ينشط عشرات المصورين المحترفين والهواة المصريين الآن في مدينة الجونة الساحلية بمحافظة البحر الأحمر (جنوب شرقي القاهرة)، للمشاركة في حزمة كبيرة من الفعاليات والنشاطات المتنوعة في إطار «أسبوع الجونة للصورة» في نسخته الأولى، وتبرز من بينها معارض وورش وحلقات نقاش ومحاضرات حول فنون الفوتوغرافيا في مجالات عديدة مثل الأزياء والعمارة، وتنسيق الطعام إلى جانب التصوير التوثيقي والصحافي، ويتصدر - برنامج هذا الأسبوع الفوتوغرافي - معرض يضم 9 مشاريع ثقافية من قلب الصعيد المصري تحت عنوان «سرد».
«انطلقت الفكرة من دعوة قدمتها لنا شركة (أوراسكوم للفنادق)، بهدف تدشين نشاط تعليمي تدريبي متخصص في التصوير ليصبح بمثابة منصة للفوتوغرافيا تتيح التصوير في الأماكن المفتوحة والسياحية من دون قيود وإجراءات معقدة»، وفق مروة أبو ليلة، مديرة مؤسسة «فوتوبيا» المُنظمة للأسبوع، التي تضيف لـ«الشرق الأوسط»: «رحبنا بالفكرة، لأنها تساهم في تطوير صناعة التصوير الفوتوغرافي في مصر، إذ تساعد على تحقيق التعلم والتواصل مع محترفي وهواة هذا المجال، وعملنا معاً على تنفيذها».
تتماهى هذه التظاهرة الفوتوغرافية مع مفهوم أسبوع الصورة في القاهرة الذي تنظمه المؤسسة نفسها إلا أنه هنا يكتسب طابعاً خاصاً ينبع من المكان السياحي الذي يحتضنه في ساحل البحر الأحمر حيث الطبيعة الخلابة، والطقس الرائع. ووفق أبو ليلة: «لا بد لدى التوجه إلى الجونة بعرض أعمال الفنانين الذين تقدم أعمالهم في القاهرة، لذلك اهتممنا كذلك بالالتقاء الجغرافي، وقررنا دعوة فناني الصعيد إلى الفعالية، الذين قلما تسلط عليهم الأضواء».
المدهش أن الاستمتاع بنشاطات الأسبوع لا يتوقف على المصورين المشاركين به إذ يستطيع زائر المدينة الآن وحتى الغد 23 يوليو (تموز)، حضور مجموعة من الفعاليات الجذابة والحيوية الموسعة المتعلقة بفنون التصوير ومنها «فوتوووك»، أو التصوير أثناء المشي سيراً على الأقدام في الصباح الباكر وورش للتصوير المتعلق بفنون الضيافة، والهندسة المعمارية، والتصميم الداخلي ونمط الحياة، والتصوير السينمائي والأزياء والإكسسوارات، وتنسيق الطعام والطهي، إضافة إلى مجموعة من المحاضرات والنشاطات المسرحية والسينمائية المقامة في قاعات مجهزة وفي الأماكن المفتوحة، والمحادثات، وورش العمل، والعروض التوضيحية المباشرة، والمعارض، وندوات التعارف، وإتاحة مواقع التصوير المجانية.
التصوير من أجل الفن والفوتوغرافيا لأهداف تجارية أيضاً يمثلان جانباً مهماً من أهداف الأسبوع، لذلك جاء برنامج الفعالية ثرياً متكاملاً حسب وصف مروة أبو ليلة: «وضعنا أعيننا على غايات متعددة، فبرغم أن الهدف الأساسي كان هو التعليم، فإننا احتفينا باستثمار التصوير في الترويج السياحي أيضاً فمثل هذا الحدث يجعل من الجونة قِبلة لعدد كبير من الفنانين ومحبي التصوير».
أحد عروض المرماح (إدارة أسبوع الجونة)
حوّل أسبوع الجونة المكان إلى معرض كبير مفتوح لروائع فوتوغرافية متنوعة إذ يضم نحو 5 معارض مختلفة منها معرض «ناس من القاهرة» يدور حول عراقة العاصمة، ومعرض «من هنا وهناك»، للفنان كريم الحيوان عن «سجاجيد المساجد»، التي يتبرع بها المصلون «تشكل رقعاً ملهمة روحانية بديعة التصاميم والألوان» وفق وصفه لها.
لكن لم يكن للحدث أن يكتسب كل هذه الخصوصية من دون الحضور القوي والمؤثر للصعيد فيه، ومن ذلك معرض خارجي تفاعلي بعنوان «مسموح بالاقتراب» لعلي زراعي من المنيا، وتقوم فكرته على إدارة مناقشات حول مجموعة الصور بين الفنان والجمهور يروي خلالها تجربته وخبراته ويتحدث عن أدواته وأسلوبه الفني.
أيضاً بعد أن يتجاوز الزائر الساحة الخارجية للقاعة الألمانية في الجونة ويشاهد المعرض الفردي للفنان محمود الهواري (من قنا) ويغوص في بيئة الصعيد ومن ذلك الأزياء، والألعاب الشعبية، وطقوس الحياة اليومية، والمناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة، يمكن للزائر الانتقال داخل القاعة ليشعر أنه في قلب الجنوب المصري، من خلال المعرض الجماعي «سرد... نسخة الصعيد»، ويضم نحو 90 صورة من 9 مشروعات ثقافية فوتوغرافية.
الفنان أحمد مصطفى منسق، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يعرف قيمة أسبوع الجونة إلا من يعيش في الصعيد ويعاني من التهميش!؛ ذلك أنه يتيح للفنانين الذين يجدون مشقة كبيرة في الانتقال إلى القاهرة لعرض أعمالهم أن يقدموا إبداعاتهم في احتفالية ضخمة متنوعة النشاطات يشارك فيها أسماء كبيرة وخبرات طويلة، ما يعني تسليط الضوء على فناني الجنوب ويشجعهم على مزيد من التعلم والتزود بالمهارات».
ويتابع مصطفى: «من المؤكد أنه لو نُظّم في القاهرة لكان حضور الجمهور أكبر، لكن من يستطيع من الفنانين التوجه للعاصمة كثيراً في ظل طول المسافة التي قد تستغرق أكثر من 10 ساعات بالحافلة، في حين أن الجونة قريبة لنا».
يضم المعرض قصصاً مصورة من محافظات الصعيد (بني سويف، وقنا، والفيوم، وأسيوط، والمنيا، وسوهاج، والأقصر)، ومن خلالها يتعرف المتلقي على سبيل المثال على استخراج عسل النحل وفق الطريقة القديمة في الصعيد لأحمد مصطفى، وقصة محاجر المنيا لعادل عيسى، وصور عن الموالد ليحيى أحمد، وقصة طفل يشارك في مساعدة أهله في الحقول لسهل عبد الرحمن، وتجفيف الطماطم في الأقصر لمحمد شكري.
يعد مصطفى الحضور الصعيدي في أسبوع الجونة بمثابة جسر للتواصل والحضاري بين الثقافات، كما أنه معزز قوي للحراك السياحي: «تعكس الصور عادات وتقاليد وتفاصيل وفنون تراثية شديدة الثراء الإنساني، تتناقل بين الأجيال على مر مئات السنين، لتثبت أن في مصر أمكنة تستحق زيارتها بخلاف المتاحف والآثار».