يمثل التودد الناشئ بين روسيا وإيران تطوراً غير مرحَّب به بالنسبة للغرب وستراقبه الولايات المتحدة في قلق، مع استمرار الغموض بشأن إمكانية إحياء الاتفاق النووي، لكن التقارب بين موسكو وطهران لا يرقى إلى مستوى التغيير الجيوسياسي في اللعبة، حسب «رويترز».
وأجرى بوتين محادثات مع المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران، في أول زيارة للرئيس الروسي خارج الاتحاد السوفياتي السابق منذ غزو موسكو لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط).
تبعث زيارة بوتين برسالة قوية إلى الغرب بشأن خطط موسكو لإقامة علاقات استراتيجية أوثق مع إيران والصين والهند في مواجهة العقوبات الغربية. وذلك بعد أيام فقط من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل والسعودية.
ودعا خامنئي إلى تعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا، وأبلغ بوتين بأن البلدين بحاجة إلى توخي الحذر من «الخداع الغربي»، حسبما أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني.
وقال خامنئي إن بوتين ضمن لروسيا «الحفاظ على استقلالها» عن الولايات المتحدة، وعبّر عن دعمه لبدء الدول في استخدام عملاتها الوطنية عند تداول السلع. وأضاف: «يجب إخراج الدولار الأميركي تدريجياً من التجارة العالمية، ويمكن القيام بذلك تدريجياً».
وأعرب خامنئي عن تأييد لموسكو في الحرب الأوكرانية، قائلاً لبوتين: «لو لم تكن قد اتخذت زمام المبادرة، لكان الطرف الآخر (الغرب) تسبب في الحرب بمبادرة منه».
غيّرت الحرب في أوكرانيا من نهج موسكو تجاه محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي التي استمرت 11 شهراً لكنها انهارت في مراحلها النهائية في مارس (آذار) بسبب طلب روسي في اللحظة الأخيرة بالحصول على ضمانات مكتوبة من واشنطن بأن العقوبات الغربية التي تستهدف موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا لن تؤثر على تجارتها مع إيران.
وعلى الرغم من أن روسيا سرعان ما تراجعت تحت وطأة الضغط الإيراني، فإن الزخم الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق تلاشى.
وتعثرت المحادثات منذ ذلك الحين بسبب قضايا عالقة. وما إذا كان يمكن للاتفاق أن يعود إلى مساره الصحيح سيكون أحد مقاييس تأثير التقارب بين بوتين وزعماء إيران.
وقال هنري روم، نائب رئيس قسم الأبحاث في مجموعة أورآسيا: «تدخل روسيا في المحادثات كان تراجعاً كبيراً في النهج الروسي التقليدي وربما فاقم الشكوك في طهران بشأن مصداقية موسكو وإمكانية الاعتماد عليها».
- تنافُس في مجال الطاقة
تنافُس روسيا وإيران في مجال إنتاج الطاقة من المرجح أن يضع قيوداً على أي شراكة أعمق، حتى على الرغم من أن البلدين متحدان في عدائهما للغرب.
بالنسبة لإيران، التي تعاني أيضاً بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية وفي خلاف مع الولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي ومجموعة من القضايا الأخرى، تأتي زيارة بوتين في الوقت المناسب.
ويحرص قادتها على تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع روسيا، في وقت تتخوف من قدرة الرئيس الأميركي جو بايدن على إنشاء إجماع دولي لمواجهة الأنشطة الإقليمية الإيرانية.
وبعد أن شجعتها أسعار النفط المرتفعة منذ حرب أوكرانيا، تراهن طهران على أنها قد تضغط بدعم من موسكو على واشنطن لتقديم تنازلات من أجل إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
لكن ميل روسيا المتزايد في الشهور الأخيرة تجاه بكين قلص بدرجة كبيرة صادرات الخام الإيرانية إلى الصين وهي مصدر رئيسي للدخل لطهران منذ أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب فرض عقوبات عليها في 2018.
وفي مايو (أيار)، أفادت وكالة «رويترز» بأن صادرات إيران من النفط الخام إلى الصين تراجعت بشكل حاد، إذ فضلت بكين النفط الروسي بسبب الخصومات الكبيرة، تاركة ما يقرب من 40 مليون برميل من النفط الإيراني مخزَّنة على ناقلات في البحر في آسيا وتبحث عن مشترين.
وقبل وصول بوتين أبرمت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة «غازبروم» الروسية مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها نحو 40 مليار دولار.
تتمتع إيران بخبرة تمتد لسنوات كثيرة فيما يخص الدفاع عن نفسها في مواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.
وقال روم من مجموعة أورآسيا: «على الصعيد الاقتصادي، أدت الحرب إلى تدهور علاقتهما إلى حد كبير. موسكو تأخذ حصة طهران في سوق السلع كما أن لديها موارد أقل لطرحها في مشروعات في إيران».
- التحايل على العقوبات
وقال جاك واتلينغ، الخبير في شؤون الحرب في المعهد الملكي للخدمات المتحدة وهو مؤسسة بحثية مقرها لندن، لـ«رويترز» إن إيران تتمتع بخبرة عالية وهي شريك له قيمة كبيرة في التهرب من العقوبات الغربية.
ويرى جانيس كلوغه، من مؤسسة «إس دبليو بي» البحثية، في برلين إن روسيا وإيران تفتقران إلى التكنولوجيا ورأس المال الغربيين. وأضاف: «ربما يكون هناك بعض الدروس التي يمكن لروسيا أن تتعلمها من إيران... وفي المقابل، بإمكان روسيا أن توفر معدات عسكرية وربما مواد خام أو حبوباً».
وفي ظل استبعاد بعض البنوك الروسية من نظام المدفوعات الدولي (سويفت)، قال كلوغه إن موسكو تطور بديلاً يتيح دمج البنوك الإيرانية.
وعلى نطاق أوسع، تعد إيران جزءاً من مجموعة أكبر من الدول –تشمل أيضاً الصين والهند وأميركا اللاتينية والعالم العربي وأفريقيا- شكّلت معها روسيا علاقات أقوى في مسعى لإثبات زعمها أن بإمكانها أن تزدهر في ظل العقوبات التي تدّعي أن تأثيرها سيرتدّ على الغرب.
تعاون موسكو وطهران يُقلق الغرب وسط آفاق قاتمة لإحياء «النووي»
(تحليل إخباري)
تعاون موسكو وطهران يُقلق الغرب وسط آفاق قاتمة لإحياء «النووي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة