قال مدير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في أفغانستان، عبد الله الدردري، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن الحوار السياسي بين الأمم المتحدة و«طالبان» كان بناءً ويتقدم، قبل صدور قرار منع تعليم الفتيات الذي كان «سلبياً وشكّل صدمة».
وأوضح رداً على سؤال، أن «طالبان» في «حرب شعواء ومعركة واضحة ضد (داعش)»، لافتاً إلى وجود بيان من «طالبان» بأنه لا مجال لنشاط «القاعدة» في أفغانستان، وأن «السلطات تراقب تطبيق هذا الكلام».
وعن موضوع المخدرات، قال الدردري، إن 10 في المائة من إجمالي المساحات الزراعية تزرع بالمخدرات «وتنتج أفغانستان 80 في المائة من الإنتاج العالمي من زهرة الأفيون، وفيها 4 ملايين مدمن، بينهم مليون ونصف مليون امرأة وطفل»، لافتاً إلى جهود أممية لمعالجة هذه المشكلة التي يشكل «العائد المادي منها بين 2 و3 مليارات دولار، في حين تبلغ القيمة السوقية 200 مليار دولار».
وقال الدردري، إن «موقع أفغانستان هو ميزة ولعنة».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1550034594363101185?s=20&t=NlLnelaJhUKPkMtnQCdo6w
وهنا نص الحديث الذي جرى عبر تطبيق «زووم» أول من أمس، وروى فيه الدردري لحظات دخول عناصر «طالبان» إلى مكاتبه قبل سنة:
> بعد نحو شهر، تحل ذكرى مرور سنة على التغيير الكبير في أفغانستان. هل لك أن تصف انطباعاتك الشخصية عن نقطة التحول تلك عند انسحاب القوات الأميركية، وكيفية التعاطي كمؤسسة أممية من دون اعتراف بحكومة «طالبان»؟
- يوم 15 أغسطس (آب) الماضي، كنت في مكتبي في اجتماع مع من تبقى من الموظفين، بعد أن طلبت من الموظفين الدوليين مغادرة أفغانستان، وكان عددهم 77 موظفاً، وكذلك من الموظفين المحليين وكان عددهم 350 موظفاً، العمل من المنزل. كنت أتوقع أن تتدهور الأمور. وكان معي في المكتب 3 موظفين دوليين وعدد قليل من الموظفين المحليين. مجمّع الأمم المتحدة يقع في جنوب شرقي كابل، على أطراف المدينة. دخل عليّ مدير مكتبي عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً وهو منهار، قائلاً، «وصلوا» (إلى بوابة المجمّع). وكانت لحظات تثير الخوف... الخوف من المجهول.
طرقوا باب المجمّع ودخلوه من دون إثارة أي مشاكل، طالبين التحدث مع مسؤولي الأمن. وأكدوا لمسؤولي الأمن أنهم هنا لحمايتنا ولا داعي للخوف.
> ماذا حصل؟
- «طالبان» التزموا بأمرين: 1 – أن موظفي الأمم المتحدة لهم حق الدخول إلى أي منطقة في أفغانستان والتواصل في أي مكان. 2 - تأمين الحماية الكاملة.
ونحن فعلاً نجول داخل أفغانستان وندخل كل المناطق مع مرافقين من «طالبان».
في ليلة 15 - 16 أغسطس الماضي، انتظرت حتى المساء للاتصال بقيادة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في نيويورك، وسُئلت «ماذا تريد أن تفعل؟». قررت أنه يجب علينا أن نبقى وأن نجمع فريقاً في الخارج بناءً على خطة واضحة.
رتبت الأمور، وغادرت بعد أيام إلى دبي، حيث جمعت فريقاً وكنت أول العائدين عن طريق إسلام آباد، وانضم إلى أعضاء الفريق تباعاً.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعمل في أفغانستان منذ خمسين سنة ولم يغادرها أبداً، وارتأيت أنه لا يمكن تغيير هذا النهج. وهناك منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة بقيت أيضاً.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1550038369245224960?s=20&t=ezWHCWCXivPM_85TyCdE0g
> كفريق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصلتم إلى أماكن في أفغانستان لم تكونوا تستطيعون الوصول إليها في أيام الحكومة السابقة؟
- هذا صحيح. قضيت 13 ساعة في الطريق بين قندهار وكابل، لقطع مسافة 465 كلم، فكل 100 متر تقريباً هناك حفرة سببها تفجير. لا يمكن أن يتوقع أي طرف الانتصار في أفغانستان. هذه حرب مستحيلة. دخلنا مناطق لم ندخلها من قبل، مناطق مهملة تفتقر إلى الخدمات الصحية والتعليمية. وكل من قابلنا قال، إنه لا يريد سلة غذائية، بل فرصة عمل. الأفغان شعب كريم ويريد العمل.
> ما هي أولويات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟ وهل ستكون مختلفة عن أولوياتها في زمن الحكومة السابقة، حيث كانت ربما مساعدات من دون تمكين؟
- رُبّ ضارة نافعة. غياب حكومة جعلنا منذ اللحظة الأولى، مع الفريق الذي أتى من دبي، نعمل مع الناس في المجتمعات المحلية، لا مع مؤسسات مركزية كان مشكوكاً في نتائج التعاون معها. وهناك استثمارات ذهبت سدى. نعمل مع الناس على الأرض، مع النساء الريفيات والشباب. نقدم تمويلاً وتدريباً وهم يقومون بالمشاريع. نصل إلى كل مكان وندعم الناس مباشرة.
نسبة الأميّة في أفغانستان 70 في المائة، ولكن لديهم وعياً تنموياً عالياً وراقياً للغاية. العمل هنا متعب ومجهد، ولكننا نرى نتائج مباشرة. قمنا بتأمين 500 ألف فرصة عمل موقتة؛ ما يعني أن 500 ألف أسرة أصبح لديها دخل بعد أن كانوا لا يعرفون من أين سيؤمّنون وجبتهم التالية. هم قالوا، إنهم كانوا على وشك السير على الأقدام إلى إيران، ومنها إلى تركيا ثم أوروبا.
> لا اعتراف دولياً بحكومة «طالبان»، ولكن من خلال اتصالاتكم مع المانحين والدول الكبرى والولايات المتحدة الأميركية، هل طرحتم مسألة الإفراج عن مليارات الدولارات المجمّدة والتي تعود للأفغان؟
- موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هو السماح للشعب الأفغاني بالاستفادة من موارده.
> وهي؟
- الأموال المجمّدة هي بحدود 7 مليارات دولار. والمساعدات التنموية قيمتها 7 مليارات دولار سنوياً، وإجمالي الاحتياجات السنوية 8.4 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية والتنموية. منذ 15 أغسطس الماضي، تلقى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفغانستان 2.2 مليار دولار، منها مبلغ 950 مليون دولار نقلناه نقداً.
كنت أخشى بعد بدء الحرب في أوكرانيا أن يحصل انخفاض في حجم المساعدات إلى أفغانستان، ولكن ذلك لم يحصل، واستمرت المساعدات بذات الوتيرة.
> بعد الحرب في أوكرانيا لم يحصل تغيير في التزام المانحين؟
- فيما يتعلق ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفغانستان، لم يحصل تغيير لا في الالتزامات ولا في التنفيذ.
> سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في حكومة «طالبان»، أعرب عن شعوره بالإحباط بسبب عدم الاعتراف بحكومة «طالبان». أقدّر أن عملكم لا علاقة له بالسياسة، ولكن هل طرحتم عليهم بعض الخطوات التي يمكن أن تسهّل الاعتراف بحكومتهم؟
- هذا النوع من الحوار السياسي تقوم به جهات مختصة، ولكن أعرف أن الحوار كان يتقدم بشكل جيد بين الأمم المتحدة وسلطات الأمر الواقع، لا لناحية الاعتراف، ولكن المساحة المتاحة كانت تتوسع كل يوم من قِبل المانحين، وكان هناك استثناءات من العقوبات، إلى حين حلول صباح 23 مارس (آذار)، عند صدور قرار منع تعليم البنات في المرحلة الثانوية الذي كان له تأثير سلبي للغاية على أجواء الحوار. كان حواراً بنّاءً.
يهمنا كذلك إحياء النظام المصرفي الأفغاني الذي يوشك على الانهيار، وما زلنا مستمرين في عملنا.
منع تعليم البنات في المرحلة الثانوية شكّل صدمة سلبية.
> ما تفسيرك لهذا القرار؟
- كلما أثرنا هذا الموضوع مع مسؤول يكون الرد أن هذا قرار تقني. وأحد المسؤولين أكد لي باللغة الإنجليزية «Education for all is our policy»، أي: سياستنا هي التعليم للجميع. هم يذكرون أسبابا تقنية من نوع الفصل بين الإناث والذكور في الصفوف وتأمين مدرسات للبنات، وقد عرضنا عليهم المساعدة في هذه الأمور.
أشير هنا إلى أن هناك عدداً من الولايات الأفغانية استمر في تعليم البنات في المرحلة الثانوية. وهناك نقاش حقيقي حول هذا الموضوع، ولا تفسير لهذا القرار.
> ننتقل إلى الحديث عن المخدرات في أفغانستان...
- في أفغانستان مساحة 220 ألف هكتار مزروعة بالمخدرات، أي ما نسبته نحو 10 في المائة من إجمالي المساحات الزراعية. وتنتج أفغانستان 80 في المائة في إجمالي الإنتاج العالمي من زهرة الأفيون، وفيها 4 ملايين مدمن، بينهم مليون ونصف مليون امرأة وطفل، من أصل 40 مليون أفغاني. العائد المادي من هذه الزراعة يتراوح ما بين 2 و3 مليارات دولار داخل أفغانستان، ولكن بعد التصنيع والتصدير ربما تصل القيمة السوقية إلى 200 مليار دولار.
أفغانستان تصدّر التفاح في موسمه إلى دول مجاورة، حيث يخزّن في البرادات، ثم تستورده بخمسة أضعاف السعر الأصلي خارج الموسم. البرادات تنقذ المواسم الزراعية.
> هل هناك خطة أممية للتعاطي مع مسألة المخدرات؟
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لديه برنامج مهم مموّل من وزارة الخارجية الأميركية لتأمين زراعات بديلة. ولكن حجم المدخول من المخدرات يمثل اقتصاد دولة. نحن معنيون، لأن هناك 4 ملايين مدمن تجب معالجتهم ومتابعتهم. الزراعات البديلة لا يمكن أن تتم فقط عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بل يحتاج إلى عمل مشترك ضخم. ويمكن تصنيع جزء من المخدرات بشكل شرعي للصناعات الدوائية. ليس هناك برنامج كامل وجاهز. فالتعامل مع مساحة 220 ألف هكتار يحتاج إلى 20 سنة على الأقل. ما زلنا في مرحلة العمل الإنساني وتأمين الاحتياجات الإنسانية الأولية. وهناك تردد في الذهاب إلى الموضوع التنموي البحت، فهذا يحتاج إلى تعامل مع حكومة، ونحن نعمل ضمن قيود، ونجترح حلولاً لمشاكل آنية وطويلة الأمد ضمن نطاق ضيق جداً.
> حدثنا عن موقف «طالبان» من «داعش» و«القاعدة»...
- «طالبان» في حرب شعواء ومعركة واضحة مع «داعش»، فهم يَقتلون ويُقتلون في تلك المعارك. وبالنسبة لـ«القاعدة»، هناك إعلان واضح وصريح أن لا مجال لأن تكون أفغانستان مكاناً أو منطلقاً لعمليات إرهابية. والسلطات تراقب تطبيق هذا الكلام.
> لكن بعض الشخصيات الأساسية في حكومة «طالبان» كانت على علاقة وثيقة بـ«القاعدة»...
- لهذا السبب هناك فرق. لا احتواء ولا وجود، ولا أحد يستخدم أراضي أفغانستان.
> هل لك أن تحدثنا عن أهمية الموقع الجيو - سياسي لأفغانستان فيما يتعلق بالمرحلة المقبلة، مع صعود الصين وخروج أميركا من أفغانستان لتهتم بآسيا؟
- موقع أفغانستان هو ميزة ولعنة في آن معاً. موقعها يمكن أن يشكل فرصة لأفغانستان للنهوض اقتصادياً. موقعها يسهم في الترابط الاقتصادي الإقليمي. لا يمكن للطاقة المتوفرة في تركمانستان وأوزبكستان أن تصل إلى باكستان والهند إلا عن طريق أفغانستان؛ لذلك هي موقع استراتيجي مهم للغاية. كذلك الانتقال من الصين إلى الخليج يمر عبر أفغانستان. سكك الحديد بين المتوسط وآسيا يجب أن تمر عبر أفغانستان. الربط الكهربائي بين المراكز الغنية في الشمال والمحتاجين في الجنوب عليه أن يمر عبر أفغانستان، وهناك مشاريع متوقفة بسبب ذلك.
لا بد من الإشارة إلى أن أفغانستان لا تملك أي منفذ على البحر؛ ما يجعل من الضروري أن يكون لها إمكانية الوصول إلى منافذ بحرية لتصريف إنتاجها. لأفغانستان موقع استراتيجي لا تستطيع أي دولة أخرى أن تأخذه. وإذا حاولنا تصنيف أفغانستان بين دول آسيا الوسطى: جنوب شبه القارة الهندية، دول الشرق الأوسط، فهي ليست في أي واحدة من هذه التصنيفات، لكنها كل هذه التصنيفات في آن معاً.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1550049694285320192?s=20&t=Ui4yHKhX9euxHoHjmSUhhQ
> لو كنت قيادياً في الحزب الشيوعي الصيني في بكين في 15 أغسطس، هل كنت لتقلق؟
- كنت سأنظر إلى الأمر من زاوية: كيف يمكن لبلدي أن تستفيد من هذه التطورات؟ مستوى العلاقات مهم. في 25 من الشهر الحالي سيُعقد اجتماع في طشقند يضم 40 دولة للبحث في التعاون الإقليمي حول أفغانستان ومعها.
بغض النظر عمّن يحكم أفغانستان، موقعها لا يمكن تجاهله. لاحظنا زيادة كبيرة في تجارة الترانزيت بعد أن أصبح الوضع الأمني أفضل بكثير، وانخفضت مستويات الرشوة، وأصبح الانتقال من شمال أفغانستان إلى الجنوب أسهل.