلات الوفيات

على مستوى كل الطرق المؤدية إلى إسبانيا، فقد 3090 مهاجراً حياتهم، أو عُدّوا مفقودين، خلال عام 2025 بجميع المسارات. وبذلك تمثل الرحلات المنطلقة من الجزائر أكثر من ثلث الوفيات المسجلة. ومن بين هؤلاء الضحايا 192 امرأة و437 طفلاً ومراهقاً، وفق ما ورد في التقرير نفسه.

وتضاعفت تقريباً نسبة الوفيات في الطريق الجزائرية مقارنة بعام 2024، حيث وثقت المنظمة الإسبانية غير الحكومية 517 حالة وفاة. وفي إطار إحصاء عدد الضحايا، أكد التقرير اختفاء أثر 47 قارباً بالكامل خلال 2025، دون العثور على ناجين أو جثث. وتتعلق حوادث الغرق هذه بشكل خاص بالرحلات الطويلة، التي تتجاوز أحياناً 300 كيلومتر، باتجاه جزر إيبيزا وفورمينتيرا ومايوركا. وكانت غالبية القوارب زوارق صغيرة، أو قوارب صيد مكتظة، وغير مجهزة لمواجهة الظروف البحرية القاسية، وفق الملاحظات التي تضمنها التقرير.

وزيرا الداخلية الجزائري والإسباني (الداخلية الجزائرية)

وأشارت الوثيقة نفسها إلى أن كثيراً من حوادث الغرق سبقتها نداءات استغاثة لم تلقَ استجابة سريعة، مع تأخر في عمليات البحث، لا سيما في المناطق البعيدة عن الخطوط التجارية. ونددت المنظمة غير الحكومية بـ«التقاعس عن واجب الإغاثة»، وهو أمر تفاقم بسبب ضعف التنسيق بين الدول وغياب آليات إنقاذ دائمة، وفق ما قالته.

* فئات جديدة من المهاجرين

مما تضمنه التقرير أن الرحلات المنطلقة من الجزائر أصبحت تشمل منذ 2025 فئات متنوعة من المهاجرين: رجال، ونساء، وعائلات، وقُصّر. وتؤكد المنظمة أن «الطريق الجزائرية» باتت من الممرات الرئيسية للهجرة نحو إسبانيا، وأشدها خطورة، لافتاً إلى أن هذا الممر البحري في حوض المتوسط «ظل لفترة طويلة بعيداً عن الأضواء الإعلامية».

ومنذ عام 2018، وثقت «كاميناندو فرونتيراس» أكثر من 28 ألف قتيل ومفقود في مجموع الطرق البحرية، التي تربط شمال وغرب أفريقيا بإسبانيا. وعدت المنظمة أن الارتفاع الأخير للضحايا في «الطريق الجزائرية» يشكل «إشارة إنذار كبرى»، داعيةً إلى تعزيز عاجل لآليات البحث والإنقاذ، وتحسين التنسيق بين الدول المطلة على المتوسط لحماية الحق في حياة المهاجرين.

طرق الهجرة البحرية نحو إسبانيا انطلاقاً من السواحل الجزائرية (مواقع مهتمة بالهجرة السرية)

وواجه أرخبيل جزر البليار في صيف 2025 موجة غير مسبوقة من وصول المهاجرين، في ذروة الموسم السياحي، وفق التقرير ذاته، الذي أبرز أن «الطريق التي تربط الجزائر بجزر البليار، وهي أقل خضوعاً للمراقبة، أصبحت أعلى تفضيلاً واستخداماً بشكل متنامٍ، بينما جرى تشديد الرقابة على طرق الهجرة من تونس والمغرب وموريتانيا على وجه الخصوص».

ونقل الموقع المختص «مهاجر نيوز»، في هذا الشأن تحديداً، عن «أحد العاملين في المجال الإنساني»، أن «القوارب كانت تصل تقريباً كل يوم هذا الصيف، وكانت هناك أيضاً جثث ومفقودون... إنها أوضاع غير طبيعية لم نكن نشهدها العام الماضي».

تنسيق أمني جزائري - إسباني

اجتماع بين وفدين حكوميين جزائري وإسباني في 20 أكتوبر 2025 لبحث مكافحة الهجرة السرية (وزارة الداخلية الجزائرية)

في ضوء هذا المنحى الخطير الذي اتخذته الهجرة السرية، زار وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، الجزائر في 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث بحث مع سلطاتها وقف تدفقات المهاجرين. وصرح في أعقاب اجتماعه بنظيره الجزائري، سعيد سعيود، بأن البلدين «يواجهان اليوم تحدياً مشتركاً يتمثل في ضغط الهجرة عبر طرق البحر الأبيض المتوسط»، مؤكداً أن الحكومة الإسبانية «تدرك تماماً أنها تواجه ضغطاً كبيراً بسبب تدفقات الهجرة غير النظامية عبر دول العبور، وهو ما تشهده الجزائر أيضاً، (هجرة عكسية من دول جنوب الصحراء)، حيث تبذل الدولة جهوداً كبيرة لمواجهة هذه الظاهرة بكل الوسائل الممكنة».

من جهته، أشاد الوزير سعيود بنتائج الاجتماع الأمني الذي عقده البلدان في أغسطس (آب) 2025 بمدريد، والذي خصص لمكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة، وأسفر عن إعداد برنامج تدريبي للفترة من 2025 إلى 2026 يهدف إلى تعزيز قدرات الوحدات الخاصة بمكافحة الهجرة وتقوية آليات التصدي لها.

صورة للقُصّر السبعة خلال الرحلة إلى جزر البليار (حسابات حقوقيين)

وعلى هامش الاجتماع الوزاري، تطرق سعيود إلى «ملف القاصرين السبعة»، الذين غادروا البلاد نحو جزر البليار الإسبانية مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي؛ وهي حادثة أثارت جدلاً سياسياً ومجتمعياً واسعاً. وأكد المسؤول ذاته «استمرار الجهود الدبلوماسية والقانونية لاستعادتهم»، مشيراً إلى أن السلطات الجزائرية «استوفت كل المتطلبات والملفات التي طلبها القضاء الإسباني»، معرباً عن «تفاؤله باستجابة إيجابية وشيكة لطلب الجزائر القاضي بإعادتهم».


«التعليم المصرية» تستنفر مبكراً للحد من أساليب غش مبتكرة بـ«الثانوية العامة»

ضبط منظومة الامتحانات أولوية حكومية في مصر مع تعدد أساليب الغش المبتكرة (وزارة التربية والتعليم)
ضبط منظومة الامتحانات أولوية حكومية في مصر مع تعدد أساليب الغش المبتكرة (وزارة التربية والتعليم)
TT

«التعليم المصرية» تستنفر مبكراً للحد من أساليب غش مبتكرة بـ«الثانوية العامة»

ضبط منظومة الامتحانات أولوية حكومية في مصر مع تعدد أساليب الغش المبتكرة (وزارة التربية والتعليم)
ضبط منظومة الامتحانات أولوية حكومية في مصر مع تعدد أساليب الغش المبتكرة (وزارة التربية والتعليم)

قبل ما يقرب من 6 أشهر على انطلاق امتحانات «الثانوية العامة» في مصر (شهادة البكالوريا)، تعددت اللقاءات على مستويات تنفيذية عليا استعداداً لها، مع توجيهات بتشديد «عقوبات الغش»، و«تغطية لجان الامتحان كافة بكاميرات مراقبة» للحد من أساليب الغش المبتكرة.

وبرزت خلال السنوات الماضية، أساليب جديدة في الغش أثرت سلباً على ضبط منظومة الامتحانات، بينها «استخدام سماعات الأذن»، و«الساعات الرقمية»، و«الجوال»، مع وجود مجموعات مساعدة للطلاب من خارج اللجان عبر غروبات «واتساب»، واتباع أساليب يصعب ضبطها أثناء تفتيش الطلاب قبل الامتحان، بينها التنسيق مع بعض عمال المدارس لإخفاء وسائل «الغش» بعيداً عن أنظار المراقبين.

وقال مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم المصرية لـ«الشرق الأوسط»، إن الوزارة تدرس إدخال تعديلات على قانون «مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات»، ومضاعفة عقوبات «حيازة الجوال لاستخدامه في الغش»، وكذلك عقوبات «ضبط الطلاب المتورطين في الغش أثناء أداء الامتحان»، مشيراً إلى أن الوزارة ستوفر هذا العام كاميرات مراقبة متطورة في جميع لجان الامتحانات.

وأوضح أن الوزارة تدرس أيضاً الاستعانة بأجهزة متطورة لضبط «سماعات الأذن» المستخدمة في «الغش»، وتشديد إجراءات حماية أوراق الامتحانات بعد وصولها إلى مقار اللجان الامتحانية؛ لضمان عدم نشرها على منصات التواصل الاجتماعي أثناء الامتحان، مضيفاً: «من بين الخيارات التي تدرسها الوزارة تمهيداً لتطبيقها، توفير إجراءات حماية أكبر للملاحظين والمراقبين، وزيادة عدد العاملين بكل لجنة من مراقبين ومشرفين وعمال».

ويعاقب قانون «مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات»، الطالب الذي يرتكب غشاً أو شروعاً فيه بالحرمان من أداء الامتحان في الدور الذي يؤديه والدور الذي يليه من العام ذاته، ويعدّ راسباً في جميع المواد، وفي حالة الامتحانات الأجنبية يُحرَم الطالب من أداء امتحانات المواد اللازمة للمعادلة، وفقاً للنظام المصري، دورَين متتاليَين.

كما يفرض القانون عقوبات مغلظة على جرائم الغش أو الشروع فيه، وتصل العقوبة إلى «الحبس سنتين ولا تزيد على 7 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه (الدولار يساوي 47.50 جنيه تقريباً بالبنوك المصرية)، ولا تزيد على 200 ألف جنيه على كل مَن طبع أو نشر أو أذاع أو روَّج، بأي وسيلة، أسئلة الامتحانات أو أجوبتها أو أي نظم تقييم في مراحل التعليم المختلفة المصرية والأجنبية بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات».

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف (مجلس الوزراء المصري)

وحسب المصدر المسؤول، فإن الوزارة بدأت هذا العام الاستعداد مبكراً لإجراءات تنظيم الامتحانات، وذلك بفتح باب تسجيل وتحديث بيانات المرشحين للعمل بصفتهم رؤساء ومراقبين أوائل للجان سير الامتحانات، والمستهدف هو تنقية الأسماء المختارة بعناية، واستبعاد أي عناصر ثبت تقصيرها في أداء عملها من قبل، إلى جانب إتاحة الفرصة لتدريب هؤلاء بشكل جيد على أعمال الامتحانات.

وحذّر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي من أن «أي محاولة للمساس بنزاهة امتحانات الثانوية العامة أو الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب ستُواجه بحسم كامل وعقوبات رادعة»، مشيراً إلى أن الدولة «ماضية بقوة في تشديد إجراءات تأمين الامتحانات».

وأكد خلال اجتماع عقده مع وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر محمد عبد اللطيف بمشاركة عدد من مسؤولي الجهات المعنية بتأمين الامتحانات، مساء الأحد، أن «تأمين الامتحانات لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية»، وشدّد على «أهمية اتخاذ جميع الإجراءات التنظيمية والتقنية التي تضمن سير الامتحانات في أجواء من العدالة والشفافية، مع التصدي لأي محاولات للغش سواء كانت فردية أو جماعية».

وجاء اجتماع مدبولي مع عدد من المسؤولين التنفيذيين، بعد أسبوعين تقريباً من اجتماع آخر عقده الرئيس عبد الفتاح السيسي مع وزير التعليم وجّه خلاله «بتشديد العقوبات المُوقَّعة على مَن يثبت تورطهم في الغش بامتحانات الثانوية العامة».

وتواجه وزارة التربية والتعليم المصرية انتقادات عدة نتيجة استمرار وقائع «الغش» و«تسريب الامتحانات»، ولم تعلن الوزارة خلال امتحانات العام الماضي، أعداد الطلاب الذين تمَّ ضبطهم بتهمة «الغش»، غير أنها أعلنت في امتحانات الثانوية العامة عام 2024 إحالة 425 طالباً إلى جهات التحقيق، بسبب مخالفة قانون أعمال الامتحانات.

وأكد أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، الدكتور عاصم حجازي، أن الاستعدادات المبكرة لامتحانات «الثانوية العامة» تَظهر بشكل واضح على مستويات رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، «غير أن أساليب وزارة التربية والتعليم تبقى تقليدية، وأن الحديث عن مضاعفة العقوبات أو تركيب الكاميرات ليس جديداً أو مبتكراً، ولكنه متبع من قبل ولم يحقق نتائج إيجابية، ولا بد من إدخال تعديلات جذرية على شكل الامتحان».

وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن البدء مبكراً يتيح فرصة لتعديل الإجراءات أو إضافة مزيد من المقترحات عليها، كما أن التأكيد على ضرورة التعاون بين الوزارات المختلفة لمجابهة «الغش» خطوة إيجابية ما يجعل هناك توقعات بأن تبقى الامتحانات هذا العام أكثر انضباطاً ومتابعة ورقابة.

وأشار إلى أن الاستنفار الحكومي يرجع لأن «الغش يضعف مصداقية النظام التعليمي على المستوى الدولي، وتبقى مواجهته أولوية كونه يغطي على أي تطوير آخر قد يحدث على مستوى تطوير المناهج التعليمية».

الرئيس عبد الفتاح السيسي سبق أن طالب بتشديد عقوبات الغش في الامتحانات (الرئاسة المصرية)

ووجّه مدبولي بتزويد جميع لجان الامتحانات بكاميرات مراقبة ترصد مختلف الجوانب داخل كل لجنة. وحسب وزير التعليم المصري، فإن «قرابة 95 في المائة من اللجان مزودة بكاميرات، ويجري حالياً استكمال تركيبها في جميع اللجان قبل بدء الامتحانات»، وفقاً لبيان صادر عن مجلس الوزراء المصري.

وقال أستاذ مناهج البحث والتقويم بجامعة قناة السويس، عبد العاطي الصياد، إن التعامل مع تفاقم «الغش» بإجراءات تقليدية لن يجدي نفعاً في عصر الذكاء الاصطناعي، وفي حال أقدمت الوزارة مثلاً على تركيب كاميرات أو استخدام أجهزة لضبط السماعات، فإن مزيداً من أساليب الغش المبتكرة ستكون حاضرة لدى الطلاب، لم تكن معروفة من قبل.

وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التطور يجب أن يصل إلى المعلم وتدريبه على طرق تدريس مبتكرة تتماشى مع تطور نظم التعليم الدولية، مع أهمية إجراء اختبارات قبول للطلاب قبل دخول الجامعات؛ للتأكد من توفر القدرات التي تؤهلهم للدراسة فيها.